نحو منهج علمي لاستقراء تطور البنى الجيوسياسية في المنطقة العربية

Read Time:2 Minute, 16 Second

بقلم: د. ضياء الجنابي

شبكة المدارالإعلامية الأوروبية…_إن المشكلة المركزية للأنظمة العربية التي تدير معظم الأقطار العربية في الوقت الراهن تكمن في أنها لازالت تخلط العقائد والأيدلوجيات في بنية النظام السياسي، في الوقت الذي أن الدولة المعاصرة تحتاج إلى مناهج علمية وعملية إستراتيجية تعتمد على الخبرات التقنية والمهارات المهنية في إدارة المؤسسات وليس النوازع المبنية على أسس التعصب الأيدلوجي المعصوب العينين سواء كان ذلك عند ما يسمى بأحزاب الإسلام السياسي أو الأحزاب القومية أو الأحزاب الشيوعية واليسارية وحتى التيار المدني العلماني.

إن القاسم المشترك الذي يجمع هذه الأحزاب والتيارات بمجملها هو اعتمادها على قاعدة وضع الشروط المسبقة لأي إجراء وتقييده بالاشتراطات المتزمتة التي تفرضها على طبيعة حركة الواقع، وهي بذلك تعتقد واهمة إنها تمتلك الحقيقة المطلقة وإن جميع من هم خارج الإطار الأيدلوجي المتقولب لها أما أن يكونوا فاشلين أو عملاء أو على خطأ في أهون الاحتمالات، وينسحب ذلك على أصحاب المنهج الليبرالي كذلك الذين أفرزتهم ما يصطلح عليه بثورات الربيع العربي أو الأنظمة التي خضعت لمشرط الحروب كما في النظام السياسي العراقي الذي جاء على ظهر الدبابات الأمريكية الغازية بعد عام 2003م، هذه الأنظمة السياسية تحكمها جميعاً الايدولوجيا الأمريكية القديمة التي هجرها الأمريكيون أنفسهم وهم يبحثون عن صيغ ديناميكية جديدة، لأنهم أدركوا أنه من المستحيل صبغ العالم بأسره بالصبغة الأمريكية وإن فرضية ما يصطلح عليه بالنظام العالمي الجديد محض أكذوبة مبنية على أوهام مجردة تتقاطع مع المنطلقات والخصوصيات الجيوسياسية التي تتمتع بها البلدان المختلفة وشعوبها وفق الطابع الجغرافي والخلفيات التاريخية لها.

في حين أن الأحزاب التقليدية العربية سواءاً الإسلامية منها أو اليسارية فإنها لازالت واقعة تحت وطأة الأطروحات النظرية القديمة منذ تأسيسها أو تأسيس أمثالها في العقود الأولى من القرن العشرين مروراً بتأثرها بإفرازات الحرب الباردة التي كانت قائمة بين المعسكرين الشرقي والغربي بعد الحرب العالمية الثانية، وهكذا استمرت هذه الأحزاب تنسج أفكارها أو تأويلاتها الفكرية بشكل أدق على ذات المنوال القديم إلى يومنا هذا وفي الغالب لا تخرج عن مفاهيم التحرر والخلاص من المستعمر وتحقيق الاستقلال وفق مفهوم السيادة الوطنية.

إن جميع المتصدين للسياسة في الوطن العربي سواء الأحزاب أو النخب السياسية أو الجماهير العفوية المنتفضة ضدها والتي تخوض جولات من المواجهات الدموية في أغلب الأحيان لا زالوا يتحركون بعقل سياسي متأثر بحاضنات القرن العشرين الأيدلوجية دون أن يلتفتوا إلى أن المعطيات والإفرازات السياسية التي تمخض عنها العقدان الأول والثاني من القرن الحادي والعشرين توازي بل تفوق جميع المعطيات والإفرازات التي تمخض عنها القرن السابق بل قرون سابقة عديدة.

وخلاصة القول أن النظام السياسي العالمي شهد في العقدين الأوليين من الألفية الثالثة تغيرات نوعية هائلة وتحولات جذرية على كافة الأصعدة السياسية والاجتماعية والثقافية والأنثروبولوجية، هذه التحولات أفضت إلى تطور ملحوظ في البنى الجيوسياسية للعالم بأسره، وهذا التطور يحتاج إلى دراسات معمقة بشكل متواصل وفق مناهج علمية حداثية تتجاوز المنهجيات القديمة التي تكرس الصراع على أسس إثنية وعرقية وطائفية مقيتة لا تتناسب مع طبيعة المصلحة الحقيقية للإنسان الجديد.

شبكة المدارالإعلامية الأوروبية…_

Happy
Happy
0 %
Sad
Sad
0 %
Excited
Excited
0 %
Sleepy
Sleepy
0 %
Angry
Angry
0 %
Surprise
Surprise
0 %

Average Rating

5 Star
0%
4 Star
0%
3 Star
0%
2 Star
0%
1 Star
0%

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

AlphaOmega Captcha Classica  –  Enter Security Code
     
 

man standing next to the flag of israel Previous post اسرائيل” تلفظ انفاسها الاخيرة
sad girl near shabby tent Next post الفرق بين لاجئ عربي ولاجئ أوكراني