منبئات تجنيد الأطفال ومخاطره المستقبلية عسكري

Read Time:5 Minute, 43 Second

 اللواء الركن خالد عبد الغفار  

شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_التجنيد هو الطريقة لاختيار الأفراد ( رجالاً– نساءً ) لأداء خدمة ما . وتعتمد على معايير عامة منها الفئة المستهدفة بالتجنيد والأعمار المطلوبة منهم ،وصلاحيتهم البدنية والصحية ،وتحصيلهم الدراسي ، فضلأ عن المهارات المطلوبة للتجنيد . وعلى هذا الأساس يتم إعداد المجند فكريا بعقيدة وإيديولوجية راعي التجنيد سواء كان نظاما شموليا أم ديمقراطيا لتحقيق أهدافه .

والتجنيد نوعان إما إجبارياً أو طوعيا ولكل نوع منهما ضوابطه الخاصة به وفوائده وسلبياته . مما تقدم به فان الورقة البحثية الحالية تستهدف تجنيد الأطفال وأثارها على المؤسسة العسكرية والأمنية العراقية .إن مشكلة تجنيد الأطفال من المشاكل التي يعاني منها المجتمع الدولي والذي تزايد مع تزايد النزاعات المسلحة الداخلية والحروب على الإرهاب محليا ودوليا . والعراق احد الدول الذي تأثر بهذه الظاهرة الأمر الذي يشكل على الحكومة والمجتمع العراقي ثقلا كبيرا لمعالجة آثاره ، ولعل أسوأ شيء في ذلك هو اعتناق هؤلاء الأطفال لمعتقدات من جندهم و رفضهم لمجتمعاتهم في قبالة رفض المجتمع لهم .و بالرغم من أن العراق سار مع المجتمع الدولي لمكافحة ومعالجة أثار هذه الظاهرة بمصادقته على اتفاقية حقوق الطفولة لعام 1989 و أيضاً مصادقته على البروتكول الاختياري بشأن إشراك الأطفال في النزاعات المسلحة لعام 2000 ومع ذلك ظلت هذه الظاهرة مستمرة إذ لم يتم القضاء عليها أو التخفيف من استمرارها ومن أثارها .كما أن القانون الوطني في العراق حدد أعمار التجنيد في المؤسسة العسكرية والأمنية بقانون الخدمة والتقاعد العسكري رقم( 3) لسنة (2010) فكان للضباط بعمر (20 ) سنة وللمنتسب( 18) سنة ، كما حدد القانون التبعات القانونية في حالة مخالفة ذلك .أما دوليا فقد حدد نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية في المادة(8) وتحت عنوان “جرائم حرب” فيما إذا كان التجنيد طوعا أو إلزامياً دون سن( 15) سنة من العمر إذ يعد انتهاكا للقوانين والأعراف السارية في النزاعات المسلحة ، كما أعدها انتهاكا للمعايير الدولية بإشراكهم بالأعمال العدائية بشكل مباشر أو غير مباشر كنقل ذخائر أو مؤن أو تداول ونقل الأوامر والاستطلاع وجلب المعلومات أو القيام بالعمليات التخريبية وأعمال التجسس والاستخبارات وغيرها . سواء كان النزاع دوليا أو غير دولي . لذا فان التجنيد والاستخدام صنف على انه جرائم حرب وبالتالي فانه يعتبر انتهاك للقانون الدولي الإنساني .مما تقدم فان التجنيد وخاصاً للأطفال يسبب جهداً إضافياً ومرهقا للقطعات العسكرية والأمنية خاصة عند العمل بمبدأ التمييز بين المجند وغير المجند، فتدقيق المعلومات والمراقبة ورد الفعل اتجاه أي موقف خاصة باستخدام القوة المفرطة تعرض هذه القطعات للمساءلة القانونية الخاصة بالقانون الدولي الإنساني .وقد أظهرت الإحصائيات المحلية والدولية أن عدد العوائل النازحة في مخيمات الإيواء حاليا يتجاوز أكثر من( 20) ألف عائلة وهي تعيش في ظروف تفتقر إلى بعض المتطلبات الإنسانية ، هذه الظروف لها تأثير مباشر وغير مباشر على الجانب النفسي حيث يتحول العداء من الحالة الفردية ذات الطابع الذكوري إلى الحالة الأسرية والتي تنعكس بالتالي على الأطفال مما يولد لديهم بذرة من السلوك غير السوي والميل للتطرف والذي بالإمكان أن يتطور إلى العنف .وهنا تكمن الخطورة خاصة اذا تم تغذيتها من أشخاص بالغين من نفس البيئة لاستدراجهم نتيجة التهميش وعدم القبول بهم للاندماج بالمجتمع ، فضلا عن ضعف المؤسسات الحكومية وغير الحكومية في توظيف الطاقات الايجابية للشباب في الأطر الصحيحة لبناء مجتمع تتوافر فيه القيم والعدالة ، كما أن التعامل الرديء من إدارات هذه المخيمات بتقديم الخدمات الإنسانية لهم خلق دوافعا تجعل تجنيدهم سهلاً ومتاحا لأعمال غير قتالية تصب في إحداث خروقا في الوضع الأمني داخل بيئة العمل ، مما يسبب جهودا إضافية للقطعات الأمنية والعسكرية وبالتالي يزيد من الكلفة في تحقيق الأمن ، فإذا أجرينا معادلة حسابية على سبيل الدراسة النظرية وكما يأتي :

فان( 20 ) ألف عائلة موجودة في المخيمات لديها على سبيل الافتراض (2 ) طفل في كل عائلة فسيكون لدينا (40 ) ألف طفل ، وإذا فرضنا أن أعمار هؤلاء يتراوح من( 6 ) إلى (23 ) سنة فهذا يعني بعد( 5 ) سنوات سيكون لدينا فتية يتراوح أعمارهم من (11) إلى( 28 ) سنة ومن كلا الجنسين . وإذا حسبنا في المنظور العسكري تأليف فرقة عسكرية نظامية يتراوح عددها من( 15) إلى( 20 ) ألف منتسب فانه بعد( 5) سنوات ستواجه الجهات الأمنية والعسكرية ما يقارب( 2) فرقة عسكرية .تعمل على شكل مجموعات صغيرة وبخاصة إذا توفرت لها معدات وأسلحة خفيفة  ومتوسطة  وهي أصلاً كانت قد تجذرت فيها عقيدة التطرف فسنشهد عنف اشد من ذي قبل أضعافاً مضاعفة .لاسيما وان أتاحت لهم منصات التواصل الاجتماعي التدريب أون لاين عبر الانترنيت على تصنيع المتفجرات واستخدام الأسلحة والتدريب العقائدي والاستخباري . وعلى هذا يمكن لهؤلاء الأطفال ليس فقط أن يكونوا مجندين مقاتلين متطرفين ولكن سيعملوا كمروجين ومسوقين ومسؤولي صفحات في مواقع التواصل الاجتماعي.ومن هذا الجدول الافتراضي للباحث سنلاحظ بعد( 5 ) سنوات سنخلق جيشا يسبب عدم الاستقرار بمنطقتنا :

العدد الافتراضي العمر الحالي الجنس العمربعد5سنوات  المهام المتوقعة
    15%  6 ــ  11 سنة  ذكر ـــ انثى 11 ـــ 16 سنة نقل مؤن ومعلومات
    13%  12 ــ 17 سنة ذكرـــانثى 17 ــــ 22 سنة استطلاع وتجسس
    12%  18 ـــ 23 سنة ذكرـــانثى 23 ـــ 28 سنة مقاتلين وانتحاريين
      40     ــــــــــــــ   ـــــــــــــــ   ــــــــــــــــ جيش

 هنا لابد أن يطرح السؤال الآتي : هل أن المؤسسة العسكرية والأمنية ستكون قادرة على مواجهة هذا التهديد للقتالات الغير نظامية على طول مسرح العمليات بعد(  5) سنوات ؟

أن الإجابة على هذا السؤال يحتاج إلى التعمق والبحث في سياسة الأجهزة الأمنية والعسكرية بشكل خاص والى صناع ومتخذي القرار بشكل عام ، ومراجعة الخطط والقناعة بان التطرف العنيف بالإمكان القول انه انتهى عسكريا ولكن لم ينتهي فكريا والذي تحركه الأزمات المتلاحقة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا ، لذا فأن المعالجات ليست عسكرية فقط ، بل يجب أن تكون في جميع القطاعات حتى نتمكن من الحد من هذه الظاهرة التي أثرت على الأمن والسلم المجتمعي  .لذا فعلى القطاع الأمني والعسكري رسم سياسة بناء قدرات مهنية واحترافية خاصة لمواجهة هذا التهديد المقبل متخطيا السياقات الكلاسيكية في الإعداد و التدريب والتسليح والتجهيز والتنظيم من خلال تشكيل قوات خاصة تتمتع بقابلية حركة ومناورة سريعة بدعم لوجستي عالي  تكون مهمتها تعقب ومعالجة وتدمير هذه الجماعات والعمل في كافة الظروف مع مراعاة  مبادئ القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان في مهامها .ومجمل القول أن وجود هذه الإعداد البشرية محصورة في بيئة مخيم دون وجود علاجات ناجعة سيجعل منها بيئة خصبة لنشوء معسكرات تدريبية عقائدية وحتى عسكرية على شكل زمر صغيرة تبدو وكأنها تمارس العابا طفولية أو صبيانية فيما هو في الحقيقة تدريبا ميدانيا عسكريا لتقوية القابلية البدنية والعقلية وحركات القتال واستثمار موجودات البيئة لتحويلها إلى أدوات قتال تستخدم للعنف .

التوصيات

1 . ينبغي العمل على وقف تجنيد المزيد من الأطفال من خلال إجراءات قانونية صارمة مدعومة ومساندة للمعايير الدولية لحقوق الطفل وبروتوكول منع تجنيد الأطفال في النزاعات المسلحة .2

 . ينبغي قطع الطريق على الاحتمالات أعلاه لذا يوصي الباحث بإنشاء معسكرات لإعادة تأهيل هذه الشريحة من خلال برامج معدة سلفا من قبل خبراء في علم النفس وعلم الاجتماع والطب النفسي والإرشاد والتوجيه النفسي والتربوي وان تكون لمنظمات المجتمع المدني الدور الفاعل في عملية الدمج المجتمعي

 .3 . على الجهات العسكرية والأمنية التفكير من الآن على رسم سياسات تعتمد بناء القدرات لقطعات تكتيكية خاصة مهمتها معالجة وتدمير الجماعات المنفردة التي تظهر هنا أو هناك بوقت قياسي من مبدأ الكلفة والتأثير .

4 . الاستفادة من التجارب الدولية في الحد من ظاهرة تجنيد الاطفال في النزاعات المسلحة ومعالجة التطرف .

المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات

Happy
Happy
0 %
Sad
Sad
0 %
Excited
Excited
0 %
Sleepy
Sleepy
0 %
Angry
Angry
0 %
Surprise
Surprise
0 %

Average Rating

5 Star
0%
4 Star
0%
3 Star
0%
2 Star
0%
1 Star
0%

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

AlphaOmega Captcha Classica  –  Enter Security Code
     
 

Previous post اندفاع إسرائيل إلى “تطبيق السيادة” في الضفة الغربية: التوقيت والتداعيات المحتملة
Next post البطالة في عالم تقطعت أوصاله