التحول السياسي في البرازيل: من انحرافات اليسار إلى مأزق اليمين المتطرف

Read Time:19 Minute, 37 Second

عثمان الزياني

شبكة المدار الإعلامية الأوربية …_ تبحث هذه الورقة في التحول السياسي الذي شهدته البرازيل بعد الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها زعيم اليمين المتطرف جايير بولسونارو. وتتناول مسألة جوهرية تتعلق بكشف التغيرات الطارئة على المزاج الانتخابي وأسباب هزيمة اليسار وصعود اليمين المتطرف مع بروز ظاهرة “ترامب البرازيل بولسونارو”. وتكشف تداعيات هذا الحدث وتأثيراته وامتداداته على السياستين الداخلية والخارجية في ظل الأزمات التي تتخبط فيها البرازيل.مثّلت الانتخابات الرئاسية مرحلة مفصلية في التاريخ السياسي للبرازيل؛ فقد أفرزت تحولات في المشهد السياسي/ الانتخابي، من خلال صعود اليمين المتطرف والهزيمة المدوية لليسار؛ إذ آلت إلى فوز جايير بولسونارو. وهي النتيجة التي خالفت توقعات كثيرة، لتقطع بذلك البرازيل مع فترة حكم اليسار بإيجابياتها وسلبياتها، وتدخل مرحلة جديدة حملت معها تساؤلات وتحديات، خصوصًا أن كثيرًا من الباحثين يعتبرون أن من الأسباب الرئيسة في هذا التحول السياسي هو ما آلت إليه تجربة اليسار بعد الانطلاقة الجيدة التي تلتها إخفاقات وانحرافات، وبروز قضايا الفساد والركود الاقتصادي والأمن. لا شك في أن هذا التحول يبين أن تغيرًا طرأ على مستوى المزاج الانتخابي للكتلة الناخبة للشعب البرازيلي الذي عبّر عن رغبته في التغيير مهما كانت التكلفة؛ أي حتى باستعمال أدوات الاستبداد. وخضع هذا المزاج بدوره لدعاية انتخابية محكمة قادها بولسونارو الذي استطاع النفاذ إلى عقول الجماهير واستمالة الفئات المترددة بواسطة نهج خطابي يتقاطع مع المسلك الذي سلكه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، على نحو جعل كثيرًا من المتتبعين يرون في بولسونارو صورة “ترامب أميركا” مما استتبع حمله لقب “ترامب البرازيل” أو “ترامب الاستوائي”. وأمام هذا الوضع تتشكل البرازيل الجديدة على مستوى السياستين الداخلية والخارجية اللتين ربما تخضعان لتبدلات قد تؤول إلى وضع أسوأ، في حال تمسّك بولسونارو بوعوده الانتخابية وشعاراته التي تغلب عليها نبرة عنصرية وشعبوية زائدة. ومن أجل تفكيك هذه المتغيرات، ارتأينا مقاربتها.

أولًا: المزاج الانتخابي البرازيلي والبحث عن القائد المنقذ/ الملهم

أنهى انتخاب الرئيس جايير بولسونارو الذي ينتمي إلى الحزب الليبرالي الاجتماعي اليميني في البرازيل حقبة من هيمنة اليسار على الحكم، وعبّر عن تغيرات محورية في المزاج الشعبي للناخب البرازيلي؛ ففي خضم الصراع بين اليسار واليمين المتطرف، برز بولسونارو اليميني الذي عرف كيف يدغدغ مشاعر الجماهير بالحفاظ على التقاليد والعادات، ووظف الوسائل والتكتيكات المختلفة المشروعة أو غير المشروعة لمواجهة خصومه، ولم يتوان في الإساءة إلى بعض فئات المجتمع علنًا من دون مراعاة للأخلاق أو للاختلاف والتنوع المتأصل في المجتمع البرازيلي، كما اتخذ من محاولة اغتياله وسيلةً لاستجداء عطف الجماهير. ورفع شعار محاربة الفساد والحاجة إلى حكومة حديدية تنتشل البرازيل من براثن أزمة اقتصادية قائمة وفسادٍ مستشرٍ تتخبط فيه، على الرغم من الحملة الشرسة التي قادتها الأحزاب اليسارية ضده من خلال اتهامه بالكذب. ورفع أيضًا شعار “البرازيل فوق كل شيء والله فوق الجميع”. وتعهد بحكم البرازيل بـ “الكتاب المقدس والدستور”، و”تغيير مصير” البلاد؛ فقد وعد خلال حملته الانتخابية بنقل البلاد إلى واقع جديد تمامًا، والقضاء على الفساد، وإنعاش الاقتصاد المعطل، وتخفيض الضرائب التي يعانيها المواطن البرازيلي، مشيرًا إلى المتاعب والنجاح في هذا المجال. كما أعطى الأولوية لملف المراقبة الأمنية وتخفيض معدلات الجريمة، حتى باستخدام القوة، وتحصين الجيش من المساءلة أثناء أداء مهماته الأمنية، وتعديل القانون ليمنح جميع المواطنين حق حمل السلاح ليتمكنوا من الدفاع عن أنفسهم و”التخلص من عدد من المجرمين”، على حد تعبيره.إن غضب الجمهور بشأن هذه القضايا الأمنية التي تفاقمت بسبب الأزمة في ريو دي جانيرو، سمح للمرشح باكتساب العديد من النقاط، وهو على استعداد ليمنح الشرطة العسكرية تفويضًا مطلقًا تقتل بموجبه المجرمين عند الضرورة. قد يبدو هذا الخطاب مروعًا أو مبسطًا من وجهة نظر أوروبا أو أميركا الشمالية، ومع ذلك فإنه لقي ترحيبًا من الغالبية العظمى من البرازيليين من جميع الطبقات الاجتماعية.وجرّت مواجهة بلاغة خطابية يسارية هجينة محكومة بسيكولوجية الهزيمة وراءها الخيبات، وقوَّت خطاب بولسونارو الانتخابي وساعدت على نفاذه؛ فالناخب البرازيلي من خلال انتخابه بولسونارو أكد اتجاهاته نحو النزعة اليمينية التي تحن إلى الحكم السلطوي الذي جسدته حكومة العسكريين. وأثار بولسونارو قلق شريحة واسعة من المواطنين خلال حملته الانتخابية بسبب تعبيره علنًا عن إعجابه بالنظام العسكري الذي حكم البلاد في الفترة 1964-1985، ورغم ذلك حرص على تأكيد أنه سيدافع عن الدستور والديمقراطية والحرية، من خلال بث خطاب تطميني بعد فوزه. اعتمد بولسونارو إستراتيجية انتخابية ارتكزت أساسًا على مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبح ملايين البرازيليين يتابعونها، ووظف جيدًا صور وجوده في المستشفى بعد أن تعرّض لاعتداء جسدي كاد يودي بحياته، وتبنّى خطابًا شعبويًا من خلال إقحام أدوات خطابية وكلامية حظيت باهتمام الناخبين وكثير من المحللين. واستطاع بولسونارو أن يؤثر في عقول كثير من المواطنين وأسر عقول كثير من المترددين أيضًا[1]، على الرغم من قلة خبرته السياسية ونقص إلمامه بكثير من المواضيع والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمالية المختلفة.إن تنامي مشاعر الكراهية تجاه اليسار نتيجة استفحال الفساد وضعف الاقتصاد بعدما كانت البرازيل قد حققت طفرة نوعية إبان حكم لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، فنّدها واقع الحال الذي أكد أنها مظهر خادع؛ إذ سرعان ما تراجع اقتصاد البرازيل بسبب ارتفاع مستويات الفساد خصوصًا عام 2014، إضافة إلى انعدام الأمن وارتفاع معدل الجريمة. ويؤكد ذلك أن البناء النفسي للناخب البرازيلي تحكمت فيه دوافع البحث عن التغيير ونزوعاته حتى باتباع إجراءات استبدادية. ويرى هذا الناخب أن التغيير ربما يكون أقل تكلفة وضررًا من الواقع الذي أضحى يعيشه، ووجد ضالته في تزكية اليمين الشعبوي الذي يتناغم مع طموحاته وتطلعاته إلى التغيير؛ فأنصار بولسونارو يعتقدون أن البرازيل في حاجة إلى قائد يحمل “الطاقة والقتال”؛ أي إنهم يبحثون عن الزعيم القوي والمنقذ أو الملهم، مثل رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، ويعتبرون “البرازيل في أيدي عصابات إجرامية”. وفي هذا الصدد قال براين وينتر Brian Winter، رئيس تحرير مجلة Americas Quarterly magazine، إن الانتخابات المليئة بالدراما كانت من نواح كثيرة تعبر عن الحنين إلى الماضي، وكان أنصار بولسونارو يتطلعون إلى الماضي، إلى عام 1985، وهو نهاية الحكم العسكري في البرازيل الذي دام 21 عامًا، “والوقت الذي كان بإمكان البرازيليين فيه السير في الشوارع من دون خوف”[2].

يعبّر بولسونارو دائمًا عن نزعته العنصرية تجاه السود والنساء. وكان نائبًا في البرلمان عن مدينة ريو دي جانيرو منذ عام 1991، لكن أداءه التشريعي هزيل لافتقاده الفاعلية التشريعية. أما أسلوبه الخطابي وقاموسه السياسي ونبرات كلامه فقد حظيت بإعجاب مؤيديه إلى حد بعيد. غير أن الكثير منهم لا يستسيغ أفكاره وآراءه ومواقفه وجرأته الصادمة في كثير من الأحيان، لكنهم يرون فيه رجلًا قويًا له القدرة على انتشالهم من براثن الأزمة التي يتخبطون فيها، وإنجاح مسلسل الإصلاح. وقد سادت هذه الخاصية السلوك الانتخابي في الدول التي عرفت صعودًا مدويًا لليمين المتطرف؛ ويفسر هذا السلوك بأنه تعبير احتجاجي في وجه الأحزاب التقليدية والنظم السياسية[3].

وفي هذا السياق، ركز بولسونارو أيضًا على البعد الديني من خلال حضور الله في خطاباته؛ ففي خطاب افتتاح حملته، ولا سيما إشاراته العديدة إلى الله، اعتبر نفسه “في مهمة من أجل الله”، واستفاد من الشعور الديني القوي والنزعة المحافظة التي تسود في البرازيل. وهو كاثوليكي، ويرتبط في كثير من الأحيان بالكنائس المعمدانية (القوية) التي يرتادها أطفاله، وهو ضيف قارّ للنادي العبري في ريو دي جانيرو. بناء عليه، حظي بولسونارو بدعم كتلة ناخبة “إنجيلية “كبيرة جدًا.

استند فوز بولسونارو في الانتخابات إلى أربع ركائز محورية، وهي:

  • اللعب على وتر حساس أثقل كاهل المواطنين البرازيليين وهو مكافحة الفساد التي تعد الطريقة التقليدية المثلى التي استطاع من خلالها اليمين فيما مضى أن يكتسب جاذبية جماعية ويزيد من حجم تموقعه في المشهد السياسي والانتخابي في البرازيل؛
  • الاعتماد على نوع من “الأخلاقية المحافظة” التي تحظى بدعم كبير ووافر تقدمه الكنائس الإنجيلية؛ أي استثمار البعد الديني بطريقة براغماتية رشيدة أهّلته إلى “قلب الطاولة” على اليسار إلى حد بعيد؛
  • التركيز على ضرورة توظيف العنف الذي يحظى برعاية الدولة من أجل تحقيق الأمن في ضوء الارتفاع المهول لمعدلات الجريمة؛
  • استثمار نسق خطابي يستند إلى قاموس اقتصادي نيوليبرالي قائم على أساس متوالية قوامها تقليص حجم دولة “يفترض أنها فاسدة” وتسرق المواطنين “الصادقين”.

أضف إلى ذلك أنّ انفكاك عقد التحالف اليساري وانفراطه ساهما في ميل الناخبين الفقراء إلى بولسونارو، وبروز أغلبية انتخابية تدعم بشكل كبير هذه النيوليبرالية السلطوية[4].

كما أن هذه المعطيات لا تخفي حقيقة أزمة اليسار في أميركا اللاتينية بصفة عامة، وعلى رأسها البرازيل طبعًا التي غذّت صعود اليمين المتطرف؛ فالقفزة الاقتصادية النوعية (رفع معدلات الناتج القومي والإنتاجية … إلخ) التي عرفتها البرازيل في عهد الإدارة اليسارية، وأفضت إلى رفع مستوى عيش المواطنين وأفرزت مكاسب اقتصادية جمة، رفعت من أسهم اليسار في المنطقة بصفة عامة. وفي الفترة 2003-2012، استطاعت أميركا اللاتينية كسب ثمار ارتفاع أسعار السلع بشكل كبير، وتنامت صادراتها من النفط وحبوب الصويا؛ على نحوٍ جعلها تحصل على عائدات كبيرة تم استثمارها في المجال الاجتماعي بطريقة مفرطة من دون أخذ الحيطة والحذر بخصوص ما يحمله المستقبل من تحديات وإكراهات. وحين انقلبت عجلة الاقتصاد وبدأت الأسعار في الهبوط، إضافة إلى إخفاقات مسّت التكتيكات النقدية والاقتصادية التقليدية وأصول الصناديق السيادية التي لم تحدّ من استفحال الأزمة، على نحو أدى إلى انخفاض في النمو الاقتصادي وتقليص في النفقات ذات البعد الاجتماعي، تضاعف السخط الشعبي ومشاعر الإحباط والسخط في صفوف المواطنين[5].

لا شك في أن الأحوال الاقتصادية كان لها تأثير كبير في هزائم اليسار في الانتخابات، كما أن لها علاقة وطيدة بقضايا الفساد التي كان أبطالها من القياديين اليساريين، وتعاظم السخط الشعبي على الفساد المستشري. لقد أدركت الحكومات حجم هذه الآفة، غير أن تدخلاتها كانت متأخرة؛ فقد استفحل الأمر ووقعت الحكومات اليسارية في أغلال الفساد وبراثنه، شأنها شأن الحكومات السابقة، المدنية منها والعسكرية أيضًا، المنتخبة والمعيّنة. وانتشرت عدوى الفساد؛ فشملت شركة النفط البرازيلية بتروبراس، والحكومة الفدرالية والكونغرس والرئيس السابق وأسرته[6].

وفي هذا الصدد، تفهم قضية إطاحة ديلما روسيف وهزيمة حزب العمال في الانتخابات الرئاسية، على أنها تعبير عن عملية تغيير واسعة بموجبها تم نقل مركز الجاذبية السياسية داخل الهرم الاجتماعي في البرازيل إلى الأعلى، وإلى اليمين داخل الطيف السياسي. ولا شك في أن هذه التبدلات المحورية حملت معها حركة جماهيرية يمينية متطرفة استطاعت النفوذ والتغلغل بعمق في جسد المجتمع البرازيلي ومخياله، أول مرة منذ أكثر من نصف قرن، وهذا لم يؤثر في مرشح حزب العمال ويسلبه حظوظه فقط، بل نتج منه أيضًا انهيار أحزاب يمين الوسط التقليدية ودمارها، بعد صعود بولسونارو، على نحو آل إلى نوع من الفوضى السياسية التي قد تؤدي إلى قتل السياسة في حد ذاتها[7].

ثانيًا: إحداثيات بروز “الترامبية” البرازيلية

أضحى اليمين المتطرف يأخذ موقع الصدارة في المشهد السياسي والانتخابي في كثير من الدول الغربية. صحيح أنه فشل في أغلبها لكنه نجح في أهمها. ولعل النموذج الأمثل في هذا الصدد هو الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي استطاع أن يحقق مكاسب عديدة من خلال استحضار ميزان الربح والخسارة، ونهجه القائم على ابتزاز دول الخليج ومحاولة تقويض المصالح السياسية والاقتصادية والتجارية لأوروبا ومشاكسة توجهات الصين ومصالحها أيضًا، على الرغم من شخصيته المثيرة للجدل. وتقبل الجماهير هذه المكاسب، فهي لا تفكر بمنطق الفلاسفة وزعماء المنتديات السياسية وقادة التخطيط الإستراتيجي، على الرغم من أن خصومه يعتبرونها مكاسب آنية فقط والرهان عليها قصير، وربما تكون لها تداعيات سلبية على المدى البعيد.

تشبّه المرشح البرازيلي اليميني المتطرف جايير بولسونارو بدونالد ترامب في العديد من المناسبات؛ إذ تجمع بينهما قواسم مشتركة؛ من ذلك التصريحات المثيرة للجدل، والمسيرة السياسية المحفوفة بالأسئلة والشكوك. كما أن بولسونارو ذو شخصية مرحة وكاريزما مكَّنتاه من التأثير في الجماهير، ويسَّرتا له مهمة استقطابها. لكنه غير قادر على تقديم حلول وأجوبة للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي أصبحت ترهن حاضر البرازيليين ومستقبلهم، في خضم تزايد معدلات التضخم والبطالة والجريمة، وتغوّل الفساد[8].

فاز بولسونارو بالرئاسة بنسبة بلغت 55.1 في المئة من الأصوات في البرازيل. وأعرب مرارًا عن إعجابه بترامب واعتبر الولايات المتحدة نموذجًا يمكن تطبيقه في البرازيل. وقد رفع الرئيس البرازيلي المنتخب شعار “إعادة إحياء البرازيل الكبيرة”. وكان شعار الرئيس الأميركي خلال حملته الانتخابية إعادة الولايات المتحدة العظمى مرة أخرى Re-United States Great Again. لكن بولسونارو أضاف بعض التعديلات في وقت لاحق مع لمسة دينية على شعار “البرازيل فوق كل شيء، الله فوقنا جميعًا”. وظهر هذا الشعار على آلاف الملصقات الانتخابية، ووجد صدى واسعًا بين مؤيديه، فارتدوا ملابس عليها الشعار نفسه. ولا يخفي المؤيدون إعجابهم بالتشابه بين ترامب وبولسونارو[9].

يسود التوتر علاقة الرئيس الأميركي بوسائل الإعلام. وعلاقة “نسخته البرازيلية” أي بولسونارو أيضًا بوسائل الإعلام التقليدية سلبية. فإجاباته عن أسئلة الإعلاميين حادة وعنيفة. وهو يفضل وسائل الاتصال الحديثة، مثل فيسبوك وتويتر، ليقدم تصريحاته ويردّ على الاتهامات الموجهة إليه، تمامًا كما يفعل نظيره الأميركي. ويفتخر بعدد متابعيه على مواقع التواصل الاجتماعي؛ فقد بلغ تسعة ملايين متابع على صفحته الرسمية فيسبوك، وأكثر من مليوني متابع على تويتر[10].

وجرت مقارنة بولسونارو بالرئيس الفليبيني رودريغو دوتيرتي الذي كان يدعو إلى توخّي العنف مع المذنبين إلى درجة مطالبته بقتلهم، وشنّ حربًا ضروسًا على تجار المخدرات. ويحذو بولسونارو حذوه أيضًا من خلال الاعتماد على النموذج الأميركي المتعلق بضرورة العمل على إصدار تشريع يسمح بتشجيع حمل السلاح لمواجهة انتشار الجريمة واتخاذ إجراءات من قبيل تخفيض سن الرشد الجزائي لتنفيذ الأحكام القصوى إلى 16 عامًا بدلًا من 18، إضافة إلى عبارته الشهيرة “إن رجل الشرطة الذي لا يقتل ليس برجل شرطة”، التي تعبّر عن إيمانه المطلق بممارسة العنف على المذنبين، حتى وإن كان الجزاء هو القتل[11].

ثالثًا: البرازيل على محك واقع داخلي جديد

بانتخاب بولسونارو رئيسًا تدخل البرازيل مرحلة جديدة في تاريخها السياسي، لينتقل حكمها أول مرة إلى أقصى اليمين بعد أربعة عهود من الحكم اليساري الذي انتهى بأكبر فضيحة فساد عرفتها البلاد، والتي قد تشمل مزيدًا من قيادات العهد السابق بعد نتيجة الانتخابات الأخيرة. في حين يتطلع الشعب البرازيلي إلى إحداث تغيير إيجابي يخفف الصعوبات اليومية التي يعيشها.

لا شك في أن بولسونارو يحظى بدعم فئة الإنجيليين، ليصبح بحق “ترامب البرازيل”. وفي تقدير الكثيرين يُبعث بولسونارو، كما بُعث من قبله ترامب، “عودة تجمع لحم البقر وخراطيش السلاح والإنجيل” في البرازيل، في إشارة إلى المجموعات الضاغطة والمؤثرة التي تجمع في مكوناتها بين أصحاب المزارع والإنجيليين وتجار السلاح الذين انتفضوا واحتجوا بعد عزل روسيف، ولم تشفع لها نظافة يدها كما يروّج لها، بل حظيت بدعم غير مسبوق من كبار المستثمرين، ووعودها بالمضي في مسلسل الخصخصة، وهي الحملة التي يتزعمها مرشحوها لوزارة الاقتصاد والمال، وهو توجه سرعان ما خفت وهجه مع اشتداد المنافسة الانتخابية. وفي هذا الخضم برزت مخاوف كثيرة لدى شريحة واسعة من البرازيليين وجدت لها تعبيرات بينة وظاهرة على مستوى الفضاء العمومي ومواقع التواصل الاجتماعي، وخصوصًا مناصري اليسار، من أن يتم الإجهاز على إصلاح نظام التقاعد الذي يعتبر قضية حساسة وصفها مراقبون بمنزلة قنبلة البرازيل أو شبّهوها بـ “الفيل في الغرفة” دلالة على جسامة القضية/ المشكلة. أضف إلى ذلك خطورة شخصية بولسونارو العسكرية التي تحنّ إلى الحكم العسكري باستمرار، وتؤمن أشد الإيمان بالعنف واستخدام السلاح والتعذيب نحو الخارجين عن القانون، ومواقفه المعادية لحقوق المثليين والنساء والفقراء، وتهديده الأمن البيئي في بلاد الأمازون، عندئذ سيكون “الدواء أسوأ من المرض”؛ فهو ينذر بحدوث كوارث أخرى ربما تضاعف الأزمة بدلًا من علاجها؛ إذ سيصبح وجوده على كرسي الرئاسة معضلة في حد ذاته[12].

وبحسب المحلل السياسى سانتورو santoro، فإن “بولسونارو بسبب ميولاته الدكتاتورية قد يكون نسخة أسوأ من ترامب، خاصة أنه يبدي دائمًا إعجابه بالدكتاتورية العسكرية في البلاد، وبسبب ماضيه العسكري، كما أنه لا يستطيع أن يفعل الكثير مما حققه ترامب، على الرغم من عدم إحرازه تقدمًا، نظرًا إلى ضعف تمثيل حزبه في البرلمان ومجلس الشيوخ، وتجربته السياسية السيئة، والوعود غير المنطقية لتجاوز الأزمة الحالية في البرازيل. وتحدث بولسونارو أيضًا، الذي كان ضابطًا في الجيش برتبة نقيب، بطريقة إيجابية عن الدكتاتورية العسكرية في البرازيل في الفترة 1964-1985 كما أشار الجنرال المتقاعد هاميلتون موراو، المرشح لمنصب نائب الرئيس، إلى التدخل العسكري خيارًا عندما لا تعمل الديمقراطية جيدًا”. ونفى سانتورو في الوقت نفسه “احتمالات أن يؤدي انتصاره إلى نهاية الديمقراطية في البرازيل، لكن يمكن أن يمثّل خطرًا على النظام الديمقراطي، وقد يؤدي في النهاية إلى إقامة نظام استبدادي، ويكمن الخطر أيضًا في أنه يمكن أن يستخدم صلاحياته في سحب سلسلة من الحقوق السياسية من المعارضة ومن الأقليات، مع وجود مستوى معين من الدعم من الجيش، لكن لن تكون هناك بالطبع حكومة ينخرط فيها الجيش بشكل مباشر”[13].

ويعتبر كثير من المحللين انتخابه ضربة أخرى لأولئك الذين يقدرون التفكير الحر وحرية التعبير. وموقف بولسونارو من العلوم والبيئة مثير للقلق. فهو يشجع التنمية بأي ثمن. وهدد في بعض الأحيان باتباع خطوات الرئيس ترامب، ويسعى إلى انسحاب البرازيل من اتفاقية باريس المناخية لعام 2015، وقد وعد بدمج وزارة البيئة التي من وظائفها حماية غابات الأمازون المطيرة، مع وزارة الزراعة والثروة الحيوانية والتموين. وبغض النظر عما إذا كان بإمكان بولسونارو إجراء هذه التغييرات من خلال عرضها على الكونغرس البرازيلي، فإن انتخابه يرسل إشارات خاطئة لملاك الأراضي والشركات التي لها نفوذ على مستقبل أكبر غابة مطيرة استوائية على كوكب الأرض تختزن كميات هائلة من الكربون، على المستوى العالمي؛ إذ ينتج من إزالة الغابات نحو 10 في المئة من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري[14].

على المدى القصير، يشير المأزق السياسي البرازيلي إلى أن الإدارة التي ستتولى الحكم في عام 2019 ستكون غير مستقرة حتمًا. وبمرور الوقت، من المحتمل أن يصبح الدستور الذي أُقِرّ بعد انتهاء الدكتاتورية عام 1988 غير قابل للتطبيق، ما قد يؤدي إلى تفكك الديمقراطية، وسيواجه الرئيس المنتخب صعوباتٍ جديةً في التعامل مع الاقتصاد الراكد، والبرلمان المعادي له، والقضاء المستقل، والقوات المسلحة المسيّسة، والتعديلات الدستورية التي تحدد سقف النفقات المالية للعشرين سنة القادمة (الذي سيخنق النفقات العامة ببطء). فيما يتعلق بالتعبئة الشعبية، فإن الشوارع منذ عام 2013 لم تعد حكرًا على اليسار، إذ إن الشارع يشمل الآن جماهير كبيرة على أقصى اليمين، محاطة بجماعات متطرفة عنيفة، وسيكون على الرئيس اليميني المتطرف الذي ليست له أي خبرة في الحكومة، ولا يتمتع بدعم من هيكل حزبي مستقر، وغير مجهّز في كل النواحي، أن يواجه دروس التاريخ. فانتخاب الرئيسين البرازيليَين الأسبقَين جانيو كوادروس وفيرناندو كولور مثلًا، تمّ أيضًا بمساعدة تحالفات نخبوية تلاعبت بالناخبين للانتصار في الانتخابات، لكنّ هاتين الإدارتين لم تدوما طويلًا[15].

ففي نظام سياسي لامركزي مثل النظام البرازيلي، يواجه القادة السلطويون صعوباتٍ جمةً في الحكم، بغض النظر عن شرعيتهم أو قاعدتهم الاجتماعية. علاوة على ذلك، يتطلب نظام “الرئاسية الائتلافية” الذي وضعه الدستور البرازيلي إجراء مفاوضات مستمرة في الكونغرس، وتقوم الصفقات الناجحة دائمًا بخرق القانون، خاصة عندما يكون لدى الرئيس عدد قليل من الحلفاء الموثوق بهم في القمة، أو يواجه معارضة جماعية[16].

رابعًا: خطر انتكاسة السياسة الخارجية

تشكلت أسس السياسة الخارجية للبرازيل خاصة في عهد الرئيس دا سيلفا بالتعددية والسعي نحو تسوية المنازعات بطرق سلمية، وتأسيس علاقات سلمية مع بلدان العالم المختلفة، واحترام مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وكذلك سعيها نحو تحقيق موقع متميز للبرازيل على المستوى الدولي، إضافة إلى تسخير السياسة الخارجية لتحسين الأوضاع الداخلية. واعتمدت في سبيل ذلك جملة من الإستراتيجيات والأدوات للوصول إلى هذه الأهداف؛ حيث نجد على رأسها توظيف القوة الناعمة وبناء تحالفات دبلوماسية، واعتماد إستراتيجية التفاوض والمشاركة في المؤسسات والمنتديات الدولية.

وقد رغبت البرازيل في تكريس عالم متعدد الأقطاب منفتح تشارك فيه قوى صاعدة وليس منتظمًا دوليًا منغلقًا يهيمن عليه الفاعلون الكبار، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأميركية وروسيا.

سيكون لانتخاب بولسونارو من دون شك تداعيات كثيرة على السياسة الخارجية البرازيلية. وربما تثير توجهاته توترًا على المستويين الإقليمي والدولي، خصوصًا أنه قد يعمد إلى الاشتغال أكثر على المحور الأميركي/ الإسرائيلي؛ إذ صرّح سابقًا بأن وجهته الأولى بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية ستكون أميركا وإسرائيل، الأمر الذي ينذر ببناء تحالفات جديدة قد تثير غضب دول كثيرة، سواء دول أميركا الجنوبية ذات التوجه اليساري أو الدول الأوروبية والعربية أيضًا. وهذا ما يفسر مسارعة الرئيس الأميركي ترامب والرئيس الإسرائيلي نتنياهو إلى تهنئته. وبناء عليه، بعدما كانت البرازيل قلعة محصنة ضد التدخلات الأميركية ستكون بمنزلة اليد الممدودة لأميركا من أجل النفاذ أكثر إلى أميركا الجنوبية من أجل إعادة هيكلتها بما يضمن حماية مصالحها الجيوستراتيجية، على نحوٍ سيؤثّر سلبيًا في التكامل الاقتصادي الإقليمي لدول أميركا الجنوبية الذي انتعش مع المد اليساري في المنطقة، والذي يمثله بقوة تجمع الميركوسور (تكتل اقتصادي للسوق المشتركة لدول جنوب أميركا اللاتينية)، وربما تظهر بؤر توتر مع دول الجوار أيضًا وتتخلى البرازيل عن نهجها السلمي، مع ما سيصاحب ذلك من نهاية وشيكة للصراع البارد القائم بين البرازيل وأميركا.

وبعدما كان تحالف بريكس (يضم البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب أفريقيا) الأسرع نموًا على المستوى الاقتصادي في العالم، سيفقد هذا التحالف بريقه في ضوء النهج الذي سيتبعه بولسونارو على مستوى السياسة الخارجية؛ إذ يمكن أن يصبح هذا التحالف الاقتصادي ثانويًا في مقابل التحالفات الجديدة التي ستتشكل.

وإذا كانت إدارة البرازيل في عهد لولا داسيلفا اعتمدت تكتيكًا تدريجيًا في التعامل مع القضية الفلسطينية وما لازمها من اعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني، وبذل جهود وطرح مبادرة للخروج من مأزق المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، فإن بولسونارو على العكس من ذلك، فهو يعدّ مناصرًا قويًا لإسرائيل، وله علاقات وثيقة بالحكومة الإسرائيلية ورجال الأعمال الإسرائيليين، فضلًا عن دعم غير مسبوق من الجالية اليهودية في البرازيل تؤكده الصور ومقاطع الفيديو التي تم جمعها مع ممثلي هذه الجالية، وهم يرفعون العلم الإسرائيلي. كما أعلن بولسونارو أنه سينقل سفارة البرازيل إلى مدينة القدس المحتلة. ووصف قرار الرئيس الأميركي بنقل سفارة بلاده إلى القدس بالتاريخي. وقال الرئيس المنتخب أيضًا إنه سيغلق السفارة الفلسطينية في برازيليا وسيلغي التمثيل الدبلوماسي لفلسطين في البرازيل لأنه لا يعترف بفلسطين دولةً. وهذا يتفق أيضًا مع قرار ترامب إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن. وقد يجر عليه هذا القرار الكثير من الويلات حال تطبيقه. وسيضحّي بالعلاقات الاقتصادية والدبلوماسية المتينة التي تجمعه بمجموعة من الدول العربية، وعلى رأسها دولة قطر التي نددت بهذا القرار واعتبرته خروجًا عن الإجماع الدولي الذي تجسد في رفض الجمعية العامة للأمم المتحدة الاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل، وعبّرت جامعة الدول العربية عن الموقف نفسه.

خاتمة

تشهد البرازيل تحولًا سياسيًا تمثّل في صعود اليمين المتطرف. وتوحي الإرهاصات الأولية بأن فرص النجاح محدودة بسبب المشاكل الاقتصادية التي تتخبط فيها البرازيل وقضايا الفساد وانعدام الأمن، والتحديات الخارجية، على الرغم من محاولة بولسونارو بثّ الأمل في مخيال الشعب البرازيلي من خلال حزمة من الوعود؛ فشعاراته وسياساته ستخلق من دون شك توتراتٍ داخليةً وخارجيةً كثيرة قد تعيد البرازيل إلى التخبط أكثر في دوامة الأزمة، والدليل على ذلك ارتفاع وتيرة الاحتجاجات على فوز بولسونارو خصوصًا في أوساط أنصار اليسار، حيث يزداد التخوف من إقبار التطور الديمقراطي الذي عرفته البرازيل على الرغم من الأزمات التي عرفتها، على نحو سيفسح المجال لعودة الحكم الدكتاتوري/ الاستبدادي الذي سيزيد حتمًا من معاناة الشعب البرازيلي، ومعه ستضيق فسحات الأمل وتتهاوى أحلام اليمين المتطرف الذي يعتمد نهجًا شعبويًا؛ إذ تبقى نجاحاته عرضية فقط، لأنه يفتقر إلى إجابات واقعية وافية بخصوص المشاكل القائمة.

[1] رفض بولسونارو مناظرةً عرضها عليه منافسه في الانتخابات “حداد”، لأنه قليل الإلمام ومحدود الخبرة السياسية، للمزيد من التفاصيل انظر: داليا قانصو، “الفاشية بحلّتها اللاتينية تستعدّ للحكم عبر ’ترامب البرازيلي‘”، العربي الجديد، 28/10/20118، شوهد في 28/10/2018، فيhttps://goo.gl/pqRj5x

[2] “Far-right populist Jair Bolsonaro leads as Brazil goes to vote,” The Guardian, accessed on 3/11/2011, at:https://goo.gl/8C3nj3

[3] للمزيد من التفاصيل انظر: غسان العزي، “اليمين المتطرف يسعى للسلطة في البرازيل”، الخليج، 4/9/2018، شوهد في 29/10/2018، فيhttps://goo.gl/CTUJHf

[4] للمزيد من التفاصيل انظر، “الكابوس البرازيلي، كيف يمكن أن يتحول الإنجاز إلى فيلم رعب”، موقع ميدان، عن مجلة جاكوبين، ترجمة كريم طرابلسي، شوهد في 31/10/2018، فيhttps://goo.gl/1ghQSc

[5] خورخي_كاستانيدا، “أفول اليسار في أميركا اللاتينية”، جريدة الحياة، 30/3/2016، شوهد في 1/11/2018، في:https://goo.gl/fkbGxv

[6] المرجع نفسه.

[7] “الكابوس البرازيلي، كيف يمكن أن يتحول الإنجاز إلى فيلم رعب“.

[8] إبراهيم بدويي، “جايير بولسيرانو ’شبيه ترامب‘ الذي قد ينسف الديمقراطية البرازيلية”، ساسة بوست، 20/10/2018، شوهد في 8/11/2018، فيhttps://goo.gl/ocNYzi

[9] Hassan Massoud, “Is Trump Brazil a replica of America’s president?”, International News, 2/11/2018, accessed on 2/11/2018, at: https://goo.gl/CiTkUm

[10] Ibid.

[11] العزي.

[12] قانصو.

[13] “محللان سياسيان: صعود اليمين المتطرف في البرازيل جزء من اتجاه عالمي”، الجريدة الإلكترونية مصراوي، 1/10/2018، شوهد في 3/11/2018، في: https://goo.gl/Vvzoqv

[14] “Brazel ‘s new President adds to global threat to science, The election of Jair Bolsonaro is bad for research and the environment,” 30/10/2018, accessed on 3/11/2011, at: https://go.nature.com/2Rmd9TF 

[15] “الكابوس البرازيلي، كيف يمكن أن يتحول الإنجاز إلى فيلم رعب“.

[16] المرجع نفسه.

المركز العربي للأبحاث لدراسات السياسات

Happy
Happy
0 %
Sad
Sad
0 %
Excited
Excited
0 %
Sleepy
Sleepy
0 %
Angry
Angry
0 %
Surprise
Surprise
0 %

Average Rating

5 Star
0%
4 Star
0%
3 Star
0%
2 Star
0%
1 Star
0%

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

AlphaOmega Captcha Classica  –  Enter Security Code
     
 

Previous post خارطة الطريق النووية الإيرانية لعام 2019: تجاوُز حدود «خطة العمل الشاملة المشتركة»
Next post خلاف بين بطل وادي الذئاب وزوجته