السينما وأفلام  النخبة الوهمية التي تحكم العالم

Read Time:5 Minute, 34 Second

محمد عبد الخالق

شبكة  المدار الإعلامية  الأوروبية …_ من شاهد فيلم «Angels & Demons» للممثل المعروف توم هانكس، سيلفت انتباهه تلك الأسطورة التي كانت فكرة الفيلم تدور حولها، والتي تعرف باسم أسطورة «المتنورين – The Illuminatus»، أو السادة المفترضين الذين يتحكمون في شؤون العالم، ويعملون سرًا على إقامة نظام عالمي جديد.

ورغم أن الفيلم انتهى إلى وجود استغلال من أحد كبار القادة في الفاتيكان اسم المتنورين، عبر استدعاء هذه الأسطورة لإخافة بقية القادة والوصول إلى منصب البابوية، فإن هذا الفيلم أعاد إلى ال والسؤال: ما حقيقة المتنورين؟ وهل ما يزالون موجودين بالفعل ويتحكمون في العالم أم أنهم جماعة نشأت وانتهت؟ ثم يأتي السؤال الأهم: لماذا تعود تلك الأسطورة كل فترة من الزمن؟ ومن المسؤول عن هذه العودة؟

من هم «المتنورون»؟

بالنظر إلى تاريخ هذا المجتمع السري، سنجد أنهم كانوا جزءًا من المجتمع الألماني في عصر التنوير، فـ«المتنورون» جمعية سرية تأسست عام 1776 في مقاطعة بافاريا الألمانية، على يد مجموعة من المثقفين التقدميين بهدف معارضة الخرافات والظلامية والتأثير الديني على الحياة العامة وإساءة استخدام سلطة الدولة.

لكن صدر قرار حظر ضد هذه الجمعية من خلال مراسيم أصدرها تشارلز ثيودور، حاكم بافاريا المنتخب، بتشجيع من الكنيسة الكاثوليكية في أعوام 1784، و1785، و1787، و1790. وخلال السنوات اللاحقة، شوهت سمعة «المتنورين» بشكل عام من طرف النقاد المحافظين والمتدينين الذين اعتقدوا أن تلك الجمعية استمرت في العمل سرًا، وأنها المسؤولة عن قيام الثورة الفرنسية عام 1789.

وكما حدث مع الماسونيين  في القرون السابقة، وجد «المتنورون» أنفسهم خارجين على القانون تدريجيًا بسبب هجوم النقاد المحافظين والمسيحيين حتى تلاشت المجموعة من الوجود، ورغم هذا، استمرت الأسطورة في الظهور بين الحين والآخر.

الستينيات.. وعودة أسطورة «المتنورين»

بدأت قصة «المتنورين» تعود من جديد في ستينيات القرن العشرين، لكن هذه العودة لم تكن متأثرة بـ«المتنورين» البافاريين الأصليين على الإطلاق، بل تعلق الأمر بأحد منتجات عصر الثقافة المضادة وانتشار عقار «LSD» المهلوس والاهتمام بالفلسفة الشرقية في تلك الحقبة، إذ كان كل ذلك سبب في عودة «المتنورين».

ففي عام 1967، تدفق ما يقارب 100 ألف شخص على حي «هايت-أشبوري» في سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة، إيذانًا ببدء تغير ثقافي وسياسي كبير في المنطقة، وهو التجمع الذي أطلق عليه «صيف الحب »، في تلك الفترة كانت ظاهرة  الهبييز » منتشرة في كثير من الولايات الأمريكية، إلا أن مدينة سان فرانسيسكو تميزت بأنها كانت مركز ثورة ثقافة «الهيبيز»، ووعاء لصهر الموسيقى، ومركز انتشار «عقارات الهلوسة»، والحرية الجنسية، والتعبير الإبداعي، والسياسة.

أصبح تجمع «صيف الحب» هذا علامة فارقة في فترة ستينيات القرن العشرين تزامنًا مع تطور حركة الهبييز. وسط هذا التجمع، وحينذاك بدأت أسطورة «المتنورين» في العودة عندما ظهر كتاب صغير مطبوع يسمى principia discordia « » كان هذا الكتاب بمثابة نص ديني يتعلق بالحركة الديسكورية (عقيدة المخالفين) والتي تهدف لضعضعة النظام الاجتماعي.

أذهان فكرة المجتمع السري الذي يحكم العالم من جديد، لأذهان عامة الناس. طبع هذا الكتاب لأول مرة بشكل بسيط ومحدود عام 1963، وفي عام 1965، نُشرت الطبعة الثانية تحت عنوان «Principia Discordia» والتي تعني «مبادئ متعارضة» أو «مبادئ الخلاف»، في طبعة محدودة من خمس نسخ، ويفترض أن عبارة «Principia Discordia»، تذكرنا بمبادئ إسحاق نيوتن الرياضية والتي كتبها عام 1687 تحت عنوان «Principia Mathematica».

كان الكتاب، باختصار، نصًا ساخرًا لـ «عقيدة المخالفين، استحضره اللاسلطويون والمفكرون المتحمسون ليطلبوا من قرائه عبادة «إيريس»، إلهة الفوضى، واشتمل على نظرة جمعت بين أحد مؤلفي الكتاب، كيري ثورنلي، وبين أحد الكتاب ويدعى روبرت أنطون ويلسون، والذين كانا يريان أن العالم أصبح سلطويًا للغاية، وضيقًا للغاية، ومنغلقًا للغاية، ومسيطرًا للغاية.

من هنا، أراد ويلسون وثورنلي إعادة الفوضى إلى المجتمع لزعزعة الأمور عبر نشر المعلومات المضللة والخاطئة من خلال جميع الطرق المتاحة: الثقافة المضادة، واستغلال وسائل الإعلام السائدة، وقررا أنهما سيفعلان ذلك في البداية من خلال سرد قصص عن «المتنورين».

«المتنورون».. النخبة السرية التي تحكم العالم

في ذلك الوقت، عمل  ويلسون في مجلة الرجال «بلاي بوي»، وبدأ هو وثورنلي في إرسال رسائل مزيفة لقراء المجلة يتحدثون عن هذه المنظمة السرية المسماة «المتنورون» ثم أرسلوا المزيد من الرسائل التي تناقض الرسائل التي كتبوها مسبقًا.

كان الهدف من هذا الأمر هو أنك إذا أعطيت وجهات نظر معاكسة كافية لقصة ما، فمن الناحية النظرية سيبدأ السكان عمومًا في النظر إلى هذه الأشياء والتفكير فيها بشكل أكبر، إنها بمثابة وسيلة مثالية لجعل الناس يستيقظون على الحقائق المقترحة المقدمة لهم حول ما يعيشونه، ليبدأوا في ربط هذه الحقائق المفترضة مع ما يحدث في حياتهم.

بعد ذلك، كتب ويلسون مع زميل له في مجلة «بلاي بوي» سلسلة كتب باسم «ثلاثية المتنورين، التي تناولت عمليات التستر التي وقعت في تلك الفترة من طرف الحكومات، مثل حادثة اغتيال جون كينيدي، وغيرها، من هنا، انتشرت الأسطورة على نطاق واسع.

ونجحت هذه الكتب بشكل كبير لدرجة أنها تحولت إلى مسرحية في ليفربول، كما أن فرقة الموسيقى البريطانية «The KLF» أطلقوا على أنفسهم أيضًا «The Justified Ancients of Mu Mu» وهو اسم فرقة الموسيقى الديسكوردية التي ظهرت في «ثلاثية المتنورين» وبعد ذلك، ظهرت لعبة ورق باسم «المتنورين» في عام 1975، والتي ارتبطت قوة بجيل كامل من الشباب الذين اعتقدوا بوجود تلك الجماعات السرية التي تحكم العالم.

أسطورة «المتنورين».. باقية وتتمدد

اليوم، تعد أسطورة «المتنورين» واحدة من أكثر نظريات المؤامرة انتشارًا في العالم، إذ ينتشر اعتقاد بوجود جماعة سرية تتآمر للسيطرة على الشؤون العالمية، من خلال تدبير الأحداث وزرع وكلاء في الحكومة والشركات الكبرى، من أجل الحصول على السلطة والنفوذ السياسيين وإقامة نظام عالمي جديد.

في قلب بعض نظريات المؤامرة الأكثر شهرة، يجري تصوير «المتنورين» على أنهم أولئك الذين يتربصون في الظل ويهيمنون على خيوط السياسة ومراكز القوة، طبقًا لما ظهر في عشرات الروايات والأفلام والبرامج التلفزيونية والكوميديا ​​وألعاب الفيديو ومقاطع الفيديو.

واستخدم بعض المشاهير مثل جاي زي وبيونسيه رمزية «المتنورين»، ورفعوا أيديهم بعلامة مثلث «المتنورين» في الحفلات الموسيقية، كل هذا دون أن يعلم هؤلاء أن كل هذا الأمر مزيف، وهو نتاج لعبة قام بها بعض أنصار الديسكوردية لا أكثر، بالإضافة إلى هذا انتشار الأفلام التي تتبنى مثل هذه النظريات مثل فيلم «Angels & Demons» وفيلم «The Da Vinci Code» للممثل الكبير توم هانكس.

الآن، تتواجد شبكة الإنترنت التي تربط العالم كله بضغطة زر، وهو ما ساهم في مشاركة ونشر شائعات المتنورين على مواقع معروفة مثل «4chan» و«Reddit» والتي جذرت الأسطورة في أذهان قطاع لا بأس به من الشباب اليوم، بسبب سهولة انتشار المعلومات وتداولها، أصبحنا نعيش في عالم مليء بنظريات المؤامرة.

ففي عام 2015، على سبيل المثال، اكتشف علماء السياسة أن حوالي نصف سكان الولايات المتحدة يؤيدون نظرية مؤامرة واحدة على الأقل، وتشمل هذه النظريات أي شيء من «المتنورين» إلى مؤامرة الكائنات الفضائية التي تخفيها الحكومة، أو حتى الاعتقاد السائد بأن الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001 كان عملًا داخليًا قامت به أجهزة المخابرات الأمريكية.

وبالنسبة لبعض المؤمنين بنظريات المؤامرة، فإن هذه النظريات يمكن أن توفر إطارًا عقلانيًا للناس لفهم الأحداث التي تسبب إرباكًا أو تهدد احترام الذات لديهم، هم فقط يريدون تقديم تفسير بسيط يشبع فضولهم حول بعض الأحداث التي لم يجر تفسيرها بشكل واضح وسريع.

ساسا بوست

Happy
Happy
0 %
Sad
Sad
0 %
Excited
Excited
0 %
Sleepy
Sleepy
0 %
Angry
Angry
0 %
Surprise
Surprise
0 %

Average Rating

5 Star
0%
4 Star
0%
3 Star
0%
2 Star
0%
1 Star
0%

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

AlphaOmega Captcha Classica  –  Enter Security Code
     
 

Previous post محمد بن زايد رئيسا للإمارات
Next post جدل من جديد حول الذبح الحلال في بلجيكا