استحواذ السعودية على نادي نيوكاسل يونايتد

Read Time:7 Minute, 40 Second

محمد بن سلمان والدوري الإنكليزي أكثر من مجرد لعبة

سيباستيان زونس

ترجمة: رائد الباش

شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_ الاستحواذ السعودي على نادي كرة القدم الإنكليزي نيوكاسل يونايتد أكثر من مجرد محاولة من قبل السعودية لتحسين صورتها، فخلف هذه الصفقة مصالح اقتصادية استراتيجية إضافةً لسعي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لتعزيز مكانته لدى شعبه باستحواذه على هذا النادي. تحليل الباحث الألماني سيباستيان زونس لموقع قنطرة.

اندلعت عاصفة من السخط وأيضاً موجة من النشوة عندما أكَّد في السابع من تشرين الأوَّل/أكتوبر 2021 الدوري الإنكليزي الممتاز لكرة القدم نتيجة المفاوصات على شراء نادي نيوكاسل يونايتد، والتي استغرقت ثمانية عشر شهرًا: فبعد التدقيق من قِبَل الدوري الإنكليزي الممتاز استحوذ صندوق الاستثمارات العامة السعودي (PIF) على ثمانين بالمائة من النادي الإنكليزي التقليدي الممتاز نيوكاسل يونايتد (NUFC) – مما أثار ضجة كبيرة في عالم كرة القدم الإنكليزية.

ومن خلال هذا الاستحواذ تحول نادي نيوكاسل يونايتد بين عشية وضحاها إلى أحد “اللاعبين الكبار” في كرة القدم العالمية: فصندوق الاستثمارات العامة السعودي يحتل بثروته المقدَّرة بنحو أربعمائة مليار دولار أمريكي المرتبة الثامنة بين أقوى صناديق الثروات السيادية في العالم وقد استثمر في العديد من الشركات الدولية مثل “إي إيه سبورتس” وكذلك شركة “أوبر”، بالإضافة إلى تمويله الكثير من المشاريع الضخمة داخل المملكة العربية السعودية من أجل دفع عملية تحوُّل المملكة الاقتصادي إلى الأمام.

بعد الإعلان عن الاستحواذ حدثت مشاهد بعضها غريب خاصةً لدى بعض مشجِّعي نادي نيوكاسل: فقد خرج خمسة آلاف مشجِّع – وكان بعضهم يرتدون الثوب السعودي التقليدي – في احتفالات صاخبة ببيع النادي لصندوق الاستثمارات العامة السعودي، معتبرين ذلك بداية عصر جديد – خاصةً بعدما كان يُنظر إلى عهد المالك السابق مايك آشلي، الذي استمر أربعة عشر عامًا، على أنَّه فترة تدهور كئيبة. حتى أنَّ أحد ممثِّلي المشجِّعين ذكر أنَّ نسبة الموافقة على هذه الصفقة بلغت خمسة وتسعين بالمائة.

ولكن من ناحية أخرى فقد تم انتقاد هذا الاستحواذ بشدة، لأنَّ صندوق الاستثمارات العامة السعودي لا يقوده على أية حال شخص أقلّ من ولي العهد السعودي المثير للجدل محمد بن سلمان، الذي بات يتم تجنُّبه على نطاق واسع في السنوات الأخيرة بسبب التدخُّل العسكري في اليمن وتورُّطه المفترض في اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي. وبالتالي فإنَّ سياسة الاستثمار المتَّبعة من قِبَل صندوق الاستثمارات العامة السعودي تخدم أيضًا في توطيد حكم ولي العهد القوي.

الخروج من ظلّ المنافسين

وضمن هذا السياق، يعتبر هذا الاستحواذ نجاحًا شخصيًا وكذلك استراتيجيًا لمحمد بن سلمان: فهو يبيِّن أنَّ المملكة العربية السعودية قادرة تحت قيادته على اللعب مع كبار اللاعبين في السياسة الرياضية، لا سيما وأنَّها تحاول منذ فترة طويلة تصوير نفسها كلاعب معترف به دوليًا في عالم كرة القدم – ولكنها حقَّقت حتى الآن نجاحًا معتدلًا فقط. ومع استحواذه على نيوكاسل يونايتد، يسعى محمد بن سلمان أيضًا إلى الخروج من ظلِّ منافسيه الراسخين في عالم كرة القدم.

ومن بين منافسيه في المقام الأوَّل دولة الإمارات العربية المتحدَّة: إذ إنَّ مجموعة أبو ظبي المتَّحدة للتنمية والاستثمار برئاسة نائب رئيس الوزراء الإماراتي الأمير منصور بن زايد آل نهيان – وهو عضو رفيع المستوى في الأسرة الحاكمة – بدأت في عام 2008 مشاركتها المالية مع نادي مانشستر سيتي؛ ومنذ ذلك الحين، تمكَّن مالكو النادي الجدد من رفعه من أدنى المستويات في الترتيب وحوَّلوه إلى فريق دولي كبير.

وبدورها تسعى المملكة العربية السعودية لتحقيق هذا الهدف مع نادي نيوكاسل يونايتد. فالسعودية تحاول نسخ وإتقان نهج دولة الإمارات العربية المتَّحدة الاستراتيجي في العديد من المجالات الاقتصادية، وقد أدَّى ذلك إلى زيادة حدة المنافسة بين الدولتين. وبهذا تُظهر الاستثمارات – مثل الاستثمار في نادي نيوكاسل يونايتد – بكلِّ وضوح مدى القوة التي يبذلها محمد بن سلمان لتوطيد مملكته باعتبارها الموقع التجاري الأوَّل من دون منازع في منطقة الشرق الأوسط. ومن أجل ذلك يتم ضخ المليارات في إعادة بناء الاقتصاد وقطاع السياحة الوطني والمشاريع الترفيهية – وكرة القدم تعتبر جزءًا من هذه الاستراتيجية الشاملة.

وعلاوة على ذلك فإنَّ شراء نادٍ تقليدي مشهور (نيوكاسل يونايتد) يهدف إلى تحسين السمعة. فقد بات “الغسيل الرياضي” يشهد ازدهارًا اقتصاديًا الآن في دول الخليج، مثلما تُظهر ذلك بوضوح استضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم العام القادم 2022 في دولة قطر. وبدورها تأمل المملكة العربية السعودية أيضًا في أن يعزِّز هذا الاستحواذ صورتها.

ولكن على الرغم من إعراب مشجِّعي نادي نيوكاسل يونايتد عن تعاطفهم مع المملكة العربية السعودية، إلَّا أنَّ هذا الحساب يبقى بمثابة مقامرة محفوفة بالمخاطر: إذ إنَّ منظمات حقوق الإنسان وأعضاء مجموعات المشجِّعين المعارضة وقطاعات كبيرة من وسائل الإعلام البريطانية والدولية تستغل هذا الاستحواذ من أجل الإشارة من جديد إلى انتهاكات حقوق الإنسان في المملكة السعودية وكذلك إلى اغتيال خاشقجي.

وعلاوة على ذلك هناك انتقادات شديدة لحقيقة أنَّ ولي العهد السعودي هو أيضًا رئيس صندوق الاستثمارات العامة السعودي، على الرغم من تأكيد الدوري الإنكليزي الممتاز على أنَّ الدولة السعودية لن يكون لها أي تأثير على سياسات النادي – وهذه مهزلة بحسب تعليقات معظم المراقبين. يضر هذا الانتقاد بحملة العلاقات العامة السعودية: فبدلًا من أن تُظهر السعودية نفسها في صورة أفضل، عادت عيوبها من جديد إلى بؤرة اهتمام الرأي العام.

الشراء كوسيلة لسياسة الهوية السعودية

ولكن في المملكة العربية السعودية يُنظر إلى هذه الردود المعادية بهدوء، وذلك بحجة أنَّ دخول المستثمرين الإماراتيين إلى نادي مانشستر سيتي أو دخول صندوق الاستثمار القطري إلى نادي باريس سان جيرمان قوبل أيضًا بعداء مشابه ولكن الأمور استقرَّت الآن وانقشع الغبار. والسعوديون أيضًا يتوقَّعون حدوث ذلك في حالة نادي نيوكاسل.

وعلاوة على ذلك، ينظر الكثيرون في المملكة العربية السعودية إلى الاستحواذ باعتباره نجاحًا باهرًا حقَّقه ولي العهد السعودي. وبذلك فإنَّ شراء هذا النادي يعود بالفائدة على صورته كمحدِّث تمكَّن من قيادة هذه المملكة – المقيَّدة بتقاليدها المتواترة – إلى عصر انفتاح وتحديث جديد.

وبالتالي فإنَّ الاستثمار في نادي نيوكاسل يونايتد يعمل أيضًا كوسيلة فعَّالة لصالح سياسات الهوية السعودية: يجب النظر إلى نيوكاسل باعتباره رمزًا لـ”لمملكة العربية السعودية الجديدة”، التي تقوم بتحرير نفسها من التقاليد والأعراف القديمة. وهنا يتولى محمد بن سلمان دور “أبو البلاد”، الذي جعل هذا التحوُّل ممكنًا واستخدم الرياضة كسلاح قومي متعدِّد الأهداف من أجل إظهار دعم المواطنين السعوديين الشباب في غالبيتهم.

زد على ذلك أنَّ هذا الاستحواذ يجب أن يتم تقييمه على أنَّه سياسة استثمارية قوية تدفع التنويع الاقتصادي في البلاد إلى الأمام. ومن خلال شراء نادي نيوكاسل يونايتد، تسعى السعودية – على غرار منافسيها في دولة الإمارات العربية المتَّحدة – إلى تمهيد الطريق لحملة استثمارية شاملة في بريطانيا. وتساعدها في ذلك من ناحية الشراكة مع شركة الأخوين روبن، وهي شركة عقارات بريطانية استحوذت كونها عضوًا في الاتلاف التجاري على أكثر من عشرة بالمائة من نادي نيوكاسل يونايتد.

يأمل صندوق الاستثمارات العامة السعودي في آن يمكنه هذا التعاون من شراء عقارات تزيد أرباحه في نيوكاسل من أجل توسيع حقيبته الاستثمارية، علمًا بأنَّ دولة الإمارات اتَّبعت في مانشستر استراتيجية مشابهة. وبالإضافة إلى ذلك فإنَّ موقع نيوكاسل الجغرافي المناسب في شمال إنكلترا على نهر تاين يمنح صندوق الاستثمارات العامة السعودي القدرة على اتمام صفقات شراء محتملة في موانئ الحاويات المحلية من أجل تعزيز وجودها البحري في أوروبا. لقد استثمرت المملكة العربية السعودية في موانئ أخرى لتحسين اتصالاتها على الطرق البحرية الأوروبية والدولية.

وفي هذا القطاع أيضًا، تتَّبع المملكة السعودية نموذج دولة الإمارات، التي أنشأت بالفعل (من خلال شركتها الخاصة للخدمات اللوجستية “موانئ دبي العالمية”) إمبراطوريةً دوليةً في مجال الأعمال اللوجستية البحرية. والسعوديون يريدون بدورهم استخدام نادي نيوكاسل كمنصة إعلانية ذات تأثير واسع النطاق: فالمملكة العربية السعودية تخطط لإنشاء شركة طيران جديدة يمكن أن تكون كجهة راعية لقمصان فريق نويكاسل يونايتد. وهكذا فعل مالكو نادي مانشستر سيتي الإماراتيون، الذين وضعوا على قمصان اللاعبين شعار شركة طيران الاتِّحاد المملوكة للدولة.

معارضة من أفضل الأندية الإنكليزية

ولكن مع ذلك نشأت معارضة لمثل هذه الخطط: إذ إنَّ بعض الأندية الإنكليزية الممتازة الأخرى – مثل نادي ليفربول أو مانشستر يونايتد أو تشيلسي، وجميعها أندية يديرها ملاك أجانب – تنظر إلى استيلاء السعودية على نادي نيوكاسل باعتباره إعلان حرب.

ولهذا السبب بالذات، فقد دعت هذه الأندية إلى اجتماع طارئ مع الدوري الإنكليزي الممتاز من أجل الدفاع عن نفسها ضدَّ احتمال هيمنة النادي الثري حديثًا في شمال إنكلترا (نيوكاسل) ولمنع مثل هذه الأشكال من الرعاية غير المباشرة في المستقبل. وقد وافقت على هذا الطلب ثمانية عشر ناديًا من أندية الدوري الممتاز العشرين، في حين رفضه نادي نيوكاسل على نحو غير مفاجئ.

وعلى الرغم من هذه التحدِّيات، تنتشر شائعات في المملكة العربية السعودية تفيد بأنَّ الاستحواذ على نيوكاسل من الممكن أن يكون مجرَّد بداية لحملة استثمارية واسعة في الرياضة من جانب صندوق الاستثمارات العامة السعودي. تؤكِّد الوثائق أنَّ المملكة العربية السعودية أبدت في الأعوام الأخيرة اهتمامًا بشراء نادي إنتر ميلان الإيطالي الممتاز أيضًا. وبالإضافة إلى ذلك ثمة تكهُّنات بأنَّ صندوق الاستثمارات العامة السعودي يريد الاستثمار في نادي أولمبيك مرسيليا الفرنسي، ولكن النادي ينفي ذلك حتى الآن.

ربَّما يكون الهدف من ذلك هو إنشاء شركة امتياز عالمية تُحقِّق أهدافًا اقتصادية ولكنها تخدم أيضًا في تنمة مواهب اللاعبين السعوديين الشباب، الذين يمكن تدريبهم لدى أندية شريكة. فعلى أية حال، المملكة العربية السعودية لا تريد في المستقبل القريب الاستثمار فقط في أندية كرة القدم الأجنبية، بل تريد أيضًا جعل الدوري الخاص بها أكثر جاذبية وإضفاء الطابع الاحترافي على عملها في تدريب الشباب، لكي يصبح أداء منتخبها الوطني في المستقبل أكثر نجاحًا في بطولات كأس العالم؛ وحتى تتمكَّن السعودية يومًا ما من تحقيق حلم كبير، وهو أن: تستضيف بنفسها وفوق ترابها بطولة كأس العالم – مثلما ستفعل قطر في العام القادم 2022.

قنطرة

Happy
Happy
0 %
Sad
Sad
0 %
Excited
Excited
0 %
Sleepy
Sleepy
0 %
Angry
Angry
0 %
Surprise
Surprise
0 %

Average Rating

5 Star
0%
4 Star
0%
3 Star
0%
2 Star
0%
1 Star
0%

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

AlphaOmega Captcha Classica  –  Enter Security Code
     
 

Previous post الكتاب في بلجيكا… رفيق شعب يتقاسم المعرفة
Next post التحذير من الرمز الأسود في هولندا