داعش، هل يعيد إعلان”خلافته” من جديد

Read Time:8 Minute, 49 Second

أدهم كرم

شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_أن احد مقومات استمرارية تنظيم داعش هو استغلاله أو محاولات خلقه لحالة الفوضى العامة أو ما يسميه في أدبياته (حالة التوحش), ولا يعني ها أن داعش هو تنظيم فوضوي كما يحلو للبعض من تصنيفه , بل هو تنظيم هيكلي يستغل الفوضى الناشئة ويعظمها ويحاول التحكم ببؤر التوتر والنزاع والخلافات عند اندلاعها والتي تمهد عادة إلى تلك الفوضى.مما لا شك فيه أن تنظيم داعش لا يتحرك وفق نظريات وأيديولوجيات دينية فقط , فالتنظيم لديه استراتيجيات فعالة غير مبنية على أساس ديني إلا ما يخص الأجزاء المعنوية والإعلامية, حيث انه كان يرسم خطواته على استراتيجيات أمنية وعسكرية منها الآنية والكثير منها المستقبلية أو بعيدة المدى , وكان يدعم ركائز تلك الاستراتيجيات دائماً بالاستغلال البشع للظروف الغير العادية التي كان يمر بها الدول والمناطق الذي يتواجد فيها .منذ أن تم الإعلان عن ظهور وانتشار فيروس (كورونا) في العالم مع نهاية شهر كانون الثاني من العام الحالي 2020 , حتى بدأ داعش من أعداد العدة لاستغلال تداعياته , حيث بدأ وبسرعة قياسية من وضع إستراتيجية تجنيدية من خلال دعوة الناس للانضمام إلى صفوف التنظيم من جديد, حيث دعا التنظيم عبر صحيفته الرسمية (النبأ)  في عددها 223 إلى فتح باب التوبة والفرار إلى الانضمام له حتى يتجنبوا البلاء ( الفيروس).ركزت العديد من الحسابات الناشطة على مواقع التواصل الاجتماعي والمتعاونة أو المتعاطفة مع التنظيم على ربط انتشار الوباء بالغضب الإلهي والامتحان الرباني الذي لا سبيل إلى ردعه أو الخلاص منه إلا بالعودة إلى دين الفرقة الناجية المتمثلة بداعش والتي هي حسب زعمها الفرقة الوحيدة التي ستنجو من العقاب الحالي .ولم يمضي الكثير إلا وصدر العدد 225 من صحيفة (النبأ) والتي تضمنت هذه المرة توجيهات من التنظيم بغية حماية عناصره من خطر الوباء ,حيث نُشرت تحت عنوان (توجيهات شرعية للتعامل مع الأوبئة) والتي تضمنت سبعة إرشادات من المنطلق الديني للحماية من الفايروس.ويبدو أن هذه الإرشادات كانت موجهة إلى الخلايا النائمة أو العناصر الميدانية الرابطة بين قيادات التنظيم والمجتمعات الحاضنة له أكثر من المجاميع الناشطة التي تستخدم عمليات الضرب والهرب وتعيش بإعداد محدودة ضمن مناطق نائية.

أذن التنظيم تعامل مع الوباء بمنتهى السرعة وحاول تغليفه بالإطار الديني قدر المستطاع لكي يحقق نتائج مرغوبة له وان كانت وقتية بنظر البعض , فلقد رأينا كيف تزايد قدرة التنظيم على تنفيذ سلسلة من الهجمات الإرهابية النوعية والمؤثرة ضد الأجهزة الأمنية العراقية والقوات المنظوية معها مستخدماً أساليب عديدة منها عمليات انتحارية في قلب المدن كالعملية التي استهدفت مبنى الاستخبارات في محافظة كركوك العراقية في 28 نيسان 2020 , وعمليات أطلاق النار المباشرة والهجمات التطويقية المتعددة ولفترات زمنية تعتبر طويلة كالعملية التي نفذها التنظيم بتاريخ 2/5/2020 والتي  استهدفت قوات الحشد الشعبي  في محافظة صلاح الدين فضلاً عن عشرات العمليات الإرهابية التي نُفذت البعض منها في وضح النهار والتي كانت بمثابة دلالة واضحة على أن داعش قد أستعاد عافيته وقوته من جديد من خلال هجماته المنسقة وتكيف بسرعة مع الأوضاع الطارئة وأستغل الوباء المنتشر في العراق والبلدان المجاورة للتنكيل بالأجهزة الأمنية العراقية ,وقد وصف سام هيلر المستشار في منظمة  كرايسس الهجمات الأخيرة الصادرة من التنظيم بأنها (صادرة من منظمة تكتسب مجدداً قوة حقيقية).وبعد أن ازدادت وتيرة الهجمات الإرهابية المنفذة من قبل التنظيم , أصدر التنظيم تسجيلاً جديداً لمتحدثه(أبو حمزة القرشي)على تليغرام في 28 آيار 2020 والتي كانت بعنوان(وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار) مهدداً دولاً بعينها كدولة قطر وذاكراً فايروس كورونا الذي يضرب الطواغيط ووصفه مرة أخرى بأنه عَذاب مُرسل من الله لينشغل الطغاة بأنفسهم عن المسلمين وأضاف (هانحن نراكم وانتم تنزفون الأموال بشدة في محاولات يائسة لإنقاذ اقتصادكم التي أنهكها حمى الوباء وقد بات الكثير من حلفائكم على حافة الإفلاس) .كان هذا التسجيل استمرارا للإصدارات المكتوبة السابقة والصادرة من مجلة النبأ الداعشية موضحاً فيها الخطوط الأساسية لرؤيتها الإستراتيجية للاستفادة من الحالة التي يفرضها الوباء أو التي سوف يمر بها المنطقة بعد كورونا .وباء كورونا العالمي وان كان لا يستثنى شخصاً أو دولة أو تنظيماً إلا أن التنظيم أستطاع أن يغتنم تفشي الجائحة لصالحه وتحويله إلى منحة لمقاتليه.

 تمكن داعش  من وضع إستراتيجية آنية وقصيرة الأمد للاستفادة القصوى من تفشي الوباء وتداعياته من خلال  :

  1. تغيير خطابه الأيديولوجي من التهديد والتنكيل بالفئات الشعبية المتعاونة و المساعدة للأجهزة الأمنية إلى فتح باب التوبة , حيث أن هذه الدعوة لها أهمية كبيرة للتنظيم , فقد تمكن التنظيم بدعوة مماثلة في نهاية عام 2010 أبان تولي الإرهابي(أبو بكر البغدادي) للقيادة من كسب العديد من المجندين الجدد وضمان حيادية الكثير من العشائر والشخصيات المؤثرة ضمن مناطق عمليات وتحرك الخلايا المرتبطة به.

2.زيادة القدرة الحركية للمجاميع الإرهابية المرتبطة بالتنظيم واختراقها لمناطق جغرافية أو سكانية محددة كانت مقيدة عليها في السابق أو كانت محدودة الحركة فيها (كالتحرك في أوقات الليل فقط), وهذا قد يشير إلى تمكن التنظيم من كسب ولاء البعض من الشخصيات أو العشائر  أو العوائل المؤثرة أو فتح قنوات اتصال معها بعد أن ضعُفت شوكة القوات الأمنية في تلك المناطق , مما أتاح للتنظيم تفعيل خلاياه النائمة وإدامة الاتصال الفعال بها وبناء مضافات سرية الذي سوف تؤمن الكثير من المتطلبات اللوجستية والاستخبارية في العمليات الإرهابية المستقبلية.

  • زيادة المواد الإعلامية المنشورة ,المكتوبة والسمعية خلال الشهرين المنصرمين واستغلال حالات المقت الشعبي والمناطقي في المدن العراقية وخاصة السنية منها ومحاولة توظيفها إعلامياً من خلال أظهار ضعف الحكومات التي لا تمتلك إستراتيجية واضحة لمواجهة الفيروس من جهة وربطها بالصراع الديني بين الإيمان /الكفر, والعدو /الصديق والتي لا يمكن أن تنتهي إلا بالرجوع إلى الله والانضمام إلى صفوف التنظيم .

تحليل فحوى رسائل التنظيم

أن التنظيم ما زال يؤمن أيماناً مطلقاً بالتنظير الاستراتيجي الذي أوجدها ( أبو بكر ناجي) مؤلف كتاب (أدارة التوحش )والذي يمكن تلخيص تنظيره بنقطتين أساسيتين :

  1. خلق الفوضى والتوحش (وهو الجزء الأصعب)حيث أنها تتطلب انهياراً للدولة المركزية ومؤسساتها .
  2. أدارة التوحش للوصول إلى مرحلة (شوكة التمكين) والتي تكون نهايتها المرغوبة هو إعلان الخلافة الإسلامية.

واستناداً إلى التنظير أعلاه فقد وجه التنظيم عدة رسائل إلى أعضائه والتي أنصبت وتمحورت أغلبها حول ثلاثة أمور رئيسية :

  1. تقوية هيكلية التنظيم والإسراع بعمليات التجنيد وإدامة الاتصال بجميع الخلايا النائمة والناشطة على حد سواء .
  2. الاستمرار في شن عمليات عمليات إرهابية مؤثرة في بعض المحافظات العراقية دون سواها (ديالى, كركوك,صلاح الدين).
  3. استغلال الظروف  الحالية المترافقة مع انتشار الوباء لخلق أو التسريع الانتقال إلى (مرحلة التوحش) والتي يَعتقد أنها قد بدأت بالفعل ببدء انتشار الوباء وستتحقق بالكامل بالمرحلة الزمنية التي تليها .
  4. أن العالم ما بعد كورونا والذي يكون مصاباً بالكثير من الأزمات الاقتصادية والصحية والصراعات المعقدة ستكون حالة مثالية للوصول إلى مرحلة التوحش والذي سيكون مدخلاً لإعلان دولة الخلافة من جديد كما حصل في العراق وسوريا عام 2014 .

    إستراتيجية التنظيم ما بعد الجائحة(كورونا)    

يحاول التنظيم أن يعمق إستراتيجيته الخاصة الموضوعة أو المُعدلة وفقاً للمعطيات الحالية التي فرضتها تفشي الوباء في العالم , فقد قام بتعميق الخطاب الإعلامي من خلال منشوراته وخطاباته السابقة شارحاً الحالة التي سيكون عليها منطقة الشرق الأوسط ما بعد الوباء والذي سيكون مختلفاً عن قبله, فهو يؤكد حصول تغييرات جيو بوليتيكية كبيرة على بنية المنطقة الذي هو من اللاعبين المؤثرين فيها , فأبو حمزة القرشي أكد في خطابه الأخير أن العالم (مقبل على أمور عظيمة ) , ولا يخفى على أحد أن من أبرز الأمور العظيمة للتنظيم هو (أحياء الخلافة) من جديد .

من الضرورة بمكان ان نعرف بأن عودة داعش وبهذه القوة لم يكن بسبب تفشي وباء الكورونا فقط , بل أن التنظيم كان متواصلاً في تنفيذ هجماته الإرهابية قبل ظهور الوباء وقد وصل إلى مراحل متقدمة في عمليات التجنيد وإعادة الانتشار وهيكلة مجاميعه الإرهابية المفككة من خلال النجاح في تحويل وإدارة التنظيم على أساس أمني بعد أن كان كياناً راديكالياً سياسياً إقليميا عابر لجغرافية الدولة الواحدة .

يمكن القول إن وباء كورونا قد زاد من المساحات التي يمكن استغلالها من قبل تنظيم داعش , وهذا الاستغلال وأن كان جزئياً إلا  انه بدأ وفق إستراتيجية موفقة ومتعاقبة الخطوات , فالتنظيم تيقَن أن الضغط الأمني والعسكري المفروض عليه في الكثير من مناطق تواجده سيتراجع تدريجياً الأمر الذي سيعطيه الفرصة للتواصل بصورة أسهل وأكثر مرونة من السابق مع خلاياه الإرهابية المنتشرة في البلاد ,.

ودفع انتشار الوباء القوات المحلية العراقية إلى التركيز على فرض الأمور الانضباطية الداخلية المطلوبة لمنع انتشار المرض في المدن والتأكد من أن المواطنين سيلتزمون بهذا الأمر, وكذلك الحال فيما يخص قوات التحالف الدولي التي بدأت مطلع العام  بإعادة  انتشار وسحب بعض قواتها (القوات الأمريكية) من العراق والتي أدت إلى تضعيف الجهد الاستخباري وتوقف الضربات الجوية الاستباقية التي كانت تقوم بها هذه القوات سابقاً , ولكنني أعتقد أن الأهم من كل هذا وذاك هو الإغفال المستمر للأجهزة الاستخبارية العراقية والإقليمية للأسباب التي يتمكن بها التنظيم من التكيف مع الظروف الصعبة والعوامل التي تُكَوُن لديه استجابة سريعة للمتغيرات المفاجئة بل وتعظيمها بشكل يصب في تحقيق أهدافها الخاصة.

هل مرحلة التوحش قادمة لا محالة؟

من خلال تحليل نقاط ضعف وقوة التنظيم وتحركاته في العراق وسوريا  ونوعية الهجمات الإرهابية التي نفذتها مؤخراً يظهر جلياً بأن التنظيم يحاول وبكل قوة زيادة زخم مرحلة ا(لنكاية والإنهاك )من خلال تنفيذ عمليات إرهابية مؤثرة للوصول إلى ذروة هذه المرحلة ولضمان الانخراط السريع بمرحلة التمكين التي ستأتي بعد انحسار الوباء وهنالك عوامل عديدة قد يسرع من عملية التمكين أهمها الأوضاع الاقتصادية السيئة , السخط الشعبي والتظاهرات المستمرة فضلاً عن احتمالية سحب القوات الأمريكية أو تقليل عديدها في العراق كنتيجة للحوار الاستراتيجي الحالي المستمر بين العراق والولايات المتحدة.

أن تداعيات الوباء أو ما بعد الوباء سيخلق حتماً حالة غير مسبوقة من الفوضى الاقتصادية والأمنية (التوحش)التي سوف تهدد العلاقات الدولية والعالمية مما يضعف تطبيق المعاهدات والالتزامات العامة بين الدول الكبرى والنامية , حيث أن الكثير من الدول ستتقوقع على نفسها وتحاول معالجة الآثار الذي سوف يخلفه الوباء على مؤسساتها في المقام الأول ولن تكون قادرة على مساعدة الغير بمثل تلك الشكل والصورة الفعالة التي كانت تقوم بها في الماضي حتى وأن تضمنت المساعدة أولوية مهمة لأمنها القومي الاستراتيجي, حيث العالم قد يدخل فيما يشبه حالة (النظام العالمي المفكك) مع تغيير موازين القوى العظمى وتبدل الأولويات وازدياد الصراعات الداخلية والخارجية.

يبدو أن فرصة ظهور مرحلة (التوحش) في العراق وسوريا سيكون كبيراً ,حيث أن هاتين الدولتين غارقتين في الأزمات الاقتصادية والصحية والمالية وجاء الوباء ليزيد من الطين بلة , فمرحلة التوحش التي سوف تظهر ما بعد كورونا تختلف عن تلك التي سبقت إعلان التنظيم لخلافته عام 2014 ,حيث أن التنظيم قام سابقاً بمساعي حثيثة وجبارة لخلق تلك المرحلة بعد إنهاكه للقوات العراقية والسورية في حروب استنزاف طويلة الأمد, أما مرحلة التوحش التي من المتوقع أن تظهر  في المنطقة بعد وباء كورونا فستأتي كنتيجة حتمية للتداعيات المتعددة لانتشار الوباء وتأثرها على مجمل القطاعات الوطنية والدولية, لذا على التحالف الدولي أن يتخذ وبالتعاون مع القوات العراقية والسورية خطوات جريئة لمنع استفادة التنظيم من المعطيات التي سوف تفرضه الظروف في وقتها.

من الواضح أن تنظيم داعش قد وضع إستراتيجيته الحالية على قراءة مفصلية وأكثر سوداوية من السابق وهذه القراءة التي تظهر على شكل خطوات عملية مبنية على الإيمان بأن الفوضى التي ستتشكل في العالم بصورة عامة والتي ستعاني منه دول منطقة الشرق الأوسط بصورة خاصة بسبب كورونا لن يظهر له منقذاً أو نصيراً الا بعد سنوات أو عقود عدة مما يعطي للتنظيم مرتعاً وفسحة زمنية ومكانية كبيرة لاستغلال التوحش الذي سينتج عنه والذي سيضمُن له إعلان خلافته الدموية من جديد .

المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب و الاستخبارات

Happy
Happy
0 %
Sad
Sad
0 %
Excited
Excited
0 %
Sleepy
Sleepy
0 %
Angry
Angry
0 %
Surprise
Surprise
0 %

Average Rating

5 Star
0%
4 Star
0%
3 Star
0%
2 Star
0%
1 Star
0%

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

AlphaOmega Captcha Classica  –  Enter Security Code
     
 

Previous post فدوى طوقان قصة شاعرة
Next post المهام شبه المستحيلة للمثقف الفلسطيني