هل يطيح الجمهوريون المحافظون بأجندة ترامب في الكونجرس؟
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_بالرغم من فوز الجمهوريين بأغلبية مقاعد مجلسَي الكونجرس (مجلس النواب والشيوخ) – حيث حصلوا على 53 مقعداً داخل مجلس الشيوخ مقابل 47 مقعداً لصالح الديمقراطيين، واستحوذوا على 220 مقعداً مقابل 214 مقعداً لصالح الديمقراطيين في مجلس النواب، وهو ما يعني تحقيق الجمهوريين “الثلاثية الحاكمة” التي تتمكن من السيطرة على غرفتَي الكونجرس الأمريكي المتحكم في السلطة التشريعية مع البيت الأبيض الذي يتحكم في السلطة التنفيذية، وهو ما يعني قدرتهم على تمرير العديد من التشريعات والتعيينات بسرعة أكبر دون عرقلة كبيرة من جانب الديمقراطيين، وهو ما تحقق خلال ولاية ترامب الأولى حينما نجح في تمرير حزمة إصلاحات ضريبية في عام 2017؛ بسبب امتلاكه أغلبيةً من الجمهوريين داخل مجلس النواب الذين بدورهم شجَّعوا زملاءهم داخل مجلس الشيوخ على تمرير هذه الحزمة – فإن هناك مجموعة من المحافظين داخل الحزب الجمهوري الذين يتمسَّكون بمواقفهم، والذين لا يتوانَون في انتقاد الرئيس المنتخب السابع والأربعين للولايات المتحدة دونالد ترامب، والذهاب إلى حد التصويت ضد تشريعاته المقترحة.
مهددات معرقِلة
هناك مجموعة من المهددات التي قد تعيق الرئيس المنتخب عن تمرير أجندته داخل الكونجرس الأمريكي، ويمكن تلخيص أبرزها فيما يلي:
1– اعتراض بعض الجمهوريين على سلطات ترامب المطلقة: بالرغم من التأييد الكبير الذي يحظى به ترامب داخل الحزب الجمهوري، خاصةً بعد نجاحه في الفوز من جديد بمقعد الرئاسة، ودعمه العديد من المرشحين، حتى تمكَّن الحزب من الاستحواذ على أغلبية مقاعد الكونجرس الأمريكي، فإن هناك فريقاً من الجمهوريين المحافظين – وعلى رأسهم زعيم الأقلية الجمهوري داخل مجلس الشيوخ الآن السيناتور ميتش ماكونيل، والمشرعون الموالون له – يرون أن الرئيس ترامب لا يجب أن يعتقد أنه يحظى بسلطة مطلقة داخل الولايات المتحدة، وأن الكونجرس سيكون قادراً على عرقلة العديد من خطوات ترامب التي قد تضر بالأمن القومي الأمريكي، كما أن هناك عدداً من المشرعين يرون أن منح المزيد من الصلاحيات والموافقات للرئيس ترامب تُنذِر بتحويل الولايات المتحدة إلى واحدة من الدول الاستبدادية التي يطغى فيها حكم الفرد على حكم المؤسسات.
2– رغبة بعض الجمهوريين في الحفاظ على ولاء الناخبين: بالرغم من أن المشرعين المحافظين داخل الكونجرس يدعمون توجهات الرئيس ترامب، ويسعون إلى تحقيق أجندته الانتخابية، فإنهم في النهاية يمثلون الولايات والمقاطعات التي حازوا أصوات ناخبيها، وهم يسعون في النهاية إلى الحصول على فرصة جديدة لتجديد الثقة بهم، وانتخابهم في انتخابات عام 2026؛ ولذلك إذا حصل تعارُض بين توجهات ترامب الاقتصادية أو غيرها من السياسات الموجودة في أجندته، وبين مصالح الناخبين داخل مختلف الولايات والمقاطعات التي يمثلها النواب، فإن كفة الناخبين هي التي سيكون لها الفوز، خاصةً أن بعض المشرعين قد فازوا بمناطق نجح بايدن والديمقراطيون في الفوز بها في عام 2020. ومن ثم فإنهم سيكونون أكثر ميلاً للاعتدال في سلوكهم لاجتذاب الناخبين، خاصةً ما يرتبط بخفض النفقات على برامج الرعاية الاجتماعية التي تخدم المواطنين، مقابل الموافقة على التخفيضات الضريبية على الشركات الأمريكية التي يسعى ترامب إلى تطبيقها والتي من شأنها أن تُخفِّض حجم الإيرادات الضريبية، وتؤثر على الموازنة الفيدرالية.
3– وجود أغلبية ضيقة للجمهوريين في الكونجرس: لا يعني تحكم الجمهوريين في أغلبية مقاعد الكونجرس أنهم سيمضون بسهولة داخل مجلسي النواب والشيوخ لتمرير تشريعات ترامب الاقتصادية، وأجندته الانتخابية؛ حيث إنهم يمتلكون أغبية محدودة لا تمنحهم الهيمنة المطلقة على قرارات الكونجرس، ومن ثم لن تتم عملية تمرير التشريعات والقوانين بسلاسة، خاصةً أن هناك احتمالية لتضاؤل الأغلبية الجمهورية في مجلس النواب مع اختيار ترامب مجموعة من النواب للانضمام إلى حكومته القادمة.
جدير بالذكر أن ترامب لم يكن هو الرئيس الأول الذي يتمكن من السيطرة على الكونجرس والبيت الأبيض؛ فقد امتلك نحو ستة رؤساء أمريكيين تلك الثلاثية منذ اليوم الأول؛ من بينهم الرئيس الأسبق بيل كلينتون، ولكنهم لم ينجحوا في تمرير كل التشريعات بسهولة؛ بسبب الانشقاقات بين أفراد الحزب الواحد الذين لا يمتلكون أغلبية كبيرة بالأساس داخل غرفتي الكونجرس.
4– الانشقاقات المحتملة داخل الحزب الجمهوري: من المتوقع أن تحدث العديد من الانشقاقات بين أعضاء الحزب الجمهوري خلال إدارة ترامب الثانية؛ حيث إن هناك تنافساً داخل الحزب على الهيمنة على زعامة الحزب من جهة، والتحكم في توجهاته وأجندته خلال المرحلة المقبلة من ناحية أخرى، وهو أمر ينذر باحتمالية تعطيل أجندة الرئيس المنتخب في بعض الأحيان خلال العامين المقبلين؛ أي لحين إجراء انتخابات التجديد النصفي، وهو أمر ستدعمه المعارضة الديمقراطية التي ستحدث في أغلب الأحيان لمنع تمرير تشريعات ترامب، خاصةً أن الديمقراطيين سيستخدمون جهود المماطلة التي تتطلب 60 صوتاً داخل مجلس الشيوخ لتمرير التشريعات، بما قد يعطل العديد من الأمور، وهو أمر سبق أن حدث خلال إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما؛ فبالرغم من امتلاكه أغلبية كبيرة في مجلس الشيوخ، فإنه مع معارضة الديمقراطيين المحافظين لقانون الرعاية الميسرة (أوباما كير)، اضطر إلى تخفيف بعض أحكام القانون حتى يتمكن من تمريره داخل الكونجرس.
5– الاختلافات الأيديولوجية بين أعضاء الحزب الجمهوري: لقد أثبت العامان الماضيان وجود اختلافات أيديولوجية عميقة بين أفراد الحزب الجمهوري؛ حيث هناك جناح يميني متطرف، وجناح آخر يحمل أفكاراً وسطيةً تقبل المفاوضات والنقاش؛ ما ينذر بحدوث استقطاب كبير داخل الحزب، على غرار ما حدث داخل مجلس النواب خلال الفترة الماضية، وأسهم في الإطاحة برئيس مجلس النواب السابق الجمهوري كيفن مكارثي، ليحل محله النائب الجمهوري مايك جونسون، وهناك انقسامات حوله في الفترة الراهنة أيضاً، لكن في ظل رغبة ترامب في الحفاظ على قدر من الاستقرار داخل مجلس النواب بين الجمهوريين قبل دخوله البيت الأبيض في 20 يناير القادم، فإنه بعدما انتقد جونسون مراراً وتكراراً بسبب عدم إسهامه في عرقلة تشريع التمويل المؤقت للحكومة الفيدرالية، استبدل بموقفه موقفاً داعماً ومؤيداً مؤخراً لجونسون للحفاظ على مقعده رئيساً لمجلس النواب، والحفاظ على نفوذ أكبر للجمهوريين في مجلس النواب، بيد أن الجناح اليميني المحافظ داخل الحزب من المتوقع أن يكون أكثر إسهاماً خلال الفترة المقبلة في عرقلة أجندة التشريع الاقتصادية، وما يتعلق بمسألة رفع أو تعليق سقف الديون التي يسعى ترامب إلى تحقيقها.
6– تغيير طبيعة الأغلبية المسيطرة في مجلس النواب: أعلن ترامب عن نيته ترشيح نحو ثلاثة من أعضاء الحزب الجمهوري المنتخبين في مجلس النواب. وإذا تمت الموافقة على تعيينهم، فإن من الضروري إيجاد بدائل لتلك الشخصيات، بما قد يؤثر على طبيعة الأغلبية الجمهورية الموجودة في الوقت الراهن، ويؤثر على مقدار توافقهم على تشريعات ترامب المختلفة، ومنها التشريعات الاقتصادية.
7– وجود تضخيم إعلامي لنفوذ ترامب الفعلي: هناك قدر من التضخيم الإعلامي لمدى نفوذ ترامب داخل الحزب الجمهوري، وتأثيره على توجهات المشرعين الجمهوريين. وما يدلل على ذلك معارضة نحو 38 جمهورياً لمشروع قانون تمويل جديد أصدره الجمهوريون لا يشتمل على العديد من أولويات الديمقراطيين. وقد ساهم تصويت بعض الجمهوريين بجانب تصويت جميع الديمقراطيين ضد مشروع القانون في سقوطه خلال ديسمبر الماضي؛ ما يعني أن نفوذ ترامب ليس واسع الأثر كما يُظهِر الإعلام الأمريكي، وأنه لن ينجح في تمرير مختلف التشريعات كما يرغب، خاصةً تعليق سقف الديون الذي يجعل مستوى نفقات الحكومة تفوق حجم الإيرادات الفيدرالية، بيد أن هناك احتمالية للموافقة على هذا الأمر من جانب الجمهوريين، ولكن عبر السماح برفع سقف الديون للسماح للحكومة الفيدرالية بسداد التزاماتها ومنع حدوث الإغلاق العام.
ختاماً، يمكن القول إن الحفاظ على الولاء لترامب الذي يبلغ من العمر 78 عاماً، لن يكون كبيراً بمقدار الوفاء للناخبين، بالنظر إلى أن عمر ترامب السياسي لن يطول بالقدر الكافي الذي يسمح له بالتأثير الطويل الأمد على الحزب الجمهوري؛ ولذلك لو سعى الجمهوريون إلى احتواء ترامب في وقت ما، فإنهم لن يدعموا تمرير مختلف التشريعات والميزانيات التي قد تضع ديوناً وأعباءً على كاهل الولايات المتحدة، وتسيء إليهم أمام ناخبيهم في مختلف الولايات الأمريكية.
إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية