أقذر حرب في تاريخ البشر

Read Time:5 Minute, 40 Second

شبكة  المدار الإعلامية  الأوروبية …_ اهتمت بريطانيا في نهاية القرن الثامن عشر الميلادي .. بفتح أبواب الصين أمام تجارتها العالمية .. فطلب الملك جورج الثالث من الإمبراطور الصيني شيان لونج توسيع العلاقات التجارية بين البلدين..

إلا أن الإمبراطور أجاب:…..أن إمبراطورية الصين السماوية لديها ماتحتاجه من السلع..وليست في حاجة لاستيراد سلع أخرى من البرابرة.

فلم تستطع بريطانيا في ظل هذه الظروف تصدير إلا القليل جدا من سلعها إلى الصين .. وفي المقابل كان علي التجار البريطانيين دفع قيمة مشترياتهم من الصين من الشاي والحرير والبورسلين نقدا بالفضة .. مما تسبب في استنزاف مواردهم…

لذلك لجأت بريطانيا إلى دفع إحدى شركاتها .. وهي شركة الهند الشرقية البريطانية (East India Company) التي كانت تحتكر التجارة مع الصين .. إلي زرع الأفيون في المناطق الوسطي والشمالية من الهند وتصديره إلى الصين كوسيلة لدفع قيمة واردتها للصين.

تم تصدير أول شحنة كبيرة من الأفيون إلى الصين في عام1781.. وقد لاقت تجارة الأفيون رواجا كبيرا في الصين.. وازداد حجم التبادل التجاري بين البلدين.. وبدأت بشائر نجاح الخطة البريطانية في الظهور .. إذ بدأ الشعب الصيني في إدمان الأفيون .. وبدأ نزوح الفضة من الصين لدفع قيمة ذلك الأفيون.

وبدأت مشاكل الإدمان تظهر على الشعب الصيني مما دفع بالإمبراطور يونغ تيكينج (Yong Tcheng) في عام 1792م بإصدار أول مرسوم بتحريم استيراد المخدرات.. غير أن شركة الهند الشرقية البريطانية لم تلتفت لهذا المنع واستمرت في تهريب الأفيون إلى الصين..

تصاعدت حركة التهريب للأفيون إلى الصين بصورة تدريجية حيث لم يُهرَّب إليها في عام 1792م سوى 200 صندوق تحوي 608 كيلوجراما من الأفيون قدرت تكلفتها بخمسة عشر مليون دولارا. ثم في عام 1792م وصلت المهربات إلى 4000 صندوق حوت 272 طناً…

انزعجت الصين لهذه الظاهرة.. وللخطر الذي يمثله تعاطي الأفيون الواسع علي صحة المواطنين.. والذي يسبب تدمير المجتمع الصيني .. كان الصيني يبيع أرضه.. ومنزله.. وزوجته .. وأولاده.. للحصول على الأفيون..

poppy plant in close up photography
Photo by hasan kurt on Pexels.com

لذلك اصدر الإمبراطور الصيني قرارا آخر اشد وطأة بحظر استيراد الأفيون إلى الإمبراطورية الصينية ..بل وذهبت الإمبراطورية إلى ابعد من ذلك عندما ذهب ممثل الإمبراطور إلي مركز تجارة الأفيون واجبر التجار البريطانيين والأمريكيين علي تسليم مخدراتهم من الأفيون الذي بلغ ألف طن.. وقام بإحراقه..في احتفالية كبيرة شهدها المناوئون لهذا المخدر .. 

حرب الأفيون الأولى 1840 – 1842 م

عندها قررت بريطانيا وكانت في أوج قوتها في ذلك الوقت ..إعلان الحرب على الصين لفتح الأبواب من جديد أمام تجارة الأفيون للعودة من جديد .. وبحث البريطانيون عن ذريعة لهذه الحرب غير الشرعية وغير الأخلاقية ..فهداهم تفكيرهم إلى شعار جديد هو (تطبيق مبدأ حرية التجارة).

في ذلك الوقت كانت بريطانيا قد خرجت منتصرة علي منافسيها من الدول البحرية في حروب نابليون..

وقامت الثورة الصناعية فيها .. وأصبحت الدولة الرأسمالية الأقوى في العالم فلجأت إلى فتح أسواق لتصريف منتجاتها الصناعية.. والبحث عن مصادر رخيصة للمواد الأولية التي تحتاجها لصناعاتها .. وكان النظام العالمي في ذلك الوقت يقوم علي مبدأين هما حرية التجارة ودبلوماسية السفن المسلحة.

أرسلت بريطانيا في عام1840م سفنها وجنودها إلى الصين لإجبارها علي فتح أبوابها للتجارة بالقوة .. استمرت حرب الأفيون الأولى عامين من عام1840 إلى عام1842..واستطاعت بريطانيا بعد مقاومة عنيفة من الصينيون ..احتلال مدينة دينج هاي في مقاطعة شين جيانج.. واقترب الأسطول البريطاني من البوابة البحرية لبكين. 

دفع ذلك الإمبراطور الصيني للتفاوض مع بريطانيا وتوقيع اتفاقية نان جنج في اغسطس1842.. 

واهم ماتنص عليه هذه الاتفاقية هو تنازل الصين عن هونج كونج لبريطانيا ..والتي أصبحت فيما بعد قاعدة عسكرية وسياسية واقتصادية.. لينطلق منها العدوان علي الصين.. وتم فتح خمسة موانئ للتجارة البريطانية.. ودفع تعويضات لبريطانيين عن نفقات الحرب.. وتحديد تعريفة جمركية علي الواردات البريطانية باتفاق الجانبين.. مما افقد الصين سيادتها في فرض الضرائب.. كما نصت الاتفاقية علي تطبيق نص الدولة الأولى بالرعاية في التجارة.. وفي العام التالي.. أجبرت بريطانيا الصين علي توقيع ملحق لهذه الاتفاقية.. ينص بتحديد نسبة 5% علي الصادرات البريطانية إلي الصين .. وتعتبر اتفاقية فان جينج بداية سلسلة من الاتفاقات غير المتكافئة والمهينة التي وقعتها الصين مع الدول الغربية في ذلك الوقت .. أسهمت أمريكا في هذه الحرب بقوة رمزية .. لارتباط مصالحها بها.. فشركاتها كانت تسهم في تجارة الأفيون مع الشركات البريطانية.. كما يهمها أيضا فتح أبواب الصين أمام تجارتها.. لذلك فبعد انتهاء الحرب طالبت أمريكا بالحصول علي نفس الامتيازات التي حصلت عليها بريطانيا.. وهددت باستخدام القوة.. ووافقت الصين علي ذلك.. وتم توقيع معاهدة وانج شيا في عام1844 م .. والتي تحصل امريكا بمقتضاها علي شرط الدولة الأكثر رعاية.. والذي يتيح لها الحصول علي نفس المعاملة التجارية للصادرات التجارية البريطانية ..و شجع ذلك فرنسا علي طلب امتيازات مماثلة بالإضافة إلى حق التبشير الكاثوليكي .. وتبعتها بلجيكا والسويد والدنمارك.. ووافق الإمبراطور علي أساس تطبيق مبدأ المعاملة المتساوية للجميع.

لم تحقق معاهدة (فان جنج) ماكانت تصبوا إليه بريطانيا والقوي الغربية.. فلم يرتفع حجم التجارة مع الصين كما كانوا يتوقعون.. والحظر علي استيراد لافيون لايزال ساريا.. كما أن البلاط الإمبراطوري يرفض التعامل مباشرة معهم.. لذلك قدموا مذكرة بمراجعة الاتفاقات القائمة التي رفضها الإمبراطور.. لذلك قررت بريطانيا وفرنسا استخدام القوة مرة أخرى ضد الصين .. واتخذوا ذريعة جديدة هذه المرة .. فقد واتتهم الفرصة عند قيام السلطات الصينية في (جوانج شو) بتفتيش سفينة تحمل العلم البريطاني.. واعتقال بحاريها.. وإنزال العلم.. ومقتل مبشر فرنسي .. لشن حربا جديدة علي الصين..

استطاعت فيها القوات البريطانية و الفرنسية دخول ميناء جوانج شو.. والاتجاه نحو ميناء تيان القريب من بكين.. مما جعل الإمبراطور يقبل مراجعة الاتفاقات وتوقيع اتفاقية ( تيان جين ) في عام1858 بين الصين وكل من بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة وروسيا والتي تعطي لهم مزيدا من الامتيازات من أهمها :-

1. فتح خمسة موانئ جديدة للتجارة الدولية وتحديد الأفيون بصفة خاصة من بين البضائع المسموح باستيرادها.

2. حرية الملاحة على نهر اليانج تسي كيانج (Yong Tse Kiang). 

3. السماح بدخول المسيحية في أرجاء الصين. 

نصت اتفاقية ( بتان جن ).. علي التصديق عليها خلال عام من توقيعها .. وحين تأخرت الصين في التصديق استخدمت بريطانيا وفرنسا القوة مرة أخري لتحقيق ذلك واستطاعت قواتهما دخول (تيان جن) في ربيع عام1860 ثم تقدمت نحو (بكين) ودخلوها في اكتوبر1860 وتوجهوا إلي القصر الصيفي للإمبراطور الذي يبعد بضعة أميال عن بكين وهذا القصر يعتبر من أعظم وأفخم قصور العالم ويحتوي علي آثار تاريخية وتحف وذهب لايقدر بثمن .. وقام الضباط البريطانيون والفرنسيون بنهب محتوياته لمدة أربعة أيام.. وأضرموا فيه النار بعد ذلك .. وقد كتب (فيكتور هوجو) الأديب الفرنسي المشهور عن ذلك فقال:-

دخلت العصابتان البريطانية والفرنسية كاتدرائية آسيا ..أحدهما قام بالنهب والآخر قام بالحرق.. وأحد هذان المنتصران مليء جيوبه والثاني مليء صناديقه ورجعوا إلي أوروبا يدهم في يد بعض ضاحكين.. أن الحكومات تتحول أحياناً إلي لصوص ولكن الشعوب لا تفعل ذلك.. اضطر الإمبراطور للرضوخ لمطالبهم ووقع اتفاقيات (بتان جن) مع كل من فرنسا وبريطانيا وكذلك روسيا والولايات المتحدة التي منحت امتيازات أكثر أهمها فتح المزيد من الموانئ أمام تجارة هذه الدول وهي الإقامة لرعاياهم في بكين.. والتعامل المباشر مع البلاط الإمبراطوري .. وحرية تجول المبشرين في الصين.. والتنازل عن منطقة كولون وهي منطقة واقعة في الصين والأكثر قربا من هونج كونج… وارتفع عدد المدمنين في الصين من مليوني مدمن عام 1850م ليصل إلى 120 مليوناً سنة 1878م, ولكن حروب الأفيون لم تنته نهائياً إلا باتفاقية 8 مايو 1911م.

تضل حربي الأفيون الشهيرتين بمثابة فضيحة لا مثيل لها في الحياة السياسية والاقتصادية في التاريخ فضيحة تدل على استبداد القوى الغربية الاستعمارية وتقديمها لمصالحها المالية على حساب كل القيم والمبادئ والأخلاقيات ..

مواقع الكترونية

Happy
Happy
0 %
Sad
Sad
0 %
Excited
Excited
0 %
Sleepy
Sleepy
0 %
Angry
Angry
0 %
Surprise
Surprise
0 %

Average Rating

5 Star
0%
4 Star
0%
3 Star
0%
2 Star
0%
1 Star
0%

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

AlphaOmega Captcha Classica  –  Enter Security Code
     
 

Previous post <strong>صورة أفريقيا في الإعلام الغربي</strong><strong><br></strong><strong>جوع وأمراض وفساد</strong>
Next post لماذا لا يمكن اعتبار ثورة تونس نموذجاً ناجحاً؟