اجتمع الزعماء الأوروبيون الخميس في بروكسل لعقد قمة استثنائية حول أوكرانيا وبحث الإجراءات الواجب اتخاذها ردا على سحب واشنطن دعمها العسكري لكييف. وكانت رئيسة المفوضية الأوروبية قد عرضت الثلاثاء خطة بقيمة 800 مليار يورو لتعزيز الدفاع الأوروبي والمساعدات المخصصة للأوكرانيين. ومساء الأربعاء، قال الرئيس الفرنسي إن “الوقوف كالمتفرجين أمام هذا العالم المليء بالأخطار، سيكون بمثابة جنون”.

دبابات ليوبارد 1 A5 جاهزة لتسليم إلى أوكرانيا في كليتز. ألمانيا في 23 فبراير/شباط 2024.01:33
تظهر الصورة دبابات ليوبارد 1 A5 الجاهزة للتسليم إلى أوكرانيا في كليتز، ألمانيا، 23 فبراير 2024. © أ ف ب.
يعد انسحاب الولايات المتحدة من الدعم الغربي المقدم إلى أوكرانيا إضافة إلى الخطابات والدعوات التي تتعالى للمطالبة بتعزيز الدفاع الأوروبي المستقل، بمثابة لحظة الحقيقة للأوروبيين.
واجتمع زعماء التكتل الخميس في قمة أوروبية طارئة واستثنائية ببروكسل لاتخاذ قرار حيال الموافقة على الخطة التي قدمتها رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين الثلاثاء، حول قضايا الدفاع وأوكرانيا.
فمنذ موقعة المكتب البيضوي في واشنطن بين دونالد ترامب وفولوديمير زيلينسكي، وما تبعه من إعلان عن تعليق المساعدات الأمريكية لأوكرانيا، تضاعفت الدعوات في أوروبا إلى زيادة الإنفاق العسكري وحتى من الدول الأطلسية التي سبق وأن بادرت أصلا إلى تعزيز ميزانيتها الدفاعية مثل ألمانيا والدانمارك.
بين مطرقة ترامب وسندان بوتين.. هل يمثل الدعم الأوروبي لأوكرانيا ورقة رابحة لزيلينسكي؟
إعلان
ومساء الأربعاء، قال الرئيس الفرنسي في خطاب متلفز إن “مسألة الدفاع الأوروبي التي ندافع عنها منذ ثماني سنوات باتت حقيقة واقعة”، مشيرا إلى أن عدة دول أوروبية أعلنت خلال الأيام الأخيرة عن “جهود غير مسبوقة فيما يخص الإنفاق العسكري”.
كما قال إيمانويل ماكرون: “أريد أن أصدق أن الولايات المتحدة ستبقى بجانبنا، لكن علينا أن نكون مستعدين إذا لم يكن الأمر كذلك”.
وإدراكا منها للطبيعة التاريخية للحظة التي يمر بها الاتحاد، أعلنت المفوضية الأوروبية عن قرار غير مسبوق في مجال الدفاع، وقدمت رئيستها أورسولا فون دير لاين الثلاثاء خطة بقيمة 800 مليار يورو على مدار أربع سنوات، هدفها تذكير القادة الأوروبيين بمسؤولياتهم في هذا المجال.
على سبيل المقارنة، أنفقت الولايات المتحدة 970 مليار دولار على الدفاع في 2024.
والخميس، قالت لاين التي كانت إلى جانب زيلينسكي خلال افتتاح القمة، إن أوروبا وأوكرانيا تواجهان “لحظة حاسمة”. وصرحت: “تواجه أوروبا خطرا واضحا وقائما، وبالتالي يتعين عليها أن تكون قادرة على الدفاع عن نفسها، كما علينا أن نمنح أوكرانيا الوسائل اللازمة لحماية ذاتها والعمل من أجل سلام عادل ودائم”.
تعقيبا، أوضح صامويل فور عالم السياسة المختص في قضايا الدفاع الأوروبية والمحاضر بمعهد العلوم السياسية في سان جيرمان أون لاي (غرب باريس): “كان هناك هدف واضح لدرجة ما من قبل المفوضية الأوروبية، ألا وهو ترك انطباع وأن تكون على قدر مستوى الأحداث من خلال عرضها رقما يبدو مهما وطموحا. فإلى غاية الآن، لم يتمكن رؤساء الدول (الأوروبية) أبدا من الاتفاق على مبالغ تتخطى عشرات المليارات من اليوروهات. ومن ثمة، ففي حال تبنوا هذه المرة الخطة المقترحة، أو أقله جزءا من الخطة، فسيكون ذلك انتصارا لأورسولا فون دير لاين”.
“الطريقة أهم من حجم المبلغ”
يضيف صامويل فور: “ما هو على المحك الخميس، هو ترجمة الإرادة السياسية التي تم إبداؤها لعدة أيام من خلال التصريحات، إلى أدوات للتحرك العمومي، بدءا من أدوات الميزانية”. يتابع الخبير: “ينبغي النظر بعناية إلى ما ستقرره الدول السبع والعشرون: ما حجم الميزانية؟ ما مصادرها؟ متى يمكن استخدامها؟ ومن أجل ماذا؟”.
حيث إن تفصيل الخطة المقترحة من المفوضية الأوروبية تطرح تساؤلات. بالتالي، فمن أصل 800 مليار يورو المعروضة، من المفترض أن يتم تحصيل 650 مليار يورو من ميزانيات الدول الأعضاء، والتي يطلب منها إنفاق المزيد بفضل إجراء هو بمثابة الثورة الصغيرة: إمكانية الانحراف عن قواعد الميزانية عبر استبعاد الإنفاق العسكري من الحسابات المرتبطة بالعجز العام المفرط (أكثر من 3 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي).
اقرأ أيضا
ماكرون يريد مناقشة توسيع الردع النووي الفرنسي إلى دول أوروبا، ما معنى ذلك؟
يقول فيديريكو سانتوبينتو مدير الأبحاث في شركة إيريس وخبير التكامل الأوروبي في المسائل الدفاعية: “هي خطوة إلى الأمام، لكن ما يهم أكثر من حجم المبلغ، هو الطريقة. فمشكلة الدفاع الأوروبي الرئيسية، هي أن كل طرف ينفق في زاويته الخاصة، كما أن الصناعة العسكرية مجزأة بشكل كبير. يجب على القادة أن يتفقوا الخميس على تنسيق وتخطيط مشترك للإنفاق الأوروبي وملء النقائص بشكل أكثر تماسكا”.

ولفتت دراسة أجراها معهد كيل، وهو مركز بحثي في قضايا الدفاع، إلى أن الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة سيضطران لزيادة إنفاقهما العسكري بحوالي 250 مليار يورو سنويا حتى بلوغ متوسط إنفاق 3.5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، في مقابل نحو 2 بالمئة راهنا، لكي تكون أوروبا قادرة على الدفاع عن نفسها وأيضا لاستكمال دعمها لأوكرانيا بدون الولايات المتحدة. لكن الدراسة تؤكد خصوصا على أهمية تنسيق الأوروبيين لبناء اقتصاديات الحجم بفضل الشراء المشترك.
وأصر ماكرون على هذه النقطة خلال خطابه للفرنسيين مساء الأربعاء، مشيرا إلى قرارات ستصدرها القمة الأوروبية يبدو أنها كانت فعلا جاهزة في مخيلته. فبالنسبة إليه، يجب أن يقترح المجلس الأوروبي الاستثنائي اتخاذ قرار بتخصيص “تمويلات مشتركة ضخمة” بهدف “شراء وإنتاج ذخائر وأسلحة ومعدات أكثر حداثة على الأراضي الأوروبية”.
“تخصيص هذه الأموال لضمان مستقبل برامج التعاون”
يلحظ صامويل فور في هذا الشأن بأن “هذه النقطة هي التي ينبغي فعلا على الأوروبيين العمل عليها: بمعنى أن تخصص هذه الأموال لضمان مستقبل برامج التعاون، وأن تسمح بالمضي قدما في المشاريع الحالية مثل مشروع دبابة المستقبل أو نظام القتال الجوي المستقبلي. لكن هذه ليست بالمهمة السهلة. حيث إن لدى الدول الصغرى، مثل دول البلطيق، ثقافة عابرة للأطلسي، ولهم عادات في العمل وشراكات صناعية، لن تتغير بهذه السهولة”.
اقرأ أيضا
تركيا تبدي استعدادها إرسال قوات حفظ سلام لأوكرانيا حال التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار مع روسيا
يقول فيديريكو سانتوبينتو: “حينما ندرك مدى قابلية تأثر الدول الأعضاء بوهم سيادتها، فإن الأمر سيصبح معقدا، لا بل حتى متشائما إلى حد ما. ولعل العبارة التي صرح بها دونالد توسك رئيس وزراء بولندا حول 500 مليون أوروبي يطالبون 300 مليون أمريكي بحمايتهم ضد 140 مليون روسي، تلخص عبثية الموقف الحالي بشكل جيد”.
ولفت توسك قبيل بدء أعمال القمة أمام صحافيين إلى أن المظلة النووية “هي ما قد يمنحنا ميزة كبيرة جدا على روسيا”. وتابع: “الأهمية تكمن في التفاصيل، كما هي الحال دوما، لكن عرض فرنسا هو أمر واعد جدا”. وأعرب ماكرون عن استعداده لفتح نقاش حول توسيع قوة الردع النووي التي تتمتع بها فرنسا لتشمل دولا أوروبية أخرى، إثر دعوة للمستشار الألماني العتيد فريدريش ميرتس في هذا الصدد.
يلحظ، أنه وحتى في حال توصلت دول الاتحاد الأوروبي السبع والعشرين إلى اتفاق سياسي، فإن القدرات الصناعية سوف تواجه صعوبة في مواكبة الإيقاع. فعلى سبيل المثال، تسلمت أوكرانيا في 2024 مليون قذيفة كان قد وعد بها التكتل لكن مع تأخر يصل إلى عدة أشهر.
لكن هذه طبعا ليست مشكلة بالنسبة إلى المستثمرين وأسواق المال. فحتى قبل إعلان القمة عن أي قرار رسمي، بدأت الأسواق الأوروبية فعلا في الارتفاع. من بين شركات الدفاع، ارتفع سهم تاليس في باريس بنسبة 7,63 بالمئة، وداسو للطيران بنسبة 4,29 بالمئة، وفي فرانكفورت ارتفع سهم راينميتال بنسبة 7,17 بالمئة وهينسولدت بنسبة 8,89 بالمئة، بينما في ستوكهولم ارتفع سهم ساب بنسبة 6,12 بالمئة.
للإشارة، فقد قام الاتحاد الأوروبي بتقديم نحو 30 مليار يورو لأوكرانيا خلال 2025، لكن لا ترى دول عدة ضرورة لزيادة هذا المبلغ في الوقت الحاضر، خصوصا في ظل غياب إجماع على سبل التحرك.
في هذا الإطار، حذّر رئيس الوزراء المجري القومي فيكتور أوربان المؤيد لترامب، من أي مقررات خطّية بشأن أوكرانيا في نهاية القمة، في موقف يهدد بكشف الانقسامات بين الأوروبيين في العلن.
رغم ذلك، قال دبلوماسي أوروبي ملخصا الوضع: “الهدف بشأن أوكرانيا هو التوصل إلى اتفاق بين الأعضاء الـ27 جميعهم أو ما يقارب ذلك”، مؤكدا: “سنتقدم في مطلق الأحوال. المهم أن تحصل أوكرانيا على دعم”.
Average Rating