كولومبوس والجدل الأمريكي

Read Time:3 Minute, 47 Second

شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_ينسب البعض إليه اكتشاف “العالم الجديد”، أي الأميركيتين، منذ نحو 500 عام، ولكن آخرين يشككون في هذه الرواية. بأي حال، يحتفل قسم من الأميركيين بـ”يوم كريستوفر كولومبوس” في ثاني يوم إثنين من تشرين الأول/أكتوبر في كل عام. والاحتفاء بالرجل يأتي من باب كونه “رجلاً عظيماً” أسهم في اكتشاف العالم الجديد و”فتح صفحة تاريخية”. والحدث، أي الاحتفال، الذي مرّ دائماً بطريقة عابرة وعادية، لم يعد عابراً أبداً في السنوات الأخيرة مع المطالبات بإلغائه (وهذا ما حصل حقاً في ولايات عدة). فلمَ أصبح كولومبوس شخصية جدلية إلى هذا الحد؟

نظرته إلى الشعوب الأصلية

مثل العديد من المستكشفين الأوروبيين، التقى كولومبوس بالسكان الأصليين. بحسب مراجع عدة، هناك ثلاثة جوانب رئيسية لتعامله مع السكان الأصليين الذين وصفهم بـ “الهنود”: استخدام العنف والعبودية، والتحويل القسري للسكان الأصليين إلى المسيحية، وإدخال مجموعة من الأمراض الجديدة التي استمرّت فترة طويلة، ما أثر كثيراً على السكان الأصليين.وتشير المصادر أيضاً إلى أن كولومبوس ورجاله استعبدوا العديد من السكان الأصليين لجزر الهند الغربية وأخضعوهم لعنف ووحشية شديدين. ففي رحلته الأولى الشهيرة عام 1492، هبط “القائد” على جزيرة كاريبية مجهولة بعد رحلة شاقة دامت ثلاثة أشهر. وفي يومه الأول في العالم الجديد، أمر باحتجاز ستة من السكان الأصليين، وكتب في مذكراته أنه يعتقد أنهم سيكونون خدماً جيدين.وخلال السنوات التي قضاها هنالك، قام كولومبوس شرّع العمل القسري حيث استعبد السكان الأصليون من أجل تحقيق الأرباح. في وقت لاحق، أرسل كولومبوس الآلاف من “هنود” تاينو المُسالمين من جزيرة هيسبانيولا إلى إسبانيا ليتم بيعهم، فمات الكثير منهم في الطريق.

موقفان على طرفيْ نقيض

منذ عدة سنوات بدأت تحدث احتجاجات في “يوم كولومبوس” في الولايات المتحدة. وتعالت الأصوات لإقصاء تدريس المستكشف من مناهج الفصول الدراسية وتزايدت الدعوات لتغيير اسم العطلة الفدرالية. وهكذا، تبنت عشرات المدن وعدة ولايات “يوم الشعوب الأصلية”، للاحتفال بالأميركيين الأصليين ومساهماتهم، بدلاً من “يوم كولومبوس”.وفي حين تحتفل الحكومة الفدرالية بيوم كولومبوس من كل سنة، والذي جعله الرئيس فرانكلين روزفلت رسمياً في عام 1937، فإن بعض مدن الولايات المتحدة تحتفل باليوم بطريقة مختلفة، وتختار بدلاً من ذلك التركيزَ على السكان الأصليين للأرض التي وطأها.وتم تبني “يوم الشعوب الأصلية” لأول مرة من قبل مجلس مدينة بيركلي في ولاية كاليفورنيا في 22 أكتوبر 1991، وتم الاحتفال به في العام التالي مع إقامة أنشطة وفعاليات ثقافية في جميع أنحاء المدينة ومنطقة الخليج بدلاً من الاحتفال بـ”يوم كولومبوس”.

خارج الولايات المتحدة؟

في دول أخرى من أميركا اللاتينية، هناك من يحتفل بذكرى اكتشاف أميركا ولكن على طريقته، وبمسميات أخرى بعيداً من ذكر “كولومبوس”. ففي الأرجنتين وكولومبيا على سبيل المثال يحتفلون بمسمى “يوم العرق الهيسبانيك”، وفي كوستاريكا يدعونه”يوم الثقافات”، وعلى نفس المنوال في دول أخرى مثل فنزويلا وكولومبيا وتشيلي.

وعلى الرغم من أن الاحتفال الأول بيوم الشعوب الأصلية كان في أوائل التسعينيات، إلا أن الفكرة تبلورت قبل ذلك بسنوات عديدة. فأول بذور فكرة إحياء ذكرى تاريخ وثقافات الشعوب الأصلية في جميع أنحاء الأميركتين بدلاً من يوم كولومبوس قد تم زرعها في جنيف عام 1977، في المؤتمر الدولي الأول للمنظمات غير الحكومية حول التمييز ضد السكان الأصليين في الأمريكتين. موت جورج فلويد كسر حاجز الصمت

دفعت التظاهرات الأخيرة ضد العنصرية وعنف الشرطة في الولايات المتحدة غداة مقتل الأميركي جورج فلويد من أصول أفريقية اختناقاً بعدما ضغط شرطي أبيض مطولاً على رقبته في مينيابوليس، الأميركيين إلى النظر في تاريخهم بطريقة مختلفة.

وقد شهد هذ العام تحطيم تحطيم عدة تماثيل لكريستوفر كولومبوس في كثير من المدن خلال الاحتجاجات على مقتل فلويد مما أعاد الجدل بشأن التوترات العرقية بين الشرطة والأقليات العرقية في أميركا.

وفي يونيو/حزيران الماضي سحبت بلدية سان فرانسيسكو في كاليفورنيا تمثالا لكولومبوس فيما قررت الولاية الواقعة في غرب الولايات المتحدة إزالة تمثال البحار الإيطالي من البرلمان المحلي.

وأوضحت حينها راشيل أكسيل مسؤولة الجهاز الثقافي في البلدية لوكالة فرانس برس، الأمر قائلة: “التمثال لا يتناسب مع قيم سان فرانسيسكو والتزامها تحقيق العدالة العرقية”.

وقبل جريمة فلويد، تحديداً في أواخر عام 2018، أزيل تمثال من البرونز للمسكتشف كريستوفر كولومبوس من وسط حديقة مدينة لوس أنجلس “غراند بارك”. ماذا تقول إدارة ترامب؟

أشاد ترامب سابقاً بكولومبوس وقال إنه فتح صفحة جديدة من تاريخ العالم. ومن هذا المنطلق لم يخفِ ترامب “أهمية الاحتفال بذكرى الإيطالي العظيم في يومه”.

ونشر البيت الأبيض أمس بياناً جاء فيه أن هناك محاولات لتحجيم إرث كولومبوس، تقوم بها مجموعات راديكالية، في إشارة ضمنية أيضاً إلى خصومه الديمقراطيين.

وجاء في البيان: “للأسف، سعى النشطاء الراديكاليون في السنوات الأخيرة إلى تقويض إرث كولومبوس. يسعى هؤلاء المتطرفون إلى استبدال مناقشة مساهماته الواسعة بالحديث عن الإخفاقات واكتشافاته بالفظائع وإنجازاته بالتجاوزات. وبدلاً من التعلم من تاريخنا، تسعى هذه الأيديولوجية الراديكالية وأتباعها إلى مراجعتها، وتجريدها من أي روعة، ووضع علامة عليها باعتبارها شريرة بطبيعتها. إنهم يسعون إلى سحق أي معارضة لعقيدتهم. يجب ألا نستسلم لهذه الممارسات أو نوافق على مثل هذه النظرة القاتمة لتاريخنا…”

يورونيوز

Happy
Happy
0 %
Sad
Sad
0 %
Excited
Excited
0 %
Sleepy
Sleepy
0 %
Angry
Angry
0 %
Surprise
Surprise
0 %

Average Rating

5 Star
0%
4 Star
0%
3 Star
0%
2 Star
0%
1 Star
0%

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

AlphaOmega Captcha Classica  –  Enter Security Code
     
 

Previous post المدن في أوروبا وتحويلها لمساحات صديقة للبيئة
Next post بريطانيا تواجه أزمة بطالة