بعضُ بوح بالحروف والذبذبات لرحيل “كريمة المازوي “

Read Time:4 Minute, 18 Second

عزالدين عبدالكريم 

شبكة  المدار الإعلامية  الأوروبية …_مضت أكثر من أربع و عشرون ساعة على رحيلك ، و رغم التوقع .. بل و وصول الأمر لدرجة  الدعاء  لله بأن يريحك من معاناتك  ولو على حساب مشاعرنا ، لم يُثبت العقل عندي  فعاليته في إحداث التماسك بعد تلقي خبر رحيلك ، و لم أجد إلا المشاعر تنتفض عندي  .. و سيطرت الأحزان ، لتجعل الوجدان يرتجف دقائق بعد   فيضان روحك للسماء ، فالحدث  كان صاعقاً رغم كل التفاصيل المعروفة ….. 

الحزن على مغادرتك هذه الحياة الدنيا  كان عميقاً درجة أنه  فلق صخرة الصلابة و الكبرياء عندي ، فتدفقت الدموع منهمرة ، لتتفجر كاشفة   لكومٍ من  براكين أحزان مكبوتة و متراكمة  أخرى  فجرها حزني عليك ، إلا أن  الصدر بعدها ،  كأنه قد تنفس الصعداء قليلاً … فكنتُ كمن يحمل ثقلاً ناءت به النفس ، في حين ذات النفس تعتز بآثامها فتنكره … لكن … و لأن لي أنفس عدة .. تبقى … صدمة رحيلك لم تحتملها كل أنواع الأنفس المتربصة في داخلي ، حتى تلك التي تبدو على عجرفة … 

مع لجج الحزن هذه ، عَلِمَ الله بدواخلي وما أُحدِّثُ به نفسي ، وهو الذي يعلمُ السِّر و أخفى ، و حقق لي رغبتي الأخيرة معك ، فلحقت بكِ جسداً ، و غاص بعضٌ من ثقله على كتفي ، في الخطى نحو مثواكِ الأخير على هذه الأرض و في هذه الحياة التي نعيشها … شددت رداءك لستر جثمانك مع نفرٍ من الناس ، ثم أهلتُ على القبر التراب ، ومع كل حفنة ألقي بها ، تتفجر من المآقي تلك القطرات المتحجرة ، فتتدفق ، و أبتعد لأواريها عن العيون ، رغم أن بعضهم التقط المشهد ، و لم تستطع عيونهم أن تخبئ السؤال … من هذا الذي يلفه الحزن برداء صلب ..؟؟؟

بالعودة الى خليطي الممزوج بين  شيء مما يصفه البعض  بالصعوبة حد التعجرف ، و التعقل بإقرار حقائق ما عُلِّمنا في هذه الحياة ، فإنني أستدعي لحظة عنفوان ، لأمارس عبرها التمرد الذي فيه من المشروعية و المنطقية ما يمكن البوح به …

حتماً … لا أقول وداعاً ، إذ أننا  سنلتقي ، لا أعلم بعد كم من الزمن ، خاصة إذا أدركنا بأن الزمن أمره  متذبذب  ، غير محدد بين ما نحسبه ، و ما يحسبه الله  … لكننا سنجتمع ذات زمن ، و المؤكد هنا ، عند قيامنا من الأجداث منسلين ﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ﴾ …. و كل ما نرجوه من ربٍ كريم ، أن يُميتنا و يُحيينا على مرضاة منه ، لننعم بما وعد ، ووعده الحق … 

كذلك و بشكل فيه كثير من ” الصلف ” – غير المتوقع – سأعلن السعادة ، حتى برحيلك ، نكاية في عواصف الحزن التي تود اقتلاع ما في الفؤاد  ، و أعترف بأفضال الله و أعلن بأنني أشكره  على أنه خلقك كما أنتِ ، و وهبك ما وهبك و أنت كما أنتِ ، إنسانة مليئة بالطهر ، و الوفاء و الإيثار ، متلحفة بالصبر و الإيمان ، متسلحة بالصمود و العنفوان ، تاركة بكل ما فيكِ ، وما كنتِ عليه ، جبالاً من مآثر ، و بساتين من حبٍ ، و أنهاراً من عطاء ، جميعها لا تندثر لمجرد غيابك  جسداً  ، فقد  سكنتِ جوارح المستمعين و  الزملاء … عطاءات ،  لعلها ما زالت عبر  الأثير  سابحة في الفضاء ، و لا أستغرب سباحتك معها ، مرافقة لتراقص روحك الزكية … 

سأعلن السعادة لكوني عرفتُك ، و رافقتُك ، و صادقتُك ، و زاملتُك ، و انضممتِ لعائلتي كما انضممتُ لعائلتك … ومن العمر المشترك سأغرف  الأزمان الواهبة للسعادة ، مستدعياً كل تفاصيلها ، أجدد حضورها ، و أعيد الامتلاء بها ،  لأنتشي  حد القهقه … و أستحضر حتى  قهقهاتكِ معي …

الآن …. عودة إلى العمل الإذاعي ..

لا يمكن أن أتركك ترحلين هكذا دون استدعاء العمل الإذاعي ….. سأترك هنا تسجيلاً جديداً بصوتي ، محدثاً فيه جسدك  بعد أن وارى الثرى ، التسجيل  في دقائق  و هو من أصل عمل جاد به فنان مبدع و فريد  له برامجه و جولاته في العالم ، متميز حد الإبهار في عطائه ، ذلك هو الفنان ” رشيد غلام ” الذي أذِن لي قبل زمن قصير بأن أفعل ما أريد بأعماله ، إذ أجد فيها نفسي ، و ترضيني جداً عطاءاته ، وأتماهى معها ، حد مشاركتي له في قراءة نصوصها ، إذ كتب مما كتب لي مؤخراً ما نصه  :

” ….  أستاذ عز الدين … شكرا للطفك وذوقك .. خذ من أعمالي ما تشاء ……  بارك الله فيك وأكرمك بكل خير. “

تعلمين بأنه لا يعجبني أي شيء ، و قلتِ عني ذات يوم أني ” أحرف في الشغل  ” بمعنى صعب و دقيق في عملي ، بسبب أنني  أدقق في الثواني والدقائق ،  الحروف و الكلمات ، البدايات و الوقفات ،  الانخفاضات و الارتفاعات للذبذبات ، خاصة تلك التي تعكس محتوى العقل و نبض الروح ، فعملنا كان محتوى عقول و نبض أفئدة ، ثم تلبستِ  أنتِ ذات أسلوبي ” الأحرف ”  … فامتلكتِ القلوب … 

في نهاية  بعض من البوح ، لا يفوتني أن أشكر الله ، كونه أنعم بشقيقة لك ، يمكن أن نغترف منها ما يُسعد كما كنتِ تفعلين ، لكونها متطابقة في الصفات و الشخصية ، مليئة بمواصفات ذاتك النقية  … و قريبة منك حد التطابق …

هنا …. ولكِ بالذات … 

لن اسأل كريماً كرما منه فهو الأكرم ..

لن أطلب الرحمة و المغفرة من الأرحم و الأكثر غفراناً  …

لن اسأل الودود أن يحسن مثواك ، و وده لا يضاهى ..

فظني في الله وبما سيقابلك به ،  يفوق ” حتى”  و ” حدَّ ”  التصور .. 

و مرة أخرى ..إلى اللقاء  ..و سأحاول أن أحيل الحزن عليك إلى فرح بنعمة مشاركتك جزءاً من الحياة … 

شبكة  المدار الإعلامية  الأوروبية …_

Happy
Happy
0 %
Sad
Sad
0 %
Excited
Excited
0 %
Sleepy
Sleepy
0 %
Angry
Angry
0 %
Surprise
Surprise
0 %

Average Rating

5 Star
0%
4 Star
0%
3 Star
0%
2 Star
0%
1 Star
0%

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous post اريد ان انام
Next post لا زمن للحب