هل هي دولة المواطنة أم دولة الطائفية ؟!

Read Time:5 Minute, 14 Second

صبحي مبارك مال الله

شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_المواطنة والطائفية لهما معنى عام ومبسط ومعنى سياسي وقد يأخذ منحى أيدولوجي ، فالمواطنة تعني الفرد الذي يتمتع بعضوية بلد ما وهو بذلك يستحق ما ترتبه تلك العضوية من امتيازات، وفي معناها السياسي تُشير المواطنة إلى الحقوق التي تكفلها الدولة لمن يحصل على جنسيتها والالتزامات التي تفرضها عليه وهي مشاركة الفرد في أمور وطنه وما يشعره بالانتماء أليه، و من المنظور الاقتصادي -الاجتماعي يقصد بالمواطنة إشباع الحاجات الأساسية للأفراد بحيث لاتشغلهم هموم الذات عن أمور الصالح العام .المواطنة تشمل ثلاثة عناصر وهي :العنصر المدني ويتضمن الحرية الفردية وحرية التعبير والاعتقاد ، والإيمان ، وحق التملك والعنصر السياسي وهو حق المشاركة في الحياة السياسية والعنصر الاجتماعي وهي الخدمات ومنها خدمات الرفاهية كما يشمل العنصر المدني الحق في العدالة .ولهذا عندما يهتف المتظاهرون (نريد وطن ) يقصدون المواطنة وحقوقها والتمتع بكل امتيازات المواطنة والتي من بين ما تشمل الحقوق المشروعة ومنها الحصول على عمل والمساهمة في الحياة السياسية من انتخاب وترشيح ، والمشاركة في القرارات السياسية واكتساب المواطنة لا تقتصر على شرط الولادة في الأرض التي يولد فيها الفرد بل تعدت ذلك لمنح المهاجرين من بلدان أخرى لجأ إليها الشخص لاكتساب المواطنة وجنسيتها.أما الطائفية مفردها الطائفي وحسب معجم أكسفورد هو الشخص الذي يتبع بشكل متعنت طائفة معينة أي الذي يرفض الطوائف الأخرى ويغبنها حقوقها أو يُكسب طائفته تلك الحقوق من خلال التعالي على بقية الطوائف ومتجاهلاً لها ومتعصباً ضدها. ولكن النظر إلى المكونات والأقليات خارج الإطار السياسي تعتبر جزء من الشعب معترف بها دستورياً وقانونياً ولها الحقوق وعليها الواجبات هذا في الدولة المدنية ويجب إن لاتمارس ضدها التمييز والفصل العنصري والعرقي .
الطائفية إستراتيجية مرتبطة بالنُخب الاجتماعية المتنافسة في حقل السياسة من أجل السيطرة واكتساب الموقع سواء داخل الدولة أو على صعيد توزيع السلطة الاجتماعية وكنتيجة لذلك لا يمكن أن تكون حرب طائفية بدون نخب طائفية .
بريجنسكي -مستشار الأمن القومي خلال فترة رئاسة كارتر 1977-1981 يقول أفضل وسيلة لتفتيت الأنظمة والدول والشعوب هي تعميق التعدد المذهبي والطائفي والعرقي من خلال تمكين طائفة بعينها ودعمها ، لقهر بقية المكونات .ويستمر في ذلك -ليقول ستعاني تلك المجتمعات من مشكلة دائمة وهي مسألة التوافق النسيجي فيما بينها ففي عهد الرئيس جيمي كارتر نصحه بريجنسكي بالسماح (للشيعة السياسية ) بالسيطرة على الحكم في إيران على حساب كل القوى الثورية التي شاركت في الثورة ضد الشاه .وهذا يعتبر الأذن بفتح صفحات مشروع كبير يرتبط بعقد سياسية أكثر منها دينية مرتبطة بتاريخ الطوائف والمذاهب في المنطقة، ومنذُ ذلك الوقت بدأ مايسمى با(الفوضى الخلاقة ) التي أعلنتها رسمياً الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش (الابن) كوسيلة لبناء شرق أوسط جديد وكبير. ومن خلال تطبيق هذه السياسة ظهرت آثارها على عموم المنطقة دخلت فيها عناصر جديدة وتلاوين في التطبيق قد يكون التعاون مع طرفين متناقضين أحدهما من الإرهاب .ولكن كل الذي يجري هو في إطار التدخل والسيطرة على الموارد البشرية والطبيعية لغرض إدامة إمبراطوريات الدول الكبرى .
لدينا مثال على دولة المحاصة الطائفية ومكوناتها، وهي لبنان فبعد التوقيع على وثيقة الوفاق الوطني اللبناني بين الأطراف المتنازعة في لبنان بوساطة سعودية في 22 تشرين الأول/أكتوبر1989 ، وصادق البرلمان اللبناني على اتفاق الطائف في 5تشرين الثاني 1989 معلناً انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية بعد مرور خمسة عشر عاماً على اندلاعها ودخل لبنان في نفق السياسة الطائفية المظلمة والمبهمة . ومنح زعماء الطوائف الطائفية الشرعية المطلقة منذُ عام 1989 ومن ثم حدث الصراع والتنازع بين الأحزاب الطائفية حول الهيمنة على الحكومة والمؤسسات والمناطق والمالية، ومن خلال منهج نظام اللا دولة واللا مؤسسات في ظل الصراع حدث الفساد وتكونت أزمة بنيوية إقتصادية وتدنِ المستوى المعيشي وتخلت الدولة اللبنانية عن سيادتها للخارج فأصبحت ميزة الدولة طائفية محاصصية بامتياز .وأصبحت المناصب السيادية حكراً على الطائفة والدين والمذهب كما يجري في العراق .
وضعنا هذه المقدمة عن المواطنة والطائفية لغرض أن نفهم الفرق بين المفهومين وتبعاتهما ، دولة المواطنة الحقيقية تتطلب نظام ديمقراطي حقيقي يؤمن بالحياة الديمقراطية من ناحية مشاركة المواطن في اتخاذ القرارات بوجود برلمان نابع من الشعب وبتأييده وأن تكون جميع المناصب مفتوحة مرتبطة بالمواطن والوطن متمتعة بثقة الشعب . في حين النظام الطائفي والمحاصصة لاتوجد فيه عدالة اجتماعية ولا احترام لحقوق المواطن ويجري تقسيم الشعب حسب الدين ، والمذهب والقومية فتفقد الدولة وحدتها ووحدة مواطنيها وتتحول إلى دولة أحزاب متصارعة وهي أحزاب دينية سياسية لاتعترف بالديمقراطية ولا بحكم الشعب وتنهب وتسلب دون حسيب أو رقيب . ولكي تنفذ سياستها فتلجأ إلى تكوين مليشيات خاصة بها ومدججة بالسلاح، وجميع هذه المخالفات خارجة على القانون والدستور. ونتيجة هذه السياسة يتفشى الفساد وتنتشر الجريمة الاقتصادية وتخلق أزمات لاتنتهي بل النظام ولاّد للأزمات .
الآن بدأ العد التنازلي لانتهاء المدة الممنوحة لرئيس الوزراء المكلف عدنان الزرفي لغرض تشكيل الحكومة وتقديمها إلى مجلس النواب لنيل ثقة المجلس تحت ظروف سياسية وصحية معقدة بوجود وباء فايروس كرونا المستجد ، وفي هذا الوقت العصيب نلاحظ الكتل السياسية والطبقة السياسية لايهمها مايحصل من الكوارث يعاني منها الشعب العراقي ، بالإضافة إلى إ انهيار أسعار النفط وانخفاض الأسهم في بورصات الأسواق المالية العالمية وشبه توقف للحياة في حين تستمر الطبقة السياسية في غيها باتجاه التعنت و عدم الاستجابة لما يطالب به الشعب بل يبحثون عن طرق لوأد الانتفاضة مستغلين هذه الظروف لغرض التخلص من خطرها ، كما إن الكتل السياسية نفسها تعاني من الانقسامات والصراع بعضها مع البعض الآخر ومن أزمة عدم الثقة .
لقد ذكر الزرفي بأن هناك أربعة تحديات وهي 1- التحدي الخارجي وعلاقة العراق بالمجتمع الدولي ومجلس الأمن والتحالف الدولي 2- الاحتجاجات والتظاهرات والانتخابات المبكرة القادمة .3-الأزمة المالية وانخفاض أسعار النفط وقلة الموارد غير النفطية وتفاقم البطالة 4- تفشي فايروس كورونا وحماية صحة المجتمع العراقي وتوفير البيئة المناسبة للحد من انتشاره داخل البلاد . هذه التحديات الأربعة التي ذكرها الزرفي، إلا أنه لم يذكر التحدي الأكبر وهو تمسك الكتل السياسية بالمحاصصة والطائفية وإن أربعة كنل سياسية من أصل سبعة شيعية معترضة على الزرفي ، والنقطة الأخرى عدم الالتقاء بممثلي الانتفاضة وتبني مطالبهم مع أنه أعلن ذلك في الإعلام كما أنه لم ينفتح على القوى السياسية الأخرى . والمعروف عن الزرفي بأنه كان منتمياً إلى حزب الدعوة وأصبح محافظ النجف لثلاث دورات ومن ثم أسس حزب الوفاء ودخل في تحالف النصر وترأس كتلة النصر البرلمانية في مجلس النواب ، فهو يُعتبر من نفس الطبقة السياسية . ويتمتع الزرفي بتأييد أمريكي كما ذكر ذلك وزير خارجية الولايات المتحدة مايك بومبيو كما أيدت ذلك الأمم المتحدة هذا الترشيح. هل ينجح الزرفي بتمرير نفسه وكابينته ؟ وهل ينجح بتشكيل وزارة توافق عليها الكتل السياسية والمنتفضين والرأي العام؟ الآن هو يحاول من خلال جولاته أن يستحصل موافقات الكتل السياسية وهو يعلم عليه الاتفاق وتلبية مايطالبونه به على أساس منهجية النظام الطائفي المحاصصي فإذا كان من طلابين المنصب وامتيازاته فسوف يوافق على ماتريده الكتل وهذا هو المرّجح وإذا كان همهُ خدمة الشعب والبلاد فلابد له رفض أملاءات الكتل

الحوار المتمدن

Happy
Happy
0 %
Sad
Sad
0 %
Excited
Excited
0 %
Sleepy
Sleepy
0 %
Angry
Angry
0 %
Surprise
Surprise
0 %

Average Rating

5 Star
0%
4 Star
0%
3 Star
0%
2 Star
0%
1 Star
0%

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

AlphaOmega Captcha Classica  –  Enter Security Code
     
 

Previous post الأدوية الذاتية.. العلاج بالضحك
Next post الكورونا تتهادى بين التشخيصِ الطبي والتحقيقِ الأمني