من بوتلميت إلى قصر الرئاسة: رحلة المختار ولد داداه
..
بقلم/ لبني يونس
محمد الظفير
محرر الشؤون الافريقية
المختار ولد داداه، المولود في 25 ديسمبر 1924 في مدينة بوتلميت، يُعد أحد الشخصيات البارزة في تاريخ موريتانيا الحديث، ومؤسس الجمهورية الإسلامية الموريتانية. نشأ في أسرة علمية ودينية عريقة تنتمي إلى المجتمع الموريتاني التقليدي المعروف بالعلم والمعرفة. تلقى تعليمه الأولي في بوتلميت، حيث أظهر تميزًا في الدراسة، مما أهله للحصول على منحة لمواصلة تعليمه في فرنسا.
المختار ولد داداه، المولود
في فرنسا، درس المختار الحقوق، وحصل على شهادة الثانوية العامة في باريس عام 1948، ثم تخرج في القانون عام 1955، ليصبح أول موريتاني ينال شهادة جامعية. أثناء دراسته، بدأ في تطوير فكره السياسي المتأثر بالحركات التحررية التي كانت تسعى لإنهاء الاستعمار في أفريقيا. عاد إلى بلاده في وقت كانت فيه موريتانيا خاضعة للحكم الفرنسي، وشهدت محاولات للحفاظ على الهوية الوطنية وسط تحديات الهيمنة الاستعمارية.
في عام 1957، تولى المختار ولد داداه رئاسة المجلس الإقليمي، حيث أبدى رؤية سياسية واضحة قادت إلى تأسيس حزب التجمع الموريتاني، الذي هدف إلى توحيد الشعب الموريتاني ودفع عجلة الاستقلال. بعد سنوات من العمل السياسي والدبلوماسي، نال الشعب الموريتاني استقلاله رسميًا في 28 نوفمبر 1960، ليصبح ولد داداه أول رئيس للجمهورية الموريتانية.
بصفته رئيسًا، واجه تحديات كبيرة، أبرزها بناء دولة جديدة في بيئة اجتماعية واقتصادية متواضعة. قام بتأسيس مدينة نواكشوط كعاصمة حديثة لموريتانيا، وأطلق سلسلة من الإصلاحات التي ركزت على التعليم وتحديث البنية التحتية. كما عمل على تعزيز الهوية الوطنية الموريتانية كدولة متعددة الثقافات والأعراق.
على الصعيد الخارجي، تبنى المختار سياسة الحياد الإيجابي، ساعيًا إلى إقامة علاقات متوازنة مع العالم العربي وأفريقيا والدول الغربية. كان له دور في تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية عام 1963، حيث نادى بوحدة الشعوب الأفريقية وتعزيز التعاون بين الدول المستقلة حديثًا.
ومع ذلك، واجهت فترة حكمه تحديات كبيرة، خاصة مع دخول موريتانيا في نزاع الصحراء الغربية في منتصف السبعينيات. أدى هذا النزاع إلى استنزاف الموارد الاقتصادية وخلق حالة من عدم الاستقرار السياسي. في 10 يوليو 1978، أطاح انقلاب عسكري بقيادة المصطفى ولد محمد السالك بحكمه، وتم تشكيل اللجنة العسكرية للخلاص الوطني.
بعد الإطاحة به، قضى المختار ولد داداه فترة في السجن قبل أن يتم نفيه إلى فرنسا، حيث عاش مع أسرته في المنفى. خلال فترة وجوده في فرنسا، واصل الدفاع عن القضايا الموريتانية، وسجل تجربته السياسية في كتاب مذكراته “موريتانيا على درب التحديات.
في 14 أكتوبر 2003، توفي المختار ولد داداه في باريس، لكنه دُفن في مسقط رأسه في موريتانيا، تاركًا إرثًا سياسيًا وإنسانيًا كبيرًا. يظل اسمه مرتبطًا ببناء الدولة الموريتانية الحديثة وبالنضال من أجل الاستقلال والسيادة الوطنية