كيف يمكن صيانة العلاقات السعودية الأميركية؟

Read Time:7 Minute, 16 Second

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ الجغرافيا الاقتصادية والسياسية بجامعة أم القرى سابقا

شبكة  المدار الإعلامية  الأوروبية …_ هناك عدد من التساؤلات، كيف نجح الملك عبد العزيز رحمه الله في الحفاظ على دولته الفتية في زمن كانت هناك قوى متعددة من آل الرشيد التابعين للدولة العثمانية؟، وكيف استطاع الملك عبد العزيز انتزاع الأحساء من الدولة العثمانية؟، وكيف نجح أيضا في ضم الحجاز رغم أن الملك عبد العزيز والشريف حسين حلفاء لبريطانيا؟ وجعل بريطانيا تقف على الحياد بين الجانبين؟، وكيف أن بريطانيا وعدت الشريف حسين بتنصيبه ملكا على العرب لكنه فوجئ بأن بريطانيا وفرنسا هما من أصدرتا خريطة سايكس بيكو عام 1916 أتبعته بريطانيا بقرار وعد بلفور عام 1917 بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين بعدما فضحت روسيا هذه القرارات؟ انزعج الشريف حسين، لكن بريطانيا حاولت إرضائه بتنصيب ابنيه ملكين على الأردن والعراق.

بعد نهاية الحرب العالمية الثانية تم التوصل بين الملك عبد العزيز والرئيس الأميركي روزفلت العائد من مالطا في 14 فبراير 1945 على متن طراد كوينسي سمي باتفاق كوينسي التي احتوت على ثلاثة محاور، شدد الملك عبد العزيز في إجابته على سؤال روزفلت للملك عبد العزيز عن وضع اليهود فكانت إجابته إعادة اليهود إلى ديارهم ومنازلهم وأوطانهم التي طردوا منها في أوربا، وأن يكون هناك مساحة في بولندا لإعادة توطين اليهود المشردين بعدما قتل الألمان نحو ثلاثة ملايين من اليهود البولنديين.

 وكان المحور الثاني الذي أكده فيه الملك عبد العزيز على أن العرب واليهود لا يمكنهم التعاون لا في فلسطين ولا في أي بلد آخر، وحذر من استمرار الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وأنهم يختارون الموت بدلا من تسليم أراضيهم لليهود، وكان يرى الملك عبد العزيز في الولايات المتحدة أنه معروف عنها حب العدالة، كان رد روزفلت على الملك عبد العزيز أنه لن يدعم اليهود ضد العرب.

 ومنذ ذلك الوقت منذ عهد الملك عبد العزيز وحتى اليوم لدى الدولة السعودية قلق على المنطقة العربية،وناقش الملك عبد العزيز قضية سوريا ولبنان، وطالب روزفلت بالضغط على فرنسا، ورد عليه روزفلت بان فرنسا أعطته ضمانة كتابية رسمية لاستقلال سوريا ولبنان، وإذا ما رفضت فرنسا تحقيق هذه المطالب فستقدم أمريكا كل الدعم الممكن لسوريا ولبنان دون استخدام القوة.

 ثم انتقل الملك عبد العزيز برؤية ثاقبة عندما طالب بمشاركة الدول العربية في الزراعة التي تنوي الولايات المتحدة توسيعها بعد الحرب العالمية الثانية، وأكد الملك عبد العزيز برؤيته الثاقبة أن توسعة الأراضي المزروعة في الوطن العربي سيقلل من التصحر وتوفير العيش لعدد أكبر من السكان، لكنه عاد الملك عبد العزيز يذكر روزفلت أنه لن ينخرط في تلك الزراعة في الوطن العربي إذا كان ذلك التطوير سيرثه اليهود.

منذ عهد الملك عبد العزيز وحتى اليوم واصلت السعودية في الدفاع عن القضايا العربية والإسلامية، فأرسلت جيشها في عام 1948 للدفاع عن الفلسطينيين، وشاركت في عام 1956 في دعم صمود مصر ضد العدوان الثلاثي، وقد ارتبط اسم السعودية في معركة العبور في 6 أكتوبر 1973 وفي مبادرات لا تعد ولا تحصى، وكان أقصى اختبار لها في 1990 عندما غزا الجيش العراقي الكويت، وشاركت السعودية في الحرب على الإرهاب بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 تحت عنوان ( العدالة ضد رعاة الإرهاب ) لأن الدين الإسلامي ينهى عن الاعتداء على الأبرياء ( وقاتلوا الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ).

بذلكاستطاعت السعودية تفويت النوايا المبيته من قبل المتنفيذين في صناعة السياسة الأميركية ضد السعودية إلى أن صدر بعد تلك الجهود تقريرا صادر عن لجنة هجمات 11 سبتمبر عام 2004 توصل إلى أنه لا يوجد دليل يفيد بأن الحكومة السعودية كمؤسسة أو أي مسؤول سعودي بارز قام بالتمويل بشكل فردي لمنفذي الهجمات، وأيضا للسعودية جهود ضخمة في مواجهة محوري المقاومة والممانعة وتيار التنظيمات الإخوانية التي أرادت بعد 2011 ضم البحرين إلى إيران وإسقاط مصر، لكن نجحت السعودية في الحفاظ على أمن البحرين ومصر.

فإذا بريطانيا زرعت إسرائيل وسط الجسد العربي، وكذلك أضافت إلى أراضي إيران الأحواز العربية عام 1924 وفي 1928 أضافت لها بلوشستان بحيث تصبح دولة لها كيان تابعة للغرب كجدار حماية تقف في وجه الحكم الشيوعي، ولم تقف الولايات المتحدة بعد ذلك فاستنسخت الحروب الطائفية في القرون الوسطى في أوربا كي تكون في منطقة الشرق الأوسط عندما استقدمت الثورة الخمينية عام 1979 ودخلت المنطقة بالفعل حرب الخليج الأولى بين دولة ولاية الفقيه وبين العراق، لكنها لم تحقق ما تصبو إليه أمريكا،فاحتلت أمريكا العراق عام 2003، وسلمته لإيران عام 2004، ما جعل الملك عبد الله الثاني ملك الأردن يحذر من هلال شيعي في 2004، حيث ارادت الولايات المتحدة إلى احداث توازن بين الأقلية الشيعية والأكثرية السنية في المنطقة،  بل وتجزئة السنة عندما جعلت تركيا تتولى محور الخلافة الإخوانية، واستثمرت إيران كما تركيا باستثمار ثورات ما يسمى بالربيع العربي عام 2011، وكادت مصر تسقط لولا السعودية التي دعمت الجيش المصري في 2013، وسبق أن أنقذت البحرين في 2011، لكن إيران تمددت في العراق وسوريا ولبنان واليمن بدعم امريكي، أي أصبح العرب القوة تحت القمع الدموي.

كان على السعودية أن تواجه هذه المخططات بنفسها، مما أدخل العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة في حالة توتر، خصوصا وأن الولايات المتحدة ترفض وقف الجرح النازف في اليمن بعدما رفعت الحوثيين من قائمة الإرهاب،وأوقفت دول التحالف العربي توجهها نحو تحرير الحديدة، واستمرت في تهريب الأسلحة إلى الحوثيين عبر الأمم المتحدة.

أصبح على السعودية كيف تلعب على تفكيك التحالف بين أمريكا وروسيا وإسرائيل، فتحالفت مع روسيا في ورقة النفط، وفي العديد من الملفات، خدمتها أكثر الحرب الروسية في أوكرانيا، وأوعزت لدول عربية كالإمارات والبحرين بالتطبيع مع إسرائيل كي تواجه النفوذ الإيراني في سوريا ومواجهة النووي الإيراني، ونحت نحو التفاوض مع إيران الذي أزعج الإدارة الديمقراطية الأميركية، وتشكيل تحالف استراتيجي مع الصين بجانب الضغط الشديد على الولايات المتحدة حتى اكتشفت الولايات المتحدة أن إيران التي يسيطر عليها الملالي أصبح ناتجهم الإجمالي ربع الناتج المحلي الإجمالي السعودي، ونصف الناتج المحلي الإماراتي، وغير قادرة إيران على تكوين قوة سياسية واقتصادية وعسكرية مؤثرة بسبب اعتمادها المفرط على سياسة صانع المشاكل ( الإرهاب وتصديره ) بسبب أيديولوجيتها الغيبية الغبية الفاشلة.

 وكذلك فشل إسرائيل في أن تكون قوة مسيطرة قادرة على بسط السيطرة،بسبب أنها كوكتيل من دول متناقضة أوربية وأمريكية،ورغم الحشد الهائل الغير مسبوق تاريخيا، فهي لا زالت غير قادرة على بسط الهيمنة إقليميا، بل هي داخل دائرتها غير قادرة على السيطرة والهيمنة، خصوصا وأن الإدارة الأميركية فشلت في جمع متناقضات في المنطقة بين إسرائيل وولاية الفقيه، رغم هناك تحالف في الحرب الإيرانية العراقية، في المقابل تنامي قوة السعودية ومصر، وهو بمثابة فشل أمريكي تام في المنطقة، رغم أنها تستعين ببريطانيا الخبير التاريخي بالمنطقة.

 ما يجعل الولايات المتحدة من الضروري أن تعيد حساباتها من جديدة، بسبب أنها بدأت تفقد السيطرة على منطقة الشرق الأوسط بسبب لجوء السعودية إلى قوى معادية للولايات المتحدة مثل الصين وروسيا، وأيضا سقطت المعادلة التقليدية النفط مقابل الأمن، بل وتداعت لأن العهد الجديد في السعودية تبنت استعادة الأمن الذاتي عبر تصنيع الأسلحة محليا لتكون قوة عسكرية ضاربة، بل وستمتلك قوة بالستية ونووية، ولن تثق في وعود الولايات المتحدة من اجل أن تنهي الجرح النازف في اليمن، وإذا لم تتجه أميركا إلى وقف هذا الجرح النازف في اليمن يعرضها لخسائر كبيرة جدا.

هناك اتصالات أميركية سعودية بعيدة عن الأضواء لإحياء التحالف الاستراتيجي التاريخي، خصوصا في ظل معطيات ومتغيرات جديدة، في ظل تعثر المفاوضات مع إيران، والغزو الروسي لأوكرانيا، وأزمة أسعار نفط عالمية، وتهديد للأمن الغذائي الدولي،إضافة إلى تغير المناخ، وجائحة كورونا، تتعدد الأصوات في الكونغرس حيال السعودية، وبعضهم يرى أن إدارة بايدن تقوم بتنفيرهم، مما يتطلب قرارات حاسمة، ولا يمكن أن يظل البلدان في خلاف مستمر، ومطالبة الكونغرسأن يتغلب الجانبين على مشاكلهما، وطالبوا الولايات المتحدة أن تتجاوز هذه العلاقة المتصلة بالنفط التي وترت العلاقة، وسافر وليم بيرنز رئيس الاستخبارات الأمريكية لترميم العلاقات، وإعادة معادلة النفط مقابل الأمن التي تجاوزتها السعودية بسبب تداعيات إدارة بايدن تجاه السعودية، ومنذ مجئ إدارة بايدن إلى البيت الأبيض أعلن أنه سيجعل السعودية دولة منبوذة من أجل تحقيق الاتفاق النووي مع إيران إلى سابق عهده في 2015، لكن الضغط السعودي الشديد أفشل هذا الاتفاق.

أدركت أمريكا أن العلاقة مع السعودية مهمة جدا خصوصا وأن جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا ونتيجة عمليات الإغلاق في شنغهاي، كشفت عن أهمية موقع السعودية اللوجستي المتوسط، حيث تأخرت ما يقرب من ثلث عمليات التسليم للعملاء في الولايات المتحدة بانخفاض من 39 في المائة في نهاية أبريل 2022، ومتوسط وقت انتظار حاويات الاستيراد في شنغهاي 12.9 يوم في 12 مايو 2022 بزيادة 174 في المائة عن 28 مارس 2022، فيمن أن تضرب الآثار غير المباشرة عن الاضطرابات في الصين موانئ أوربا والولايات المتحدة عندما يبدأ الشحن البحري في التحرك مجددا.

حيث يقدر صندوق النقد الدولي أن الزيادات في تكاليف الشحن العالمي أضافت وحدها 1.5 نقطة مئوية لتوقعات التضخم لعام 2022، فتعتبر السعودية مركز لوجستي صناعي وخدمي مستقبلي يخدم العالم، ما يشجع الولايات المتحدة التخلي عن مشاريعها في المنطقة التي فشلت، خصوصا وأن السعودية أفشلت كل مخططات أمريكا في المنطقة واتجهت إلى جانب ذلك فك التحالف بين أمريكا وروسيا وإسرائيل، وإقامة علاقة استراتيجية مع روسيا عززتها الحرب في أوكرانيا بعدما رفضت السعودية فك التحالف النفطي مع روسيا، وجعلت دول عربية تقيم تطبيع مع إسرائيل مستثمرة التنافس بين إسرائيل وإيران، واليوم تفاوض طهران المأزومة بانتفاضات شاملة، فلم يعد أمام أمريكا سوى استعادة بعضا من علاقتها مع السعودية التي لن تقبل السعودية التراجع عن أي اتفاقيات أقامتها مع روسيا والصين.

شبكة  المدار الإعلامية  الأوروبية …_

Happy
Happy
0 %
Sad
Sad
0 %
Excited
Excited
0 %
Sleepy
Sleepy
0 %
Angry
Angry
0 %
Surprise
Surprise
0 %
Previous post تعطيل الخدمات في بلجيكا بسبب إضراب 31 مايو
Next post مركز الزيتونة يصدر ورقة علمية حول توظيف الشريعة لتبرير التطبيع من الاحتلال الإسرائيلي