إبراهيم حميدان في ذكراه الأولى تحت القراءات النقدية _الطيوب


متابعة وتصوير : مهنَّد سليمان

شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_تحل هذه الأيام الذكرى الأولى لرحيل القاص والكاتب الليبي القدير “إبراهيم حميدان“، وبهذه المناسبة أقامت الجمعية الليبية للآداب والفنون ندوة ثقافية خاصة تناولت عدد من القراءات في أعمال الكاتب الراحل شارك بها نخبة من الكتّاب والأدباء، وذلك ضمن الموسم الثقافي للجمعية لعام 2025م مساء يوم الثلاثاء 7 يناير الجاري باستضافة من جهاز إدارة المدينة القديمة طرابلس بدار حسن الفقيه حسن للفنون .

وتولى “نوري البوسيفي” إدارة جلسة الندوة حيث أشار في مقدمته إلى أن هذه الندوة تهدف إلى تتبع سيرة مثقف وكاتب صال وجال في ميادين إبداعية عدة ما بين القصة والمقالة والعمل الثقافي فللراحل دور فاعل في الكثير من الأعمال لاسيما دوره في الارتقاء بالأنشطة الثقافية، فتدين له الحياة الثقافية بالكثير من المساهمات فقد كرّس الراحل جزءا كبيرا من حياته للعمل الثقافي فقد كانت الثقافة بالنسبة للراحل شكلا للحضور والفعل والعمل الجماعي.

حميدان كاتبا صحافيا

فيما استهل الكاتب “مفتاح قناو” أولى المداخلات التي ركز فيها قناو على تجربة حميدان مع الصحافة وبداياته منذ منتصف الثمانينات، وأضاف قناو بالقول : بأن من يتذكر تلك الحقبة في تاريخ الصحافة الليبية يعلم بأنها قد جاءت بعد إلغاء المؤسسة العامة للصحافة التي كانت تضطلع بدور رائد في السبعينات، وإنشاء ما تمت تسميته آنذاك باللجنة الإدارية للإعلام الثوري البديل لأمانة الإعلام والثقافة فأبقي على صدور صحيفة واحدة فقط وهي صحيفة -الفجر الجديد- اقتصر على نشر الأخبار دون أي مواد صحفية أخرى ونقلت تبعيتها الإدارية إلى وكالة الأنباء الليبية ليُشكّل هذا المُناخ المُلبّد البداية الأولى للكاتب إبراهيم حميدان لعلاقته مع الكتابة الصحفية، وأشار قناو إلى السنوات اللاحقة التي سُمح فيها بإصدار الصحف المهنية كالمنتجون، وصوت العامل، والموظف، والطالب ليليها لاحقا صحف المناطق والبلديات، وهذا التضييق جعل الكثير من جيل الثمانيات يجدون صعوبة في الإتصال والتواصل مع المطبوعات والصحف أوان ذاك الزمن، وتابع قناو أن حميدان لم يجد أمامه إلا صحيفة المنتجون باعتبارها الخيار الصحفي الوحيد حينها، ونشر حميدان العديد من المقالات الصحفية خاصة بعد استعادة الحركة الصحفية لزخمها بإعادة إنشاء الهيئة العامة للصحافة وإصدارها للصحف المعروفة لنتنعش أجواء العمل الصحفي مرة أخرى قياسا بالتتضيق والمصادرة في عقد الثمانينات، ونوه قناو إلى أن الراحل حميدان برغم كتابته لمجموعة كبيرة من المقالات بيد أنه لم يجمع منها إلا عدد قليل جدا صدرت في كتاب بعنوان (بين قوسين) وهو ضم مقالاته المنشورة من عام 2006 وحتى 2009م.

ثنائيات الخيال والواقع

كما شارك الكاتب “رمضان سليم” بمداخلة حول المجموعة القصصية الأولى للراحل إبراهيم حميدان المعنونة (لقاء) وهي تتضمن نحو عشرة قصص قصيرة ترفدها مقدمة ذات طابع فكري للكاتب “يوسف القويري” فمنحت هذه المجموعة بريقا خاصا، وتطرق الكاتب رمضان سليم إلى مكانة القصة في ليبيا وفق إنتاج مرحلي معين هي إنتاج اجتماعي واقعي فأغلب القصص القصيرة الليبية تدور داخل هذا الإطار فالشرائح المطروحة معظمها اجتماعية صِرفة فجاءت أقرب إلى الواقعية وهناك أحيانا إفراط في الطرح الواقعي، ومن خرج من هذا القالب القليل من الكتّاب كالكاتب أحمد إبراهيم الفقيه الذي ترك شيئا من الواقعية وجنح نحو الخيال فهو أكثر الكتّاب اهتماما وتركيزا على الخيال ليسير إبراهيم حميدان على ذات الدرب فقصصه ترتبط ارتباطا مباشرا بالخيال رغم أنها أي القصص تكون على قاعدة واقعية، وتوقف الكاتب رمضان سليم عند قصة (الابتسامة) التي تتحدث عن شخص اسمه “بلقاسم” اسم له دلالة شعبية ويركب دراجة عادية بلا كوابح فحين يريد إيقاف دراجته يستخدم قدميه، ويصل إلى المدينة فيوثق دراجته بسلسلة وقفل ويدخل إلى أحد محلات -الأمل- وهناك باب يفصل بين عالم وعالم، ولفت الكاتب رمضان سليم إلى أن أهم الخصائص المميزة في قصص الراحل حميدان هي الثنائيات القائمة على الخيال الرصد الحي للنماذج الاجتماعية معددا طبيعة هذه الثنائيات كلحظة الفرح، ويُضيف الكاتب رمضان سليم أن في قصة (ما بعد الزيارة) خط فاصل يحيلنا إزاء ثنائية أخرى تتمثل في الظاهر والخفي

بينما كان للإعلامية “فريدة طريبشان” مداخلة لفتت من خلالها إلى أن الإيحاء الأول الذي تمنح شخصية الراحل إبراهيم حميدان فور رؤيته تتجلى في قوة الشخصية وقوة الحضور، والجدية التامة وأثناء الحديث معه تكتشف شخصية مترامية ومثقفة وممتلئة بكل الوعي والارتقاء وكذا قدرته على الالتقاط الذي كان يحوله من فكرة جادة إلى عمل فكاهي هزلي كاسقاط كنوع من لفت النظر. كما أشارت طريبشان إلى الذائقة السمعية والموسيقية للراحل وتماسه مع باقة من الأغاني الكلاسيكية، ومدى شغفه بالأغنية الليبية.

تجربة حميدان مع مجلة (لا)

من جانبها تطرقت الباحثة “أسماء الأسطى” لتجربة الراحل إبراهيم حميدان ومجلة (لا) مشيرة بالقول : لا شك أن بدايات أي كاتب تستند إلى الانبهار منذ الطفولة بالقراءة التي تخلق عالما ملونا بفضل ما تُحدِثه القراءات من أثر ساحر يجد فيها مناخا من المتعة الفكرية لا تلبث أن تأخذ مسار الهواية لتفضي عادة إلى تجربة الكتابة حتى تغدو كتابة إبداعية إذا ما أخلص في قراءاته المتنوعة وصولا إلى رصيد وافر من القراءة المسؤولة التحليلية لما يكتبه غيره، وأضافت الأسطى بالقول : إن هذه الخاصية تمتع بها إبراهيم حميدان القارئ الحقيقي النهم المتابع الجاد لكل ما يُكتب في المطبوعات والمتابع لكل ما يصدر من مؤلفات صاحب التي تسبقك إلى عنوان مؤلف ما أردت ذكره في سياق الحديث أو اسم كاتب تسرّب من ثقوب ذاكرة لم تعد تحتفظ بالكثير فهو من يسعفك بكلمة أفضل تعببير مما خانتك فيها قواميس مفرداتك أو يصحح لك تفاصيل حادثة كنت فيها شاهدا مثله أو تسمعه يردد لك نصا عذبا حفظته ذاكرته في انتقاء متعمد لا تخطئه ذاكرة أدبية عالية تمتع بها دوما، وتابعت الأسطى : نحن جيل تتلمذ على مجلات الأطفال التي انبهرنا بها صغارا فاستدرجتنا إلى عالم ملون سحرتنا فيه الكلمة حتى وقعنا في أسرها، وصرنا قراء لكل ما يقع بين أيادينا حتى تعددت أمامنا المسارات والدروب التي أخذتنا إلى عوالم من الدهشة الموحية ما جعلنا نخوض تجربة الكتابة، ومراسلة الصحف والمجلات خطوة أولى يخطوها الكاتب المبتدئ عادة مقتفيا أثر من سبقه محاولا إضفاء ما يميزه عن سواه، وأضافت الباحثة الأسطى أن تجربة إبراهيم حميدان في مجلة (لا) المتأسسة عام 1991م والمتوقفة عن الصدور عام 1999م المجلة التي شارك فيها نخبة من كتّاب ليبيا قوبلت بالأسئلة والتوجس والحيرة والارتباك والترحيب والتشجيع ولم تخرج عما قوبلت به حتى توقفت إصدارها، وأردفت الباحثة الأسطى بالقول : إن المجلة كانت خطوة مهمة على مستوى العمل الصحفي باعتبارها مجلة إصلاحية من طراز جيد لا ترفض ولا تنتقد ولكن تشير وتضيء ولعل هذا التميز كان وراء اللغط الذي دار حولها، وأشارت الباحثة الأسطى أن تجربة حميدان في مجلة (لا) تمثلت في زاوية من صحفتين بعنوان (حروف مشاغبة) ثم تحول إلى بعض التحقيقات من بينهما، أطفال، مدارسهم، الأسواق، واختار أيضا تذييل بعض المقالات اسما موازيا هو (أبو ريما)، وفي المرحلة الثانية للمجلة أصبح فيها مديرا للتحرير وظل ملتزما بصفحتين تحت عنوان (وخزات) بالإضافة لصفحة قصاصات وهي تميز لانتقاءات ذكية ذات مغزى وهو ينتقيها مما يكتب وينشر في الصحافة المحلية وتحقيقات يدق بها جرس الخطر من بينها تحقيق حول الامتحانات بعنوان (مهرجان الغش الجماعي) ومن أهم الملفات التي تناولتها المجلة كان ملف (أطفال الإيدز).

قصص رمال متحركة تمتلئ بالصراخ

أما الكاتب “رضا بن موسى” فقد خص مداخلته بقراءة عن المجموعة القصصية الأخيرة للكاتب الراحل إبراهيم حميدان (رمال متحركة) الصادرة عام 2022 إذ أشار بن موسى إلى أن قصص هذه المجموعة تتوفر فيها العناصر المتعارف عليها في فن القصة القصيرة من سرد نثري موجز يعتمده القاص في صياغة حبكته على وقائع وأحداث قد تكون عادية يومية أو استثنائية مصاغة بخياله تحدث في أمكنة وأزمنة يعايشه بنماذجه محمولة غالبا على إيقاع متوتر مشحون بانفعالات حادة تتركز على التناقضات النفسية والاجتماعية التي تتجلى في مشاعر وسلوكيات وأفكار تحملها شخصيات القصص وهي تواجه ما يناقضها ويخالفها فتتشابك معها في صدامات ومكاشفات صريحة أو تحاول الافلات بما تثيره الحالات من حذر وريبة ومخاوف من اللا متوقع والغامض المجهول، وأضاف بن موسى أنه قد تمنحك القصص أحيانا لحظات نادرة للاسترخاء والتأمل سعيا إلى الدفع بنا كقراء إلى يقظة تُدير الوعي بأسئلتها خاصة في خواتيمها دون الوقوع في الوعظ والارشاد، ويعتقد بن موسى أن اختيار عنوان (رمال متحركة) هو تعبير عن جوهر رؤيته لحالة الواقع الذي يرزح تحت وطأة سلطات سياسية واجتماعية التي قد تتخفى أحيانا لكنها سرعان ما تكشّر عن أنيابها الحادة، وأوضح بن موسى أنه في سياق قراءاتنا لمجموعة رمال متحركة نلاحظ أن عالمها ممتلئ
بالصراخ أو الرغبة في الصراخ حيث يكون الصراخ تعبيرا عن حالة من الضيق الشديد أو فعل يجسد التمرد أو رد فعل على ضغوط يواجهها شخصياتها، ولقاء ذلك تظل هناك الرغبة في الصراخ الذي لا يتحقق بفعل شرط اجتماعي وواقعي أو عند الوقوع في حالة نفسية خانقة تمنع بالتالي امكانية القدرة عن التعبير عما يجيش في خواطر الشخصيات والافصاح عن مكنونات ذواتها.
نقلا عن : الجمعية الليبية الآداب والفنون
https://tieob.com/archives/93253

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous post فعاليات الندوة العلمية الفكرية التي تنظمها المنظمة الليبية للمثقفين بالتعاون مع الشركة الليبية للحديد والصلب
Next post العطلات في هولندا هذا العام