المدار ترصد أواخر أيام المثقفين ….. أوسكار وايلد•• حكاية فنان حطم نفسه

Read Time:3 Minute, 36 Second

أواخر الأيام ترصدها نجاة أحمد الأسعد

شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_أمات موهبته وهجر أسرته قبل أن يموت شاباً وغريباً· نظرة واحدة إلى صورة أوسكار وايلد تجعلنا نتأسف على ذلك الشاب الوسيم والنرجسي في آن واحد بعد أن أنهى حياته بشكل مأساوي، فقد أمات موهبته وهي في قمة تفجّرها وبعد عدة روايات ومسرحيات ناجحة فتحت له أبواب الشهرة على مصارعيها· حُكم عليه بالإعدام أولاً ثم خُفف الحكم إلى سنتين سجناً، ولكنهما كانتا كافيتين لكي تقضيا على موهبته أولاً ومن ثم تنهيان حياته بشكل تراجيدي مسرحي· ورغم مرور أكثر من قرن على هذه الحكاية إلا أن حياته والطريقة التي انتهت بها تجعلنا ونحن نستذكرها نأسف حقاً على موت تلك الموهبة الإبداعية ومن ثم موته في عز الشباب (46 سنة)· فبسبب الشذوذ والإدمان هجر زوجته الكونتيسة لويد ومعها هجر ولديه سيول من مواليد ،1885 وفيفان من مواليد ،1886 وقطع علاقاته بجميع أفراد عائلته وأصدقائه بعد أن أصبح متيماً بحب فتى من أسرة اللوردات، وهو الأمر الذي أدى به في النهاية إلى مواجهة المحكمة التي كشفت عن طبيعة العلاقات الشائنة، وأدين بالاعتداء على قاصر فأصدرت حكمها عليه بالاعدام أولاً، ومن ثم تخفيف الحكم إلى السجن لمدة سنتين مع النفاذ· ولكن هذه الفترة كانت كافية لموت تلك الموهبة بعد أن خرج من السجن سنة 1897 محطماً عاجزاً، بائساً ويائساً من مواصلة الكتابة أو الاندماج مع المجتمع من جديد فمات معها إبداعه وآثر العزلة بعيداً، حتى عن موطنه، فطمس ماضيه وهويته وغادر بلده إلى فرنسا، وهناك عاش تحت اسم مستعار (سابستيان ملموث) منزوياً في فندق بباريس، وكان موته بعد خروجه من السجن بثلاث سنوات فقد مات سنة 1900 وحيداً وفقيراً وغريباً ودُفن حتى دون مراسيم· سيرة مبدع لابد لنا هنا من وقفتين: الأولى مع أهم العوامل التي أثّرت بشخصية هذا الروائي المبدع، والثانية أن نثبت أنه مبدع حقاً ما دمنا نقر بذلك من خلال تناول إحدى رواياته· فأوسكار وايلد المولود سنة 1854 في دبلن بإيرلندا هو الابن الثاني في أسرته، طويل، قوي البنية، وتدل صورته على وسامته التي خلطها مع نرجسية عالية استمدها من والدته جين وايلد التي دأبت على تدليله بإفراط، الشاعرة التي تميل إلى الإغواء وتدفعه إلى النظر إلى الحياة على أنها إنجاز، فجعل من كل شيء مشهداً حتى أنه كتب يوماً يقول:” أنا أوقظ التخيّل في قريني لكي يبدع الأساطير والخرافات من حولي·” وكصورة تكميلية وظاهرية لنرجسيته فإن ملابسه لم تكن يوماً من صنع الخياطين العاديين وإنما من خلال مصممي أزياء المسرح حيث كان يشعر أنهم الأكثر فهماً للمؤثرات، وكان يضع وردة عباد الشمس على ثقوب أزراره، كما كان يزين غرفته بالزنابق وريش الطاووس، وعند سفره إلى كندا وأميركا ليحاضر في جامعاتيهما وعندما وصل إلى نيويورك صرح لرجال الجمارك قائلاً: ليس لديّ ما أصرح به سوى عبقريتي! أما والده الجراح البريطاني وليام وايلد الذي وجد نفسه يوماً أمام فضيحة موازية لفضيحة الابن أوسكار وتناولتها الصحافة في حينها سنة 1864 عندما ادّعت إحدى مريضاته- ماري ترافرز- أنها خُدرت واغتصبت من قبل الأب· كانت تلك هي أهم الشخصيات التي أثّرت في أوسكار الشاب المتخرج حديثاً من جامعة أكسفورد الشهيرة فكانت مع رغبته الحارقة بالنجومية من أهم عوامل الاندفاع نحو حياة عبثية أودت به إلى تلك النهاية التراجيدية· كان يوماً الناطق باسم الحركة الجمالية ومن أبرز دعاة ”الفن للفن·” أهم مؤلفاته: صورة دوريان جراي، مروحة الليدي وندمير، سالومي، امرأة بلا أهمية، زوج مثالي، أهمية أن تكون أرنست، شبح كانترفيل، الأمير السعيد· خيال خصب أما عن إبداعه فيكفي أن نتناول إحدى رواياته كشاهد على روعة ذلك الخيال الخصب والإبداع الرائع الذي يعود إلى القرن التاسع عشر، ففي روايته ”صورة دوريان جراي” وضع أوسكار روحه فيها إلى جانب نرجسيته العالية، بل لعلنا لا نبعد عن الصواب إن قلنا إنه وضع نفسه هناك، فضلاً عن رغبة دفينة له بالخلود وهو ما يمكن أن نتوصل إليه من خلال تحليل مبسّط للرواية· مُثلت الرواية فيلماً منذ الأربعينات من القرن الماضي، وتُرجمت إلى العديد من اللغات العالمية بما فيها اللغة العربية·  

إن رواية ”صورة دوريان غراي” مثلها مثل جلّ قصص أوسكار التي تتحدث عن ثنائية الخير والشر، ولابد هنا من إنصاف ذلك المبدع الذي رحل عن عالمنا منذ أمد بعيد بأنه انتصر للخير في معظم قصصه· قال أوسكار وايلد مرة: ليس هناك أدب أخلاقي وأدب غير أخلاقي، المعيار الحقيقي هو الجودة· وقال قبل وفاته: إنه كان يموت بوسائله الخاصة! وقال أيضاً: لا تعتبر السعادة سعادة إلا إذا اشترك فيها أكثر من شخص، ولا يعتبر الألم ألماً إلا إذا تحمله شخص واحد”··· يبدو أن أوسكار وقبل وفاته تحمل ذلك الألم الذي تحدث عنه وحيداً·· وغريباً!!·

شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_

Happy
Happy
0 %
Sad
Sad
0 %
Excited
Excited
0 %
Sleepy
Sleepy
0 %
Angry
Angry
0 %
Surprise
Surprise
0 %

Average Rating

5 Star
0%
4 Star
0%
3 Star
0%
2 Star
0%
1 Star
0%

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

AlphaOmega Captcha Classica  –  Enter Security Code
     
 

Previous post فيلسوف الروح للخواطر جبر
Next post مخاطر توجُّه السلطة الفلسطينية نحو قطر وتركيا