الأزمة الأوكرانية – تجنيد المقاتلين السوريين، حقائق وأبعاد

Read Time:9 Minute, 18 Second

 إعداد: اكرام زيادة

شبكة  المدار الإعلامية  الأوروبية …_ فتحت الحرب الروسية الأوكرانية الباب على مصراعيه لانخراط الأجانب والمرتزقة في القتال إلى جانب طرفي الصراع، لا سيما أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي رحب بهم وأنشأت أوكرانيا “فيلقاً دولياً” للأشخاص القادمين من الخارج.  كما لم يتردد الجانب الروسي في استنفارهم أيضاً. فقد بدأ وسطاء في العاصمة السورية دمشق ومناطق أخرى بالنشاط لتوقيع عقود مع شباب سوريين للقتال إلى جانب الجيش الروسي في أوكرانيا، في المقابل يعمل وسطاء من المعارضة السورية في تركيا لتجنيد سوريين للقتال إلى جانب الجيش الأوكراني.

الزج بالسوريين في الأزمة الأوكرانية، لفت الانتباه الدولي إلى إحدى الحقائق المؤسفة الجديدة لسوريا: أي حرب تشارك فيها روسيا أو تركيا من المرجح أن تنطوي على استخدام “المرتزقة” السوريين كوقود للمدافع.  قاتل السوريون المؤيدون والمعارضون للنظام تحت العلمين التركي والروسي في ليبيا منذ أواخر عام 2019، بينما أرسلت فصائل المعارضة السورية المدعومة من تركيا أعضاء للقتال في قره باغ – أذربيجان في أواخر عام 2020. ومع الغزو الروسي لأوكرانيا، تشير تقارير عن نية ومساعي الجيش الروسي لنشر السوريين مرة أخرى. 

تجنيد روسيا لمقاتلين سوريين

دعم بوتين خطط السماح لمتطوعين – بما في ذلك أولئك القادمين من الخارج – بالقتال في أوكرانيا، وقال بوتين في اجتماع لمجلس الأمن الروسي في 11 مارس 2022 إنه إذا أراد الناس من الشرق الأوسط القدوم إلى أوكرانيا من تلقاء أنفسهم، وليس من أجل المال، فيجب على روسيا أن تساعدهم في “الوصول إلى منطقة الصراع”.  وذكر وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، أن أكثر من (16) ألف، معظمهم متطوعون من دول الشرق الأوسط، طلبوا المشاركة في الحرب، فيما أكّد الناطق باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، للصحافيين إن وزير الدفاع الروسي لفت إلى أن “معظم الأشخاص الذين يرغبون وطلبوا القتال هم مواطنون من دول في الشرق الأوسط وسوريون”.

زعمت الاستخبارات الأوكرانية، في 13 مارس 2022، أن روسيا فتحت (14) مركزاً لتجنيد المرتزقة في سوريا (دمشق وحلب وحماة والرقة ودير الزور). وبعد تدريب قصير، سيتم نقل المرتزقة إلى روسيا عبر “قاعدة حميميم” الجوية بواسطة طائرتين من طراز تو-134 (ما يصل إلى 80 راكباً) وطائرة من طراز تو-154 (ما يصل إلى 180 راكباً) إلى قاعدة تشكالوفسكي الجوية في منطقة موسكو.

وبينما قالت رئاسة الأركان الأوكرانية أن روسيا جمعت نحو ألف مقاتل من الوحدات التي تعمل تحت إمرة نظام بشار الأسد في سوريا، من أجل القتال في أوكرانيا. كان المرصد السوري لحقوق الإنسان قد أعلن في 15 مارس 2022 أن روسيا أعدت قوائم بأكثر من (40) ألف مقاتل ينضوون ضمن قوات النظام السوري ومجموعات موالية لها ليكونوا على أهبة الاستعداد للقتال إلى جانب الجيش الروسي في أوكرانيا.

وأوضح مدير المرصد السوري رامي عبد الرحمن لوكالة “فرانس برس” أن المجندين ينطوون في “الفرقة 25 المهام الخاصة” التي يقودها العميد سهيل الحسن الملقب بالنمر، والفيلق الخامس الذي أسسه الروس، ولواء القدس الفلسطيني، وهو مجموعة فلسطينية موالية للنظام السوري قاتلت خصوصاً في منطقة حلب في شمال البلاد..

وفي الوقت الذي أشارت فيه تقارير الى أن مقاتلي الدفاع الوطني والفيلق الخامس قد وقعوا بالفعل عقوداً، وسيتم دفع (300 إلى 600) دولار مقابل النشر، علمت “بي بي سي نيوز عربي” في 30 مارس 2022 أن بعض المقاتلين السوريين يتلقون نحو سبعة آلاف دولار أمريكي من أجل القتال في الخطوط الأمامية في الحرب الروسية على أوكرانيا.

عمليات نقل السوريين إلى روسيا امتدت للمرتزقة السوريين في ليبيا، حيث أفاد تقرير نشرته منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” عن بدء عمليات نقل مقاتلين سوريين من ليبيا إلى روسيا، وتتولى هذه العملية شركة “فاغنر” الأمنية المعروفة بـ “جيش بوتين السري”، وسبق وأن نقلت هذه الشركة مئات السوريين من مناطق سيطرة نظام الأسد، من أجل القتال في ليبيا إلى جانب قوات المشير خليفة حفتر.

عدا عن عمليات التجنيد والحشد، تشير تقارير استخباراتية إلى بدأ وصول المقاتلين السورين بالفعل الى روسيا، حيث أكدت المخابرات العسكرية الأوكرانية رداً على أسئلة من رويترز في 20 مارس 2022، أن (150) “مرتزقاً” أرسلوا من قاعدة حميمين الجوية الروسية في سوريا إلى روسيا للمشاركة في عمليات عسكرية ضد أوكرانيا. وقالت أن اكثر من (30) مقاتلاً عادوا إلى حميمين من روسيا بعد اصابتهم في قتال مع المدافعين الاوكرانيين.

كما أكدت صحيفة “نيويورك تايمز” عن دبلوماسي غربي في 30 ابريل 2022. وصول دفعة من المقاتلين السوريين المرتزقة إلى روسيا لتلقي التدريب العسكري قبل التوجه إلى أوكرانيا للمشاركة في الغزو الروسي، هذه الدفعة تضم ما لا يقل عن (300) جندي من فرقة في الجيش السوري عملت سابقاً مع القوات الروسية في سوريا.

بالمقابل، نفى مسؤول في النظام مزاعم جماعة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة الناشطة بأن مجموعة فاغنر وشركة شريكة لها في سوريا نقلتا متطوعين من بنغازي وليبيا إلى دمشق ثم روسيا. كما أكدت مستشارة الرئيس السوري بشار الأسد لونا الشبل لـ “بي بي سي عرب” إن النظام لا يدعم هذه الجهود.

في الواقع، توجد مراكز التجنيد الأربعة عشر هذه منذ سنوات عديدة وتُستخدم لتجنيد السوريين في الوحدات المدعومة من روسيا داخل سوريا وللانتشار في ليبيا. إن وجود هذه المراكز واستمرار السوريين في توقيع العقود فيها ليس دليلاً على أن روسيا تستعد لإرسال سوريين إلى أوكرانيا .

طبيعة المشاركة العسكرية للسوريين مع الجيش الروسي

يمكن القول إنه لا توجد حتى الآن أدلة مؤكدة تثبت أن أي مقاتلين سوريين يقاتلون في الخطوط الأمامية للقتال في أوكرانيا. قال الجنرال في مشاة البحرية الأمريكية فرانك ماكنزي، رئيس القيادة المركزية، التي تشرف على القوات الأمريكية في الشرق الأوسط، أمام جلسة استماع لمجلس الشيوخ في 15 مارس 2022، أن عدد السوريين الذين يحاولون التوجه إلى أوكرانيا بدا وكأنه “ضئيل”. وقال “نعتقد أنه ربما تكون هناك مجموعات صغيرة و- صغيرة جداً – من سوريا تحاول شق طريقها إلى أوكرانيا.”

قد تكون الصعوبة اللوجستية لنقلهم إلى ساحة المعركة أحد أسباب ذلك بحسب خبراء عسكريين، ستحتاج موسكو أولاً إلى نقل المقاتلين من مناطق مختلفة داخل سوريا إلى قاعدتها الجوية العسكرية في “حميميم”، اللاذقية، وبعد ذلك سيتم نقل المقاتلين جوا إلى روسيا قبل نشرهم في أوكرانيا. عادة ما يتم استخدام هؤلاء المرتزقة كجنود مشاة، لذلك ستحتاج موسكو إلى نقل عدد كبير ليكون هناك تأثير عسكري كبير على ساحة المعركة.

لكن صعوبة نقل مئات المقاتلين ليست السبب الوحيد لقلة الانتشار. على الرغم من حجم عمليتها العسكرية في أوكرانيا، لا يزال لدى روسيا موارد هائلة لاستخدامها ضد جارتها ـ وربما تشكك موسكو في القيمة التي يمكن جنيها من استخدام السوريين في أوكرانيا.

بينما اعتمدت روسيا عادةً على المرتزقة السوريين في حرب بالوكالة كما هو الحال في ليبيا، تستخدم موسكو إلى حد كبير قواتها في أوكرانيا. هذا يعني أن روسيا ليست في حاجة ماسة إلى جنود على الأرض، بخلاف تعويض الضرر السياسي المحلي الذي لحق ببوتين من الخسائر الروسية. واستعانت موسكو بالفعل بقوات من الشيشان التي يحكمها رمضان قديروف الموالي لبوتين.

إضافة إلى ذلك، فإن المرتزقة السوريين ليسوا قوة من النخبة، إنهم يفتقرون إلى الانضباط، كما إنهم لا يعرفون التضاريس في أوكرانيا ولا يتحدثون اللغة الروسية للتنسيق السريع مع القوات الروسية. والأهم من ذلك، أن نشر المرتزقة الأجانب سيزيد من تلطيخ سمعة القوات الروسية وتعميق الصدع مع الغرب.

مقاتلين سوريين يقاتلون روسيا

تجري في سوريا أيضاً عملية تجنيد مقاتلين في المناطق التي لا تزال تحت سيطرة فصائل مقاتلة ومجموعات جهادية معارضة للنظام السوري، للقتال الى جانب القوات الأوكرانية. وأفاد قيادي ومقاتلون لفرانس برس أن التجنيد يحصل خصوصا في صفوف فرق “السلطان مراد” و”سليمان شاه” و”الحمزة”، وجميعها أرسلت مئات المقاتلين إلى ليبيا وناغورني قره باخ.

وذكرت “سكاي نيوز العربية” عن مصادر إلى وجود أنشطة مشبوهة تجري وتسهيلات تُقدم للذهاب لأوكرانيا والقتال ضد روسيا. والمستهدفين بالتجنيد حسب المعلومات هم عناصر وصلوا إلى ليبيا من مقاتلي فصائل إرهابية قدمت من سوريا.

وقد اتهمت روسيا الولايات المتحدة بتدريب “إرهابيين” في قاعدة “التنف” في سورية، ممن ينتمون لـ “جيش مغاوير الثورة” من أجل إرسالهم إلى أوكرانيا عبر بولندا، للقتال ضد القوات الروسية.

كما نشرت منظمة “سوريون من أجل العدالة”، في 23 مارس 2022 تفاصيل جديدة حول مشاركة سوريين في الحرب بين روسيا وأوكرانيا، تؤكد قيام عدة فصائل أبرزها “فرقة السلطان مراد”، التي يقودها فهيم عيسى، بتسجيل أسماء مئات المقاتلين الراغبين بالقتال في أوكرانيا. وذكرت المنظمة في تقريرها نقلاً عن قيادي معارض ضمن مرتبات “الجيش الوطني” المدعوم من قبل تركيا. ، أكد تسجيل نحو (900) إلى ألف اسم من ذوي الخبرة القتالية العالية، مع الحديث عن الحاجة إلى نحو (1300) مقاتل حالياً، سيقسمون على مجموعات، كل دفعة منهم تضم (210) مقاتلين لنقلهم في وقت ما لاحقاٍ. ويجري الحديث عن معدل أجور يتراوح بين (1000و200) دولار للشهر الواحد، ضمن عقود مدتها ستة أشهر..

تبعاً لذلك، نقل التقرير عن المصدر ذاته أن كل ذلك دون الحصول على الموافقة التركية النهائية لبدء عمليات النقل، لا رحلات حالياً، ولا وقت محدد لنقل المقاتلين، إذ لا توجد لغاية الآن موافقة كلية أو رفض كلي من الجانب التركي، وأن الأمر لا يزال في طور المناقشات، في ظل الحديث عن نية دول أوروبية التكفل بمهمة نقل المقاتلين مع استمرار الإشراف التركي عليهم.

تجنيد المقاتلين السوريين، الدوافع والأسباب

ترغب روسيا بتجنيد السوريين لتوفر كل أسباب التعبئة، فمن جهة الخبرة القتالية العالية التي اكتسبها المقاتل نتيجة الحرب التي أنهت عقدها الأول والتي قضت تقريبًا على داعش ومقاومة المتمردين، فالمقاتل السوري “تمرّس على خوض الأعمال القتالية وفي مختلف الظروف، ومختلف صنوف الحرب وتأثيراتها”.

وثمة حسابات متعلقة بمحاولة روسيا انتهاج سياسة مشابهة لتلك التي انتهجتها أوكرانيا، أي دعم مشاركة المقاتلين الأجانب لقواتها في صد الاجتياح الروسي.

وإلى جانب ذلك، تشير تقديرات عسكرية إلى رغبة روسيا بتقليل الخسائر البشرية في صفوف قواتها، من خلال الاعتماد على “المرتزقة” لتنفيذ مهمات صعبة مع اقتراب المعارك من الدخول في مواجهات مباشرة أكثر (حرب شوارع).

من جهة أخرى، الحرب السورية تركت الاقتصاد في حالة يرثى لها، فأولئك المقاتلين الذين صقلوا مهاراتهم خلال حرب دامت إحدى عشر عاماً لا يمكنهم العثور على عمل في المنزل. بدلاً من ذلك، يختارون أن يصبحوا مرتزقة، يقاتلون من أجل دول أجنبية لكسب لقمة العيش.

أما الجانب الرسمي السوري، يشعر الأسد بفضل بوتين في بقائه في قصره آمنا حتى الآن، وفي المقابل يسعى لرد الجميل بتقديم شيك على بياض، لموسكو بنقل جيشه جوا إلى أوكرانيا.

بالمقابل، فإن دوافع المقاتلين السوريين الى جانب أوكرانيا، إلى جانب الارتزاق المادي، يلقي العديد من المعارضين السورين باللوم على روسيا في تدمير بلادهم، ويتوق المقاتلون السابقون والحاليون إلى العثور على ساحة معركة أخرى لمحاربة الروس. حتى إن كانت في ساحة جارتها أوكرانيا،

التقييم

تعد سوريا أكبر تجمع منفرد للمقاتلين الأجانب ذوي الخبرة التي يمكن لروسيا الاستفادة منها لتوليد قوة قتالية إضافية بسرعة نسبية.  وتضم المجموعة سوريين يخدمون حالياً إلى جانب الشركات العسكرية الخاصة الروسية مثل مجموعة فاغنر، أو في الميليشيات السورية المدعومة من روسيا.  ويشمل أيضاً السوريين ذوي الخبرة السابقة في مثل هذه الوحدات التي يمكن إعادة حشدها.

يبدو الآن احتمال انتشار سوري محتمل في أوكرانيا أكثر مما كان عليه في أول أسبوعين من الغزوـ مع تراجع تقدم القوات الروسية أمام المقاومة الأوكرانية. لكن من المهم توخي الحذر من طوفان – الشائعات المحيطة بالموضوع من قبل المعارضة السورية – والآن الأوكرانية.  فعظم التقارير عن التجنيد الروسي في سوريا تضمنت أنصاف حقائق، بينما يبدو أن بعض السوريين وقعوا عقوداً للقتال في أوكرانيا، لا يوجد ضمان بأن هؤلاء المقاتلين سيتم إرسالهم بالفعل إلى هناك.  وإذا تم إرسال السوريين فسيكون عدداً صغيراً نسبياً من الأفراد، ليست وحدات عسكرية كاملة؛ سيكون لهم تأثير ضئيل أو معدوم على ساحة المعركة وسيكونون قد استدرجوا حتى الموت.

بغض النظر عما يحدث في أوكرانيا، فإن الافتقار إلى الفرص المالية وعدم الاستقرار في الداخل يعني أن الشباب السوري أصبحوا سلعة للتصدير إلى مناطق الحرب العالمية، وهي سلعة ستستمر روسيا، من بين آخرين كتركيا واوكرانيا، في استغلالها.

من الأفضل أن يركز تحليل هذا الموضوع على تأثيره المحتمل داخل سوريا. كلما زاد عدد المقاتلين من وكلائها الأساسيين الذين ترسلهم روسيا، زادت مخاطر إضعاف موقعها داخل سوريا والتي يمكن أن تستغلها تركيا وداعش والجماعات المناهضة للأسد.

 المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات

Happy
Happy
0 %
Sad
Sad
0 %
Excited
Excited
0 %
Sleepy
Sleepy
0 %
Angry
Angry
0 %
Surprise
Surprise
0 %

Average Rating

5 Star
0%
4 Star
0%
3 Star
0%
2 Star
0%
1 Star
0%

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

AlphaOmega Captcha Classica  –  Enter Security Code
     
 

Previous post ويل سميث ممنوع من الأوسكار لعشر أعوام
Next post تحديث مفاجئ للواتساب