بينيت على حافة الهاوية: عام واحد على التحالف الإسرائيلي غير المستقر

Read Time:7 Minute, 28 Second

ديفيد ماكوفسكي

شبكة  المدار الإعلامية  الأوروبية …_ على الرغم من التقدم الذي أحرزته الحكومة الإسرائيلية في تعميق علاقاتها الخارجية وحمايتها للمؤسسات المحلية وإدخالها القادة العرب الإسرائيليين في عملية صنع القرار الوطني، إلا أنه قد يتم إسقاطها قريباً بسبب مناورات المعارضة وتداعيات الهجمات الإرهابية.

في 13 حزيران/يونيو، احتفلت الحكومة الائتلافية في إسرائيل برئاسة رئيس الوزراء نفتالي بينيت بالذكرى السنوية الأولى لتأسيسها – وهو إنجاز جدير بالملاحظة بالنظر إلى التسلسل الطويل من الانتخابات الخاطفة والجمود السياسي الذي سبقها. ومع ذلك، يظل وجود التحالف غير مستقر في أحسن الأحوال حتى مع بلوغ هذه المرحلة الهامة. ويبدو أن أيامه معدودة، حتى لو تمكن بطريقة ما من الصمود في الدورة البرلمانية التي ستُعقد في فصل الصيف.

نجاحات حكومة بينيت

تَمثل أحد المبادئ التنظيمية للائتلاف في الاعتقاد بأن استقلال مؤسسات إنفاذ القانون والقضاء في إسرائيل كان في خطر وسط محاكمة رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو بتهمة الفساد. وعلى أبسط المستويات، يمكن رؤية نجاحات حكومة بينيت على هذا الصعيد في أدائها اليومي. فبينما اعتبر نتنياهو الميزانيات السنوية والتعيينات المنتظمة بمثابة تقييد لسلطته، إلّا أن الحكومة الحالية أقرت الميزانية في الخريف الماضي – وهي الأولى منذ عام 2018 – وشغلت عشرات المناصب الدبلوماسية والقضائية التي ظلت معلقة لسنوات.

كما تم أيضاً تحقيق النجاحات في مجالات أخرى. فقبل وصول بينيت إلى السلطة مباشرة، خاضت إسرائيل صراعها الرابع مع غزة منذ عام 2009، مما تسبّب بدمار واسع النطاق ودفع المواطنين إلى الملاجئ. لكن خلال العام الماضي، لم يجرِ إطلاق الكثير من الصواريخ من غزة باتجاه المجتمعات الإسرائيلية، ستة صواريخ في الواقع، مقارنة بأكثر من ألف صاروخ خلال الحرب. وفي نزاع أيار/مايو 2021 اندلعت أعمال شغب في عدة مدن إسرائيلية يعيش فيها اليهود والعرب في أحياء مجاورة. ومع ذلك، لم يحدث أي عمل من هذا القبيل منذ وصول الائتلاف الجديد إلى السلطة. وبناءً على طلب شركائها العرب، أعطت الحكومة الأولوية لزيادة عمل الشرطة في البلدات العربية المهملة منذ فترة طويلة، مما أدى إلى الحد من الجريمة المنظمة في هذه الأحياء بنسبة تصل إلى 30٪.

وفي الواقع، كان إدراج “القائمة العربية الموحدة” الإسلامية كشريك من أهم التجارب التي خاضتها الحكومة. وفي قلب هذا الجهود، يقف زعيم “القائمة العربية الموحدة” منصور عباس، الذي أظهر شجاعة سياسية وشخصية من خلال عدم تحدي طابع إسرائيل كدولة يهودية، وبدلاً من ذلك أعطى الأولوية لتقديم ميزانيات وخدمات أكبر لعرب إسرائيل في حين رسم مسار للتعايش اليهودي العربي. ووفقاً لنتائج استطلاع للرأي أجرته “الجامعة العبرية” في آذار/مارس 2022، بدا أن مساره المعتدل يحقق نجاحات كبيرة بين الإسرائيليين اليهود. ففي استطلاع سابق أجري في كانون الثاني/يناير 2021، رفض اليهود فكرة دمج حزب عربي في ائتلاف حاكم بهامش 56٪ مقابل 25٪، وبهامش 76٪ مقابل 7٪ بين مؤيدي اليمين السياسي. لكن بحلول شهر آذار/مارس من هذا العام، كانت الأرقام قريبة من التكافؤ بين اليهود بشكل عام (37٪ موافقة مقابل 41٪ رفض) وتحسنت إلى حد ما في صفوف اليمينيين أيضاً. (وتُظهر استطلاعات أخرى أن المستجيبين غير المعجبين بحكومة بينيت يميلون إلى تفضيل عيش اليهود والعرب [في مدن] منفصلة).

وفيما يتعلق بعلاقات إسرائيل مع الولايات المتحدة، سعى بينيت ووزير الخارجية يائير لابيد ووزير الدفاع بيني غانتس إلى تجنب الاصطدامات مع واشنطن كما حدث في عهد نتنياهو. وقد ساعد ذلك أن الرئيس بايدن يؤمن وبصورة مماثلة بحل الخلافات مع إسرائيل بجو يتسم بالهدوء. وتمثل هدف كلتا الحكومتين في تجنب جعل إسرائيل قضية حزبية في الولايات المتحدة، مع معالجة بعض الجراحات التي وقعت أثناء إدارة أوباما. ولم يتم اختبار هذا النهج في أي مجال أكثر من الاتفاق النووي الإيراني، الذي يشكل قضية معقّدة هي مصدر توتر متكرر وتستلزم تحليلها الخاص ومع ذلك، دعمت إدارة بايدن معارضة إسرائيل لشطب “الحرس الثوري الإيراني” من قائمة “المنظمات الإرهابية الأجنبية” كجزء من اتفاق نووي.

وتَمثل النجاح الكبير في السياسة الخارجية للحكومة الجديدة في قدرتها على تعميق العلاقات مع القادة الرئيسيين في المنطقة مثل العاهل الأردني الملك عبد الله (الذي كانت له علاقة مريرة مع نتنياهو)، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس الإمارات العربية المتحدة محمد بن زايد. وكانت العلاقات الثنائية مع الإمارات قد تنامت بالفعل منذ أن وقّعت حكومة نتنياهو على “اتفاقيات أبراهيم”، لكن العلاقات الشخصية بين العاصمتين تعمقت في عهد بينيت، خاصة بعد أن قدمت إسرائيل المساعدة العسكرية لأبوظبي في أعقاب هجمات المتمردين الحوثيين من اليمن. وبلغ هذا التقارب ذروته في القمة التي ضمّت خمس دول والتي عُقدت هذا الربيع في سديه بوكير، موطن الزعيم الصهيوني الشهير ديفيد بن غوريون. وشهدت القمة التي حضرها وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكين، قيام لبيد باتصالات وثيقة مع أربعة من نظرائه العرب عبر تطبيقي “واتس آب” و”سيغنال” للرسائل الفورية، ثم شكل لبيد ست مجموعات عمل حول قضايا مثل الأمن والمناخ والصحة، ووفر إطار عمل جديد يهدف إلى تعميق العلاقات بين هذه الدول. ومع ذلك، ففي حين تحسنت العلاقات بين الحكومات التي هي طرف في “اتفاقيات أبراهيم”، إلّا أن قائمة هذه الدول قد لا تطول إلا إذا أدّت زيارة الرئيس بايدن المخطط لها إلى المنطقة الشهر المقبل إلى تحفيز اتخاذ الخطوات الأولى [لتطبيع العلاقات] بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية.

السعي لتحقيق التوازن في الشؤون الفلسطينية وسط هجمات أحزاب اليمين

على الرغم من الإنجازات التي حققها الائتلاف خلال العام الماضي، إلا أن غضب أحزاب اليمين منعه من الاستمتاع بيوم واحد من السلام في الكنيست. وتم توجيه الكثير من هذا الغضب شخصياً نحو بينيت وحزبه بسبب انتزاعهم أصوات اليمين لصالح تشكيل حكومة مختلطة مع أحزاب من اليسار والوسط. وفي بعض الحالات، تعرض أعضاء الحزب وعائلاتهم للتخويف في أحيائهم، مما دفع اثنين على الأقل من أعضاء الكنيست وربما ثلاثة إلى الانسحاب من التحالف. وتضررت أيضاً شعبية بينيت بسبب الهجمات الإرهابية التي نُفذت خلال شهر رمضان، عندما قُتل 19 إسرائيلياً. وتاريخياً، مالت مثل هذه الهجمات إلى الدفع بالإسرائيليين إلى التعاطف مع اليمين – وفي الواقع، أظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة مكاسب لنتنياهو، مما جعله قريباً من عدد الأصوات المتوقعة اللازمة لفرض تشكيل حكومة جديدة، في حين تراجعت أرقام الاستطلاع المأمولة في آذار/مارس حول التعايش بين اليهود والعرب منذ هجمات رمضان.

وسعت الحكومة، في مواجهة تحدياتها السياسية، إلى تحقيق توازن بشأن القضية الفلسطينية الحساسة خلال العام الماضي. وعلى الرغم من أن بينيت استبعد إجراء مفاوضات سياسية مع الفلسطينيين في الوقت الحالي، إلا أنه سمح لغانتس بمتابعة الحوار الاقتصادي حول المشاريع التي ستوفر 20 ألف فرصة عمل جديدة لسكان غزة في إسرائيل – وهو عامل يبدو أنه يحد من استعداد حركة «حماس» لإطلاق الصواريخ في الوقت الحالي. لكن بشكل عام، يعتبر الفلسطينيون ما عرضته إسرائيل على أنه غير كاف.

وفي غضون ذلك، حاول بينيت صد هجمات أحزاب اليمين من خلال تسليطه الضوء على مجموعة التوقعات غير الصحيحة حول وقوع كوارث كما صدر من قبل نتنياهو – أي أن الحكومة الجديدة سوف تتغاضى عن القضايا الرئيسية مع واشنطن (على سبيل المثال، النشاط الاستيطاني؛ إعادة فتح قنصلية أمريكية في القدس الغربية)، والتعرض لإطلاق النار من غزة، ووقف جميع العمليات السرية ضد إيران. ولم تتحقق أي من تلك التوقعات.

ومع ذلك، فمن الواضح أن أي محاولة إسرائيلية لتنحية الصراع الفلسطيني جانباً لفترات طويلة من الزمن ستكون صعبة، إن لم تكن مستحيلة. نعم، لقد أظهر قادة الخليج أن لديهم أولويات أخرى، لكن لا يمكنهم تجاهل اندلاع اشتباكات في جبل الهيكل/الحرم الشريف خلال شهر رمضان، والتي يتردد صداها الديني في جميع أنحاء الدول العربية ووسائل الإعلام (على سبيل المثال، عبّرت الإمارات العربية المتحدة عن موقفها الحازم لإسرائيل في هذا الشأن خلال الشهر الماضي). علاوةً على ذلك، لم تأخذ حكومة بينيت بالاعتبار إصرار نتنياهو المذهل على أن يصوّت حزب “الليكود”، إلى جانب “القائمة المشتركة” للأحزاب العربية خارج الائتلاف، على قوانين أساسية تتعلق بالصراع الفلسطيني. إن واقع عدم تورّع نتنياهو عن التحالف مع الفصائل التي تعارض طابع إسرائيل اليهودي هي حقيقة مثيرة للتهكم بالنظر إلى اتهاماته المتكررة بأن حكومة بينيت ليست صهيونية بما فيه الكفاية.

ونتيجةً لذلك، تشعر الحكومة بالضغط من كلا الطرفين. فمن جهة يهدد أحد أعضاء حزب بينيت بترك الإئتلاف ما لم يُعيد البرلمان التأكيد على قانون يمكّن المستوطنين الإسرائيليين من الخضوع للولاية القضائية الإسرائيلية، في حين يعارض عضوان في معسكر اليسار في الائتلاف القانون نفسه. وتواجه الحكومة هذا الوضع الدقيق جدّاً وسط جهود متواصلة لإقناع المنتقدين في داخلها بالاستقالة لصالح الأعضاء الأكثر دعماً لسياسات القيادة. وبالنظر إلى زيادة شعبية نتنياهو في استطلاعات الرأي منذ الهجمات الإرهابية، فلا يمكن استبعاد إجراء انتخابات جديدة بحلول نهاية العام الحالي.

الخاتمة

ظهرت بعض الدروس الرئيسية المستخلصة من السنة الأولى للحكومة الائتلافية في السلطة. أولاً، تبيّن أنه يمكن للأطراف داخل الائتلاف وخارجه العمل معاً رغم الاختلافات في التوجهات عندما لا يكون الصراع الإسرائيلي الفلسطيني في مركز الصدارة – وأن القيام بذلك يمكن أن يحسّن العلاقات مع واشنطن ودول الخليج. ومع ذلك، فمن المفارقات، أن هذا الصراع يؤثر بدرجة كبيرة على الحياة اليومية في إسرائيل بحيث لا يمكن تجاهله تماماً، خاصة عندما يكون أعضاء المعارضة السياسية من اليمين على استعداد لاستغلال الموقف تكتيكياً من خلال التصويت جنباً إلى جنب مع الأحزاب التي تعارض مبادئهم الأساسية. ومن السابق لأوانه معرفة ما إذا كانت تجربة دمج عرب إسرائيل في صنع القرار الحكومي ستستمر، ومع ذلك يبدو مجدداً أن الإرهاب يوجّه الإسرائيليين نحو اليمين السياسي – تماماً كما كان عليه الحال منذ عقود – ويعرّض التحالف المختلط لخطر كبير.

معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى

Happy
Happy
0 %
Sad
Sad
0 %
Excited
Excited
0 %
Sleepy
Sleepy
0 %
Angry
Angry
0 %
Surprise
Surprise
0 %
Previous post اتفاق لتعزيز صادرات الغاز لأوروبا
action active activity adult Next post نصائح للصحفيين للحصول على بيانات النزاع المسلح وأحداثه