دراسات المدار

لماذا تُعارِض روسيا السياسة الأمريكية تجاه إيران؟

0 0
Read Time:5 Minute, 41 Second

د. محمد عباس ناجي

شبكة  المدار الإعلامية  الأوروبية …_مع تصاعد حدة التهديدات الأمريكية بتوجيه ضربة عسكرية قوية لإيران، التي ردت عليها الأخيرة بتهديدات مضادة باستهداف المصالح الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة؛ بدأت قوى إقليمية ودولية عديدة تتبنى مواقف محددة تعكس حساباتها إزاء هذا التصعيد والتداعيات التي يمكن أن يفرضها إذا ما تحول إلى خطوات إجرائية على الأرض، بدت احتمالاتها قوية مع تزايد الحشد العسكري الأمريكي باستمرار في المناطق المحيطة بإيران. وتمثل روسيا إحدى القوى الدولية التي بدأت تنخرط بسرعة في التصعيد الحالي، عبر محاولة دفع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى إبداء مرونة أكبر فيما يتعلق بالموقف من إيران، وطرح فكرة التوسط بين الجانبين، التي يبدو أنها كانت أحد محاور المحادثات التي أجراها كيريل دميترييف المبعوث الخاص للرئيس الروسي، مع المسؤولين الأمريكيين في واشنطن خلال الزيارة التي أجراها إلى الأخيرة يومَي 2 و3 أبريل 2025.

ففي هذا السياق، قال سيرجي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي، في 3 أبريل 2025، إن روسيا تُعارِض التهديدات العسكرية الأمريكية ضد إيران، مؤكداً أن الحل السياسي هو الأنسب للوصول إلى تسوية لأزمة البرنامج النووي الإيراني، مقترحاً في الوقت نفسه إمكانية قيام روسيا بدور في الوصول إلى مثل هذه التسوية المحتملة.

أسباب عديدة

يمكن تفسير السياسة التي تتبناها روسيا إزاء التصعيد الحالي بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:

1– تجنب لجوء إيران إلى السيناريو الأسوأ: لم تَعُد روسيا تستبعِد فعلاً أن تتجه إيران – في حالة تعرُّضها لضربة عسكرية من جانب الولايات المتحدة الأمريكية أو إسرائيل أو الاثنتين معاً – إلى العمل على إنتاج القنبلة النووية؛ حيث باتت إيران قريبة جداً من هذه المرحلة، في ضوء نجاحها في امتلاك كمية كبيرة من المواد الانشطارية التي يمكن أن تساعدها على الوصول إلى هذا الهدف، خاصةً بعد أن باتت تمتلك نحو 274.4 كيلوجرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، وهي الكمية التي يمكن أن تساعدها – نظرياً – على إنتاج ست قنابل نووية حسب تقديرات الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وهنا، يمكن القول إنه رغم الدعم الروسي للبرنامج النووي الإيراني؛ حيث تمثل روسيا المصدر الأساسي للتكنولوجيا التي تستعين بها إيران في تطوير هذا البرنامج، فإن ذلك لا ينفي أن موسكو لا ترغب في أن تمتلك دولة جارة قنبلة نووية، على نحوٍ سوف يُخِل بتوازنات القوى الاستراتيجية في الجوار، وهو ما لا يتوافق مع مصالح روسيا.

وقد كان لافتاً أن إيران نفسها تدرك هذه الحقيقة، على نحوٍ يدفع اتجاهات إيرانية نحو الاستمرار في توجيه اتهامات إلى روسيا بالعمل ضد مصالح إيران. ومن دون شك، لا يمكن فصل محاولة روسيا التدخل حالياً في التصعيد بين طهران وواشنطن عن التهديدات التي أطلقتها إيران مؤخراً بشأن إمكانية اللجوء إلى الخيار العسكري النووي. ورغم أن هذه التهديدات ليست جديدة، فإن إطلاقها على لسانِ واحدٍ من أهم المسؤولين المقربين من المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي – وهو علي لاريجاني، الذي أشار إلى ذلك بوضوح في حواره مع وكالة أنباء “إيرنا” في 31 مارس 2025 – يعني أن إيران بالفعل اقتربت جداً من المرحلة التي يمكن أن تتخذ فيها قراراً سياسياً بالانخراط في هذا المسار.

2– المخاوف من اندلاع حرب جديدة بالقرب من الحدود الروسية: لا يبدو اندلاع حرب جديدة بالقرب من حدود روسيا خياراً ملائماً لمصالحها؛ لا حالياً ولا في أي وقت؛ فبجانب أن هذه الحرب سوف تفرض تداعيات سلبية على إيران – وهي إحدى القوى الإقليمية التي تؤسس علاقات استراتيجية مع روسيا، بدت جليةً في توقيع الدولتين على اتفاقية الشراكة الاستراتيجية لمدة 20 عاماً خلال الزيارة التي أجراها الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى موسكو في 17 يناير 2025 – فإن نشوب تلك الحرب قد يُنتِج عواقب سلبية على مصالح روسيا.

إذ إنه قد يؤدي إلى اندلاع اضطرابات في مناطق وسط آسيا والقوقاز، وهي المناطق التي تعاني في الأساس من أزمات أمنية واجتماعية وسياسية لا تبدو هينةً، على نحوٍ قد يؤثر سلباً على الأمن والمصالح الروسية، فضلاً عن أن استهداف المنشآت النووية الإيرانية من شأنه أن يساهم في تعزيز تكرار كارثة تشرنوبل، على نحوٍ ترى روسيا أنه سوف يفرض مخاطر كبيرة في تلك المنطقة الحيوية بالنسبة إليها. ومن هنا، ربما يمكن تفسير أسباب حرص ريابكوف على تأكيد أن أي هجوم عسكري على المنشآت النووية الإيرانية سوف يؤدي إلى تعرض الأمن الإقليمي لخطر شديد، وسوف تكون له آثار مدمرة.

3– تزايد احتمالات توتر العلاقات الروسية–الإيرانية: قد تفرض التهديدات الأمريكية لإيران بإمكانية استخدام الخيار العسكرية لحسم الخلافات العالقة بين الطرفين حول البرنامجين النووي والصاروخي والنفوذ الإقليمي؛ ارتدادات عكسية على العلاقات بين إيران وروسيا؛ إذ إن هذه التهديدات سوف تدفع إيران، في الغالب، إلى تقديم طلبات إلى روسيا لإبرام صفقات عسكرية جديدة، خاصةً فيما يتعلق بسلاح الجو؛ حيث دائماً ما تطمح إيران إلى الحصول على المقاتلة الروسية الحديثة “سوخوي 35″، وسبق أن أعلن أكثر من مسؤول إيراني عن قرب وصول تلك المقاتلات إلى إيران، إلا أن موسكو دائماً ما تتخذ مواقف متحفظة في هذا الصدد، وهو ما يبدو أنه سوف يدفع إيران إلى إعادة النظر في مستوى تعاونها الثنائي مع روسيا خلال المرحلة القادمة، حتى في ظل الضغوط والعقوبات التي تتعرض لها على المستوى الدولي، خاصةً أن هناك اتجاهات في إيران تمارس ضغوطاً بالفعل لوضع حدود لهذا التعاون الذي يبدو – في رؤيتها – مكلفاً جداً بالنسبة إلى إيران.

4– إرباك حسابات موسكو في الملف الأوكراني: يبدو أن روسيا لا تستبعد أن يؤدي التصعيد العسكري الأمريكي–الإيراني في الوقت الحالي إلى إرباك حساباتها في ملف الحرب مع أوكرانيا، خاصةً أن هذا التصعيد يتوازى مع الاتصالات الأمريكية المستمرة مع كلٍّ من روسيا وأوكرانيا للوصول إلى تسوية للأزمة التي أنتجتها الحرب، والانفتاح الملحوظ في العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، الذي يبدو جلياً في الزيارة التي أجراها دميترييف إلى واشنطن، وهي الزيارة الأولى لمسؤول روسي إلى العاصمة الأمريكية منذ اندلاع الحرب الروسية–الأوكرانية في 24 فبراير 2022، التي تمهد المجال أمام استثمار التحسن الحالي في رفع مستوى التعاون الاقتصادي بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية.

ووفقاً لرؤية موسكو، فإن استمرار هذا التصعيد العسكري، وربما تحوُّله إلى خطوات إجرائية على الأرض، قد يُقلِّص احتمال الوصول إلى تسوية للحرب في أوكرانيا، خاصةً أن اهتمام إدارة ترامب سوف يتوجه تدريجياً نحو الشرق الأوسط مرة أخرى في ظل حرص الرئيس ترامب على فتح ملفات خلافية مع كثير من دول العالم في وقت واحد، على نحو ما يبدو جلياً في قراره فرض رسوم جمركية عالمية مضادة في 2 أبريل 2025، فضلاً عن أن اندلاع حرب بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية من شأنه أن يضع موسكو في مأزق حرج، في ظل علاقاتها القوية مع إيران، وانفتاحها الجديد على الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث لا تسعى موسكو حالياً إلى خسارة أيٍّ من الطرفين بسبب هذه المواجهة المحتملة.

قناة اتصال

على ضوء ذلك، ربما تسعى موسكو، خلال الفترة المقبلة، ولتفادي هذه المسارات الصعبة التي يمكن أن يتجه إليها التصعيد الإيراني–الأمريكي الحالي، إلى محاولة تهدئة التوتر بين واشنطن وطهران، وربما تسعى إلى نقل رسائل مباشرة بين الطرفين، قد تساهم في تعزيز فرص عقد مفاوضات من أجل الوصول إلى تسوية لأزمة البرنامج النووي الإيراني، تُقلِّص من قدرة إيران على إنتاج القنبلة، وتضع البرنامج النووي الإيراني في حدود مقبولة بالنسبة إليها، وتعفيها من الاختيار ما بين التخلي عن دعم إيران عسكرياً ومن ثم التأثير على العلاقات الثنائية، وبين تقديم هذا الدعم العسكري ومن ثم خسارة التقارب الملحوظ مع الولايات المتحدة الأمريكية.

انترريجورنال للتحليلات الاستراتيجية

Happy
Happy
0 %
Sad
Sad
0 %
Excited
Excited
0 %
Sleepy
Sleepy
0 %
Angry
Angry
0 %
Surprise
Surprise
0 %

Average Rating

5 Star
0%
4 Star
0%
3 Star
0%
2 Star
0%
1 Star
0%

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

AlphaOmega Captcha Classica  –  Enter Security Code