محنة العقلاء في عصر الإعلام الرديء

Read Time:10 Minute, 40 Second

مصعب قاسم عزاوي

شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_لا بد لكل مراقب حصيف أن يشعر بذلك التراجع المريع البادي في وسائل الإعلام التقليدي، وخاصة تلك الصحفية منها، والتي أصبحت معدلات العمل الصحافي الاستقصائي فيها شبه معدومة، خاصة في ضوء اختزال دورها الإعلامي في النقل الإخباري مع بعض التزويقات التحريرية لما يرد في وكالات الأنباء العالمية، وما يتشدق به أبواق الإعلام الرسمي التابع للمؤسسة الحاكمة في الدولة التي تقع فيها تلك المؤسسة الصحفية أو تلك.
وذلك الواقع المزري على المستوى الكوني يختلف في حدته بين منطقة جغرافية وأخرى، ودولة وأخرى، دون أن يغير ذلك من مصداقيته وتحققه العياني المشخص بشكل يثير الألم والحسرة.
وقد يكون العنصر الأول الذي ساهم في ذلك التراجع هو التعضي الإعلامي على المستوى الكوني بشكل يتسق مع اشتراطات الرأسمالية الاحتكارية الوحشية المعولمة، التي قادت ومنذ تبني نهج اقتصاد السوق البربري في ثمانينات القرن المنصرم، إلى طوفان من الاندماجات بين المؤسسات الإعلامية الصغرى في جسد المؤسسات الأكبر منها، والتي تحولت بدورها إلى كيانات احتكارية أخطبوطية تحكمها شروط اقتصاد السوق الوحشي في واقع محسور أفضى إلى اندثار شبه كلياني لكل المؤسسات الصغرى التي أبت الانصياع إلى تلك الشروط، و ما على رأس قائمتها من اشتراطات الخضوع إلى قوانين الاحتكار الذي يفصح عن نفسه بتعملق الشركات العابرة للقارات التي أصبحت بمثابة الحاكم الفعلي لكل حركات وسكنات الكوكب، مُتَغَوِّلاً أيضاً على الحقل الإعلامي لإدماجه بنيوياً ووظيفياً في جسدها وإفرازاته القيحية التي ليس هناك فيها هدف يعلو على أهداف تحقيق الربح السريع بغض النظر عن أي اعتبارات أخلاقية، أو أي خسائر جانبية لا بد من حدوثها حتى لو كانت حيوات القليل أو الكثير من البشر.
وذلك الواقع القاتم تمثل عملياً بتقلص أعداد المؤسسات الإعلامية العاملة في دول الشمال الغني أساساً بشكل مضطرد، عبر ابتلاع الصغرى منها في جسد تلك الكبرى، بعد أن تعملقت، وازداد توطد وتواشج عراها مع قريناتها من الشركات العملاقة الأخرى العابرة للقارات، والتي لا بد أن تتبادل الخدمات المشتركة فيما بينها، إذ أن استمراريتها جميعاً أصبحت مقرونة باستمرارية النمط الاقتصادي العولمي، ونموذج اقتصاد السوق الوحشي الذي ينظمه ويحافظ على ديمومته.
وأسهم في زيادة تواشج المؤسسات الإعلامية في العالم الغربي في نسيج الاقتصاد العولمي وشركاته العابرة للقارات، تراجع دخول الفئات الوسطى في جل المجتمعات الغربية، التي لم ترتفع فيها أجور الطبقة العاملة بأي شكل فعلي، بعد تعديلها حسب مستوى التضخم، منذ خواتيم سبعينيات القرن المنصرم، وهو ما أدى إلى عزوفها عن الإنفاق في الاشتراك في جل منتجات تلك المؤسسات الإعلامية، كما هو الحال في الاشتراكات في الصحف التي ما فتئت تنخفض عاماً بعد الآخر في العالم الغربي. وهو الواقع الذي توازى مع زيادة اعتماد تلك المؤسسات الإعلامية- بعد أن أصبحت شركات تهدف للربح المادي المحض وفق قوانين اقتصاد السوق الوحشي- على ما تجود به شريكاتها وقريناتها من الشركات وخاصة تلك صاحبة الحل والعقد في كل مفاصل الاقتصاد والسياسة والمجتمع، وأعني هنا الشركات العابرة للقارات، من إنفاق إعلاني في صفحات ونتاج تلك المؤسسة الإعلامية، والتي لا بد لإعلاميها وكل كوادرها من فهم المسلمة البادية للعيان، وغير المعلنة صراحة، بأن استمرارية وجودهم المهني، وديمومة عوائدهم المالية التي ينفقون منها على حيوات أسرهم، مشروطة بتعزيز رضا أولئك المعلنين، وخاصة الأباطرة العمالقة منهم، وعدم المساس بأي من مصالحهم المتداخلة في كل المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، عمقاً وسطحاً، وعمودياً وأفقياً. وهو الواقع المزري الذي أنتج تصحراً مريعاً وتراجعاً مهولاً في كل أنشطة الصحافة الاستقصائية وتمترساً للعملية الإعلامية أساساً في حقول هامشية إخبارية، أو ترفيهية، أو فضائحية، أو رياضية أو غيرها بشرط ألا تقترب من الخطوط الحمراء، وتقلق راحة الفئات المهيمنة وسادتها من المعلنين في صفحاتها وفي برامجها.
وما زاد الطين بلة خلال بضعة الأعوام الأخيرة، بزوغ الشركات التقانية في حقل تقنيات المعلومات وثورة الاتصالات، وخاصة تلك العاملة منها في حيز وسائل التواصل الاجتماعي، ومحركات البحث على الشبكة العنكبوتية، والتي خلقت بمجملها واقعاً جديداً عماده تحول تلك الشركات إلى مرشحات بالقوة لا بد للغالبية العظمى من أي نتاج إعلامي أو صحفي المرور بين عراها قبل تمكن ذاك النتاج من الوصول إلى متلقي الرسالة الإعلامية في المآل الأخير. وهو ما خلق معادلة جديدة قوامها ضرورة الالتزام بكل اشتراطات تلك المؤسسات التقانية العملاقة، مهما كانت جائرة، لتفادي احتمالات خنقها لأي مؤسسة إعلامية لا تلتزم بتلك الاشتراطات، عبر منع نتاجها من التسرب من عراها ومساربها الترشيحية، والتي لا بد أن تقتضي التزاماً مضاعفاً بعدم المساس بمصالح الفئات المهيمنة، ممثلة أساساً بنفس الشركات العابرة للقارات صاحبة الحل والعقد على المستوى الكوني، إذ أن تلك الشركات التقانية السالفة الذكر أصبحت تمثل جزءاً لا يتجزأ من تكوينها وبنيانها، ورأس حربتها الثاقب لتنفيذ مخططاتها والحفاظ على مصالحها.
ووجه قطعة النقد الآخر لتوصيف تسيد الشركات التقانية العولمية وخاصة تلك المهيمنة في ميادين التواصل الاجتماعي، تمثل في تعزيز ثقافة الاستسهال والاستحصال المجاني على النتاج الإعلامي من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، مقابل السماح لتلك الشركات بالتغول والتجسس على كل خصوصيات مستخدميها، ومراكمتها، وتبويبها، وبيعها لكل من يريد التنقيب فيها، أو استخدامها لأغراض تسويقية محضة، أو أهداف أكثر خبثاً من قبيل توجيه السلوك وتغيير الميولات الفكرية والسياسية لدى البشر، وبالتالي من سوف يصوتون له في أي انتخابات محتملة، كما كان الحال في انتخابات الولايات المتحدة في العام 2016، واستفتاء بريطانيا للخروج من الاتحاد الأوروبي في العام نفسه. وهو الواقع المزري الذي أصبح جل مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي يعتبرونه من طبائع الأمور التي لا يمكن من التفكر بتغيير معادلاتها، وهو ما أسهم في زيادة تصحر التمويل للمؤسسات الإعلامية، سواء كانت كبيرة أو صغيرة على المستوى الكوني مشخصاً بانحسار الاشتراكات المدفوعة في خدماتها الإعلامية ومطبوعاتها إلى درجة مريعة خلال السنوات الأخيرة، سوى ذلك الذي يتم عبر استرضاء الشركات الكبرى صاحبة الحل والعقد، والذي يتدرك في كثير من الأحيان إلى استرزاق رخيص وذليل جهاراً نهاراً كما هو الحال الذي أصبح مقبولاً ومعتاداً حينما ترى مقالات رأي في صحف عالمية مرموقة مثل الغارديان، الإندبندنت البريطانيتين، برعاية من شركات كبرى، ودون تحرج بأن يكون مقال الرأي والوارد الرقيع فيه تسويقاً رخيصاً، واستدراراً ارتزاقياً لما يجود به أولئك الرعاة من عطاء لهذه الصحيفة أو تلك. وذلك الواقع الراهن أفرز تراجعاً مهولاً في كل الجهود الصحفية الاستقصائية حتى في كبريات الصحف العالمية الباقية، والتي قد يستقيم توصيف همها الأول الوجودي وفق اشتراطات الواقع القائم بالحفاظ على ديمومة تلك الرعايات المالية التي تتمظهر عبر كتابة مقالات رأي رخيصة تتسق مع إرادات وتوجهات الراعين أولئك، والذين ينتمي جلهم إلى لفيف المجمعات الصناعية العسكرية الثقافية المعولمة صاحبة الحل والعقد على المستوى الكوني بالشكل الذي عرجنا عليه آنفاً.
وعلى مستوى العالم المنهوب المفقر، أو ما يشاع تسميته بالعالم النامي، فإن الواقع البائس لتغول اقتصاد السوق الوحشي العولمي وشركاته العابرة للقارات على الحيز الإعلامي، يتخذ شكلاً أقرب إلى الكوميديا السوداء بعد تشريبه بواقع الاستبداد والطغيان الشامل عمقاً ومسطحاً، وما يستتبعه من طقوس لا بد منها للدول الأمنية ورموزها الطوطميين، والذين هم في الواقع نواطير مكلفون بشؤون حفظ مصالح أولياء نعمتهم من الشركات العابرة للقارات نفسها، صاحبة الحل والعقد على المستوى الكوني، بقوة مفاعيل دولهم الأمنية للإبقاء على المجتمعات المستأسدة عليها مورداً شبه مجاني للموارد الأولية، وسوقاً مفتوحة ومشرعة لتصريف نتاج تلك الشركات العابرة للقارات نفسها دون رقيب أو حسيب أو ضرائب ذات معنى، ومورداً لليد العاملة الرخيصة التي لا حول لها ولا قوة سوى بالقبول بأي شروط عمل للبقاء على قيد الحياة في مجتمعات يعتبر فيها الدفاع عن حقوق الشغيلة، والمطالبة بتحسين ظروف عملهم من الموبقات والخطايا الكبرى التي لا بد أن تستدعي وفق دليل عمل «الدول الأمنية» كل أشكال الويل والثبور وعظائم الأمور.
وبشكل أكثر تبئيراً على واقع العالم العربي، فإن هناك عملية تحول شاملة أفضت إلى اعتبار الهدف الأسمى وشبه الأوحد للمؤسسات الإعلامية التقليدية بكل أشكالها المرئية، والمسموعة، والمقروءة، متمثلاً في تأبيد الاستبداد ورموزه، وآليات هيمنته على المجتمعات وحيوات أبنائها، ومحاولة تزويقه وترقيعه عبر تبني نموذج متهافت من الخطاب الإعلامي الدعائي المبتذل، الذي لما يتجاوز بعد مستوى تقنيات الدعاية السوداء «البروباغندا» بالشكل الذي اختطه الداعية النازي جوزيف غوبلز وزير إعلام نظامه إبان الحرب العالمية الثانية.
والواقع المأساوي عربياً في الميدان الإعلامي التقليدي يفصح عن نفسه بغياب أي دور فعلي للصحافة والعمل الإعلامي في كشف عيوب وعوار النظم الحاكمة، وفساد وإفساد رموزها وطغمها الأمنية، وهو ما تم بشكل شبه كلياني من خلال استيلاء المؤسسات الأمنية العربية على الغالبية المطلقة من المنافذ الإعلامية التي يقع المشتغلون فيها ضمن الفضاء الجغرافي الذي تهيمن عليه أساساً، لتحويلها أبواقاً إعلامية تسبح بحمد إنجازاتهم، مع بعض التورية التي لا بد منها عبر أخبار ملتقطة من هنا وهناك محلياً وعربياً وعالمياً، ومقالات رأي خلبية، لا بد لكاتبها من إخفاء الشمس بإصبعه، سواء لأغراض انتهازية، أو واقعية ترتبط بالحفاظ على حياته ومورد رزقه، و لا بد فيها حتماً من عدم وضع الإصبع على الجرح الأساسي في المجتمع الذي يعيش فيه، و إرجائه إلى أسه وأساسه في واقع الاستبداد ومفاعيل الدولة الأمنية، عبر إحالته إلى فساد بيدق صغير هنا أو هناك، أو حتى «مؤامرة كونية» على نظام «التحديث والتطوير» أو «الممانعة والمقاومة» أو «الاستقرار والسلم الأهلي»، و هو النظام الذي لا بد لذاك الكاتب من التسبيح بحمده بكرة وعشياً وتلميحاً وتصريحاً في كل ما يخطه على السطور و ما بينها.
وهو الواقع المزري الذي ما فتئ يتغول حتى على المؤسسات الإعلامية العربية التي تم تأسيسها في دول الاغتراب، وخاصة في بريطانيا، في محاولة الالتجاء إلى حرية التعبير النسبية المتعارف عليها في العالم الغربي، ما دامت لا تمس جوهر وآليات عمل مجتمعاته الداخلية، ولا تقترب من كشف عوراه وآليات وحبائل هيمنة الأقوياء على الضعفاء فيه، والتي لا بد من إبقائها مواربة ومخاتلة، ويصعب على العامة الالتفات إلى حقيقتها. إذ ألفت المؤسسات العربية في دول الاغتراب لقمة لا بد من التهامها من قبل قوى الاستبداد العربية كل على حسب قدرته المادية، وعزمه على توطيد هيمنته، بموافقة وقبول القائمين على تلك المؤسسات الإعلامية التي لا بد لها من الاتكاء على نموذج رعائي ما يضمن استمراريتها، وديمومة جريان رواتب الموظفين فيها، بعد أن تراجعت معدلات الاشتراك في مطبوعاتها ونتاجاتها الإعلامية إلى درجة شبه صفرية، بمفاعيل سقوط أرهاط كبيرة من الفئات الوسطى على المستوى الكوني إلى قعر الإفقار، وعقابيل إفرازات العولمة وثورة اتصالاتها التي جعلت من المقايضة بين المعلومة المجانية وخصوصيات المستخدم الحالة العرفية في حيز الحصول على المعرفة والخبر والتحليل بشكل تتحول فيه خصوصيات المستخدم إلى العملة التي يقوم بسدادها مقابل الحصول على ذاك النتاج. وهو ما ترك تلك المؤسسات الإعلامية العربية في دول المهجر مشرعة لمن يدفع أكثر للاستيلاء عليها من النظم الاستبدادية العربية ليضمها إلى لفيف الأبواق الإعلامية المحلية التي يهيمن عليها، للانخراط في واجب تلك الأخيرة المقدسة والمتمثل بعدم الاقتراب من أس وجوهر معاناة المواطنين المقهورين المحسورين في السجن الكبير الذي يمتد من امتداد خارطة العالم العربي من المحيط إلى الخليج، وعدم المساس بأي من مفاعيل الاستبداد والطغيان والفساد والإفساد الهمجي على الطريقة العربية، إلا إذا كان ذلك متفقاً مع مصالح الراعي الذي فاز بجائزة المزايدة على الاستحواذ على تلك المؤسسة الإعلامية العربية المهجرية، وأهدافه التكتيكية في حروبه البينية مع أشقائه الأقربين من النظم العربية الفاسدة الأخرى.
وهو واقع مخزي ومحزن آلت إليه حتى الصحافة العربية المهجرية، كان من نتيجته تضيق أفق ما يمكن أن يتسرب إلى صفحاتها إخبارياً وتحليلاً، واستقصاءً، حتى أصبح في الكثير من الأحوال خيار «خطاب الوما» الذي اختطه المفكر الراحل طيب تيزيني، والمتمثل بالتلميح الحاذق لقارئ لبيب، دون التصريح المعلن بما يوحي إليه الكاتب بين السطور، محرماً وفق مفاعيل تحول الصحافة العربية المهجرية إلى جزء عضوي من آلة التسبيح بحمد الاستبداد وآليات عمل الدول الأمنية عبر الحفاظ على عدم الاقتراب من حياضها كثيراً أو قليلاً لكشف عوارها وبؤسها ووحشية فسادها ومفسديها.
وهنا لا بد للقارئ المكرم من التساؤل المنطقي الذي لا بد منه عما يمكن عمله سوى القعود والقنوط والاستسلام الخانع للأمر الواقع بعجره وبجره. والإجابة على ذلك لا بد أن تنطلق دائماً وبشكل منهجي من المبدأ الذي اختطه المفكر أنطونيو غرامشي، ولا بد أنه صالح في كل الأحايين المستعصية، والقائل بـ «تشاؤم العقل وتفاؤل الإرادة»؛ بالتوازي مع اليقين المطلق بأن ليس هناك حلولاً سحرية، ووصفات جاهزة يمكن تطبيقها في الشأن الاجتماعي، وخاصة في حالات معقدة، من قبيل واقع الاستبداد وتمترس الفساد والإفساد بأشكالهما المتعفنة البربرية على طريقة الدول العربية الأمنية، وأن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة، وهي الرحلة التي قد لا يتاح لمن يسري في دربها إدراك خواتيمها قبل رحيله عن وجه البسيطة، وأن الجهود الصغيرة مهما كانت بسيطة في فحواها، ومجهرية في حجمها، لا بد أن تؤتي أُكلها ولو بعد حين، وإن طال انتظاره، فتلك هي سنة التاريخ، لمن لم تتسرب حقائق التاريخ من شقوق ذاكرته، والتي أحد أوليات الاستبداد وطغاته تأبيد انثقابها، وعدم تمكنها من استخلاص النتائج والعبر التي لا بد أن تفضي إليها قراءة ومراجعة حركة التاريخ السالف بشكل عقلاني متجرد عن هول ورعب التفكير ورأس المواطن المستعبد رابض تحت البسطار الأمني للنظم الاستبدادية العربية على اختلاف تلاوينها وأشكالها الإخراجية التزويقية التي لا تغير من جوهرها المتقيح القبيح شيئاً.
وبشكل أكثر عملياتية وواقعية، قد يستقيم اعتبار واجب دعم البقية الباقية من مؤسسات الإعلام والعمل الصحفي البديل والمستقل شخوصاً وكيانات اعتبارية، والتي يشرف عليها في غالب الأحيان شخوص متطوعون، وبقدرات ذاتية محدودة، تعاوض قلة حيلتها بالصبر والمصابرة والاجتهاد والتضحية، أسمى واجبات العقلاء في معمعة زمننا الرديء؛ وهو الدعم الذي لا بد أن يتخذ ويفصح عن نفسه بكل الممكنات حسب قدرة وطاقة كل مؤمن بضرورة عدم القبول بالواقع البائس المعاش، وإقناع الذات قسراً بأن خيارها الوحيد هو بالتقهقر والنكوص، والتحول إلى «ساكت مزمن عن الحق»، وإيهام العقل بأن منجاه الوحيد هو في السعي لما قد يمكن إدراكه في حياة أخروية تخيلية لغرض إشاحة بصر الذات العاقلة عن واجبها اللازم والضروري في واقعها المعاش والملموس على جلدها ألماً وقهراً بكل الأشكال والتلاوين، والذي ليس هناك من سبيل لتغييره سوى بالتعاضد مع البقية الباقية من الصامدين السابحين ضد التيار، والتآزر معهم في خنادقهم، والصبر والمصابرة والاجتهاد والمساهمة الجمعية معهم بكل الممكنات مهما كانت بسيطة ومحدودة في كمها أو كيفها.

الحوار المتمدن

Happy
Happy
0 %
Sad
Sad
0 %
Excited
Excited
0 %
Sleepy
Sleepy
0 %
Angry
Angry
0 %
Surprise
Surprise
0 %

Average Rating

5 Star
0%
4 Star
0%
3 Star
0%
2 Star
0%
1 Star
0%

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

AlphaOmega Captcha Classica  –  Enter Security Code
     
 

Previous post تحديد حصص الصيادين الأوروبيين بعد البريكست
Next post الإرهاب يعود من جديد وسياسيو الكتل نائمون!!