
كيف طردنا داعش ؟ ومازلنا نحمل فكرا متطرفا ؟..بقلم/ لبني يونس
محمد الظفير _محرر الشؤون الافريقية
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_في اللحظة التي طردنا فيها داعش من أراضينا، بدا وكأننا قد حققنا النصر الأكبر، وكأننا قطعنا جذور الإرهاب من وطننا، لكن الحقيقة المؤلمة تكمن في مكان آخر. الإرهاب لم يكن يومًا فقط في ساحات المعارك أو في أيدي حاملي السلاح؛ الإرهاب يعيش داخلنا، في أفكارنا وسلوكياتنا، في الطريقة التي نربي بها أطفالنا، وفي تعاملنا مع اختلافاتنا، وفي حروبنا على السلطة والمصالح. نحن لم نتخلص من جذور التطرف، بل ربما موجودة في أشكال أخرى من حياتنا اليومية.
التطرف يبدأ من الطفولة، حيث تنشأ أجيال تحت سطوة الأبوين، وتُربّى على الطاعة العمياء دون نقاش أو حوار. في بعض الأسر ، يُعامل الأطفال وكأنهم ملكية خاصة، تُفرض عليهم قرارات لا تأخذ مشاعرهم أو آراءهم بعين الاعتبار. هذه السلطة المطلقة تزرع داخل الطفل فكرة أن القوة تُبرر كل شيء، وأن الرأي المختلف ليس إلا تهديدًا يجب القضاء عليه. إن هذا النمط من التنشئة هو بداية الطريق نحو إنتاج عقلية متطرفة، حتى وإن لم تحمل السلاح يومًا.
في مجتمعنا الليبي، يتجلى التطرف في رفضنا للتنوع. نميل إلى رؤية الاختلاف على أنه خطر بدلاً من كونه مصدرًا للثراء والتكامل. هذا الرفض يظهر في علاقتنا مع الآخر، سواء كان مختلفًا في القومية أو العرق، أو حتى في طريقة التفكير. التاريخ الليبي يعج بأمثلة على كيف أن رفض التنوع أدى إلى انقسامات وأزمات. ولعل أبرزها الصراعات الثقافية والجهوية التي قوضت فرص بناء هوية وطنية جامعة، وجعلت من السهل استغلال تلك الانقسامات من قبل قوى داخلية وخارجية لتحقيق مصالحها.
إن التطرف الفكري ليس مجرد أداة رفض، بل هو سلوك يومي يتجسد في النقاشات العامة، حيث يتحول الخلاف إلى معركة إلغاء، ويُتهم أصحاب الآراء المختلفة بالخيانة أو العمالة. وفي ظل هذه الثقافة، يُدفن الحوار ويتجذر الخوف من التعبير. وعلى صعيد آخر، نجد تطرف المصالح يأخذ شكلاً خطيرًا، حيث تُقدّم المكاسب الشخصية أو الجهوية على حساب المصلحة العامة. الموارد الوطنية التي يفترض أن تكون أداة لبناء مستقبل مشترك تتحول إلى أداة للسيطرة والاستغلال، ما يعمّق الفجوة بين المواطنين ويُشعل فتيل الانقسام.
أما التطرف السياسي فهو الوجه الأكثر وضوحًا لهذا الإرهاب الداخلي. في الساحة السياسية الليبية، لا يزال الإقصاء هو القاعدة، والمصالح الفئوية هي المحرك. تتحالف القوى السياسية مع الخارج، تُبرر الولاءات على حساب الوطن، وتُدير صراعاتها بأساليب تقوض أي إمكانية لإعادة بناء الدولة.
ما نحتاجه اليوم ليس فقط محاربة الإرهاب المادي، بل العمل على اقتلاع جذور الإرهاب الفكري والاجتماعي والسياسي. هذا يبدأ من داخل الأسرة، حيث يجب أن نعلم أطفالنا احترام الاختلاف، والاعتراف بحق الآخرين في التعبير. يجب أن يعاد بناء منظومتنا التعليمية لتشجع على التفكير النقدي بدلاً من التلقين، ولتعزز قيم التسامح بدلاً من التشدد. على الإعلام أيضا أن يتحمل مسؤوليته في تصحيح المسار، وأن يكون صوتًا للاعتدال، ومصدرًا للوعي.
إن طرد داعش كان خطوة ضرورية، لكنه لا يعني أننا في مأمن. الطريق نحو وطن متصالح مع نفسه يبدأ بمواجهة الحقيقة: الإرهاب يعيش داخلنا، وعلينا العمل معًا لاجتثاثه.
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_