النقد العربي الحديث في سوريا بين التوجهات والمنهجية

Read Time:4 Minute, 9 Second

سوزان سديف الأسعد

شبكة المدار الإعلامية الأوربية …_ بدأ النقد العربي الحديث المرحلة المنهجية في نهاية الأربعينات ومطلع الخمسينات , وقد ظهر تحول في النقد العربي عبر عنه د. محمد مندور من خلال منهجه الأيديولوجي الذي مثل محاولة منه لمواكبة واقع النقد العربي الذي عرف مناهج عدة في طليعتها المنهج الواقعي , وغيره من المناهج التي تقر بالوظيفة الاجتماعية للأدب , والتي جعلت البحث في الدلالة الاجتماعية إحدى المقولات المنهجية في النقد كالمنهج الواقعي والوجودي والاجتماعي , ولعل هذا ماجعل منهج مندور على سبيل المثال مزيجا من الواقعية والوجودية .وثمة عوامل ساهمت في منهجة النقد العربي أهمها ماشهدته الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي من الانفتاح على الأفكار والثقافات الأوروبية خاصة والغربية عامة وكانت بلاد الشام أكثر انفتاحاً من غيرها من الأقاليم العربية الأخرى على الفكر والثقافة الأوروبية , لذا تعد تلك الفترة فترة ممهدة للنقد المنهجي العربي ,ففي هذه الفترة ظهر توجهان هما التوجه القومي والتوجه اليساري الاشتراكي .وكلاهما كانا تقدميين بالمعنى السياسي والاجتماعي والفكري , لا بل كانا متداخلين في كثير من القضايا التي كانت تشغل المجتمع آنذاك , وعرف أيضا التوجه الشكلي في الفترة ذاتها ,ونقول أن التوجه النقدي الشكلاني هو نقيض التوجهين القومي واليساري بكل تدرجاتهما (الواقعي والوجودي والاجتماعي) لأن نقد هذين التوجهين كان يعلي من شأن الوظيفة الاجتماعية للأدب ومن مرجعيته الواقعية والقومية والاجتماعية والإنسانية ,في حين أن التوجه الشكلي بكل تدرجاته (الرمزية ,السريالية , الرومانسية الشكلية ) كان لا يؤمن بتلك الوظيفة وتلك المرجعية وذلك الدور الذي يؤديه الأدب بالنسبة إلى المجتمع ؛فالأدب هو إبداع له طابع فردي لا إجتماعي أو كما قال أدونيس : (الشعر نوع من السحر , لأنه يهدف إلى ان يدرك مالايدركه العقل , أصبحت القصيدة كيمياء شعورية , وأقصد بالشعور هنا حالة كيانية يتوحد فيها الانفعال والفكر )

شهدت بلاد الشام في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي صراعاً فكرياً واجتماعياً حاداً كان انعكاساً للصراع بين الأحزاب القومية التقدمية , والأحزاب اليسارية التقدمية , وكل حزب من هذه الأحزاب سعى لاستقطاب أكبر عدد من الجماهير , وكانت المقالات الفكرية والملتقيات هي السبيل إلى ذلك وأدرك جميعهم ما للأدب من دور في تكوين وعي الجماهير ومواقفهم ,فنشطت الترجمة بصورة ملحوظة وقد اختيرت وفقا لقناعات المترجمين الفكرية والعقائدية والأدبية .فتعرف القارئ على أدبيات الاشتراكية مثل كتب بليخانوف ,مايكوفيسكي , تولستوي , وكان لمجلة النقاد دور كبير في تعريف القارئ العربي بأهم الأعمال الأدبية والأطروحات والمناهج النقدية .ولعل ماقدمه جلال فاروق الشريف نموذجاً على ذلك إذ قدّم عدداً من المقابلات مع كل من غوركي وايفانوف وتعرف من خلالها القراء على الفلسفة الوجودية التي كانت في الخمسينات والستينات إحدى التوجهات الفكرية الأساسية التي استحوذت على اهتمام أنصار التيار القومي في النقد العربي الحديث في بلاد الشام .ولم تكن الأدبيات الواقعية والوجودية هي وحدها التي قدمت للقارئ العربي في تلك الفترة بل تزامنت مع أدبيات وأفكار أخرى لا تؤمن بالوظيفة الاجتماعية للأدب , وتعبر عن مفهوم معارض لمفهوم الالتزام , وتدعو إلى أدب يكون الأديب فيه حراً حرية مطلقة وأن يكون فيه الأديب مخلصاً إخلاصاً تاماً لفنه وإبداعه وذاته ,وكانت لآراء كروتشه في الفن والأدب وخاصة في كتابه المجمل في فلسفة الأدب أثر كبير عند النقاد , فنادوا لإنشاء أدب يندرج تحت مسمى الفن للفن ومثال ذلك الأعمال الأولى لنزار قباني ولاسيما ديوانه طفولة نهد ,حين رأى أن الشعر ” لا غاية له إلا أن يكون شعرا” فالشعر في نظره منزه عن أية غاية أو وظيفة .ويمكن تلمس هذين التوجهين الأساسيين في نقد بلاد الشام من خلال مظهرين اثنين :

الأول :مجموعة المقالات الفكرية والنقدية التي نشرت في المجلات والدوريات التي كانت تمثل منابر لأعلام هذين التوجهين النقديين , فكانت مجلة النقاد السورية منبراً حراً إذ كتب فيها جميع النقاد والمفكرين والأدباء السوريين , وكانت مجلة الثقافة الوطنية البيروتية منبراً للمفكرين الماركسيين وللنقد الواقعي , وكانت مجلة (الآداب )منبراً للقوميين والوجوديين .الثاني : التجمعات واللجان والروابط الأدبية التي تأسست في أغلب المدن السورية وتأتي رابطة الكتّاب السوريين في طليعة هذه التجمعات , والتي تحولت لاحقاً إلى إتحاد الكتّاب السوريين ثم إتحاد الكتّاب العرب وضمت الرابطة عدداً من الكتّاب والنقاد والمفكرين السوريين وأغلبهم من ذوي التوجه القومي مثل حسين مروة صاحب كتاب (دراسات نقدية في ضوء المنهج الواقعي )ومحمد دكروب صاحب كتاب (الأدب الجديد والثورة ) وحنا مينة وشوقي البغدادي وغيرهم.ويعد كتاب (شحادة الخوري )(الأدب في الميدان ) من أهم مؤلفات الخمسينات في بلاد الشام ,إذ عبّر عن انتمائه للأدب الواقعي  ولم يكن خوري بعيداً عن رابطة الكتّاب العرب بل كان أحد أهم أقطابها ,وقد عرض الخوري في هذا الكتاب لأهم المسائل المتعلقة بالإبداع والنقد وقدّم فهمه الواقعي لهذه المسائل , إذ عرف الأدب أنه : “فن يكشف حقائق الكون والإنسان ومرآة للحياة تعكس أحداث الطبيعة والمجتمع شرط أن لا يكون العكس الفني انفعالا بالواقع بل فاعلاً في هذا الواقع , وهو وفقاً لهذا يكون سلاحاً لخدمة الحق والدفاع عن الحرية ولايعود حديثاً عن الناس والوجود وإنما رصداً لتفاعل الإنسان مع واقعه “ورفض الخوري الأدب السلبي الذي يعبّر عن شكوى من الواقع ونادى بأدب تحتاجه الأمة العربية ويصوّر كفاحها الوطني والاجتماعي والإنساني لأن هذا النوع من الأدب هو الأدب الخالد , ويطالب الأدباء بالاستفادة من المعارف الإنسانية كافة , الفلسفية والاجتماعية والتاريخية والعلمية لخلق أدب عميق وفاعل في الحياة ومؤثر في القراء , وكان الخوري على وعي تام بعناصر العمل وأدوات الأديب  لذا نبّه الأدباء من الوقوع في خطأ إيلاء المضمون أهمية تفوق ما للشكل من أهمية الفن ,لذا رأى أن الفن هو الذي يعطي الأدب روعة الشكل ودقة التعبير.

شبكة المدار الإعلامية الأوربية …_

Happy
Happy
0 %
Sad
Sad
0 %
Excited
Excited
0 %
Sleepy
Sleepy
0 %
Angry
Angry
0 %
Surprise
Surprise
0 %

Average Rating

5 Star
0%
4 Star
0%
3 Star
0%
2 Star
0%
1 Star
0%

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

AlphaOmega Captcha Classica  –  Enter Security Code
     
 

Previous post فلسطينُ ضحيةُ الحربِ العالميةِ الأولى
Next post حبس مفتش شرطة لاستخدامه الإعلام بشكل غير سليم في انتويرب