دعم التقدم الأساسي بل المحفوف بالمخاطر في السودان

Read Time:8 Minute, 51 Second

ألبرتو فرنانديز

شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_منذ أن واجهت السودان اضطرابات كبيرة ومطالب بالتغيير في عام 2019، حققت البلاد مكاسب حقيقية في انتقالها السياسي، لكنها بحاجة إلى مساعدة أمريكية جادة لدفع العملية الهشة بصورة آمنة.

في 29 حزيران/يونيو، وافق المجلسان التنفيذيان لـ “صندوق النقد الدولي” و”المؤسسة الدولية للتنمية” التابعة لـ”البنك الدولي” على أهلية السودان للتخفيف من الديون بموجب “مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون” (“الهيبك”). وفي إعلانه عن القرار، أشاد “صندوق النقد الدولي” بالإصلاحات والجهود الحثيثة الأخرى التي بذلتها الحكومة السودانية المؤقتة لتلبية المتطلبات للحصول على هذا الإعفاء، ولا سيما خلال جائحة فيروس “كورونا”.

وظاهرياً، كانت هذه الأخبار مذهلة ومُشجعة في الوقت نفسه. وإذا تمّ تنفيذ هذا القرار بالكامل في غضون السنوات الثلاث المقبلة، فستؤدي هذه الخطوة إلى تخفيض الديون الدولية للسودان بنحو 90 في المائة، أي من حوالي 56 مليار دولار إلى 6 مليارات – أو من 163 في المائة من “الناتج المحلي الإجمالي” للبلاد إلى 14 في المائة. وسيتم منح ما يقرب من نصف هذا الإعفاء على الفور. ومن خلال تسديد متأخراتها المستحقة لـ “صندوق النقد الدولي” ودائنين آخرين، تصبح الخرطوم مستعدة لاعتماد ترتيبات تمويلية جديدة من شأنها تعزيز شبكة الأمان الاجتماعي في البلاد، وتحسين المحصلة النهائية للحكومة (بشكل أساسي عن طريق تعزيز جمع الضرائب وخفض الإعانات)، ودعم القطاع المالي، وزيادة الحوكمة الرشيدة والشفافية بشكل عام.

مؤشرات واعدة

إن الإعلان عن تخفيف الديون يعكس، إلى حد ما، قسماً كبيراً مما كان يتعين على الحكومة المؤقتة لرئيس الوزراء عبدالله حمدوك القيام به منذ وصولها إلى السلطة في عام 2019. وتماماً كما كان لا بد من تسديد متأخرات “صندوق النقد الدولي” للحصول على مصادر تمويل جديدة، سعى المسؤولون جاهدين أيضاً للتخلص من “العراقيل” السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية التي تراكمت خلال ثلاثة عقود من الحكم الإسلامي الوحشي وغير الكفؤ في عهد عمر البشير.

وبالفعل، أحرز السودان تقدماً حقيقياً في عهد حكومة حمدوك و”مجلس السيادة”، وهو هيئة بقيادة عسكرية يضم أعضاؤها الأربعة عشر خمسة جنرالات. وكان قرار إدارة ترامب في تشرين الأول/أكتوبر 2020 بشطب السودان عن قائمة “الدول الراعية للإرهاب” بعد سبعة وعشرين عاماً على إدراجه على هذه اللائحة قد حفز الجهود المبذولة لإعادة دمج البلاد في النظام الاقتصادي العالمي، في خطوة تمت بالتزامن مع خطوات الخرطوم لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل.

كما ألغت الحكومة القوانين التي كانت سائدة في عهد البشير والتي تُعاقب النساء، وتجيز الجلد كعقوبة قانونية، وتجرّم الارتداد عن الدين. ويتم الآن مراعاة حرية الصحافة والحق في التظاهر السلمي على نطاق واسع، وقد أكّدت السلطات التزامها باحترام التنوع وحرية المعتقد الديني.

بالإضافة إلى ذلك، أوقفت الحكومة قصف المناطق المدنية في المنطقة المضطربة “جبل مَرة”، واختتمت مفاوضات سلام ناجحة مع معظم الجماعات المتمردة قي البلاد، مما أدى إلى حد كبير إلى إنهاء حركات التمرد المنخفضة الدرجة التي ابتليت به السودان لعقود من الزمن. واليوم، أصبح الزعيم السابق للمتمردين، ميني ميناوي، حاكم منطقة دارفور. كما أصبح المتمرد السابق الآخر جبريل ابراهيم، الذي قُتل شقيقه على يد نظام البشير، وزيراً للمالية في حكومة حمدوك. وبالمثل، كان ثلاثة من الأعضاء المعيّنين في “مجلس السيادة” في شباط/فبراير الأخير عناصر في جماعات متمردة سابقاً. وأصبح الآن التوصل إلى سلام نهائي في المناطق الساخنة مثل “جبال النوبة” و “النيل الأزرق” أقرب من أي وقت مضى. وعموماً، يبدو أن المحاورين الغربيين معجبون ومتفائلون بشأن التقدم المحرز بعد عقود من سوء النوايا التي أظهرتها الخرطوم.

التحديات المتبقية

مع ذلك، لا يزال شبح التهديدات يخيّم على الوضع الانتقالي الهش الذي يعيشه السودان حالياً. ولا يُترجم النجاح المُحقَّق مع “صندوق النقد الدولي” بحدّ ذاته إلى مساعدة إضافية، إذ حظي بتقدير في العواصم الغربية أكثر مما حصل عليه في شوارع الخرطوم المتربة. ويكمن الهدف في ضمان استدامة مستوى الدَيْن في البلاد وجدول إعادة تسديده، ولكن سيتعين على الحكومة معرفة كيفية إقامة توازن بين جمع الضرائب وإلغاء الإعانات من جهة وحماية الفقراء من جهة أخرى. ووفقاً للبيانات التي أبلغ عنها “البنك الأفريقي للتنمية”، بلغ معدل الفقر 36 في المائة في عام 2018 (وهي الإحصاءات المتاحة الأكثر موثوقية)، في حين رجّحت تقديرات أخرى أن النسبة أعلى من ذلك. ومن المتوقع أن ينخفض معدل التضخم خلال العام المقبل، لكنه يُعد حالياً من بين الأسوأ في العالم. ومن المفترض أن يساعد برنامج “البنك الدولي” الذي تبلغ قيمته 400 مليون دولار ويهدف إلى توفير تحويلات نقدية إلى الأسر السودانية المتضررة من الإصلاحات الاقتصادية وغيرها من الصدمات قصيرة الأمد [إلى تخفيف العبء عن هذه الأُسر]، لكنه لم يدخل حيز التنفيذ إلّا منذ كانون الأول/ديسمبر.

وفي حين تدير الحكومة هذه الأزمة المتشابكة، يبدو أنها عالقة بين نار معسكرين، حيث يضم المعسكر الأول أولئك الذين يؤمنون بأن التغيير يحدث ببطء شديد، بينما يضم المعسكر الثاني أولئك الذين يريدون عكس التغييرات التي جرت أساساً. وتشعر عناصر المجتمع المدني بالإحباط من بطء وتيرة الإصلاح وانتقدت اللجنة المسؤولة عن تفكيك مخلفات “دولة الحزب الواحد” التي سادت في عهد البشير، مما دفع بحمدوك إلى القيام مؤخراً بزيارة شخصية [للقاء أعضاء] اللجنة تعبيراً عن دعمه لعملها. وفي الوقت نفسه، دأبت العناصر المرتبطة بنظام البشير أو المتعاطفة معه على إدانة الحكومة باستمرار. وتشنّ تركيا وقطر، المتحالفتان إيديولوجياً مع البشير، حملة دعائية يومية عبر قنوات التلفزيون الفضائية ضد حمدوك والقيادة العسكرية. ويبدو أن قناة “الجزيرة” القطرية عازمة على الإطاحة بالقيادة السودانية، ليس فقط بسبب الشكاوى الماضية ولكن أيضاً بسبب روابط الخرطوم الحالية مع إسرائيل والإمارات.

وعلى الصعيد الأمني، تمّ الحدّ من الحروب الداخلية إلّا أن أعمال اللصوصية والعنف العرقي ما زالت قائمة. بالإضافة إلى ذلك، يُشتبه بأن عناصر من النظام السابق، لا سيما أولئك المرتبطين بالجهاز النافذ الذي ترأّسه فيما مضى رئيس “جهاز الأمن والمخابرات الوطني” صلاح قوش، الذي يختبئ حالياً في مصر على ما يبدو، يخططون لمؤامرات كبيرة.

أما بالنسبة للسخط الشعبي، فقد تم اعتقال المئات في وقت سابق من هذا العام بسبب قيامهم بالترويج لأسابيع من الاحتجاجات ضد ارتفاع أسعار المواد الغذائية. كما أن التضخم المتفشي جعل أسعار الوقود والأدوية قليلة التحمل أيضاً – وهذا الواقع مقلق بالنظر إلى أن ارتفاع الأسعار كان الدافع القريب لإشعال الاضطرابات التي أدت إلى الإطاحة بالبشير. ولكن كان هناك محرّضون متهكمون يقفون وراء المتظاهرين المخلصين، مثل نائب الرئيس السابق لعمر البشير، حسبو عبد الرحمن، الذي يعدّ من أسوأ الشخصيات ضمن نظام كان يعج بالجهات الفاعلة السيئة. على سبيل المثال، عندما كان مسؤولاً خلال حقبة البشير عن اللجنة التي أشرفت على المنظمات الإنسانية غير الحكومية الأجنبية، بذل كل ما بوسعه لجعل عملها أكثر صعوبة ولمفاقمة معاناة السودانيين المشردين. ولاحقاً، وفقاً لتقرير صادر عن منظمة “هيومن رايتس ووتش” لعام 2015، شجّع على الإبادة الجماعية التي حصلت في منطقة “جبل مرة” الخاضعة لسيطرة المتمردين؛ وأفادت بعض التقارير أنه صرح في أحد خطاباته أمام مجموعة كبيرة من الجنود: “لا نريد أن يبقى أي شخص هناك على قيد الحياة، وحثهم على “قتل أي ذَكَر [جميع الرجال]…لتطهير المنطقة من الحشرات”.

توصيات في مجال السياسة العامة

على الصعيد الدولي، ولا سيما الأمريكي، يُعتبر الدعم أساسياً لخروج السودان من هذه المياه المحفوفة بالمخاطر. وبالتالي، على واشنطن الضغط على شركائها مثل مصر والإمارات لكي لا يشددا ضغطهما على السودان أكثر مما هو عليه بالفعل في سعيهما لتحقيق أجندتهما الخاصة. ومن الناحية الإيجابية، يبدو أن هذا يحصل أساساً في إطار الأزمة الخطرة لـ “سدّ النهضة” والتوترات المرتبطة بترسيم الحدود بين إثيوبيا والسودان. ومع ذلك، على المسؤولين الأمريكيين أن يقوموا بخطوة ما ويكونوا أكثر استباقية من خلال وقف التحريض العلني الذي تمارسه قطر وتركيا. فاستمرار التشهير الإعلامي من خلال البث المباشر ضد الحكومة الحالية إلى جانب مؤامرات عناصر النظام السابق يشكّلان مزيجاً مميتاً.

كما أن علاقة السودان الناشئة مع إسرائيل تتطلب رعاية أمريكية حذرة. سيتعين على المسؤولين الإسرائيليين توسيع نطاق تواصلهم بشكل منهجي لكي يتخطى إطار قوات الأمن – فاعتماد دبلوماسية عامة منخفضة المستوى ومعتدلة في أوساط الشعب السوداني ضروري لبلورة هذا التقدّم. وبناءً على ذلك، يجب أن ترسل واشنطن شخصية قويّة ونافذة لتعمل على الأرض كرئيسة بعثة وتتولى إدارة العلاقة اليومية – ولا بد من أن تكون هذه الشخصية مفعمة بالنشاط ومؤثرة وتتحدث اللغة العربية وتقيم في الخرطوم، وليست مبعوثة إقليمية تأتي إلى البلاد لأيام قليلة في فترة محددة. ولسوء الحظ، لم يتمّ تسمية أي مرشح حتى الآن ليكون السفير الأمريكي المقبل إلى السودان، للمرة الأولى منذ عام 1996. وهذا التأخير مثير للقلق نظراً لبطء إجراءات الموافقة داخل مجلس الشيوخ الأمريكي.

وبالإضافة إلى إيجاد وسائل مبتكرة ومؤثرة لتحسين حياة السودانيين العاديين، سيتوقف نجاح العملية الانتالقية على إدارة العلاقة الدقيقة بين ثلاثة شركاء غير متوقّعين هم: رئيس الوزراء حمدوك، وهو خبير اقتصادي وموظف دولي؛ واللواء عبد الفتاح البرهان، وهو ضابط مخضرم ورئيس “مجلس السيادة”؛ والفريق أول محمد حمدان دقلو “حميدتي”، وهو نائب رئيس المجلس وزعيم سابق لميليشيا قبلية في دارفور. ولا تزال التوترات قائمة ليس فقط بين عناصر مدنية وعسكرية تابعة للحكومة، ولكن أيضاً بين “القوات المسلحة السودانية” بقيادة البرهان و”قوات الدعم السريع” الخاضعة لحميدتي (حيث تتخذ هذه الأخيرة مظاهر “الحرس الإمبراطوري” بشكل متزايد).

وخلال الفترة المقبلة، على الولايات المتحدة توفير دعم مستمر وكبير لدعوات حمدوك لمزيد من الوحدة والعدالة، وحثْ شركائها في المنطقة على أن يحذو حذوها. ويجب أن تكون جميع الأطراف أكثر اتساقاً في الانخراط مع حميدتي والبرهان واحترامهما وتشجيعهما أيضاً، لأن مثل هذا الاهتمام قد يساعد في إقناعهما بالحدّ من طموحاتهما (خاصة حميدتي)، وإصلاح فعلي للقوات المسلحة، والتركيز على الصالح العام. ووفقاً لاتفاقية الحكم في السودان، لا يمكن لأي من الجنرالين أو حمدوك الترشح للانتخابات المقبلة المقرر إجراؤها في أواخر عام 2022، ولكن حضور هؤلاء القادة الثلاثة سيكون ضرورياً لإبقاء البلاد على المسار الصحيح نسبياً على المدى القريب.

وعلى الرغم من الأزمات شبه المستمرة التي [يتخبط بها] السودان، إلّا أنه الدولة الوحيدة التي حققت شيئاً إيجابياً من الاضطرابات التي عصفت بالعديد من الدول العربية في عام 2019. ويستحق هذا التقدم الهش فرصة للتغلب على شوائبه والنجاح.

معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى

Happy
Happy
0 %
Sad
Sad
0 %
Excited
Excited
0 %
Sleepy
Sleepy
0 %
Angry
Angry
0 %
Surprise
Surprise
0 %

Average Rating

5 Star
0%
4 Star
0%
3 Star
0%
2 Star
0%
1 Star
0%

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

AlphaOmega Captcha Classica  –  Enter Security Code
     
 

Previous post استعراض الميليشيات تحت راية «قوات الحشد الشعبي»: الجزء الأول – منظومة الطائرات المسيّرة
Next post مقال تعريفي: الإسم: “لواء ثأر المهندس”