“حماس” وسرّ المصالحة اليوم

Read Time:7 Minute, 42 Second

بكر أبو بكر

 كاتب ومفكر عربي معني بالفكر وبشؤون الجماعات الاسلاموية

شبكة المدار الإعلامية الأوربية …_ تضع التنظيمات السياسية على جدول أعمال اجتماعاتها الدورية في كافة أطرها بند الوضع السياسي الراهن لتناقش ما وصلها من الأطر القيادية الأعلى المتعلق بتطورات الوضع السياسي باتجاهاته الثلاثة الداخلي والعربي الإقليمي والعالمي، ومستعرضة مواقف التنظيم/الفصيل وقراراته السياسية للعمل على استيعابها وتمثلها والتعبئة بها.وفي كثير من الاجتماعات التنظيمية، بل والبيانات الصادرة عن التنظيم/الفصيل السياسي الفلسطيني نبدأ بجملة لا تزال تتكرر حتى الآن وهي: “أننا نمر بمرحلة صعبة أو نمر بمنعطف خطير، أو إن الأزمة كذا وكذا أو ما يشبه ذلك” حتى أصبحت هذه العبارات محفوظة وممجوجة من الأعضاء، ولكن وارتباطا بالوضع السياسي الراهن ما الجديد كمنعطف في موافقة فصيل “حماس” على المصالحة واستجابتها للشروط الثلاثة للسلطة والرئيس أبومازن؟قد يقول قائل أن المرحلة حرجة أو صعبة! أو نمر بمنعطف! فنعيده لشهر مضى أو سنة مضت فنجد نفس الحال الحرج والصعب، فماذا حصل حقا؟ لتصبح المصالحة لدى “حماس” ولدى حركة “فتح” ملحة وبرنامج عمل وربما إستراتيجية؟ في تحليل آخر قد يُرجع البعض الجواب على “لماذا الآن” لسبب داخلي أو خارجي، فدعنا نتفحص الخارجي حيث يتجه البعض للقول أن الرفض “الفيتو” المفروض على المصالحة سواء من الإقليم أو العالم قد زال؟ ونقول ربما.وقد يقول آخر أن التقاء المصالح في الإقليم دفع ثمنه الفلسطينيون دوما، فلم لا يدفعون اليوم ثمن تضارب مصالح الإقليم، فيستغلون مساحة أوسع للحراك والاتجاه نحو المصالحة ، وهذا جائز أيضا.
وقد يرجع الكثيرون السبب الملح إلى ضيق الخناق حول رقبة حُكم “حماس” بسبب الضغوط الاقتصادية والمالية في ظل متطلبات شعب، لا سيما بعد الإجراءات التي اتخذتها السلطة؟ولكن دعني أصل للمقصد هنا، وهو لِمَ اليوم؟ وما المتغيرات خاصة لدى “حماس” والتي أراها في عدة مستويات متدرجة، فمما لا شك فيه أن العوامل الداخلية والخارجية معا قد شكلت أداة موحدة للخروج من المأزق الوطني وهو بلا شك كذلك، أو تحقيق المنعطف كما دأبنا على القول .لقد حصل التغيير في “حماس” بشكل متدرج على المستوى الفكري كما حصل على المستوى التنظيمي وحصل في مستوى التحالفات، ومن هنا يمكننا أن نبدأ باعتقادي.سارت حماس طويلا بل وطويلا جدا ليس منذ الأمس وإنما منذ سنوات سارت في نفق مظلم لم تستطع الخروج منه بسهوله، وارتبط هذا النفق بطبيعة الفكر المنغلق المكتفي بذاته وهو ما تمثل بالميثاق لعام 1988، بل وقبل ذلك من إرث التنظيم الأم، ولكن هذا قد انتهى ليس في يوم وليلة وإنما عبر مسيرة طويلة من الشد والجذب بين التيارات داخل “حماس” لتصدر وثيقة “حماس” المختلفة كليا عام 2017 معلنة حقيقة المنعطف الذي ليحدث التغيير في حماس يحتاج أن يتحول -سواء هذه الوثيقة أو استهلال خالد مشعل الفلسفي الجميل- إلى مادة تثقيفية داخل التنظيم، وهو ما قد يخفف من وطأة التعبئة الداخلية الاقصائية وقد يحاصرها حصارا كبيرا.إذا حصل الانقلاب الأبيض البطيء-ومازال يحتاج الكثير- داخل “حماس” بالمضامين الفكرية والسياسية قبل خروج خالد مشعل من المكتب السياسي، وتتويجا لحوارات طويلة كما قال، لا بد أنها استوعبت سوء الإدارة لغزة والفساد بسلطتها الذي شابها من قبل “حماس”، كما استوعبت وإن متأخرا متغيرات الإقليم، وتعملق التيار الصهيوني الاستعماري، وانكسار الاسلامويين المتطرفين، وعدم قدرة فكر “الإخوان المسلمين” القطبي على النمو والعيش، إضافة لدفقات من الدعم القطري نحو هذا التغيير.تغير فكر “حماس” لا شك بذلك، ولمن يرغب أن يراجع دراستنا حول وثيقة حماس وندوتنا بالموضوع تفصيلا.في السياق التنظيمي أي في تركيبة القيادة في “حماس” أصبح الثقل في قطاع غزة، رغم امتداته للخارج، وبرز يحيى السنوار الذي يشار له أنه كان من أشد المؤيدين لانقلاب العام 2007 على غزة، ويشار لتبوء إسماعيل هنية قيادة الحركة، وما بين السيطرة على الكادر في غزة، والضيق المالي، وتنظيف الفاسدين بل وتصفيتهم كما تشير عديد المصادر، ومحاصرة الأصوات النشاز لا بد أن المسار كان يتعمق.فهل حدث انقلاب في فكر يحيى السنوار أو أداؤه أو مصالحه في مواجهة تيار الاقصاء والتشدد، وتخلى عن دعمه للانقلاب؟ مقابل أحكام السيطرة على القوات، والتي كانت وماتزال خطا أحمر حتى مع دخول الحكومة الفلسطينية إلى غزة ما يحتاج للتريث والقراءة بعمق أكثر.لا نشك أن المتغيرات التنظيمية الداخلية في فصيل “حماس” كان لها دورا هاما في اختلاف المعادلة وفي سياقها، فلطالما أشرنا للتيار المعتدل في “حماس” وأشدنا بدوره الإيجابي بالنقد والمراجعة وفي إحداث التقارب والاتجاه نحو الوحدة أو المصالحة، حيث اكتفوا كما اكتفى الغزيين وضجوا من السنوات العجاف التي لم يفد فيها ادعاءات انجازات “حماس” في القطاع في ظل حروب ثلاثة ودمار وحصار وظلام ؟
لماذا اليوم وليس بالأمس توصل الفريقان إلى تحقيق المصالحة؟ أو الدخول في تطبيق ما كان اتفق عليه عام 2011؟ في الجانب الأول تقف حركة فتح وعلى قمة هرمها وهرم السلطة الأخ أبومازن، وهي التي برأيي قدمت الكثير للمصالحة شئنا أم أبينا، إلا أن تيار الاقصاء والنبذ والرفض كان طاغيا ومعيقا فلم تنجح بتجاوز الأمر إلى أن تغيرت المعادلات الداخلية في “حماس” بعد مؤتمرها الأخير.استطاع الرئيس أبومازن أن يصمد في محطات عديدة منها محطة التقريب أو الاحتواء الذي رفضه من الرباعية العربية على حساب المصلحة الوطنية الفلسطينية، بل وصمد كما السلطة الوطنية وحركة فتح بالتيار المقاوم ضد كل الضغوطات الأمريكية التي حاولت شطب “حماس”، وحاولت أن تودع القضية الفلسطينية في أدراج النسيان، فكانت الهجمة الفلسطينية القانونية والسياسية بالمحافل الدولية منارة واضحة مكنت الأخ أبومازن من الإمساك بالأوراق بقوة.الرئيس -وحركة فتح- فهِم المعادلات الحاكمة، وتمسك بوحدة الهدف والسلطة/المرجعية والأداة، حتى بمواجهة متطلبات المصالحة من خلال الشروط الثلاثة المعروفة، فاجتاز الجسر الصعب إثر وعي للمتغيرات ورؤية لا تحتاج لإشباع يمكننا أن نرصدها في خطاباته التي طالما خاطبت العقل والعاطفة مؤكدة على الحق التاريخي والقانوني والسياسي ما لم تختلف معه أبدا وثيقة “حماس” الأخيرة، بغض النظر عن سوء إدارة نواطق “حماس” للأمر وبغض النظر عن الفحش الذي استخدم من ألفاظهم.إن التغييرات الحاصلة في الاقليم حقيقية، وعكست نفسها بلا شك. والتغيرات داخل “حماس” كان لها الدور الكبير أيضا كما الحال من الشعور بالعزلة وانفضاض الناس وتغيّر الحليف أو ضعفه، وربما التغير في طريقة النظر للشريك الوطني ما عبّر عنه هنية مؤخرا وكان قد سبقه إليه خالد مشعل.لماذا الآن يقوم إسماعيل هنيه ويحيى السنوار وقيادة “حماس” وليس بالأمس؟ أهو وعي بالمتغيرات متأخر؟ أم هو هو ضغط كبير وقعوا في سياقه؟ أم صيرورة لكل ما سبق ؟ من هنا نتحدث أن كل العوامل لها الدور في التعجيل بالمصالحة سواء السياسية والوطنية أوالمعيشية أو الإقليمية، ولا سيما دور مصر العظيم في ذلك.ولنا هنا أن نشير لثلاثة أمور قد تكون عامل التسريع أو كما يسمونها في الكيمياء العامل المساعد للتفاعل الكيميائي التي أدت لشحذ الإرادة بتحقيق المصالحة الآن وليس بالأمس أوالغد.حيث أننا نرى أن اللقاء الأمني المصري مع “حماس” قد أخذ حيزا واسعا، وكان أحد أهم عوامل اتخاذ القرار و”الحسم غير العسكري هذه المرة” في “حماس” للاستجابة للشروط الثلاثة، ومد اليد لحركة فتح.فحماس قدمت ما عليها لتحقيق الأمن المصري في سيناء، ولربما في إطار صفقة لم يعلن عنها حتى الآن فهي ضبطت الحدود مع مصر بمتانة، وحاربت المتطرفين الاسلامويين، وقد تكون سلمت قوائم بهم وحددت خط سير الأسلحة التي كانت تأتي من ليبيا، وكشف معاقل ال”جهاديين” الذين تربي عدد منهم في غزة، وهي -كما علمت- امتنعت عن مداواتهم في مستشفيات غزة، لذلك كانت الصفقة أن كوفئت “حماس” بتوقيع اتفاق مكتوب مع الطرف المصري يتيح لها أن لا تكون تنظيما ارهابيا، وأن يكون لها حرية حركة بالدخول والخروج لمصر (لأول مرة ينعقد اجتماع كامل للمكتب السياسي برئاسة هنية في مصر) مع حسن ضبط للعلاقة تفصيلا وخاصة العلاقة الأمنية هذا أولا.أما ثانيا فالمراقب الحذِر يرى في التيارات داخل “حماس” صراعا شديدا امتد على مدار سنوات عشر، وتقطاعت التيارات هذه، أو توزعت على محاور الإقليم ما بين تيار قطري تركي إلى تيار متشدد لا يزال يعتبر إرث الإخوان القطبي النموذج الأمثل، وتيار إيراني، ورغم السقطات الكبيرة التي وقعت فيها “حماس” إبان صعود الإخوان في مصر ومقاطعة النظام السوري ومحاربته ، فان المتغير الجديد هو بذور الاقتراب بين “حماس” وبين سوريا النظام، وبين “حماس” وبين إيران عبر بوابة حزب الله، فالحوارات التي دارت في لبنان مؤخرا بين هذا التيار كان لها من الأهمية ما جعل “حماس” تعمل على أن تتنمذج وفق نموذج حزب الله في لبنان! فتضمن التمويل والدعم في سياق تمثلها لتجربة بدت ناجحة، وهو الذي مكّن حسن نصر الله أن يهدد الإسرائيلي بقوة ووضوح في آخر خطاب له، ومصدر قوته هو ذاتي وخارجي إيراني، وداخلي فلسطيني حيث تحكم “حماس” حتى اليوم والغد ما تحت غزة.إن العامل المصري والاتفاق، والعامل اللبناني والنموذج لحزب الله، يتقاطع مع العامل القطري الذي يمر بمرحلة حرجة جدا نتيجة الخلاف الخليجي، فانشغالات السلطة القطرية هناك بأمورها الداخلية لم ينسها علاقاتها أبدا، ولكن غيّر لديها المعادلات والأولويات التي تقربها من محور ايران وسوريا سريعا، وهذا ما مكّن “حماس” أن تقترب أكثر الى هذا المربع،(لا سيما وتفلت قطر من الدعم المالي لغزة)، ولربما أن انشغال قطر بالوضع الداخلي الذي وصل للرأس أي للعائلة الحاكمة نفسها وتزعزع العلاقة مع الحليف الأمريكي، قد أتاح ل”حماس” حرية حركة وحرية أكبر في تحديد الأولويات (الوطنية)، هذا أن قرأنا الدور التركي منشغلا هو الآخر باستقلال كردستان كما إيران.سألت أحد الأخوة القياديين المحاورين إثر لقاء محصور وبعد انجازي هذا المقال: هل أفهم أن التغير الحاصل في “حماس” قد حصل بالاتجاه الفكري السياسي وبالاتجاه التنظيمي، وكذلك وجد له مساحة حركة واسعة في ظل تناقضات الاقليم؟ قال لي أتفق معك بالعامل الثالث بنسبة مائة بالمائة، وفي الثاني نعم كان للضغوط المالية وتعاظم أعباء السلطة وصراع المحاور أن فعل فعله لذا قال يحيى السنوار أنه سيكسر رقبة من يقف ضد المصالحة، أما التغيير الفكري السياسي فنعم لحظته، ولكنه بطيء جدا.هذه العوامل الثلاثة هي سبب السؤال باعتقادي “لماذا الآن”، وفيها الجواب، ولن نُخرج الدافع الوطني وعامل الحرص على القضية الفلسطينية، وديمومة المقاومة في مقابل السلطة من المعادلة أبدا، إلا أن القرار لم يكن سهلا، والقطار على السكة الصحيحة يسير.

المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات

Happy
Happy
0 %
Sad
Sad
0 %
Excited
Excited
0 %
Sleepy
Sleepy
0 %
Angry
Angry
0 %
Surprise
Surprise
0 %

Average Rating

5 Star
0%
4 Star
0%
3 Star
0%
2 Star
0%
1 Star
0%

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

AlphaOmega Captcha Classica  –  Enter Security Code
     
 

Previous post رئيس وزراء منغوليا الجديد ينشر لنفسه صور البطولة
Next post الولايات المتحدة تخفض تدريباتها العسكرية بسبب الأزمة الخليجية