الطاقة والتكنولوجيا المنخفضة

Read Time:5 Minute, 27 Second

شبكة  المدار الإعلامية  الأوروبية …_نشر موقع «ذا كونفرزيشن» الأسترالي مقالًا لكريس مكماهون، باحث بارز في الهندسة بجامعة بريستول وعضو في حزب البيئة، حول استخدام التكنولوجيا المنخفضة في الاستدامة والأساليب المؤدية إلى ذلك مثل إعادة التدوير وإعادة الاستخدام والاستفادة من الهندسة المعمارية في التهوية والتدفئة من أجل تقليص استخدام الطاقة.

ويستهل الكاتب مقاله بقوله: إنها فكرة شائعة أن يكمن الطريق إلى الاستدامة في حلول التكنولوجيا الفائقة، ومن خلال تشغيل العناصر ذات الاستخدام اليومي، مثل السيارات، بالكهرباء، وتركيب أنظمة ذكية لمراقبة الطاقة وتقليل استخدامها، يبدو أننا ما زلنا قادرين على الاستمتاع بوسائل الراحة التي اعتدنا عليها بينما نقوم بدورنا من أجل الحفاظ على كوكب الأرض – وهي حالة معروفة باسم «النمو الأخضر».

لكن مخاطر هذا النهج أصبحت أكثر وضوحًا من أي وقت مضى. ويستخدم عديد من التكنولوجيات الحديثة موادًّا مثل النحاس والكوبالت والليثيوم وعناصر الأرض النادرة. وتوجد هذه المعادن في أجهزة مثل الهواتف المحمولة وأجهزة التلفزيون والمحركات. وهذه المواد ليست محدودة الإمدادات فحسب، ولكنها تستلزم أيضًا كميات كبيرة من الطاقة لاستخراجها ومعالجتها – مما ينتج منه انبعاثات كبيرة. بالإضافة إلى ذلك، يصعب إعادة تدوير أجهزة عديدة من تلك الأجهزة، وهذا لأنه من أجل صنعها، يجري إنشاء خلطات معقدة من المواد، غالبًا بكميات صغيرة جدًّا. إن تجميعها وفصلها من أجل إعادة تدويرها مكلِّف للغاية.

ويوضح الكاتب أنه من بين أمور أخرى، دفعت هذه القيود بعض الناس إلى التشكيك في اتجاه التكنولوجيا الفائقة الذي يتَّخذه مجتمعنا – وتطوير اهتمام متزايد بحلول التكنولوجيا المنخفضة، وتعطي هذه الحلول الأولوية للبساطة والمتانة والتصنيع المحلي، فضلًا عن الطرق التقليدية أو القديمة.

علاوةً على ذلك، غالبًا ما تركِّز حلول التكنولوجيا المنخفضة على المخالطة الاجتماعية. يتضمن ذلك تشجيع الروابط الاجتماعية، على سبيل المثال من خلال الموسيقى أو الرقص الجماعي، بدلًا من تعزيز الفردية المفرطة التي تشجِّعها الأجهزة الرقمية المتعطِّشة للموارد. إن «التكنولوجيا المنخفضة» لا تعني العودة إلى أساليب الحياة في العصور الوسطى، لكنها تتطلب مزيدًا من التمييز في اختيارنا للتكنولوجيا – ومراعاة عيوبها.

أصول التكنولوجيا المنخفضة

أعلن النقاد عن سلبيات التكنولوجيا  المفرطة لعدة قرون، من اللاضية (Luddites) وهي حركة اجتماعية في القرن التاسع عشر إلى كتًّاب القرن العشرين مثل جاك إلول ولويس مامفورد. لكن أزمة الطاقة الغربية في سبعينيات القرن الماضي هي التي جعلت هذه الأفكار شائعة بالفعل.

وقدَّم كتاب الاقتصادي البريطاني إي إف شوماخر الصادر في عام 1973 تحت عنوان «كل صغير جميل أو Small is Beautiful» نقدًا قويًّا للتكنولوجيا الحديثة واستنفاد مواردها مثل الوقود الأحفوري، وبدلًا من ذلك، دعا شوماخر إلى البساطة: تكنولوجيا فعَّالة ميسورة التكلفة محليًّا (والتي أطلق عليها تكنولوجيا «وسيطة»)، مثل أجهزة الطاقة الكهرومائية الصغيرة التي تستخدمها المجتمعات الريفية.

وتبنَّت فكرة شوماخر حركة متنامية تطلق على نفسها اسم «التكنولوجيا المنخفضة»، وتعمل مجلة «Low-Tech» للكاتب البلجيكي كريس دي ديكر على الإنترنت على فهرسة حلول التكنولوجيا المنخفضة، مثل طواحين الهواء التي تستخدم الاحتكاك لتدفئة المباني، منذ عام 2007. وتستكشف المجلة على وجه الخصوص التكنولوجيات القديمة التي لا يزال بإمكانها الإسهام في مجتمع مستدام: مثل جدران الفاكهة التي كانت تُستخدَم في القرن السابع عشر لإيجاد مناخ محلي دافئ لزراعة فواكه البحر الأبيض المتوسط.

وفي الولايات المتحدة، يستكشف كتاب «Lo-TEK» للمهندسة المعمارية والأكاديمية جوليا واطسون (حيث ترمز TEK إلى المعرفة البيئية التقليدية) التكنولوجيات التقليدية من استخدام البوص بوصفه مواد بناء في إنشاء الأراضي الرطبة لمعالجة مياه الصرف الصحي.

عصر التكنولوجيا المنخفضة

وفي فرنسا، أدَّى إدراك المهندس فيليب بيهو لاستنزاف التكنولوجيا للموارد إلى كتابه الحائز على جائزة الصادر تحت عنوان «عصر التكنولوجيا المنخفضة». ونُشر الكتاب لأول مرة في عام 2014، وهو يصف كيف يمكن أن تكون الحياة في عالم التكنولوجيا المنخفضة، بما في ذلك تقليل الاستهلاك تقليلًا جذريًّا.

ويقدم بيهو سبع «وصايا» لحركة التكنولوجيا المنخفضة، ومن بين أمور أخرى، تغطي هذه الحاجة تحقيق التوازن بين أداء التكنولوجيا وتأثيرها البيئي، والحذر من الأتمتة (خاصة عندما يحل التوظيف محل زيادة استخدام الطاقة)، وتقليل مطالبنا من الطبيعة، لكن المبدأ الأول للتكنولوجيا المنخفضة هو تركيزها على الرصانة: تجنب الاستهلاك المفرط أو التافه، والرضا بالنماذج الأقل جمالًا مع الأداء المنخفض. وكما يكتب بيهو:

«يمكن أن يؤدي تقليل الاستهلاك إلى التعجيل بإمكانية إعادة اكتشاف عديد من المتع البسيطة والشاعرية والفلسفية لعالم طبيعي متجدد… في حين أن تقليل التوتر ووقت العمل من شأنه أن يجعل من الممكن تطوير عديد من الأنشطة الثقافية أو الترفيهية مثل العروض والمسرح والموسيقى أو البستنة أو اليوجا».

الحلول القديمة

يمكننا بكل حسم تطبيق مبادئ التكنولوجيا المنخفضة في حياتنا اليومية الآن. على سبيل المثال، يمكننا بسهولة تقليل الطلب على الطاقة من التدفئة باستخدام الملابس الدافئة والبطانيات. ويمكن شراء الطعام، إذا كان معبأ على الإطلاق، وتخزينه في عبوات قابلة لإعادة الاستخدام وقابلة لإعادة التدوير مثل الزجاج.

وتوفر الهندسة المعمارية فرصًا متعددة للمناهج المنخفضة التكنولوجيا، خاصة إذا تعلمنا من التاريخ، ويتيح استخدام مصائد الرياح القديمة المصمَّمة للسماح بتدفق الهواء البارد الخارجي عبر الغرف تبريد المباني باستخدام طاقة أقل بكثير من تكييف الهواء، ويُنظر إلى تخزين الحرارة في الأحجار، التي استخدمها الرومان للتدفئة تحت الأرضية، اليوم بوصفها وسيلة للتعامل مع تقطع الطاقة المتجددة.

ويؤكد التصميم والتصنيع لتحقيق الاستدامة على تقليل النفايات، غالبًا من خلال تجنب الاختلاط والمواد الملوثة. والمواد البسيطة مثل الفولاذ الكربوني العادي، المرتبطة باستخدام أدوات تثبيت قابلة للإزالة، يسهل إعادة تدويرها وإصلاحها محليًّا. على سبيل المثال، يمكن تجديد أو إعادة تدوير الحافلات والقطارات والآلات الزراعية التي تستخدم هذا الفولاذ بسهولة أكبر من السيارات الحديثة المليئة بالإلكترونيات الدقيقة والمصنَّعة من سبائك متطورة.

مدن الخمس عشرة دقيقة

يلفت الكاتب إلى أنه في بعض الأماكن، تؤثر مبادئ التكنولوجيا المنخفضة بالفعل في التصميم الحضري والسياسة الصناعية، وتشمل الأمثلة «مدن الخمس عشرة دقيقة» (هي المدينةٍ التي يُمكن لقاطنيها تلبية مُعظم حاجاتهم الحياتيَّة الأساسية ضمن نطاقٍ لا يتطلَّب اجتيازه السير من منازلهم أكثر من ربع ساعةٍ مشيًا على الأقدام أو باستخدام الدراجات الهوائية) حيث يسهل على السكان الوصول إلى المتاجر والمرافق الأخرى، باستخدام دراجات الشحن بدلًا من السيارات أو الشاحنات الصغيرة للتسليم، وتشجيع المنتجات القابلة للإصلاح من خلال تشريعات الحق في الإصلاح في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

وفي الوقت نفسه، هناك اهتمام ناشئ في اليابان بممارسات إعادة الاستخدام وإعادة التدوير الذي كان سائدًا في فترة إيدو (آخر الفترات من تاريخ اليابان القديم، التي تسبق فترة مييجي، بداية التاريخ الحديث للبلاد)، ومن عام 1603 إلى عام 1867، كانت البلاد مغلقة فعليًّا أمام العالم الخارجي، مع وصول محدود للغاية إلى المواد الخام، لذلك، أصبحت عمليات إعادة الاستخدام والإصلاح على نطاق واسع – حتى لأشياء مثل الفخار المكسور أو الأواني ذات الثقوب التي نَعُدُّها الآن نفايات – طريقة للحياة. ويقوم المصلحون المتخصصون بإصلاح أو إعادة تدوير كل شيء من الفوانيس الورقية والكتب، إلى الأحذية ومقالي الطعام والمظلات والشموع، وباتباع أمثلة مثل هذه، يمكننا جعل الخيارات التكنولوجية المميزة جزءًا أساسيًّا من بحثنا عن طرق عيش مستدامة، بحسب ما يختم الكاتب.

ساسا بوست

Happy
Happy
0 %
Sad
Sad
0 %
Excited
Excited
0 %
Sleepy
Sleepy
0 %
Angry
Angry
0 %
Surprise
Surprise
0 %

Average Rating

5 Star
0%
4 Star
0%
3 Star
0%
2 Star
0%
1 Star
0%

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

AlphaOmega Captcha Classica  –  Enter Security Code
     
 

Previous post رجال مخابرات متورطون في تسريبات  كريدي سويس
gold tutankhamun statue Next post خنجر توت عنخ آمون الفضائي