كرم سعيد
شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_أعلن الأمين العام لجماعة “عصائب أهل الحق” قيس الخزعلي في 3 مارس 2025، رفض الدعوات التي طرحت بشأن تسليم سلاح الفصائل المرتبطة بإيران، أو إلحاق فصائل “الحشد الشعبي” بالمؤسسة العسكرية الرسمية، معتبراً أنه “لا شيء اسمه حل الحشد الشعبي”. ويعكس ذلك توتراً متصاعداً في العلاقات بين الوكلاء المحليين لإيران وحكومة محمد شياع السوداني التي تطالب بتجريد “الحشد الشعبي” من السلاح وحصره بيد الدولة، وهو سياق متوقع في ظل مساعي إيران إلى إعادة التموضع في الإقليم من خلال دعم حلفائها المحليين، وخاصةً في العراق؛ إذ تريد إيران الاحتفاظ بورقة الكيانات العراقية الموالية لها لتحييد الضغوط الأمريكية والإسرائيلية، التي وصلت إلى مستوى غير مسبوق في التوقيت الحالي، بعد الضربات العسكرية القوية التي تعرض لها حزب الله اللبناني وحركة حماس الفلسطينية، فضلاً عن عودة إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى سياسة “الضغوط القصوى” ضد طهران، بهدف دفع الأخيرة إلى القبول بإجراء مفاوضات جديدة حول الملفات الخلافية، وفي مقدمتها الملف النووي.
متغيرات عديدة
تتزامن التصريحات التي أدلى بها قيس الخزعلي مع متغيرات عديدة فرضتها التطورات التي طرأت على الساحة الإقليمية خلال الفترة الماضية، ويتمثل أبرزها فيما يلي:
1– ضغوط أمريكية لتفكيك المجموعات الموالية لإيران: تتصاعد الضغوط التي تمارسها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على العراق، لتفكيك المجموعات المسلحة الموالية لإيران، وفي الصدارة منها “الحشد الشعبي”، التي تعتبرها واشنطن ذراعاً إقليمية تابعة لطهران. وكان وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو قد أكد خلال اتصال هاتفي مع نظيره العراقي فؤاد حسين في 25 فبراير 2025 أهمية تعزيز مساعي العراق لتحييد النفوذ الإيراني في الداخل، لا سيما أن عدداً من قادة الفصائل العراقية يقرون علناً بولائهم لإيران وتبنيهم مبدأ “ولاية الفقيه”. ولا ينفصل ذلك من دون شك عن محاولة الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل استغلال ما طرأ على الساحة الإقليمية من تحولات جديدة بعد القضاء على القسم الأكبر من القدرات العسكرية لوكلاء إيران في المنطقة، لا سيما حزب الله اللبناني وحركة حماس الفلسطينية؛ من أجل إضعاف إيران وتحييد التهديدات التي يفرضها نفوذها الإقليمي.
2– انعكاسات لتراجع نفوذ إيران على الحشد الشعبي: تراجُع النفوذ الإيراني في المنطقة، خاصة بعد الضغوط السياسية والاقتصادية المتزايدة على طهران، انعكس بشكل مباشر على نفوذ الحشد الشعبي في العراق؛ فالحشد الشعبي، الذي تشكل بدعم إيراني مباشر يعتمد بشكل كبير على الإسناد المالي واللوجستي والسياسي القادم من إيران، ومن ثم فإن أي تراجع في قدرة طهران على تقديم هذا الدعم يؤدي إلى تراجع في تماسك الحشد وقدرته على فرض نفسه كلاعب رئيسي في الساحة العراقية. إضافة إلى ذلك، فإن الانقسام الداخلي بين فصائل الحشد حول الولاء لإيران أو محاولة التكيف مع الواقع العراقي الجديد الذي يميل تدريجياً نحو تقليص النفوذ الخارجي، ساهم في تفكيك وحدة القرار داخل الحشد نفسه.
3– رصد إسرائيل تحركات الفصائل المسلحة العراقية: أعلنت إسرائيل خلال الأشهر الماضية بنك أهداف في العراق؛ وذلك للرد على إطلاق المليشيات العراقية الموالية لإيران الطائرات من دون طيار والصواريخ الباليستية من الأراضي العراقية باتجاهها في سياق مشاركتها في التصعيد العسكري ضدها منذ السابع من أكتوبر 2023. وتسعى تل أبيب عبر ذلك إلى ممارسة ضغوط قوية على الحكومة العراقية برئاسة محمد شياع السوداني لجهة كبح جماح المليشيات ومنعها من توظيف الأراضي العراقية في شن هجمات جديدة ضدها، خاصةً في حالة تجدد الحرب. وربما من هنا تجد إسرائيل في تصريحات قيس الخزعلي فرصة لتنفيذ تهديداتها ضد الكيانات المسلحة في الداخل العراقي؛ حيث تبقى العراق هي الساحة الوحيدة التي لم تشهد تصعيداً عسكرياً بارزاً من جانب إسرائيل، مقارنةً بالساحات الأخرى، الفلسطينية، واللبنانية والسورية واليمنية.
4– استباق التحالفات الانتخابية المناوئة للحشد الشعبي: تشير دعوة الخزعلي إلى المخاوف التي تنتاب مكونات “الحشد الشعبي” من الارتدادات المحتملة للانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها ها نهاية عام 2025، خاصةً في ظل توجه أبرز القوى الشيعية نحو تشكيل تحالف انتخابي واسع، يضم شخصيات سياسية بارزة، بقيادة رئيس الحكومة محمد شياع السوداني ورئيس تيار الحكمة عمار الحكيم، بجانب فتح الباب أمام كل القوى الأخرى الراغبة في الانضمام إليه، ومنها القوى الكردية والسنية. وفي رؤية المكونات المسلحة لـ”الحشد الشعبي”، فإن هذا التحالف قد يفرض ارتدادات عكسية على مستقبل المليشيات؛ لكون قياداته ترفض استقلالية الأخيرة، وتسعى إلى إخضاعها لسلطة الدولة، على نحوٍ دفع الخزعلي إلى التحرك مبكراً من أجل تأكيد رفضه تسليم سلاح المليشيات إلى الدولة.
5– تراجع مكانة “الحشد الشعبي” داخل العراق: واجهت مليشيا “الحشد الشعبي” اتهامات متعددة من جانب قوى سياسية عراقية مختلفة بأنها دفعت الدولة إلى الانخراط في الحرب التي اندلعت في المنطقة، منذ أكتوبر 2023، وهو ما فرض تداعيات سلبية على أمن واستقرار العراق. وقد توازى ذلك أيضاً مع اتهامها بالتماهي مع مصالح قوى إقليمية تسعى إلى فرض هيمنتها على العراق، في إشارة إلى إيران، التي تراجع نفوذها داخل العراق وعلى مستوى المنطقة بفعل التداعيات التي فرضتها الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة ولبنان، بداية من أكتوبر 2023.
واللافت في هذا السياق، أن ذلك يأتي في وقت تتصاعد فيه حدة الاستياء الداخلي من”الحشد الشعبي”، لا سيما في ظل تورطها خلال الأعوام الماضية في قمع الحركات الاحتجاجية العراقية التي اندلعت بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية، والإصرار على تطييف المجتمع العراقي، واستغلال الحرب ضد “داعش” لتكريس نظام سياسي مذهبي.
تداعيات محتملة
ربما تفرض هذه التصريحات التي أدلى بها الخزعلي تداعيات عديدة على الساحة الداخلية، يمكن تناولها على النحو التالي:
1– توترات بين الحكومة العراقية والحشد الشعبي: تنذر تصريحات الخزعلي باحتمال عودة التوتر بين الحكومة العراقية، و”الحشد الشعبي”، ووصول العلاقة بين الطرفين إلى مرحلة الصدام؛ وذلك لعدة اعتبارات؛ منها عدم حدوث اختراق جذري في حوارات غير معلنة بين أطراف حكومية وعدد من قادة الفصائل المسلحة من أجل تسليم سلاح الأخيرة ودفعها نحو الاندماج داخل المؤسسات العسكرية الرسمية، ورغبة حكومة السوداني في حسم ملف المليشيات المسلحة لتحييد الضغوط الغربية التي وصلت إلى مستوى غير مسبوق بعد صعود ترامب إلى السلطة، ومطالبة واشنطن عملياً بتفكيك “الحشد الشعبي” والمكونات المسلحة التابعة لها، فضلاً عن سعى السوداني إلى تحقيق انتصار داخلي يُمكِّنه من تحقيق نتائج إيجابية في الانتخابات البرلمانية المقبلة.
2– ممارسة ضغوط عراقية لتفكيك المليشيات: يرجح أن تتجه الحكومة العراقية إلى توظيف تصريحات الخزعلي لممارسة ضغوط أقوى من أجل تفكيك المليشيات، بالنظر إلى إصرار فصائل “الحشد الشعبي” على رفض المقاربة الحكومية، وتأكيد “الاستمرار في نهج المقاومة”. ويبدو هذا الاحتمال مرجحاً في ظل ضعف “محور المقاومة” الموالي لإيران، على نحو أدى إلى توفير مساحة أكبر لصانع القرار العراقي بعيداً عن الضغوط الإيرانية.
3– احتمالية توجه الحشد نحو الحوار مع الحكومة: في ظل تصاعد ردود الفعل الرسمية للحكومة العراقية الرافضة لتصريحات الخزعلي، بالإضافة إلى إدراك “الحشد الشعبي” مخاطر السياسات الخشنة التي تتبناها إدارة ترامب حالياً ضد إيران ووكلائها المحليين، وكذلك تفاقم حدة الاستياء الشعبي تجاهها، ربما يتم التراجع عن تصريحات الخزعلي أو على الأقل إعلان القيادة العامة لـ”الحشد الشعبي” رغبتها في فتح حوار مع الحكومة؛ وذلك بهدف تقليص حدة الضغوط التي تتعرض لها في المرحلة الحالية.
ختاماً، يمكن القول إن تصريحات الخزعلي، وتداعياتها على الساحة العراقية، تشير إلى استمرار حالة الاحتقان بين الحكومة العراقية وفصائل “الحشد الشعبي”، وتُنذِر بمرحلة جديدة من الصدام العنيف قد تبدأ بين الطرفين، خاصةً مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية، وتصاعد حدة الضغوط الأمريكية على حكومة السوداني لتفكيك المليشيات. ويبدو أن الأخيرة باتت متحفزة لحسم ملف المليشيات الموالية لإيران، لا سيما أن ذلك سيُحسَب لها في الانتخابات المقبلة؛ لكونها سعت إلى إعادة الاعتبار إلى سلطة الدولة بعيداً عن نفوذ المؤسسات الموازية.
انتريجورنال التحليلات الاستراتيجية
Average Rating