ستالين كتب التاريخ على هواه

Read Time:5 Minute, 20 Second

زهراء أبو العينين

شبكة  المدار الإعلامية  الأوروبية …_مع انتشار برامج وتطبيقات تعديل الصور، أصبح من الطبيعي رؤية الصور المعدلة في كل مكان، سواء بإضافة بعض التأثيرات أو الفلاتر، أو إضافة أشخاص وربما إزالة بعضهم، ويأتي هذا في إطار الاستخدامات الشخصية، لكن، قبل اختراع الفوتوشوب وبرامج تعديل الصور، لجأ الرئيس السوفيتي جوزيف ستالين إلى التلاعب بالصور خلال مرحلة التطهير العظيم وبعدها، وهي الفترة التي تلت توليه الحكم مباشرة، والتي سعى فيها للتخلص من أعدائه السياسيين والمعارضين إما عن طريق إعدامهم بعد محاكمات واهية، وإما نفيهم إلى خارج البلاد.

لماذا أزال ستالين أعداءه من الصور خلال عملية التطهير العظيم؟

بعدما تولى ستالين الحكم بعد وفاة الرئيس فلاديمير لينين، دأب على التخلص من كل المعارضين السياسيين خلال عملية التطهير العظيم، ويعتقد الخبراء أن نحو 750 ألف شخص قد أعدموا، وأرسل أكثر من مليون آخرين إلى معسكرات العمل القسري خلال تلك الفترة الواقعة بين 1936 و1938.

لم يكتف ستالين بأحكام الإعدام والنفي لمعارضيه، بل أراد إزالتهم تمامًا من السجلات التاريخية، ومحو صورهم من الصور الجماعية التي كان نفسه أحد أفرادها، واستمر تعديل الصور منذ عام 1929 حتى عام 1953، ووفقًا لموقع «هيستوري»، فقد كان التزام ستالين بالرقابة والتلاعب بالصور، قويًّا للغاية، لدرجة أنه في ذروة القوة الدولية للاتحاد السوفيتي، أعاد كتابة التاريخ باستخدام تغيير الصور، لأنه كان يعرف قيمة الصور في السجل التاريخي، وكيف يمكن استخدامها للتأثير في المواطنين بالاتحاد السوفيتي، وقد استخدم محررو الصور في عهد ستالين مجموعة من الأدوات البدائية (المشرط والغراء والطلاء والرش) لجعل الصور أداة دعائية باسم الدولة.

وقد أصدر الفنان والمؤرخ البريطاني ديفيد كينج في عام 1997، كتابًا مصورًا بعنوان «The Commissar Vanishes» يؤرخ فيه فترة حكم جوزيف ستالين بعرض العديد من الصور قبل التعديل وبعده، ويُعد غلاف الكتاب مثالًا توضيحيًّا لواحدة من أشهر الصور التي خضعت للتعديل والاقتصاص في عهد ستالين، فقد كان ستالين متوسطًا لثلاثة سياسيين في الصورة الأولى، وهم نيكولاي أنتيبوف، وسيرجي كيروف، ونيكولاي شافيرنيك، ثم بدأ التناقص ومُحي الثلاثة واحدًا تلو الآخر، حتى أصبح ستالين يقف في الصورة وحيدًا!

ستالين ولينين ومشوار الصور المعدلة

لم يكتف ستالين بإزالة أعدائه من الصور فحسب، بل كان حريصًا على إظهار نفسه بأفضل مظهر، فعلى الرغم من أن طوله لم يتعد 163 سم، فإنه كان الأطول في الصور الجماعية، كما كان معنيًّا بإظهار وجهه بأفضل صورة، وشعره وشاربه ناعمين، وعينيه لامعتين.

استخدم ستالين الصور في تزوير علاقته بالرئيس السوفيتي السابق له فلاديمير لينين، وجعل الصور تتحدث عن مدى القرب بينهما؛ مما جعله جديرًا للفوز بالكرسي من بعده. فعلى الرغم من عدم وجود ستالين على أرض الواقع في استقبال لينين لدى عودته – من سيبيريا حيث نُفي مع معظم قيادات الحزب البلشفي- إلى محطة فنلندا في بتروجراد في أبريل (نيسان) 1917، بعد تنازل القيصر عن الحكم؛ فإنه – ستالين – ظهر في إحدى الصور واقفًا خلف لينين مباشرةً، رافعًا يده بالتحية.

وقد حرص ستالين على إظهار نفسه مقربًا من لينين في الصور التي لم يكن موجودًا فيها من الأساس، كما يظهر في أحدها وكأنه يملي تعليماته على لينين، حتى إنه بعد تعديل الصورة التالية لأعضاء المؤتمر الثامن للحزب البلشفي، لم يظل فيها سوى ستالين ولينين، بحسب ما ذكره ديفيد كينج في كتابه.

وبالرغم من حضور ستالين الدائم في صور لينين، فإن لينين في الواقع كان يسعى إلى عزل ستالين وبعض مساعديه واتهامهم بمعاداة الحزب ووحدة البلاد، لكن إصابته بالسكتة الدماغية منعته من اتخاذ أي إجراءات حاسمة ضدهم، وقد استغل ستالين فترة مرض لينين لفرض قيود حاسمة على نشاطاته، وبذل قصارى جهده لعزل لينين عن بقية القيادة، وقال إن هذه القيود تهدف إلى منع تدهور صحة لينين، فيما يؤكد ديفيد كينج في كتابه أن إحدى أشهر الصور التي تجمع ستالين ولينين خلال فترة مرضه في الهواء الطلق، لا بد أن تكون مزيفة، وأوضح كينج أن الصورة مجمعة من عدة مصادر.

أصدقاء الأمس أعداء اليوم

كان أفل يينوكيدزي سكرتير اللجنة التنفيذية المركزية للاتحاد السوفيتي يظهر بصورة طبيعية في الصور في الثلاثينيات بجانب مسؤولي الحزب الشيوعي، لكن خلال عملية التطهير العظيم لجوزيف ستالين، عد يينوكيدزي عدوًّا للدولة وأُعدم رميًا بالرصاص، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل اختفى كذلك من الصور السوفيتية.

كذلك كان مسؤول الشرطة السرية، نيكولاي يجوف، أحد أبرز من أزالهم ستالين من الصور، رغم أنه أشرف على بعض عمليات التطهير العظيم التي أمر بها ستالين، واستجوب الآلاف من مسؤولي الحزب الشيوعي، وأعطى الكثير من أوامر الإعدام، لكن هذا لم يشفع له لدى ستالين عندما سقط، واستولى أحد نوابه على منصبه عام 1938، ثم حاكمه ستالين محاكمة سرية انتهت بإعدامه.

ترتيب مغاير عند التعامل مع منافسه الأول

كان ليون تروتسكي شخصية بارزة في الحزب الشيوعي، وكان المنافس الأول لستالين على الحكم، وبعد وفاة لينين، تألفت الحكومة من ستالين، وكامينيف، وزينوفيف، وخلال فترة حكمهم عارض ستالين فكرة الشيوعية العالمية التي كان تروتسكي يؤمن بها، وتمكن ستالين من طرد كامينيف، وزينوفيف، وتروتسكي من اللجنة المركزية والحزب الشيوعي.

بعد صعود ستالين إلى السلطة  ، بدأ بعض أعضاء حزب البلشفيك السابق في التشكيك في سلطته، فاعتقد أن أي شخص لديه روابط بالحزب أو حكومة لينين يعد تهديدًا لقيادته، وتأتي حالة إزالة تروتسكي بترتيب مغاير لما اعتاد عليه ستالين في عملية التطهير العظيم، فقد كان يزيل أعداءه من الوجود، ثم يمحو آثارهم من الصور، أما في هذه الحالة، فبعدما نفى تروتسكي، أزال وجوده من الصور، ثم بعد ذلك جاء مشهد محوه من الحياة الذي تأخر حتى عام 1940 أثناء وجود الأخير في المكسيك.

وتُظهر صورتان لخطاب الزعيم الشيوعي لينين أمام رجال الجيش الأحمر في مايو (أيار) 1920، وجود  مفوض الشعب ليون تروتسكي، وعضو المكتب السياسي ليف كامينيف على الجزء الأيمن من المنصة، بينما حذفا من الصورة الثانية.

والشعب يشارك في تعديل الصور للنجاة من العقاب المحتمل

وبسبب خوف الجماهير من سياسات ستالين ورهبتهم من أن توجه إليهم اتهامات بالعداء السياسي للدولة، كانوا يحرصون على عدم امتلاك أي صور لأعداء ستالين سواء في الكتب أو المجلات، فكانوا يقصونها أو يشوهونها بالحبر.

حتى صورة تخليد رفع العلم السوفيتي فوق الرايخستاغ الذي تعرض للقصف خلال معركة برلين في الحرب العالمية الثانية، فإنها أيضًا خضعت للتعديل لتجنب عقاب ستالين. كان المصور العسكري السوفيتي، يافجني خالدي، قد تلقى الأوامر بالسفر إلى ألمانيا لتخليد ذكرى الانتصار خلال الحرب العالمية الثانية، فجند خالدي معه مجموعة من الجنود السوفيت، وذهبوا إلى مبنى الرايخستاغ لالتقاط الصورة.

بعد العودة إلى موسكو، لاحظ المراقبون أن أحد الجنود في الصورة كان يرتدي ساعة في يده، ما يوضح أنه كان يسرق المواطنين الألمان، فطلب المراقبون تغيير الصورة، ففعل خالدي ما طُلب منه، وأخفى معاصم الجنود من الصورة، وعتَّم مشهد تصاعد الدخان الموجود في الخلفية.

ساسه بوست

Happy
Happy
0 %
Sad
Sad
0 %
Excited
Excited
0 %
Sleepy
Sleepy
0 %
Angry
Angry
0 %
Surprise
Surprise
0 %

Average Rating

5 Star
0%
4 Star
0%
3 Star
0%
2 Star
0%
1 Star
0%

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

AlphaOmega Captcha Classica  –  Enter Security Code
     
 

Previous post العمال المغاربة مضطهدون في اسبانيا
Next post اسبانيا تفتح مجال العمل للقادمين