هل فات الأوان؟

Read Time:6 Minute, 8 Second

د:هشام عوكل أستاذ إدارة الازمات والعلاقات الدولية

المهاجرون والمسؤولية عن فشل إندماجهم في أوروبا

في العقد الخير برزت الحركات و الاحزاب اليمينية و باتت تحضى بشعبية كبيرة, عنوانهم الابرز محاربة الهجرة

و لو القينا نظرة موضوعية سنجد ما يبرر هذه الظاهرة, و لو حدث امر مماثل في بلداننا لكانت لدينا نفس ردة الفعل ان لم تكن اقوى

فالكثير من المهاجرين يرفضون الاندماج بالمجتمعات المحلية هناك, تجدهم متجمعين في احياء معينة لهم متاجرهم الخاصة و كذلك قسم منهم يضع ابنائهم في مدارس خاصة و يطلبون منهم الابتعاد عن ابناء البلد لكي لا يفسد خلقهم

بل البعض منهم يكره مجتمعه الجديد لاسباب عنصرية او دينية

السؤال المطروح انت كمهاجر ترغب بالاحتفاظ بعاداتك و تقاليدك لما هاجرت الى بلد مختلف عن تلك العادات؟ لما لم تبقى في بلدك اذا؟

الجدل الحاد حول اندماج المهاجرين في أوروبا، يطرح تشخيص أوضاع الجاليات المسلمة ومدى مسؤوليتها في فشل الإندماج. في تعليق للكاتب الليبي مصطفى فيتوري يقترح، قراءة تصريحات المستشارة ميركل مؤخرا حول الاندماج في هذا السياق

لم تجانب المستشارة الألمانية، في حقيقة الأمر، الصواب حين أعلنت مؤخرا فشل مشروع إندماج المهاجرين في بلدها، مع الأخذ في الاعتبار أن ما قالته لا يخلو من مصلحة انتخابية اذ ربما حاولت المستشارة أنغيلا ميركل استمالة بعض أصوات اليمين الذي تشهد قوته في الآونة الأخيرة تناميا في ألمانيا وبقية أنحاء أوروبا.

ولم يسبق أن وقف أي سياسي أوروبي أثناء توليه منصبه الرسمي ليصف حالة اندماج المهاجرين في مجتمعاتهم الجديدة بكلمات قوية كالتي استخدمتها السيدة ميركل التي وإن تحدثت عن حالة بلدها الا أنهاـــ وربما دونما قصدــ وصفت حالة أوروبية عامة حيث يعتبر موضوع إندماج المهاجرين حديث الساعة في أغلب المناقشات السياسية بمختلف مشاربها ويغذي موجة صعود اليمن المتطرف في كثير من بلدان القارة العجوز.

فأين يا ترى أصابت المستشارة الألمانية وأين أخطأت وأين يكمن موطن الفشل الذي تتحدث عنه ميركل سواء في ألمانيا أم في أوروبا بأسرها؟

ظروف بلدك اجبرتك على الهجرة؟ البلد او المجتمع المضيف غير معني بتلك الظروف

انت كمهاجر غالبا اتيت كلاجيء “انساني”, اي يجب ان تكون ممتن لذلك البلد لانه قبل ان يحتضنك و يجب ان تحاول رد الجميل لذلك المجتمع المواطن الاوروبي عندما يرى الانعزال عن المجتمع و بناء تكتلات بداخله فضلا عن العمليات المسلحة بين فترة و اخرى بالتأكيد سينظر للمهاجرين كضيوف غير مرغوب بهم و مصدر خطر على مجتمعه، و لذلك من البديهي ان يدعم الجماعات اليمينية

عشت في أوروبا ما يقرب من ربع قرن كطالب أعزب وكموظف متزوج ولي أسرة وأولاد وتنقلت في إقامتي بين بلدان عدة وسط جاليات إسلامية وعربية أو بعيدا عنها مما يوفر لي بعض الإطلاع على مشاكل المهاجرين، وعرفت بعض صنوف سوء المعاملة المتصفة بالعنصرية إلا أنني شهدت صنوفا كثيرة من حسن المعاملة الموضوعية والإنسانية في أرقى مظاهرها. وباستثناءات قليلة لم أشعر يوما أنني تحت ضغط مهما كان نوعه بسبب انتمائي العربي والإسلامي ولكن في المقابل لاحظت ممارسات يقدم عليها مهاجرون عرب ومسلمون بالذات لا تمت لثقافتهم أو دينهم بأية صلة ولا علاقة لها بالدين، الذي ينبغي (من منظور إسلامي) أن يكون أساس السلوك لدى أتباعه، بل انها أحيانا تتناقض معه!

تفرض الكثير من الجاليات المسلمة في أوروبا على نفسها عزلة ذاتية عن محيطها الاجتماعي، وقد لاحظت في مرات عديدة أن المسلمين مثلا يتبرمون من دخول أهل بلد المهجر أكانوا مسيحيين أو غيرهم إلى المساجد بحجة غير صحيحة تقول أن دخول غير المسلمين إلى المساجد جائز، ويمارس المسلمون طقوسهم وشعائرهم الدينية في عزلة مما يعطي انطباعا سلبيا لدى غير المسلمين. وكثيرا ما يفضل المسلمون بشكل خاص و المهاجرون عموما الانزواء في بلدان المهجر لإعتقادهم أن الاختلاط والتفاعل الحقيقي مع أهل البلد المضيف تهديدٌ لثقافتهم يعجزون عن التصدي له.

الأمية و محدودية الثقافة الدور الأكبر في تقوية  الشعور بالعزلة

ولعبت الأمية و محدودية الثقافة الدور الأكبر في تقوية هذا الشعور لدى الجيل الأول، إلا اننا نلاحظ إنتقال الإحساس بالعجز إلى الأجيال اللاحقة من أبناء المهاجرين وبات بعضهم ينظر إلى وجوده كمسلم ألماني أو فرنسي مثلا مجرد صدفة مكروهة أو حالة مفروضة عليه لأن أساس التربية ــ وهي الأسرة ــ لم تقدم له ما يعينه على استيعاب أنه مسلم وفرنسي أو مسلم وألماني في نفس الوقت ناهيك عن أن وضعه هذا لا ينقص شئيا من حقوقه ولكنه أيضا لا يعفيه من واجباته.

كما تستقبل الكثير من الجاليات المسلمة، وخاصة في المناسبات الدينية كشهر رمضان مثلا، أئمة ومشائخ وافدين من بلدان إسلامية ، ليقدموا للجاليات دروس الوعظ والإرشاد وتكمن المشكلة في أن العديد من هؤلاء الأئمة لا يعرفون الكثير عن المجتمعات الأوروبية التي يمارسون الوعظ فيها مما يجعلهم ــ بقصد أو بدونه ــ يقدمون النصيحة الخاطئة و الموعظة غير الحسنة (اجتماعيا وليس دينيا) بل أن بعضهم يتمادى في جهله بحقيقة تلك المجتمعات ويصفها بصفات ارتبطت في الثقافة الإسلامية بالإلحاد و الكفر!

هل فات الأوان؟

ولكن يتعين القول أيضا أن الدول الأوروبية، خاصة فرنسا و ألمانيا، لم تقم بواجبها في هذا الصدد، من حيث الانتباه مبكرا إلى مشكلة الوعظ الديني، وبالتالي السعي إلى توطينه عبر تكوين كفاءات دينية إسلامية محلية تتقن اللغة المحلية و تفهم الدين على حقيقته وفق تركيبة المجتمع. ان وجود الإسلام في أوروبا قد برز منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وأصبح في مراحل لاحقة أحد مكوناتها ويجب التعامل معه على هذا الأساس. وكأني بقول ميركل حين قالت “ضحكنا على أنفسنا لبعض الوقت بأنهم (المهاجرون) لن يبقوا و أنهم في لحظة ما سيغادرون” ينطبق على أغلب القادة السياسيين في أوروبا.

ان مشهد الحياة اليومية للمهاجرين في كبريات المدن الأوروبية لا يشي فقط باختلافهم ولكنه يعطي الانطباع بأنهم، وفي عمومهم، يعيشون حالة من الحب و الكره لبلدانهم الجديدة، وكثير منهم يعبرون عن ذلك بممارسة أفعال ليست فقط غير قانونية بل وتتنافى مع ثقافة المجتمعات الأوروبية المتأصلة، من قبيل إختلاط الجنسين وخصوصية الحياة الدينية بشكل خاص والمشاركة في الأعمال الاجتماعية و الأنشطة الثقافية المحلية والحرية الشخصية، وحتى الشفافية في دفع الضرائب.

أما على الجانب الآخر فإن أغلب سياسات الإندماج الجادة في أوروبا (وهي قليلة) عموما لم تكن منهجية و أصيلة واتسمت بالسطحية و التهميش للثقافات الوافدة مع المهاجرين. ففي أغلب المدارس الأوروبية مثلا، وتحت مبرر علمانية الدولة، يتم تجاهل الجوانب الثقافية للمهاجرين، بما فيها من إثراء لحياتهم الإجتماعية، مما يدفعهم إلى الإحساس بالإقصاء. في حين تتناول مواد دراسية أخرى كالتاريخ حقبا تاريخية كانت أوروبا فيها تستعمر جزءًا كبيرا من البلدان المصدرة للمهاجرين اليوم، ولا يتم التركيز على فترات تاريخية أخرى كان فيها العالم الإسلامي يشع بنوره على العالم.

ويمكن أن نسجل على مستوى سوق العمل بأن أغلب حالات التمييز ضد المهاجرين تتم وفق القانون، بمعنى أن قوانين العمل في عموم أوروبا ليست صريحة في نصوصها على ضرورة توظيف الأجانب و المهاجرين، بخلاف ما هو معمول به مثلا في الولايات المتحدة الأميركية ، التي تبنت ومنذ الستينات من القرن الماضي سياسات عمل صارمة تنص صراحة على ضرورة توظيف الأفارقة الأميركيين مثلا. علاوة على ذلك فإن قدم كيان الدولة في أوروبا وعراقة المجتمعات الأوروبية (أغلب الدول الأوروبية لم تتكون نتيجة الهجرة عكس الولايات المتحدة الأميركية) يجعلها تتحوط من الدخيل أكان طقسا ثقافيا أو دينيا أو حتى وجودا ماديا يمثله المهاجرون.

الا ان أهم معوقات الإندماج، بنظري، هو السياسة الخارجية التي تنتهجها العديد من الدول الأوروبية تجاه الشرق الأوسط و العالم الإسلامي عموما والموصوفة بالإنحياز لإسرائيل والداعمة للسياسات الأميركية في منطقة الشرق الأوسط بشكل أعمى أحيانا كموقف بريطانيا مثلا من غزو العراق.

لقد تأخرت أوروبا شيئا ما في التنبه لموضوع إندماج المهاجرين في مجتمعاتها وبات الأمر اليوم أصعب مما كان عليه، ولكن الفرصة لا تزال متاحة. في حين لم يهتم قادة الرأي في الجاليات المهاجرة، وخاصة منهم الأئمة بالنسبة للمسلمين، بموضوع الإندماج. و تلعب وسائل الإعلام ـ والشعبية منها بالذات ـ في غالب الأحيان دورا سلبيا في مناقشة الأمر وتناوله بالمستوى المطلوب من الشفافية و الموضوعية.

المراجع والهوامش

  1. https://www.alhurra.com/choice-alhurra موفع قناة الحرة (اخر الاخبار )
  2. https://www.dw.com/ar  تعليق للكاتب الليبي مصطفى فيتوري

.

Happy
Happy
0 %
Sad
Sad
0 %
Excited
Excited
0 %
Sleepy
Sleepy
0 %
Angry
Angry
0 %
Surprise
Surprise
0 %

Average Rating

5 Star
0%
4 Star
0%
3 Star
0%
2 Star
0%
1 Star
0%

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

AlphaOmega Captcha Classica  –  Enter Security Code
     
 

Previous post الموساد مازال يحوم فوق برلين، تعاون أمني و خلافات سياسية
Next post طرق تخفيف أعراض فتق الحجاب الحاجز