الدور السعودي في استعادة التوازن الإقليمي في الشرق الأوسط المتغير

Read Time:7 Minute, 9 Second

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

شبكة  المدار الإعلامية  الأوروبية …_بعد تقسيم بريطانيا وفرنسا المنطقة العربية وفق سايكس بيكو عام 1916، أرادت أمريكا تقسيم منطقة الشرق الأوسط وفق تقسيم طائفي ليزداد انقساما وتفتتا، رغم ان الدين الإسلامي يرفض أي تقسيم مذهبي، وإذا كان هناك خلاف بين المسلمين فهو أمر طبيعي، ونهي عن التنازع ورد أمر هذا الخلافإلى الله سبحانه وتعالى ( وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ذلكم الله ربي عليه توكلت وإليه أنيب )، لكن ذلك لم يعجب الغرب بقيادة الولايات المتحدة وأرادوا استنساخ تجربة الحرب الدينية في أوربا في القرن السابع عشر بين الكاثولوكيين والبروتستنايين ونقلها للمنطقة.

ففي عام 1979 أطاحت أمريكا  بالشاة، رغم أنه موالي للغرب،وكان إيذانا بمولد تقسيم جديد على غرار سايكس بيكو، ولكنه تقسيم أيديولوجي، مقابل دعم بريطانيا لتنظيم الإخوان المسلمين السني السياسي الذي يطمح لإقامة دولة الخلافة بعد نهاية دولة الخلافة العثمانية،هذه الرعاية تجعل العالم الغربي وكأنه يهمه الإسلام أكثر من المسلمين أنفسهم، ما جعلهيتجه إلى إقامة نظام جمهورية إسلامية بمذهب شيعي موازي للسعودية، باعتبار أن السعودية تتبنى المذهب السني، فقط من أجل تعزيز الانقسام بين المسلمين، لكن السعودية لم تكن مقصدا في الحج للمذهب السني فقط كما يظنون وفق تقسيمهم بل للمسلمين قاطبة دون النظر في المذهب والطائفة والفرقة والجماعة.

بالفعل شهد تنامي توترات في الثمانينات من القرن الماضي جعلت السعودية تأخذ في تقوية روابط دول مجلس التعاون الهش الذي جزأته بريطانيا إلى دويلات صغيرة ليسهل التحكم بها ورفضت أن تنضم الدول الصغيرة للسعودية تنبؤا بألا يحدث تكتلا يقف أمام أي تحديات إقليمية بل مكنت طهران من الاستيلاء على الأهواز عام 1924 وعلى الجزر الإماراتية عام 1971.

رغم ذلك شعرت دول الخليج العربية بالقلق واتجهت السعودية نحو تشكيل دول  مجلس التعاون الخليجي، ودعمت السعودية صدام حسين أمام التوغل الإيراني في العراق لأن إيران تنظر إلى ان العراق جزء من الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بسبب هذا الدعم السعودي الخليجي لصدام حسين نقلت  الجمهورية الإسلامية المواجهة بقيادة الخميني إلى أقدس البقاع في العالم في مكة المكرمة في موسم الحج عام 1987 نتج عنها مواجهات دامية، وقتل مئات من الحجاج، يذكر المسلمين بما فعله القرامطة في حج عام 908 من قتل للحجاج وسرقوا الحجر الأسود وأرسل إلى هجر في القطيف، وحاولوا في 318 هجرية سن الحج إلى الجش بالقطيف، بعدما وضع الحجر السود في بيت شبيه بالكعبة المشرفة، ولكن الأهالي رفضوا، فقتل القرامطة أناسا كثيرون من أهل القطيف، وهذا التاريخ درسه الغرب بعناية،لإعادة إحيائه من جديد على يد ملالي طهران، وتمكين الثورة الخمينية رغم صراعها الظاهري مع الولايات المتحد، ورفع شعارات الموت لأمريكا، والموت لإسرائيل.

 لكن إسرائيل هي من دعمت ملالي طهران في حربهم ضد صدام حسين بالسلاح بإيعاز من أمريكا سميت بإيران غيت، أو إيران كونترا، أي أن المصالح فوق المبادئ، حيث لعب نورييغا حاكم بنما دورا في فضيحة إيران كونترا التي تفجرت في أواخر عام 1986 والتي كانت واحدة من أكثر الفضائح السياسية في التاريخ الأمريكي الحديث في زمن الرئيس رونالد ريغان مقابل إطلاق رهائن أمريكيين أخذوا رهائن في لبنان من قبل مليشيات حزب الله في لبنان، فلم يكن حزب الله إلا ذراعا لإيران منذ تأسيسه، رغم انه يدعي الدفاع عن لبنان وأراضيه قبل أن تنسحب إسرائيل من لبنان وبقي حتى بعد الانسحاب، وادعى أنه مسؤول عن مقاومة إسرائيل لتحرير فلسطين، لكن في الحقيقة لتفتيت لبنان وتقسيمه إلى كيانات غير قابل للنمو والتقدم كما نلاحظ اليوم يضربه الفقر والصراع والفساد.

بالطبع الربيع العربي في 2011 أتى لتمكين الطرف الأيديولوجي الآخر ليلتقي في نفس الوقت ويتقاطع مع بقية المشاريع الأخرى، لم تتمكن السعودية من وقف النفوذ الإيراني ولإخواني في سوريا، بعدما استقدمت إيران روسيا، وأصبحت رأس حربة في سوريا لا تستطيع السعودية مواجهة روسيا في سوريا لكن هناك بدائل ستلجأ إليها السعودية.

 لكنها في البحرين أرسلت جيشها وحمته من التدخل الإيراني، ودعمت الجيش المصري، ونجحا البلدان في إدارة الأزمة، مما جعل تركيا تنضم إلى إيران في مواجهة السعودية ومصر، عندها لجأت أمريكا والدول الغربية إلى إبرام اتفاق نووي مع إيران سمي باتفاق مجموعة 5+1، فبدأت مرحلة جديدة بين إيران والسعودية، ففي نفس السنة التي تم فيها توقيع الاتفاق 2015 اتجهت إيران إلى ما فعلته في مكة عام 1987 في تسيس الحج ونتج عن هذا التدافع موت مئات الحجاج زاد من الأزمة بين الجانبين إعدام السعودية نمر النمر ضمن 46 شخصا في 2016 بتهم تتعلق بالإرهاب، أدى إلى قطع العلاقات بين الجانبين بعد حرق القنصليات السعودية في إيران.

هناك تغيرات جيوسياسية عالمية تجاه الشرق الأوسط، إذ بدأت أمريكا تنحو نحو محور آسيا، خصوصا بعدما أصبحت الولايات المتحدة تحظى بأمن كبير في مجال الطاقة في اعقاب الفورة التي يشهدها النفط والغاز الصخريين في الولايات المتحدة، فلم تعد مستعدة الولايات المتحدة خوض غمار هذا الخلاف أو هذا الصراع بين السعودية وإيران الذي خلقته الولايات المتحدة، وهناك تنبؤات غربية من أن المنطقة قد تكون مقبلة على حرب لمدة طويلة على غرار الحرب بين الدول الكاثوليكية والدول البروتستانية من أجل السيطرة وكسب النفوذ خلال القرن السابع عشر الميلادي، ما يفرض على السعودية إدارة الأزمة التي استنسخها الغرب في منطقة الشرق الأوسط بين السعودية وإيران عبر إدارة تفاهمات بين الجانبين بعيدا عن الولايات المتحدة والغرب.

حيث تنظر السعودية إلى روسيا بمنظار مختلف عن النظر إلى أمريكا التي تتلاعب بالمنطقة، وترى في تصريح بوتين عن الأمير محمد بن سلمان في 2016 عندما كان وليا وليا للعهد عندما قال بوتين من ان الأمير محمد بن سلمان شريك يعتمد عليه، وهو شريك موثوق به جدا، ويمكنك أن تتواصل معه إلى اتفاقات ونستطيع الجزم بأن هذه الاتفاقات سيتم احترامها، وهو ما حدث في الأزمة الأوكرانية عندما رفض ولي العهد الأمير محمد بن سلمان طلبات أمريكا والغرب نقض الاتفاق الموقع بين السعودية ممثلة أوبك وروسيا ممثلة الدول المنتجة من خارج أوبك، مما عزز مصداقية السعودية، وعزز مكانتها الدولية في أنها شريك موثوق، وسبق أن حاولت روسيا التوسط بين السعودية وإيران حول إنتاج إيران من النفط في 2016 لخلق استثناء من أجل طهران، لكن السعودية ودل خليجية كانوا غير قادرين على ابتلاع إعفاءات لإيران.

ترى روسيا في عام 2019 ردا على سؤال حول الوساطة بين الدول العربية وإيران، قال فيرشينين ليس من المناسب أن تكون وسيطا لشئ لم يوجد بعد، خصوصا وأن ترمب وضع عقوبات شديدة على إيران بعدما انسحب من الاتفاق النووي من طرف واحد من أجل اتفاق نووي جديد، وفي 9 أبريل 2019 أعلنت السعودية استضافتها اجتماعا من الولايات المتحدة والإمارات والبحرين والكويت وسلطنة عمان ومصر والأردن في إطار التحضير لإطلاق تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم،عندها دعت طهران إلى إجراء حوار مع دول الخليج العربي، فيما حذرت من صدام محتمل من شأنه أن يتجاوز المنطقة، وأن يكون له تداعيات على الأمن والسلم العالميين، وقال مجيد تخت روانجي ممثل إيران لدى الأمم المتحدة يمكن حل وتسوية القضايا الأمنية المعقدة الراهنة في المنطقة عبر التعاطي البناء والحوار بين دول منطقة الخليج وإيران.

ولكن بعد مجئ إدارة بايدن التي هي على غرار إدارة أوباما، فكما شكلت السعودية تحالفا عربيا لمواجهة إيران في اليمن بعد الاتفاق النووي مع الدول 5+1 وهو اتفاق غير شامل  لا يشمل وقف النفوذ الإيراني في المنطقة في 2015، فكذلك اليوم تتجه السعودية نحو امتلاك السلاح النووي كخيار لردع إيران التي ستمتلك السلاح النووي سواء وقعت مع الدول الغربية اتفاقا نوويا أو لم توقع من أجل التفرغ للنمو والتنمية، بجانب أن الخارجية الروسية أبدت استعدادها للتوسط بين الرياض وطهران،بحسب تصريح نائب وزير الخارجية الروسي مخائيل بوغدانوف في 21/2/2022.

وحسب تقرير صادر من قبل الاستخبارات البريطانية M16 تقول فيه إن السعودية دولة نووية عندما تريد أن تكون نووية، حيث تعد السعودية مركزا للعالم الإسلامي، وفي 22 مارس 2002 نشرت صحيفة يديعوت الصهيونية صورا التقطها قمر ايكونوس الإسرائيلي المخصص للأغراض السلمية، كما تدعي إسرائيل  أن هناك قاعدة السليل العملاقة التي تقع على بعد حوالي 500 كيلو جنوب الرياض بنتها الصين تحتوي على عدد م ابين 30 إلى 60 صاروخا بالستي، بل بعض المصادر الإسرائيلية تدعي وجود 120 صاروخ وليس 60 بالإضافة إلى وجود قاعدة للقوات الجوية السعودية، وسبق أن أرادت إسرائيل ضرب صواريخ استوردت من الصين لكنها تراجعت عندما كانت السعودية جاهزة للدفاع عن أمنها.

 وكذلك قيمت وكالة الاستخبارات الأمريكية في 2021 عن صور الأقمار الصناعية التي التقطتها شركة بلانيت وهي شركة تصوير تجارية بين 26 أكتوبر و 9 نوفمبر 2021، على أن السعودية تعمل بنشاط على تصنيع صواريخها البالستية بمساعدة الصين كما تشير تلك الأقمار الصناعية، وهو ما يغير بشكل كبير ديناميكيات القوة الإقليمية، وترى الولايات المتحدة أن تصنيع هذه الصواريخ يعقد الجهود لتوسيع الاتفاق النووي مع إيران ليشمل قيودا على تكنولوجيا الصواريخ الخاصة بها، وهو هدف تشترك فيه الولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل ودول الخليج، لكن السعودية لا تثق في مثل تلك الاتفاقيات.

 وهو ما يعني أن أي اتفاق يجب إشراك لاعبين إقليميين آخرين مثل السعودية وإسرائيل، وقد تحتاج إدارة بايدن إلى إشراك الصين في العديد من قضايا السياسة الأخرى ذات الأولوية القصوى، لذلك امتنع مجلس الأمن والاستخبارات الأمريكية التعليق على الخبر، وردت الصين باسم الخارجية الصينية أن مثل هذا التعاون لا ينتهك أي قانون دولي ولا ينطوي على انتشار أسلحة الدمار الشامل، ولم ترد السعودية على خبر CNN.

شبكة  المدار الإعلامية  الأوروبية …_

Happy
Happy
0 %
Sad
Sad
0 %
Excited
Excited
0 %
Sleepy
Sleepy
0 %
Angry
Angry
0 %
Surprise
Surprise
0 %
france flag on gray concrete building near road Previous post ماكرون بعد الانتخابات التشريعية
Next post مسؤولية الدولةعن وقف انتهاكات حقوق الانسان