عن فوضى الكنيست الإسرائيلي

Read Time:7 Minute, 6 Second

محمد سليمان

شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_لا يخفى على أحد صوت فوضى الكنيست  وأثرها على الساحة السياسية في الداخل الفلسطيني، إذ أفضت الخلافات الداخلية في القائمة المشتركة بين القائمة العربية الموحدة (الحركة الإسلامية – الشق الجنوبي) وباقي مكونات القائمة (الجبهة، التجمع والعربية للتغيير) إلى فشل تركيب القائمة لخوض انتخابات الكنيست الرابعة والعشرين في اجتماع يوم الأربعاء – 27.01.2021 – في مدينة شفا عمرو. 

ظهرت الخلافات في القائمة المشتركة خلال الدورة الأخيرة للكنيست، عندما قام ممثلو الإسلامية بالتنسيق مع مكتب نتنياهو وطرح خطاب سياسي بديل، عنونَ “لسنا في جيب أحد”. قاد تلك المبادرة رئيس القائمة العربية الموحدة، الدكتور منصور عباس، وعرض مسلكاً سياسياً يشرع الأبواب أمام التعاون مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو مقابل حلول عملية للأزمات الخانقة في المجتمع العربي. تصدر ملف مكافحة العنف سلم المطالب، حيث ترأس عباس لجنة مكافحة العنف في الكنيست وكانت أبرز جلساتها في التاسع من نوفمبر الماضي (2020) والتي حضرها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مشاركاً عن طريق تطبيق زووم، وكل من رئيس الكنيست ياريف ليفين، ووزير الأمن الداخلي أمير أوحنا. 

يمكن اعتبار تلك الجلسة نقطة محورية في علاقة أحزاب المشتركة مع القائمة العربية الموحدة، وأول صدام علني، حيث حضرت أحزاب القائمة مشتركة على مضض، بسبب عدم تنسيق عباس مع باقي مكونات القائمة حول حضور نتنياهو إلى الجلسة. وحدث تلاسن أثناء الجلسة بين نواب القائمة المشتركة، بسبب تصريح عباس وثنائه على عمل الشرطة.

عارضت أحزاب “المشتركة” نهج عباس، وثارت موجة من الانتقادات والحملات الإعلامية للطرح الذي يقدمه، خاصة بعد تصريحات عباس مطلع نوفمبر 2020 حول عدم استبعاده إمكانية دعم القانون الفرنسي الذي يحمي نتنياهو من المحاكمة ما دام في منصبه، وقد برر ذلك بأن موقفه سيكون بناءً على المصلحة العامة ومصلحة المجتمع العربي. 

دوافع منصور عباس

مسعى منصور عباس جاء بعد فشل التعويل علىبيني غانتس  ، الذي ضيّع فرصتين على التوالي لتشكيل الحكومة واستبدال حكومة بنيامين نتنياهو بعد توصية القائمة المشتركة عليه أمام رئيس الدولة في انتخابات سبتمبر 2019 بعشرة أعضاء والتي رفض حينها التجمع الوطني الديمقراطي المشاركة في التوصية عليه، وانتخابات مارس 2020 والتي حاز على توصية كل أعضاء القائمة المشتركة الخمسة عشر بما فيهم أعضاء حزب التجمع الوطني الديمقراطي.

بعد تحالف غانتس مع نتنياهو، واستحالة تشكيله للحكومة أقدم عباس على خطوته الجريئة، والتي أثارت جدلاً سياسياً عميقاً في الداخل الفلسطيني. ستكون للانتخابات في الثالث والعشرين من مارس الجاري أهمية داخلية في العمل السياسي الفلسطيني في الداخل، ستمثل الانتخابات استفتاءً ميدانياً على نهج عباس مقابل نهج الجبهة وشركائها (كما يطلقون نشطاء الحركة الإسلامية الجنوبية على تحالف ثلاثي القائمة المشتركة)، بالذات وأن القائمة الموحدة تخوض هذه الانتخابات وحيدة.

مساءلة جدوى الكنيست

ما قام به عباس حقيقة يندرج تحت مساءلة موضوعية لقضية مشاركة الأحزاب العربية في انتخابات الكنيست، فما جدوى وجود التمثيل العربي “على دكة الاحتياط” بتعبيره، وعدم مشاركته وتأثيره على العملية السياسية الإسرائيلية من خلال التمثيل البرلماني. صار من المفهوم ضمناً أن الأحزاب العربية محسوبة على المعارضة، وعلى ما يسمى اليسار الإسرائيلي، ولا يتعدى الوجود العربي في الكنيست أكثر من تمثيل شكلي، يُعبّر عنه بخطابات شعبوية لا طائلة منها، ولا تحقق أية مكاسب للمجتمع العربي. 

بهذا نفهم من خطاب عباس أن الوجود العربي في الكنيست حتى الآن لم يخدم مجتمعنا، ومسعاه جاء ليغير تلك المعادلة. لكنه في ذات الوقت يضع نفسه، ويضع التمثيل العربي في الكنيست أمام امتحان نهائي وصريح، ففي المحصلة فشل النهج الذي يقدمه -في التعويل على حكومة نتنياهو- سيكون بمثابة رصاصة أخيرة في نقاش جدوى المشاركة في الكنيست الإسرائيلي. 

السياق، الثمن والمآلات

جاءت تحركات القائمة الموحدة في ظل ركود سياسي للتمثيل العربي في الكنيست ، وبالتزامن مع تصاعد وتيرة ملفات حارقة في المجتمع العربي، تتطلب تدخلاً حكومياً فورياً. النظر المجرد من السياق السياسي إلى التكتيكات السياسية التي قادها عباس تبدو مجدية وحيوية، لكن السياق من يحكم على الفعل ومقصده. 

إن التوجه الذي يُعنى بتغيير سياسات الحكومة تجاه المجتمع العربي، بادرة لتغيير نظرة الأغلبية إلى الأقلية، من خلال طرح خطاب جديد وفتح قنوات تواصل مع رئاسة الحكومة هو اختزال للقضية، أقرب إلى تحويل نضال المجتمع الفلسطيني في مواجهة مشروع استعمار استيطاني إلى نقاش حقوق أقليات مهاجرة. 

لا يمكن نقاش ملف العنف في الداخل الفلسطيني بمنأى عن سياسات الحكومة الإسرائيلية، والتساؤل عن سلب الاعتراف بالقرى البدوية بالنقب وحملات الهدم المتواصلة ضدها، وعن تضييق مسطحات البلدات العربية وتهويد الجليل وفكرة ترحيل المثلث والسياسات العنصرية، وقانون القومية وصفقة القرن إلا من خلال فهم سياق السياسات الاستعمارية، التي لا تتبدل بتكثيف الظهور على القنوات العبرية والتواصل مع مكتب رئيس الحكومة. 

في كل علاقة هنالك دأب إلى تحصيل قيمة مرجوة، في مقابل دفع ثمن معين، وتكون المحصلة معادلات بين الربح والخسارة. في تصريح مشهور لعباس على القناة العربية الثانية عشرة قال فيه إنه على دراية بأن نتنياهو يحاول استغلاله، وأنه هو يحاول بالمثل – استغلال نتنياهو وحكومته. السؤال الأهم في هذه العلاقة، هل فعلاً يمكن استغلال نتنياهو؟ ثعلب السياسة الإسرائيلية والمسؤول عن أكثر السياسيات العنصرية التي يعيشها المجتمع العربي في الداخل الفلسطيني، السياسي الأهم في آخر 30 عاماً داخل إسرائيل. في تعقيبه على هذا المنطق يقول النائب أيمن عودة في مقابلة على تلفزيون مساواة: إن النتيجة خمسة صفر لنتنياهو، ويضيف قائلاً: “نتنياهو ضحك على تسيبي ليفني وعلى باراك وعلى موفاز وعلى أشكنازي وعلى غانتس وعلى أوباما كمان”، وإنه لعب بعقل منصور عباس وأدى ذلك إلى تفسيخ القائمة المشتركة.

أما عن المآلات، فيمكن رصد جملة منها على أكثر من صعيد. إضعاف القائمة المشتركة وإحداث شرخ فيها، بهدف تقليل عدد مقاعد العرب في الكنيست القادمة. إدارة حملة انتخابية غير مسبوقة في المجتمع العربي، واستخدام شعارات ولافتات دعائية من قبيل “كلنا معك أبو يائير”، زيارة أم الفحم والناصرة للإشراف على عملية تطعيمات كورونا والاحتفاء بمنجزاته. وآخرها كانت في مقابلة لنتنياهو على القناة الثانية عشرة مع يونيت ليفي، عندما سألته عن علاقته مع منصور عباس فأجاب بأنه منافس له على الأصوات العربية.

هل من تيار جديد؟ 

باعتقادي يمكن الحديث مطولاً عن نهج منصور عباس الجديد، أو الجريء لكن لا أرى مكانة لتضخيم النقاش وجعله وكأن عباس يخلق تياراً جديداً في العمل السياسي في الداخل الفلسطيني. لكن ضريبة الكنيست، وصوت الانتخابات العالي يرغمنا مضطرين إلى دحض هذه الادعاءات. 

أستحضر هنا مقالة سابقة كتبتها العام الماضي، عن قصور الكنيست وقلت فيها إن هنالك تياران سياسيان في الداخل الفلسطيني، الأول متمثل بسياسة الحزب الشيوعي الإسرائيلي. والثاني -أو ما أبقت إسرائيل منه- متمثل بالتيار الوطني. 

يمكن تأطير نهج القائمة الموحدة ضمن تيار الحزب الشيوعي، والذي يؤمن بالعمل السياسي والاندماج وتحصيل الحقوق من خلال المنظومة الإسرائيلية. فكل نقاش المشتركة مع القائمة الموحدة هو ضمن النطاق الإسرائيلي، بين اليسار واليمين، المعارضة والائتلاف. 

من هنا لا بد من طرح سؤال مشروع: ماذا عن التيار الوطني؟ وقبل ذلك، لماذا تتصدر الجبهة الحملة ضد منصور عباس ونهجه؟

صراع على المكانة

إذا كان النشاط السياسي للقائمة الموحدة ضمن المستوى ذاته للجبهة والحزب الشيوعي، فمن المؤكد أن الصراع الدائر بينهم ليس على النهج. إلا إذا كانت قيادة الجبهة ترى فرقاً جوهرياً في التوصية على بيني غانتس والحشد لذلك، وبين طرح توجه للتعاون مع بنيامين نتنياهو. 

معارضة الجبهة القاسية لعباس، وقيادتها لحملة واسعة ضده هي بدافع الصراع على المكانة. لقد تعودت الجبهة أن تقود المشتركة، وتترأس القائمة وأن تبادر هي لخطوات جريئة. فالذي تغير مع رئيس القائمة الموحدة أنه حاول مزاحمة الجبهة على القرار، وعلى المبادرة وطرح الجديد.

غياب التيار الوطني

 لا شك أن التيار الوطني في الداخل الفلسطيني يمر في مرحلة تاريخية صعبة، شكّل حظر الحركة الإسلامية الشمالية في نوفمبر عام 2015 ضربة قاسية للعمل الوطني، أضف إلى ذلك السياسات الإسرائيلية الخانقة للتجمع الوطني الديمقراطي، وتحجيم الخطاب الوطني من خلال سطوة المشتركة على المشهد السياسي الفلسطيني، وتقزيم دور التجمع داخل المشتركة، بجرّه للتوصية على بيني غانتس في الانتخابات السابقة، وبزجّه في صراع الإسلامية الجنوبية والجبهة، حول نقاش التموضع داخل السياق السياسي الإسرائيلي. 

تُعذر قيادات الحركة الإسلامية الشمالية على قلة الحيلة، بسبب حظرها وإخراجها عن القانون، وملاحقة كل ما نشاط قد يرتبط بها، ويقضي رئيسها الشيخ رائد صلاح في السجون. بينما هنالك شعور بأن التجمع الوطني الديمقراطي استسلم للواقع، وتنازل عن صوته داخل المشتركة. 

وهنا أسوق تصريح أمين عام الجبهة ووكيل القائمة المشتركة منصور دهامشة، في لقاء مع الإعلامي فراس خطيب على راديو الناس، حيث يسأله خطيب عن سبب تغير العلاقة مع التجمع، بعد حرب ضروس (على مدار سنوات سابقة)، يعزي دهامشة تحسن العلاقة مع التجمع إلى تغير التوجه السياسي السابق للتجمع، وأن توجه التجمع يختلف اليوم يختلف عما كان عليه منذ تأسيسه، بحيث أصبح أكثر واقعية. لا شك أن هذا ترميز لغياب د. عزمي بشارة عن التجمع، خاصة أن الجبهة لها مواقف عدائية تجاه بشارة. بالإضافة إلى غياب قيادات بارزة ذات صوت وطني عال أمثال أمين عام حزب التجمع الوطني الديمقراطي الأسبق عوض عبدالفتاح، الذي تنحى عن المشهد السياسي واشتغل في مبادرة حملة الدولة الديمقراطية الواحدة وله وقفات ومراجعات على المشاركة في الكنيست. 

مثل هذه التصريحات كانت لتحدث صدى واسعًا، لكن فوضى الكنيست تطغى على أمور كثيرة، وتغيّب أخرى، وتبقى الأسئلة مشروعة في ظل غياب مشروع سياسي جامع في الداخل الفلسطيني، وتوجيه كل الطاقات في انتخابات الكنيست.

عربي بوست

Happy
Happy
0 %
Sad
Sad
0 %
Excited
Excited
0 %
Sleepy
Sleepy
0 %
Angry
Angry
0 %
Surprise
Surprise
0 %

Average Rating

5 Star
0%
4 Star
0%
3 Star
0%
2 Star
0%
1 Star
0%

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

AlphaOmega Captcha Classica  –  Enter Security Code
     
 

Previous post ميزانية خاصة في بلجيكا للأرضيات الصلبة
Next post لبنان بين نصرالله وحراك جنبلاط و الحريري