
بعضُ بوح بالحروف والذبذبات لرحيل “كريمة المازوي “
عزالدين عبدالكريم
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_مضت أكثر من أربع و عشرون ساعة على رحيلك ، و رغم التوقع .. بل و وصول الأمر لدرجة الدعاء لله بأن يريحك من معاناتك ولو على حساب مشاعرنا ، لم يُثبت العقل عندي فعاليته في إحداث التماسك بعد تلقي خبر رحيلك ، و لم أجد إلا المشاعر تنتفض عندي .. و سيطرت الأحزان ، لتجعل الوجدان يرتجف دقائق بعد فيضان روحك للسماء ، فالحدث كان صاعقاً رغم كل التفاصيل المعروفة …..
الحزن على مغادرتك هذه الحياة الدنيا كان عميقاً درجة أنه فلق صخرة الصلابة و الكبرياء عندي ، فتدفقت الدموع منهمرة ، لتتفجر كاشفة لكومٍ من براكين أحزان مكبوتة و متراكمة أخرى فجرها حزني عليك ، إلا أن الصدر بعدها ، كأنه قد تنفس الصعداء قليلاً … فكنتُ كمن يحمل ثقلاً ناءت به النفس ، في حين ذات النفس تعتز بآثامها فتنكره … لكن … و لأن لي أنفس عدة .. تبقى … صدمة رحيلك لم تحتملها كل أنواع الأنفس المتربصة في داخلي ، حتى تلك التي تبدو على عجرفة …
مع لجج الحزن هذه ، عَلِمَ الله بدواخلي وما أُحدِّثُ به نفسي ، وهو الذي يعلمُ السِّر و أخفى ، و حقق لي رغبتي الأخيرة معك ، فلحقت بكِ جسداً ، و غاص بعضٌ من ثقله على كتفي ، في الخطى نحو مثواكِ الأخير على هذه الأرض و في هذه الحياة التي نعيشها … شددت رداءك لستر جثمانك مع نفرٍ من الناس ، ثم أهلتُ على القبر التراب ، ومع كل حفنة ألقي بها ، تتفجر من المآقي تلك القطرات المتحجرة ، فتتدفق ، و أبتعد لأواريها عن العيون ، رغم أن بعضهم التقط المشهد ، و لم تستطع عيونهم أن تخبئ السؤال … من هذا الذي يلفه الحزن برداء صلب ..؟؟؟
بالعودة الى خليطي الممزوج بين شيء مما يصفه البعض بالصعوبة حد التعجرف ، و التعقل بإقرار حقائق ما عُلِّمنا في هذه الحياة ، فإنني أستدعي لحظة عنفوان ، لأمارس عبرها التمرد الذي فيه من المشروعية و المنطقية ما يمكن البوح به …
حتماً … لا أقول وداعاً ، إذ أننا سنلتقي ، لا أعلم بعد كم من الزمن ، خاصة إذا أدركنا بأن الزمن أمره متذبذب ، غير محدد بين ما نحسبه ، و ما يحسبه الله … لكننا سنجتمع ذات زمن ، و المؤكد هنا ، عند قيامنا من الأجداث منسلين ﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ﴾ …. و كل ما نرجوه من ربٍ كريم ، أن يُميتنا و يُحيينا على مرضاة منه ، لننعم بما وعد ، ووعده الحق …
كذلك و بشكل فيه كثير من ” الصلف ” – غير المتوقع – سأعلن السعادة ، حتى برحيلك ، نكاية في عواصف الحزن التي تود اقتلاع ما في الفؤاد ، و أعترف بأفضال الله و أعلن بأنني أشكره على أنه خلقك كما أنتِ ، و وهبك ما وهبك و أنت كما أنتِ ، إنسانة مليئة بالطهر ، و الوفاء و الإيثار ، متلحفة بالصبر و الإيمان ، متسلحة بالصمود و العنفوان ، تاركة بكل ما فيكِ ، وما كنتِ عليه ، جبالاً من مآثر ، و بساتين من حبٍ ، و أنهاراً من عطاء ، جميعها لا تندثر لمجرد غيابك جسداً ، فقد سكنتِ جوارح المستمعين و الزملاء … عطاءات ، لعلها ما زالت عبر الأثير سابحة في الفضاء ، و لا أستغرب سباحتك معها ، مرافقة لتراقص روحك الزكية …
سأعلن السعادة لكوني عرفتُك ، و رافقتُك ، و صادقتُك ، و زاملتُك ، و انضممتِ لعائلتي كما انضممتُ لعائلتك … ومن العمر المشترك سأغرف الأزمان الواهبة للسعادة ، مستدعياً كل تفاصيلها ، أجدد حضورها ، و أعيد الامتلاء بها ، لأنتشي حد القهقه … و أستحضر حتى قهقهاتكِ معي …
الآن …. عودة إلى العمل الإذاعي ..
لا يمكن أن أتركك ترحلين هكذا دون استدعاء العمل الإذاعي ….. سأترك هنا تسجيلاً جديداً بصوتي ، محدثاً فيه جسدك بعد أن وارى الثرى ، التسجيل في دقائق و هو من أصل عمل جاد به فنان مبدع و فريد له برامجه و جولاته في العالم ، متميز حد الإبهار في عطائه ، ذلك هو الفنان ” رشيد غلام ” الذي أذِن لي قبل زمن قصير بأن أفعل ما أريد بأعماله ، إذ أجد فيها نفسي ، و ترضيني جداً عطاءاته ، وأتماهى معها ، حد مشاركتي له في قراءة نصوصها ، إذ كتب مما كتب لي مؤخراً ما نصه :
” …. أستاذ عز الدين … شكرا للطفك وذوقك .. خذ من أعمالي ما تشاء …… بارك الله فيك وأكرمك بكل خير. “
تعلمين بأنه لا يعجبني أي شيء ، و قلتِ عني ذات يوم أني ” أحرف في الشغل ” بمعنى صعب و دقيق في عملي ، بسبب أنني أدقق في الثواني والدقائق ، الحروف و الكلمات ، البدايات و الوقفات ، الانخفاضات و الارتفاعات للذبذبات ، خاصة تلك التي تعكس محتوى العقل و نبض الروح ، فعملنا كان محتوى عقول و نبض أفئدة ، ثم تلبستِ أنتِ ذات أسلوبي ” الأحرف ” … فامتلكتِ القلوب …
في نهاية بعض من البوح ، لا يفوتني أن أشكر الله ، كونه أنعم بشقيقة لك ، يمكن أن نغترف منها ما يُسعد كما كنتِ تفعلين ، لكونها متطابقة في الصفات و الشخصية ، مليئة بمواصفات ذاتك النقية … و قريبة منك حد التطابق …
هنا …. ولكِ بالذات …
لن اسأل كريماً كرما منه فهو الأكرم ..
لن أطلب الرحمة و المغفرة من الأرحم و الأكثر غفراناً …
لن اسأل الودود أن يحسن مثواك ، و وده لا يضاهى ..
فظني في الله وبما سيقابلك به ، يفوق ” حتى” و ” حدَّ ” التصور ..
و مرة أخرى ..إلى اللقاء ..و سأحاول أن أحيل الحزن عليك إلى فرح بنعمة مشاركتك جزءاً من الحياة …
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_
Average Rating