إيران وأوروبا.. مصالح ورؤى مشتركة

Read Time:7 Minute, 23 Second

العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وإيران

د. هشام عوكل*

تمهيد :

كان الاتحاد الأوروبي يحتل المرتبة الرابعة من بين شركاء إيران التجاريين في عام 2012، بعد الصين والإمارات العربية المتحدة وتركيا، إذ بلغ حجم واردات البضائع من إيران 5,5 مليار يورو، وبلغ حجم الصادرات إليها 7,4 مليار يورو. ومثّل النفط ومشتقاته 90 في المائة من الواردات الأوروبية من إيران، لذا أدى فرض الحظر على إيران إلى تراجع حاد في المبادلات التجارية التي بلغ حجمها 12,8 مليار يورو في عام 2012 (منها 7,8 مليار يورو من الصادرات و 5 مليارات يورو من الواردات الأوروبية من إيران).

وبدأ الاتحاد الأوروبي وإيران في عام 1998 يدرسان السبل الكفيلة بإضفاء صيغة رسمية على علاقاتهما وتحسين هذه العلاقات. فأعطى المجلس الأوروبي تفويض  للمفوضية الاوروبية عام 2001 لعقد مفاوضات من أجل إبرام اتفاق عام في مجالي التجارة والتعاون، واتفاق بشأن الحوار السياسي مع إيران. واستُهلت المفاوضات في هذين المسارين في عام 2002 وانتهت في عام 2005، إذ أدت المعلومات التي تم الكشف عنها بخصوص أنشطة إيران النووية السرية، ورفض إيران التعاون التام مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلى وقف هذه العملية في عام 2005.

وتتيح التطورات التي حصلت في الملف النووي الإيراني ووصول الرئيس حسن روحاني إلى سدة الحكم التفكير في استئناف العلاقات الإيرانية الأوروبية الآن. وكان هذا هو الهدف من زيارة الممثلة السامية للاتحاد الأوروبي المكلفة بالسياسة الخارجية والامن الاوروبي المشترك السيدة كاثرين آشتون إلى إيران، في شباط/فبراير 2014، بالإضافة إلى إجراء مشاورات بشأن الملف النووي، إلى النظر في هذا المسار، بيد أن الجماعات المحافظة في إيران أعربت عن ردود فعل عنيفة إزاء اللقاء الذي عقد في أثناء هذه الزيارة مع أفراد من المجتمع المدني الأوروبي، وإزاء قرار البرلمان الأوروبي بشأن وضع حقوق الإنسان في ايران

معوقات تطور العلاقات الإيرانية – الأوروبية:

على الرغم من رغبة الطرفين الإيراني والأوروبي في تفعيل وزيادة وتيرة التعاون الاقتصادي بينهما فإن ثمة معوقات أمام تلك الرغبة يمكن الإشارة إليها على النحو التالي:

  1. الموقف الأمريكي تجاه هذا التعاون:

مما لا شك فيه أن الولايات المتحدة تعارض بقوة أي تقارب إيراني – أوروبي، ولعل هذا يتضح في تصريحات الناطق باسم وزارة الخارجية الأمريكية ريتشارد باوتشر الذي أجرى مفاوضات مع الأوروبيين حول علاقاتهم المحتملة مع إيران وصرح قائلا وفق لما نفهمه فإن أي مبادرة اقتصادية لمصلحة إيران ينبغي أن تكون مرتبطة بتحسين تصرف هذا البلد في مجالات عدة وذكر بدعم طهران للإرهاب ومعارضتها عملية السلام في الشرق الأوسط وجهودها لامتلاك أسلحة الدمار الشامل والصواريخ وعدم احترام حقوق الإنسان. إلا أنه يمكن القول إن هذا الموقف الأمريكي قد لا يعني الكثير بالنسبة لأوروبا، التي بادرت باختراق قانون داماتو الأمريكي الذي يسمح بفرض عقوبات على الشركات الأجنبية التي تمارس بعض الأنشطة في إيران وخاصة الشركات النفطية، حيث يأتي هذا الموقف الأوروبي انطلاق من المصالح الاقتصادية مع إيران، ونشير هنا إلى تصريح وزير خارجية ألمانيا في هذا الشأن الذي أكد أننا لا نقبل أن تملي علينا الولايات المتحدة مع أي من الدول تقيم علاقات تجارية ولو تمثلت الرغبة الأمريكية في الاستمرار في هذا الأمر، فعلى الأوروبيين اتخاذ الخطوات المناسبة لهذا الوضع.

  1. قضية حقوق الإنسان:

على الرغم من عدم إشارة دول الاتحاد الأوروبي إلى القضايا السياسية بين الجانبين ضمن توجههم لتفعيل التعاون الاقتصادي والتجاري مع طهران إلا أن قضية حقوق الإنسان واختلاف رؤية الطرفين لها يمكن أن تطفو إلى السطح مجددا، حيث يثير الاتحاد الأوروبي تلك القضية من حين لآخر، ففي الثالث والعشرين من أبريل عام 1998 في مؤتمر الأمم المتحدة لحقوق الإنسان عبر الاتحاد الأوروبي عن قلقه إزاء ما وصفه بالانتهاكات المتكررة لحقوق الإنسان في إيران مشير ا إلى عمليات إعدام وحالات تعذيب ومعاملة قاسية ولا إنسانية وعدم وجود إجراءات قانونية منظمة، إلا أن طهران تسعى من جانبها لإيضاح موقفها من خلال كل اللقاءات الأوروبية، فخلال زيارته لألمانيا في العاشر من يوليو عام 2000 دعا الرئيس الإيراني محمد خاتمي الذين يأخذون على بلاده انتهاكات حقوق الإنسان التحلي بالصبر قائلا إن إيران تشهد تجربة جديدة للديمقراطية وإن هذه التجربة الخاصة التي تقوم بها تشكل رابطا بين الحرية والديمقراطية من جهة وبين الأسس الروحية والخلقية للمجتمع من جهة ثانية مؤكدا أن كل شعب له الحق في أن يصوغ مفهومه الخاص بحقوق الإنسان مستندا في ذلك إلى ثقافته وتاريخه، وأشار خاتمي إلى أن ثمة دولا تسعى بسبب قوتها الاقتصادية والسياسية إلى فرض تفسيرها الخاص لحقوق الإنسان على جميع الأجناس الإنسانية الأخرى وهذا الأمر يتناقض مع مفهوم حقوق الإنسان كما يطالب به الغرب، واتساقا مع تصريحات خاتمي أكد كمال خرازي وزير الخارجية الإيراني أن بلاده تهتم بتحسين سياسة حقوق الإنسان إلا أنه أفصح أن خرق هذه الحقوق لا يجري في إيران فقط بل في جميع دول العالم ودلل على ذلك باضطهاد المسلمين وحرمانهم من حقوقهم الدينية في ألمانيا كما حدث مع معلمة مسلمة تم منعها من التدريس عندما أصرت على ارتداء الحجاب.

  1. المعارضة الإيرانية في بعض الدول الأوروبية:

تظل قضية وجود منظمة مجاهدي خلق على الأراضي الألمانية أحد أهم معوقات تطوير العلاقات بين طهران وبرلين، فخلال زيارته لألمانيا أكد الرئيس خاتمي أنه يؤمن بحق المعارضة في التعبير عن رأيها غير أنه يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار ما إذا كانت أيدي ما يسمى بالمعارضة ملوثة بالدماء أم نظيفة؟ أما وزير الخارجية كمال خرازي فقد أكد أنه إذا كانت ألمانيا جادة فعلا في مكافحة الإرهاب فعليها ألا تسمح لهؤلاء الإرهابيين (مجاهدي خلق) بالعمل على أراضيها.

ولعل الإشارة إلى الأحكام القضائية التي أصدرت ضد ثمانية من المثقفين والإصلاحيين الإيرانيين ممن شاركوا في مؤتمر ببرلين في مطلع عام 2001 تؤكد أن هناك قضايا شائكة لا تزال محل جدل بين الجانبين، حيث عقد حزب الخضر بألمانيا هذا المؤتمر في نهاية عام 2000 واستضاف شخصيات إيرانية وتناول موضوع الإصلاح السياسي في إيران فوق سقف الدستور، كما تعرض لأساسيات النظام خصوص الحجاب و منصب ولاية الفقيه، الأمر الذي اعتبرته إيران تدخلا سافرا في شئونها الداخلية، وقد أدى هذا المؤتمر إلى تأجيل زيارة المستشار الألماني لإيران التي كانت مقررة آنذاك.

وينبغي التأكيد على أن تطور العلاقات الإيرانية – الأوروبية يظل مرهونا بأمرين:

أولهما: قدرة الطرفين على تجاوز خلافاتهما بشأن قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان.

وثانيهما: التصدي لمحاولات تخريب تلك العلاقات، سواء من جانب إسرائيل أو الولايات المتحدة التي تسعى دوما لتحجيم الدور الأوروبي في منطقة الشرق الأوسط بوجه عام.

سيناريوهات المفتوحة محتملة أمام إيران في حال انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي.

“السيناريو الأول:  هو أن تنسحب من الاتفاق النووي أيضا، وأن تنهي التزامها بمضمون الاتفاق وتستأنف تخصيب اليورانيوم بقوة”

“السيناريو الثاني: يستخلص من آلية الخلاف والنزاع في الاتفاق النووي، حيث تسمح لجميع الأطراف تقديم شكوى رسمية في اللجنة التي تم تشكيلها للبت في انتهاك مضمون الاتفاق”.

ولفت إلى أن بلاده قدمت حتى الآن 11 شكوى إلى هذه اللجنة، وقد تم إبلاغ مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي التي تترأس هذه اللجنة، حالات الانتهاك التي قامت بها أمريكا” مشيرا إلى أن “الهدف الرئيسي من هذه العملية هو إعادة أمريكا إلى الالتزام بمضمون الاتفاق النووي

“السيناريو الثالث هو الأكثر جدية وقوة، حيث إن إيران من المحتمل أن تتخذ القرار بشأن الانسحاب من معاهدة “إن بي تي” (الحد من انتشار الأسلحة النووية)، فهي من الموقعين على هذه المعاهدة”.

تساؤلات

هل من مصلحة ايران والاتحاد الاوروبي التصدي لسياسية ترمب في الدفاع عن الاتفاق النووي وحل العلاقة بين الاتحاد وامريكا

كيف ممكن لإيران تهدئة مخاوف نظرائه الفرنسي والالماني والبريطاني بعد اعمال العنف الاخيرة ضد متظاهرين في إيران اتجاه ملف حقوق الانسان

هل اللجوء إلى بنك الاستثمار الاوروبي كافي لتجاوز العقوبات الامريكية ضد الشركات الاوروبية التي تريد الابقاء على نشاطاتها الاقتصادية في ايران

ملخص الحلقة الأولى

بالدليل والبرهان. يكون ملف النووي إيراني  ويعتبر من اهم الملفات العالمية سخونة تشغل الرأي العام بعمق،

وان تتحوّل الدول الأوروبية إلى جبهة دفاع عن الاتفاق النوويّ فهذا مردّه إلى تقاطع السياسة مع الاقتصاد.. العلاقة الاقتصادية بين إيران والاتحاد الأوروبيّ.

سعت الجمهورية الإسلامية الإيرانية ودول المجموعة الأوروبية لتطوير علاقاتهما، في مختلف جوانبها، السياسية والاقتصادية والعسكرية، لكن علاقاتهما كانت عرضة للتذبذب، وتباينت مواقف كل منهما إزاء القضايا التي كانت مطروحة على أجندة العلاقة بينهما، كما كانت هذه العلاقة خاضعة لتأثير خارجي؛ إذ تعرضت الدول الأوروبية لضغوط من الولايات المتحدة الأمريكية لتحجيم علاقاتها بإيران؛ بغرض تحقيق هدفها في عزل إيران دولياً.

إلا أن هناك بعض المشكلات الرئيسية والقضايا الخلافية، التي تقف عائقاً أمام تطوير العلاقات الإيرانية-الأوروبية، وأهم هذه المشكلات برنامج إيران النووي، وتحديداً إصرار إيران على حقها في امتلاك دورة الوقود النووي، ورفضها الالتزام بالقرارات الدولية الخاصة بتعليق نشاطات تخصيب اليورانيوم، بالإضافة إلى اتهام إيران بدعم الإرهاب، والموقف الإيراني من التسوية السلمية في الشرق الأوسط، ووضع حقوق الإنسان والحريات في إيران.

وعلى الرغم من أن ملفات الخلاف بين الطرفين الأوروبي والإيراني لم تحسم بعد، فإن الأوروبيين يعتقدون أن سياسة المقاطعة والحظر والعزل السياسي لإيران، التي تنادي بها الولايات المتحدة، لن تكون فعالة، ولن تسهم في تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، وهم يصرون على أن تلك الملفات لا تحل إلا بالحوار وتفهُّم كل طرف حاجات الطرف الآخر ومصالحه.

الحلقة الأولى انتهى

د. هشام عوكل

*مدير عام شبكة المدار الإعلامية الأوروبية

أستاذ إدارة الازمات الدولية بالجامعة الحرة بالهولندا سابقا

المصادر والمراجع

“دستور إيران”.

www.amar.org.ir, “Official statistics site of Iran” نسخة محفوظة 14 نوفمبر 2017 على موقع واي باك مشين.

” World Factbook – Iran”.

Encyclopedia Britannica; Article: Media ancient region, Iran.

أندرو ج. نيومان، Safavid Iran: Rebirth of a Persian Empire, I. B. Tauris (30 مارس، 2006)

https://www.interpol.int/Member-countries/World —

https://ar.wikipedia.org/wiki

www.almayadeen.net

www.amwaj.ca/?page=allarticle&id=293

Happy
Happy
0 %
Sad
Sad
0 %
Excited
Excited
0 %
Sleepy
Sleepy
0 %
Angry
Angry
0 %
Surprise
Surprise
0 %

Average Rating

5 Star
0%
4 Star
0%
3 Star
0%
2 Star
0%
1 Star
0%

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

AlphaOmega Captcha Classica  –  Enter Security Code
     
 

Previous post استبعاد سوق الأسهم السويسري
Next post الشرق الأوسط و «الحرب التجارية» بين الولايات المتحدة والصين