«تنظيم الدولة» وإستراتجية بناء القوة اللامركزية الجديدة

Read Time:5 Minute, 48 Second

المهدي بوتمزين

شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_تتأرجح مواقف المختصين و الباحثين في شؤون الجماعات المسلحة في الشرق الأوسط و الساحة الإفريقية, بين من يتوقع انهيار معسكر داعش نهائيا بعد انحساره في نقاط ضيقة موزعة على مناطق جغرافية مترامية الأطراف قاريا , و نقيضه الذي يبني تصوره على الحالة التاريخية و المناولة السابقة , التي تبرهن على ديمومة الخطر الإرهابي و انسيابه و قدرته على التكيف مع الأزمات و الحصار و الخطر في الزمان و المكان , دون حاجة إلى وسط تمكين محدد أو بنية تنظيمية قارة و ثابتة .
لقد فقد تنظيم الدولة خارطة تمكين وارفة في العراق و الشام و ما استتبع ذلك من انهيار لقوته التنظيمية و البنيوية و الهيكلية عسكريا و اقتصاديا و حتى إعلاميا , ما أدى إلى تشرذم إداراته و كوادره , و لعل ذلك هو السبب الأبرز الذي أدى إلى قتل العديد من قيادات الصف الأول و على رأسها زعيمه السابق أبو بكر البغدادي , الذي تمت تصفيته من مسافة صفر في محافظة إدلب شمال غربي سوريا , التي كانت تحت سيطرة تركيا و جبهة فتح الشام , و هي العملية التي لم يكن من الممكن تنفيذها , على الأقل بنفس أسلوب العمل و التنفيذ , في ظل الحكومة المركزية لتنظيم الدولة التي كانت سائدة في العراق بعيد إعلان قيام أبو بكر البغدادي قيام الخلافة من على منبر الجامع الكبير بمدينة الموصل العراقية .
إن الجغرافيا عامل حاسم في قوة المجاميع المسلحة , فكلما ساد تنظيم معين على مدينة مأهولة كلما قل احتمال القضاء عليه و زاد بالمقابل زمن تنفيذ مخطط التصفية , لأن هذه التنظيمات تكون على دراية واسعة بالتضاريس , و المألوف أن الأرض تحارب مع صاحبها , كما يتم استغلال السكان كدروع بشرية للاحتماء من القصف المباشر بواسطة الطيران أو المشاة أو تمويه الفرق المتقدمة المغيرة , و تنفيذ عمليات انتحارية ضدها .
بعد انسحاب داعش بنسبة كبيرة من العراق والشام و ما تحمله هاتين الدولتين من مكانة استراتجية في فكر التنظيم , الذي بلور إسمه بناء عليهما , فقد حافظ على حضوره من خلال العمليات التي تنفذها عناصر ولاية العراق و الشام , و بالمقابل مازالت العمليات العسكرية و الإستخباراتية للقوات العراقية مستمرة , ما يعني أن تنظيم الدولة مازال حاضرا في بلاد الشام و بلاد الرافدين . إن مجموع العمليات التي تباشرها عناصر داعش من الذئاب المنفردة و الخلايا النائمة و الجماعات المبايعة , كما تنقلها وسائل الميديا التابعة له , مثل صحيفة النبأ ,مؤسسة الفرقان, مؤسسة أجناد … , ينضاف لذلك حجم التواصل الكثيف الذي يغطي كل وسائل التواصل الإجتماعي و الشبكة العنكبوتية و بلغات عدة , يسعى من خلالها التنظيم إلى التسلل إلى عواطف الأفراد و لاسيما القاصرين منهم , للتأثير عليهم و إيقاعهم في شباكه و شراكه العويصة البداية و النهاية .
الملاحظ أن التنظيم تمكن من التمدد إلى الساحة الإفريقية , لاسيما في الغرب و الوسط منها , و هو بذلك يخلق بيئة جديدة للعمل الجهادي الهدف منها تلافي قوة ضربات التحالف الدولي المركزة و تشتيتها , و الرفع من مستوى الإستقطاب , مستغلا بذلك ضعف الإدارة العسكرية و الإستخباراتية للعديد من الدول الإفريقية .إن العديد من دول القارة السمراء ليست على استعداد لمجابهة الخطر الجهادي , لاسيما دولة إفريقيا الوسطى مثلا , التي لا يتعدى تعداد جيشها حوالي 6000 جندي دون أن تتوفر على أية طائرات حربية , و هي تشهد حربا طائفية بين المسلمين و المسيحيين كما يدل على ذلك حجم العنف الذي قادته ميليشيات « سيليكا » , و هو الضعف العسكري كما النزعة الطائفية و العرقية نفسها تسري على الغابون و مجموعة من الدول الإفريقية الأخرى .
التنظيم حاليا يمارس نشاطه الجهادي بشكل مكثف في نيجيريا و الموزمبيق و هو يهدد الأمن القومي لدولة الزيمبابوي و أنغولا و ناميمبيا . و هو تخوف مشروع لأن قوة التنظيم تظهر جليا من خلال عملياته الجريئة التي تستهدف الثكنات العسكرية و الموانئ و المدن الإستراتجية و اقتحام السجون , وهو بذلك يحقق انتصارات عسكرية كبيرة , مستفيدا من الغنائم و التوسع الجغرافي و الروح المتفائلة المنتشية بالإنتصارات أو الفتوحات و النصر و التمكين بتعبير أدق .إن تنظيم الدولة مازال يحافظ على وجوده في منطقة الشرق الأوسط , حيث أعلن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، الخميس الماضي ، مقتل والي تنظيم “داعش” في العراق المكنى أبو ياسر العيساوي .
إلى جانب القوة الميدانية لتنظيم الدولة , فهو يملك إدارة إعلامية جد متطورة , ساهمت في عملية التجنيد و الإستقطاب و الجذب و التأثير على مستوى العالم , بما يمكن وصفه بعولمة الجهاد الشرق أوسطي , حيث أحبطت الوكالات الإستخباراتية الأميركية في الأيام القليلة الماضية , عملية إرهابية تضاهي في حجم الخطر المتوقع أحداث 11 من أيلول 2001 م , حيث استطاع تنظيم داعش غسل دماغ جندي أميركي , هذا الأخير اعتاد تسريب المعلومات بشكل دؤوب لصالح تنظيم الدولة , و التي تهم التحركات و القواعد العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط . كما أن أحد قادة التنظيم السابقين المكنى ب ”أبو عمر الشيشاني” كان ضابطا في جهاز مكافحة الإرهاب الروسي , لكنه تأثر بأطروحة الجهاد , و هي تحولات نفسية مفهومة على المستوى العلمي و الطبيعي ,و التي يقع فيها العملاء و الجواسيس و الجنود و حتى الجلاَّديين و السجَّانيين .
خلال العمليات العسكرية للتحالف الدولي ضد تنظيم داعش , استطاع هذا الأخير إسقاط طائرة عسكرية للطيار الأردني معاذ الكساسبة , الذي تعرض لعملية إعدام بالحرق , أراد من خلالها تنظيم داعش نهج سياسة “الصدمة و الترويع “, لتحقيق ردع عام , لعل التحالف يتراجع عن عملياته العسكرية خاصة الجوية. و هي البروفة أو العرض الإعلامي الذي وُصف بالهوليودي , نظرا للكم الهائل من التأثيرات البصرية و السمعية الموجودة في الشريط , و التي تبتغي ثني العرب و المسلمين عن الإنخراط في التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن .
إن تنظيم الدولة اَنيا مازال على أرض المعركة يخوض حروبا على عدة جبهات , ولاية خراسان , ولاية سيناء , ولاية العراق , ولاية الشام , ولاية باكستان , ولاية غرب إفريقيا و ولاية وسط إفريقيا , كما أنه لم يتأثر بمقتل قادته البارزين لاسيما زعيمه الأول أبو بكر البغدادي , و إن تعيينه لخليفة جديد و هو ” أبو إبراهيم الهاشمي القرشي” دون أن يقوم الزعيم الجديد بأية عروض إعلامية , لدليل على أن بنية التنظيم الداخلية متراصة و متينة , رغم أنه فقد الجغرافيا المركزية في العراق .
الفرضيات التي تخص عدم الظهور الإعلامي لأبو إبراهيم الهاشمي القرشي يمكن أن نفهمها في الاحتمالات التالية :
– التنظيم مازال يعمل على تصفية صفوفه من العملاء الذين ساهموا في الكشف عن قادة الصف الأول مما أدى إلى مقتلهم ؛
– تنظيم الدولة يخشى اغتيال القائد الجديد في فترة ليست بالبعيدة عن مقتل سالفه , و هو بذلك يمهد الأرضية الأمنية اللازمة لظهور الزعيم الحالي , و هذا يحتاج لأرض تمكين كما كان في العراق . و إذا لم يستطع التنظيم فرض سيادته الكاملة على مساحة كبيرة اَهلة , فإنه سيكون ملزما بتقديم أبو إبراهيم القرشي , الذي سيعرض استراتجية العمل الخاصة به ؛
– قد يعزى غياب الزعيم الحالي عن المشهد الإعلامي إلى إرادة التنظيم في إعادة ترتيب الأوراق و توزيع الأدوار وفق الرؤية التي يحملها أبو إبراهيم القرشي , من خلال تعيين ولاة و قادة جدد أكثر ولاء و ثقة له , عطفا على صياغة منهجية عمل تراعي المستجدات الميدانية , و خاصة أن الساحة الإفريقية و الأسيوية تختلف كثيرا عن العراق و الشام , خاصة في مسألة الاستقطاب .
المعطى الخطير في الجغرافيا الإفريقية هو فرضية تراجع أبو إبراهيم القرشي عن الإنشقاق الذي قاده سلفه عن تنظيم القاعدة , حيث أن أي تحالف بين تنظيم داعش و القاعدة ,هو إيذان لإعلان مرحلة جهادية أكثر خطورة , ستجعل من أسلوب العمل الخاص بالتحالف الدولي هو القيام بحرب مباشرة من مسافة صفر , ما يعني تحقق إرادة الجماعات الجهاية في دفع الدول الغربية إلى إنزال جنودها على أرض المعركة , و هي خطوة تعتبرها بعض الجماعات تحققا لنبوءة نزول الروم في دابق , و هي مرحلة جهاد مستقبلية يسميها اليهود ب ”هرمجدون ” .

الحوار المتمدن

Happy
Happy
0 %
Sad
Sad
0 %
Excited
Excited
0 %
Sleepy
Sleepy
0 %
Angry
Angry
0 %
Surprise
Surprise
0 %

Average Rating

5 Star
0%
4 Star
0%
3 Star
0%
2 Star
0%
1 Star
0%

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

AlphaOmega Captcha Classica  –  Enter Security Code
     
 

Previous post مهاجرة سورية في ألمانيا تكتشف مادة يحتمل أن تكون مكونا أساسيا في الأدوية المستقبلية للزهايمر
Next post صباح الخير