سويسرا و اللاجئين 

Read Time:6 Minute, 31 Second

شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_ فر ملايين اللاجئين من أوكرانيا منذ الهجوم الروسي. في هذا التقرير، تُظهر المقارنة مع حركة اللاجئين في عام 2015 أن السياسة تحدد – بالإضافة إلى الجغرافيا – البلدان التي يفر إليها الناس، ومدى التضامن الذي يُبديه السكان المحليون مع اللاجئين الوافدين.

في عام 2015، قالت أنغيلا ميركل، المستشارة الألمانية السابقة: “يمكننا تحقيق ذلك!” وكانت تقصد استقبال الأعداد المتزايدة للاجئين في أوروبا، بسبب الحرب الأهلية في سوريا. لكن هذا التفاؤل سرعان ما تبخر. فقد هيمنت صور محطات القطار المكتظة على وسائل الإعلام. وإثر ذلك، احتفلت الأحزاب الشعبوية اليمينية بنجاح انتخابي تلو الآخر بفضل شعارات مناهضة لطالبي اللجوء. ونشب خلاف بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي حول من يتعيّن عليه أن يستقبل اللاجئين.

لكن ماذا تقول الأرقام في الواقع؟ ما هي الدول التي تأثرت بالظاهرة وإلى أي مدى؟

لمعرفة ذلك يُمكننا احتساب عدد اللاجئين الذين قُبلت طلباتهم مقارنة بالعدد السكان.

اللافت للنظر هنا هو أن عددا كبيرا من اللاجئين انتهى بهم المطاف في عام 2015 في كل من المجر والنمسا.

يمكن تفسير ذلك من خلال ما يُعرف بطريق البلقان، الذي كان يستخدمه غالبًا في ذلك الوقت اللاجئون القادمون من سوريا و العراق وأفغانستان والذين أرادوا الوصول إلى أوروبا الوسطى للعبور من خلالها إلى فضاء شنغن عبر مقدونيا الشمالية وصربيا. وكما هو معلوم، تنتمي جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تقريبًا – بما في ذلك المجر – وكذلك أيسلندا وإمارة ليختنشتاين والنرويج وسويسرا إلى فضاء شنغن الذي يتم داخله إلغاء  الحدود بشكل عام ويتم تنفيذ القوانين المتعلقة بالتنقل بشكل أساسي على حدوده الخارجية. وبالفعل، يقع جزء من هذه الحدود الخارجية لفضاء شنغن بين دولتي المجر وصربيا.

قانونيا، يجب تقديم طلبات اللجوء مرة واحدة فقط داخل فضاء شنغن، حيث تصبح الدولة العضو في اتفاقية شنغن التي يدخل إليها طالب اللجوء أولاً مسؤولة عن كل ما يتعلق بإجراءات اللجوء. وفي عام 2015، كان ذلك يعني عملياً الكثير من العمل للمجر، التي تقع على طريق هروب شهير والتي تعتبر بلد الدخول الأول للكثيرين.

كانت الدول الاسكندنافية، وخاصة السويد، بعيدة عن طرق الهروب ومع ذلك اختارها اللاجئون في كثير من الأحيان كبلد المقصد. كما توجّه عدد كبير من اللاجئين ​​إلى ألمانيا. ومن خلال مُعاينة الأرقام المطلقة، اتضح أنه تم تقديم أكبر عدد من طلبات اللجوء في أوروبا في عام 2015 في هذا الجار الشمالي الكبير لسويسرا.

بالمقارنة مع هذه البلدان، ظل عدد طالبي اللجوء في سويسرا منخفضًا. رغم ذلك، كان هناك العديد من البلدان التي تم فيها تقديم عدد أقل بكثير من الطلبات الأولية مقارنة بحجم السكان في عام 2015، ومنها على سبيل المثال فرنسا وإيطاليا، المجاورتين لسويسرا.

على صعيد آخر، لم تُسجّل تداعيات تُذكر في وسط وغرب أوروبا على إثر الإطاحة بنظام الحكم في أفغانستان وسيطرة مقاتلي حركة طالبان على كابول.

بعد الذروة المُسجلة في عام 2015، سرعان ما تراجعت طلبات اللجوء في معظم البلدان الأوروبية – بما في ذلك سويسرا. وكان الانخفاض أكثر حدة في المجر والسويد، اللتان شهدتا تقديم عدد كبير من طلبات اللجوء في عام 2015. رداً على ذلك، شدّدت السلطات في كلا البلدين سياساتهما في مجال اللجوء.

في عهد الرئيس فيكتور أوربان، لجأت المجر إلى اتخاذ تدابير صارمة حيث كان من المفترض أن يحول السياج الذي أقامته السلطات على طول الحدود اللاجئين من عبور الحدود الصربية المجرية. ومع مرور الوقت، نجحت المجر فعلاً في إعاقة طلبات اللجوء.

في عام 2020 ، تسببت الجائحة الصحية التي نجمت عن انتشار فيروس كورونا في تراجع موجات الهجرة بشكل قياسي في جميع أنحاء العالم. فمنعاً لانتشار الفيروس، تم تشديد الإجراءات على الحدود وبقيت الطائرات جاثمة على أرضية المطارات وظلت السفن في الموانئ. وهي عوامل أعاقت عمليات الهروب وجعلت منها أمراً صعباً . بل إن سيطرة حركة طالبان على الحكم في أفغانستان في صيف عام 2021 لم تتسبّب في ارتفاع شديد في عدد اللاجئين في أوروبا.

لكن الوضع تغيّر الآن مع فرار ملايين الأشخاص من أوكرانيا في أعقاب الغزو الروسي لأراضيها.

في الوقت الحاضر، تُواجه أوروبا ظاهرة غالبا ما يتم نسيانها عند مناقشة مسألة اللاجئين وهي أن معظم السكان لا يفرون بعيدًا من بلادهم، بل ينتهي بهم الأمر في البلدان المجاورة لمناطق الأزمات. ولكن على عكس عام 2015، عندما بدا للجمهور الغربي أن المناطق المتاخمة لمناطق الصراع بعيدة، أصبحت هذه البلدان موجودة الآن في القارة الأوربية نفسها.

وبالمقارنة مع البلدان المجاورة لأوكرانيا، فإن سويسرا لم تتأثر مجددا بشكل كبير. ذلك أن معظم الذين تقطعت بهم السبل متواجدون في البلدان المجاورة مثل بولندا ومولدوفا والمجر.

رغم ذلك، وبحلول منتصف شهر أبريل الماضي، تم تسجيل حوالي 40 ألف لاجئ أوكراني في سويسرا ، وهو نفس عدد طلبات اللجوء التي قُدمت خلال عام 2015 بأكمله من الوافدين من جميع البلدان.

2022: تضامن واسع بدلاً من الدفاع عن الحدود

على الرغم من ارتفاع عدد اللاجئين مثلما حصل في عام 2015، إلا أن الحالة المزاجية في سويسرا مختلفة بشكل ملحوظ. فالتضامن مع اللاجئين الوافدين كبير جدا ولا يتردد العديد من الأشخاص في استقبال العائلات الأوكرانية في منازلهم للتخفيف من الضغط الذي تُعاني منه مراكز اللجوء.

ولأول مرة، يتم تطبيق “وضع الحماية إس” – الذي له أساس قانوني منذ عام 1998 – على اللاجئين القادمين من أوكرانيا، وهو وضع يمنحهم حق الإقامة في سويسرا بسرعة دون الحاجة إلى الخضوع لإجراءات اللجوء العادية. بالإضافة إلى ذلك، فإن لهم – مثل الأشخاص المقبولين مؤقتًا – الحق في السكن والرعاية الطبية. وتؤيد غالبية الأحزاب الكبيرة القبول السريع وغير المعقد للاجئين من أوكرانيا.

أما في عام 2015، فقد كان الاستقبال أقل دفئًا، كما تظهر نظرة سريعة على البيانات الإعلامية الصادرة عن الأحزاب السويسرية الرئيسية في ذلك الوقت. ففي بيان إعلامي  ، حذر حزب الشعب السويسري اليميني المحافظ من العزلة والجريمة والتوترات الاجتماعية بسبب الوافدين. وطالب الحزب الحزب الليبرالب الراديكالي (يمين) بألا يتم استقبال اللاجئين من سوريا إلا بشكل مؤقت وبأن يعودوا في أسرع وقت ممكن عندما يهدأ الوضع، أما الحزب الديمقراطي المسيحي (حزب الوسط حاليا) فحذّر من المتطرفين.

فما هو السبب وراء هذا التغيير؟ تشرح فرانشيسكا فالك، وهي مؤرخة وخبيرة في تاريخ الهجرة في جامعة برن: “دار حديث كثير عن حقيقة أنها كانت مجموعات (سكانية) أخرى بصدد القدوم إلى هنا. لقد نُظر إلى هجرة الفرار القادمة من سوريا على أنها في الغالب من الذكور وأن سببها حربٌ أهلية، على الرغم من أن أطفالا ونساءً كانوا يفرون أيضا في ذلك الوقت”.

وفقًا لأمانة الدولة للهجرة، فإن ما بين 60 و70% من القادمين من أوكرانيا هم من النساء والأطفال. أما في عام 2015، فقد قدّم الرجال حوالي 70% من الطلبات الأولية.

في السياق، يكشف بيان إعلاميس صادر عن حزب الشعب السويسري حول وضع اللاجئين أن بعض المجموعات تبدو موضع ترحيب في سويسرا أكثر من غيرها. فقد طالب الحزب اليميني المحافظ “بعدم اختلاط العائلات الأوكرانية بالذكور، ومعظمهم من المهاجرين المسلمين”.

توضح فرانشيسكا فالك أن للسياسة تأثير كبير على كيفية النظر إلى مجموعات اللاجئين. “على عكس ما حدث في سويسرا، كان هناك استعداد كبير للمساعدة في ألمانيا في عام 2015. لقد كان هناك دعم سياسي وفرته عبارة أنجيلا ميركل “يُمكننا القيام بذلك! “، وهو أمر لم يكن موجودًا بهذا الشكل في سويسرا “. ولا ريب أن سبب الهروب يلعب أيضًا دورًا معينًا، ولكن “تصور المجموعات (في المخيال الجماعي) هو أمر حاسم بالنسبة للطريقة التي يتم معاملتها بها، وليس سبب الهروب في حد ذاته”، كما تؤكد المؤرخة.

فهل سيستمر التضامن الواسع الحالي أم سيتحول قريباً إلى إحباط؟ تتوقع المؤرخة سيناريوهين. السيناريو الأول: تراجع حركة التضامن. وهناك بالفعل بوادر أولى على ذلك. “ففي الآونة الأخيرة، لم يعد بإمكان القادمين الجدد من أوكرانيا اختيار مكان إقامتهم بحرية في سويسرا”.

أما السيناريو الأكثر تفاؤلاً من وجهة نظر المؤرخة، فهو أن تُثير موجة الفرار الحالية للاجئين مواضيع لم تطرح على طاولة النقاش من قبل، مثل الظروف المعيشية للأشخاص الذي أجبروا على الفرار. فلو سُجّلت تجاربُ جيّدة من خلال تطبيق وضع الحماية من فئة “إس”، فقد يؤدي ذلك إلى تحسّن عام في الظروف المعيشية لطالبي اللجوء في سويسرا على المدى الطويل، حسب رأيها.

(ترجمته من الألمانية وعالجته: مي المهدي)

swissinfo

Happy
Happy
0 %
Sad
Sad
0 %
Excited
Excited
0 %
Sleepy
Sleepy
0 %
Angry
Angry
0 %
Surprise
Surprise
0 %

Average Rating

5 Star
0%
4 Star
0%
3 Star
0%
2 Star
0%
1 Star
0%

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

AlphaOmega Captcha Classica  –  Enter Security Code
     
 

Previous post الديمقراطية في العالم العربي: مؤشرات التراجع والتحديات المستقبلية
Next post يعدّل خطة حظر النفط الروسي