الشعر الحديث والأساطير

Read Time:5 Minute, 56 Second

شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_الأسطورة هي حكايةٌ خرافية تقليديَّة متداولةٌ بين الناس تأخذ نوعًا من القَداسة تروي لهم أحداثًا غير مألوفةٍ وخارقةٍ للعادات، وقد تتحدَّث عن إنجازات الآلهة والأبطال وغيرهم، وتمثِّلُ الأسطورة في عهودها القديمة معتقدات الشعوب وتعبِّر عنها في كثيرٍ من الأحيان، كتفسير شعب من الشعوب للظواهر الطبيعيَّة المختلفة، وقد تتحدَّث عن أشخاص وأماكن ومجرياتِ أحداث يمكنُ أن يدركَها النَّاس، وقد تقومُ بعض الأساطير على شخصيَّات حَقيقيَّة لكنَّ معظمها يدور حول شخصيَّات خيالية، ولكلِّ مجتمع أساطيره الخاصَّة به والتي تعكس توجُّهات أبنائِه ومعتقداتِه، ولا تعتبرُ الأساطيرُ تاريخًا يعتمد عليه لأنَّها مرويَّات خرافيَّة خياليَّة [١]، وهذا المقال سيلقي الضوء على خصائص الأسطورة وأنواعها، كما يتحدث عن الأسطورة في الشعر العربي الحديث.
خصائص الأسطورة :

تنتشرُ الأسطورة في معظمِ المجتمعات وتعبِّرُ عن أغراض معينة يعتمدُ جزءٌ منها على أساس واقعيٍّ نوعًا ما إلا أنَّ هذا الواقع يتمُّ تحريف وتهويل أو تشويه الأحداث التي جرت خلاله ويضافُ إليها الكثير من المبالغات، وتتعلَّق معظمُ الأساطير القديمة بكائناتٍ مقدَّسة هي الآلهة، والأسطورة نوع من أنواع الأجناس الأدبيَّة القديمة لكنَّها تتميَّزُ عن غيرها من الأجناس الأدبية بعدد من الخصائصِ وهي فيما يأتي:
–  القداسة: تعدُّ القَداسةُ الميزة الأكثرُ وضوحًا في النصِّ الأسطوريِّ، فأبطالُ الأسطورةِ من الآلهةِ، وحادثةُ الأسطورةِ حادثةٌ مقدَّسةٌ يحتفِي بذكرَاها كلَّ عامٍ، كما لم تكُن الأسطورةُ متاحةً للعامَّة مثل الحكايَةِ الشعبيَّة أو الخرافةِ، إنَّما كانت حكرًا على الكَهنة، إذ يتمُّ قراءتها ضمنَ طقوسٍ معيَّنة وفي مناسباتٍ خاصَّة، كما تتمُّ إعادةُ تمثيلِها بشكلٍ مسرحيٍّ طقسيٍّ، مثل إعادةِ تمثيلِ خلق الكَون من خلالِ أسطورةِ “إينومَا إليش” وترجمتُها الحرفيَّة “عندما في الأعالِ”، حيث تروي القصَّة وجهةُ النظرِ البابليَّة في خلقِ الكَون

– التكوين والخلق: تختصُّ الأسطورةُ بسردِ حدث خَلقٍ جَديدٍ تمامًا، فيتمُّ توظيفُ الأحداثِ جميعِها لتَفسير وجودِ موضوع الأسطورة، فإمَّا أن يكون هذا الخلقُ كاملًا، على غِرار أساطِير التَّكوين بجميعِ نسخها بين المُجتَمعات، حيثُ تفسِّر أساطيرُ التكوين أوَّل وجودٍ للكون، وإمَّا أن يكونَ الخلقُ جزئيًا فيفسِّر خلقَ الأشياء بعد خلق الكون.

– الزمان والمكان مجهولين: لا ترتبط الأسطورة بمكان وزمان محدَّدين. الكاتب مجهول: لا يعرفُ كاتب الأسطورة فربَّما تكون قد كُتبت من قبلِ مجموعة من الناس

-. المرجع الديني: تُعدُّ الأسطورة المرجعَ الدينيَّ الأول والأساسيّ للشعوبِ التي عاصرَتها قديمًا.
أنواع الأسطورة

 يمكن تقسيمُ الأساطير وفق المغزى التي حملته إلى النَّاس في يوم من الأيَّام، فالأساطير مجرَّد خرافاتٍ وأوهام كانت قديمًا بمثابةِ نصوصٍ مقدَّسَة لا يجوزُ التشكيك فيها لأنَّها كانت محاولات لتفسير الظواهر الطبيعية، أمَّا بعد ظهور العلم فقد حصلّ الناس على كثير من الإجابات على معظم التساؤلات التي كانوا يدورونَ حولَها وبقيَتْ الأساطير مُجرَّد قِصص للتعرُّف على جانبٍ من تفكيرِ الأقدمين، وتُقسم الأساطير إلى ما يأتي:
– أسطورة التكوين أو الخلق: وهي الأسطورة التي تتحدث عن أصل الكون وعن خلق البشر عمومًا، وتتناول موضوع ظهور الآلهة وغيرها

–  أسطورة تعليلية: فهي الأسطورة التي تهدف إلى تفسير الظواهر الطبيعية بشكلٍ عام، فمثلًا كان الإسكندنافيون القدماء يعتقدون بأنَّ أحد آلهتهم واسمه ثور هو الذي يصنع الرعد والبرق واعتقد الإغريق القدماء تعليلًا يشبه هذا التعليل

-. أسطورة طقوسيَّة: ارتبطت الأسطورة الطقوسية بعمليات العبادةِ بكافَّة أشكالِها وطرائِقها وعنيَت بالجانبِ الكلامي من طُّقوس الأفعَال التي من شَأنها أن تحفظَ للمجتمع رخاءه قبل أن تصبحَ حكايةً لها

-. أسطورة رمزية: يرتبط ظهورها بابتعادِ الانسان عن التمائم والسِّحر وحفظ أدعية الكهان الذين كانوا يجعلونه دائما على اتصال مباشر بالطبيعة، ومعظمُ الأساطير التي ما زالَت متداولةً هذه الأيام تنتمِي إلى الأسطورة الرمزيَّة.
الأسطورة في الشعر العربي الحديث:

 يعدُّ توظيفُ الأسطورة في النصِّ الشعري العربي في العصر الحديث من المسائل المهمَّة والتي غطَّت مساحةً واسعةً من المجال الشعري العربي المعاصر، فلا يوجدُ شاعرٌ تقريبًا إلا وأدخل الأسطورة إلى أشعاره بشكلٍ أو بآخر، فالأسطورة تشكِّل نظامًا خاصًّا داخل بنيةِ النصِّ الشعريِّ العربيِّ الحديث، ويعدُّ استحضارُ الأسطورةِ استحضارًا للتاريخ نفسه متداخلًا مع الخرافة والميثولوجيا والحكايات الشعبيَّة ولذلكَ من الصعب على القارئ أن يلمسَ جوانب الأسطورة كاملةً لتداخلها مع الخطوط المعرفيَّة الأخرى التاريخيَّة والسحرية والميثولوجية والخرافية وغيرها، لذلك تصبحُ الأسطورة أحيانًا خرافةً وتاريخًا ويزيدُها تداخلها مع الخرافة غموضًا وتعتيمًا، وربَّما يصبحُ التاريخ نفسه أسطورة لدى جيلٍ من الأجيال، كشخصيَّة الحلاج والمسيح عيسى بن مريم مثلًا، هي شخصيات تاريخية لكنّ بُعدَها الإنساني ومدى تأثيرها في الفكر العربيّ يؤخذ بشكلٍ أسطوري يفوق التصوُّر. وكانت الأسطورة تاريخيًّا هي الملاذ والملجأ الأوَّل للإنسان حتَّى ينتصرَ على خيباته وهزائمه ويتخطَّى فواجعَه، لذلك فإنَّ اللجوء إلى الأسطورة في الشعر العربي الحديث هو استحضار بشكل ما للبطولات الغائبة، وتعبيرٌ عن الحنين لتلك البطولات وتوقٌ لزمنٍ طاهرٍ ساكن نقيٍّ وتاريخٍ ناصعٍ غير ملوَّث بالظلم والاستبداد والحروب والطغاة، فعندما يتمُّ استدعاء بطل أسطوري وتاريخيٍّ من خلال القصيدة فإنَّ رغبةً جامحةً تدفعُ القارئ ليتقمَّص روح هذا البطل وتمثيل حالته على اعتبار أنَّه المخلِّص والشعلة التي تنير هذه الدروب المظلمة. وإنَّ خلقَ الأسطورة وإعادة صياغتها عمليَّةٌ جماليَّة ساحرة غايتُها البحثُ عن عالمٍ جميل لم تقتله السلطة بعد، وما من شاعرٍ إلا ولاقى ظلمًا ومهانةً مما أدى إلى كسر شموخه وشرَّده. وكان اللجوء إلى استخدام الرموز الأسطورية والتاريخيَّة المشرقة هو طوق النجاة بالنسبة له، فكان الشاعر العربي يهاجرُ ويحملُ همَّه وهمَّ قصيدته ورموزه الأسطورية والتاريخية معه، وحيثما حلَّ كان يحاول أن ينشد الفرح والحرية من خلال تلك الرموز، والأمثلة كثيرة على ذلك كالشاعر خليل حاوي الذي ذهب إلى لندن وكتب قصيدة من أجمل قصائده وهي “السندباد في رحلته الثامنة” ومن مقاطع القصيدة:


رحلاتيَ السبعُ وما كنَّزتهُ

 من نعمةِ الرحمن والتجارَةْ

 يومَ صرعتُ الغولَ والشيطانَ

 يومَ انشقَّت الأكفانُ عن جسمي

 ولاحَ الشقُّ في المغارةْ

 رَويتُ ما يروونَ عنِّي عادةً

 كتمتُ ما تعيا له العبارةْ

ولم أزلْ أمضي وأمضي

خلفَهُ أحسُّه عندي ولا أعيهِ
ومنهم أيضًا بدر شاكر السياب حيث استخدمَ أسطورة أدونيس المضرَّج بالدماء، وعبد الوهَّاب البياتي الذي حمل حلَّاجه عبر رحلاته من بغداد إلى بيروت إلى مدريد، وعبد العزيز المقالح أضاءت له رموز بلاده لياليه المظلمة ومنها: سيف ذي يزن ووضاح اليمن وبلقيس وغيرهم، وبالتالي فإنَّ استخدام الأسطورةِ والرمز والتاريخ في الخطابات الشعريَّة العربيَّة المعاصرة نوعٌ من التجريبِ الجماليِّ قبلَ أن يكون عودةً إلى التُّراث، فكان من أهم سمات القصيدة العربية المعاصرة انعطافها عن الشكلِ الشعريِّ التقليدي والاعتماد المكثَّف على الرموز الأسطوريَّة والتاريخيَّة أنَّى اكتشفَها الشاعر، ولذلك فقَد كانت أولَى اهتماماتِ الشاعر المعاصر خلقَ رموز أسطوريَّة، سواءً مستحدثةً يلتقطُها من الواقع، أم تاريخيَّة يستمدُّها من التاريخ الثقافي، والعمل أيضًا على جعل تلك الرموز تستقطبُ جميعَ مفاصِل النصِّ الشعري و حركاتِه وتصهرُها في قالبِ وحدة متناغمةٍ، ومعظم الشعراء عملوا على ذلكَ وأدخلوا الأسطورة والرمز إلى أشعارهم، ومنهم: الشاعر محمود درويش، محمد الفيتوري، سعدي يوسف، أدونيس، وغيرهم من الشعراء العرب في العصر الحديث
weziwezi

Happy
Happy
0 %
Sad
Sad
0 %
Excited
Excited
0 %
Sleepy
Sleepy
0 %
Angry
Angry
0 %
Surprise
Surprise
0 %

Average Rating

5 Star
0%
4 Star
0%
3 Star
0%
2 Star
0%
1 Star
0%

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

AlphaOmega Captcha Classica  –  Enter Security Code
     
 

Previous post المركز الأوروبي لمكافحة الإرهاب ـ اليوروبول في مواجهة الإرهاب والتطرف
Next post بعد جدل زواجهما طلاق شيري عادل من الداعية معز مسعود