المشهد السياسي المغربي.. انتخابات من دون ديمقراطية

Read Time:6 Minute, 6 Second

يحيى عالم

شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_

عرف المشهد السياسي المغربي في السياق الراهن انتخابات تشمل مجلس النواب بغرفتيه، ومجالس الجهات والجماعات (البلديات)، فهي من حيث الزمن السياسي المغربي، ثالث انتخابات بعد الوثيقة الدستورية التي جاءت استجابة لحراك 20 فبراير؛ النسخة المغربية من الربيع العربي مطلع العقد الماضي. فمن حيث القراءة لصيرورة المشهد السياسي المغربي، يبدو في الظاهر أن هناك احتراماً لمواعيد العملية السياسية وتجديد للمؤسسات على أساس التعاقد، لكن السؤال الذي يظل عالقاً بالنظر للتقلبات والديناميات التي مر منها الحقل السياسي المغربي،  هل هذه الصيرورة في العملية الانتخابية على المستوى الشكلي باعتبارها أساس التعاقد بين المجتمع والدولة تمثل روح الديمقراطية وتستجيب لجملة من الرهانات السياسية ذات الصلة بالتحديث والدمقرطة والتقدم أم إنها انتخابات تحمل اسماً دون مسمى أو مضمون سياسي يستجيب لمتطلبات المرحلة؟ ثم هل تعد النخبة والقوى السياسية حاملاً لهم دمقرطة المؤسسات وتلبية انتظارات المجتمع، أم هي مجرد كومبارس في مشهد ونسق سياسي لا تملك أدوات التأثير فيه ومن ثم تبقى الانتخابات لحظة موسمية بدون روح سياسية أو تعبير حقيقي عن شرعية سياسية تكون أساس التعاقد السياسي والمجتمعي بين المجتمع والدولة؟  

بعض من تلك الأسئلة التي تفرض نفسها، تحمل أهميتها في ذاتها، وقد لا تحتاج إلى جواب، لأن الواقع السياسي والاجتماعي لا يحتاج إلى تدليل على الانتكاسة التي تعيشها السياسة في السنوات الأخيرة، والتي تعود لعدة أسباب منها ما هو متعلق بالمتغيرات الدولية، حيث لم تعد الديمقراطية بنفس الجاذبية الذي كانت عليه من قبل أمام مد الشعبوية أو الرأسمال والسوق الذي تقوضت معه الدولة الوطنية وفقدت القيم السياسية الليبرالية موقعها لصالح حساب المصالح الاقتصادية، ولعل عودة الديكتاتوريات والصمت على انتهاكات حقوق الإنسان في أكثر من قطر تجسيد حي للتحول الحاصل. ويتمثل ذلك على مستوى الإقليم في الجزر الذي عرفه الربيع العربي ومد الثورات المضادة.  

في ظل هذا الاشتباك الحاصل على المستوى الدولي والإقليمي، ظهر نزوع في المغرب على المستوى الوطني، إلى إعادة ضبط الحياة السياسية وتحجيم التأثير الذي فتحه دستور 2011، والإمكانات التي قدمها للانتقال إلى الديمقراطية. وهو ما يمكن رصده بالعودة إلى الانتخابات السابقة (7 أكتوبر/تشرين الأول 2016) وما أسفرت عنه من تجاذبات بين القوى السياسية وبنية السلطة ومراكز النفوذ، حيث عملت الأخيرة على الحيلولة دون أن تكون نتائج الانتخابات ذات انعكاس في التدبير الحكومي، وبشكل أدق كانت عرقلة رئيس الحكومة السابق من تشكيل حكومته ثم إعفاؤه، نقطة تحول في المسار السياسي. ذلك أن المرحلة السابقة كانت بطبيعتها مصطبغة بصبغة سياسية وإن كان تأثيرها هامشياً على النسق السياسي برمته، لكنها كانت تحمل وعوداً ورهانات بأفق سياسي يخدم الانتقال الديمقراطي على المدى البعيد.

شكل ذلك التراجع إضراراً بالغاً بالسياسة وما يعبر عنها من قوى وفعاليات، وأعيد ترسيم حدود الفاعلين في الحقل الحزبي على وضعية وواقع ما قبل دستور 2011، ذلك أن الأفق الذي فتح حينها لم يعد ميزان القوى يميل لصالح ترسيم الانتقال الديمقراطي بعيداً عن هواجس السلطوية التي عاودت الظهور، خصوصاً في تدبير الاحتجاجات الفئوية والمناطقية، إذ برز الخيار الأمني كوسيلة ناجعة، لكنها في الحقيقة أخفت خلفها ضياع الوجهة وفقدان المغرب لفرصة تاريخية كان يمكن أن تكون مدخلاً نحو الدمقرطة وتوزيع السلطة وإرساء دولة الحق والقانون. 

ليست المرة الأولى 

ليست هذه هي المرة الأولى التي يعرف فيها المغرب هذا الإخفاق، بل هو ملازم له منذ أول حكومة عقب الاستقلال، ليمتد الصراع السياسي والتجاذب في فصول متنوعة، لكن عنوانها البارز إجهاض الديمقراطية والانتقال الديمقراطي، وتبديد الزمن في إضعاف القوى والحركات الاجتماعية من طرف البنية العميقة للدولة واللوبيات المتنفذة، التي تعيش على وقع فوبيا من التحديث السياسي كونه يمس مصالحها التي تتداخل فيها السلطة بالثروة، وقد كانت أحزاب الإدارة (السلطة) والنخب التي تم إدماجها لتبرير الوضع القائم، أداة فعالة في القيام بمهام التعطيل المتكرر لكل بوادر التحديث للنسق السياسي، التي تفجرت وبرزت إلى السطح عادة في اللحظات الحرجة في السياق المغربي، وقد تظهر مرة أخرى نظراً لانفراط عقد الثقة بين المجتمع والدولة/النخبة.

في ظل هذا الجو السياسي الغائم الممزوج بارتفاع الطلب الاجتماعي على معالجة المشكلات المزمنة في السياسات التي تمس المعيش اليومي، ومطالب القوى الوطنية والديمقراطية، وبالنظر إلى تلك السياقات المذكورة آنفاً والتي تم فيها الخروج عن سكة الديمقراطية في أكثر من مرة، آخرها هندسة قوانين الانتخابات بما يخدم التراجع الحاصل ويرسم الارتداد عن مسار الانتقال الديمقراطي، يحق لنا أن نتساءل مرة أخرى: أي تأثير قد تحمله الانتخابات الراهنة وأية قيمة إضافية يمكن أن تضيفها للمشهد السياسي؟ 

سبق القول بأن الانتخابات الراهنة تجري في ظل قانون انتخابي جديد (القاسم الانتخابي)، نزعت منه جملة من البنود التي يمكن أن تسفر عن إفراز مشهد سياسي يعكس طبيعة وحجم القوى السياسية ويقلص من إمكانيات تأثير الولاءات التي تنبني على دعم السلطة أو النفوذ والمال، وهو حال الأحزاب التي خرجت من رحم السلطة وسهرت على إنشائها في لحظات معينة لإضعاف القوى الوطنية الديمقراطية، بالإضافة إلى التغيرات التي حصلت في بنية جملة من الأحزاب وتنافسها على جذب أعيان (المال) ورموز انتخابية تستند على التأثير في مخرجات الانتخابات بالمال وولاءات القبيلة والسلطة، في غياب تام للمضمون السياسي أو الأيديولوجي، ناهيك عن إمكان جعل لحظة الانتخابات موعداً لتجديد التعاقد السياسي والاجتماعي وإرساء دعائم الديمقراطية. 

فوبيا الديمقراطية

لم يعد المحدد في التنافس هو طبيعة الخطاب السياسي، كما أن الديمقراطية ليست أفقاً تنشده الانتخابات الراهنة، ذلك أن هذه الانتخابات تجري في سياق تراجعي نكوصي ومخرجاتها ستكون هامشية التأثير، بالإضافة إلى المشار إليه سلفاً، من كون معظم الأحزاب التي حملت هاجس الديمقراطية والعدالة والحريات، قد تم تعريتها من خلفيتها الأيديولوجية والسياسية وأفقدت هويتها النضالية، فأصبحت بشكلها الجديد الفاقد للمعنى السياسي ملاذاً للبحث عن غطاء للمتنفذين بغاية حماية المصالح الخاصة من خلال القرب من السلطة.

لعل المغرب بالنظر إلى الاستقرار الاجتماعي الذي يتسم به، وموقعه الاستراتيجي وعمقه التاريخي، في حاجة ماسَّة للتخلص من فوبيا دمقرطة المؤسسات، وإلى مداخل تجعل من الانتخابات لحظة حقيقية لتجديد التعاقد السياسي وليس لتصدير الصورة إلى الخارج وحسب أو لتجديد نخب لا تملك سلطتها الكاملة في رسم السياسات العمومية كما هو حال الحكومة، أو الرقابة الفعلية على المؤسسات والمسؤولين مع البرلمان ثم التنمية المحلية والجهوية مع الجماعات والجهات.

من أجل ذلك ينبغي أن تكون هناك إرادة من داخل بنية الحكم لتحديث النسق السياسي، وإشراك القوى السياسية الوطنية في السلطة الفعلية وليس على هامشها وسن قوانين انتخابية تسهم في إفراز قوى وتيارات أساسية بالمشهد السياسي والحزبي تستند على خطاب سياسي وليس على ولاءات المال والسلطة، وذلك لا يتأتى إلا بالتخلي عن أدوات الضبط للمشهد السياسي، ومعلوم أن وزارة الداخلية هي التي تشرف على كل الانتخابات، وهذه وحدها توضح موقع الانتخابات في النسق السياسي برمته، ولتجاوز الاختلال ينبغي إسناد الانتخابات إلى لجنة وطنية محايدة قد تتشكل من المؤسسات القضائية والحقوقية، حتى يكون للانتخابات مضمون سياسي يجنب المغرب مجموعة من الممارسات التي تؤدي في العادة إفقاد الثقافة في المؤسسات والنخبة والعملية السياسية برمتها. 

الخلاصة 

ختاما، إنَّ ربح رهان التحديث برمته وإقرار أوجه العدالة بالمجتمع، يمر عبر ترسيخ أسس النظام الديمقراطي الذي يتم بالقوى السياسية والمجتمع المدني الفعال، بحيث تكون الانتخابات ليست لحظة عابرة وحسب، إنما لحظة للمساءلة وتجديد النخب بناء على تعاقدات يلمسها المجتمع وتنعكس على المعيش اليومي، ومن ثم فقد يكون للانتخابات بالشكل الحالي بعض التأثير، لكنه محدود ولا ينعكس في تنمية حقة، إنما تنمية بدون ديمقراطية، وفي غياب الديمقراطية وما تقدمه من آليات الحكمة الحكامة يستشري الفساد وتنتعش السلطوية، وتلك إحدى المشكلات الكبرى مغرب اليوم. هذا بالإضافة إلى أن طبيعة التحديات الإقليمية والدولية التي يمر منها المغرب تفرض عليه هذا النوع من التحول والتحديث السياسي الداخلي، بما يجعل جبهته الداخلية الوطنية متراصة ولا تعاني من الضعف، فالمغرب نظراً لخبرته التاريخية يكسب الكثير من التحديات على المستوى الدولي والإقليمي أو يحسن تدبيرها، لكن المسار الداخلي الذي تعرضت فيه عملية الانتقال الديمقراطي لعمليات إجهاض متوالية طيلة الخمسين سنة الأخيرة، يشكل عامل إضعاف له، بينما تشكل الديمقراطية أساس التحديث الشامل على المستوى الداخلي، وجسراً آمناً  ليصبح قوة إقليمية يتمكن من خلالها لكسب رهاناته الوطنية الكبرى.

عربي بوست

Happy
Happy
0 %
Sad
Sad
0 %
Excited
Excited
0 %
Sleepy
Sleepy
0 %
Angry
Angry
0 %
Surprise
Surprise
0 %

Average Rating

5 Star
0%
4 Star
0%
3 Star
0%
2 Star
0%
1 Star
0%

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

AlphaOmega Captcha Classica  –  Enter Security Code
     
 

Previous post مساعي لإصلاح سياسات اللجوء والهجرة
Next post جينيفر أنيستون تصبح علامة تجارية للشعر