تعرف على غلمان الحجرية وجنود الساجية

Read Time:9 Minute, 42 Second

شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_ «كفى بالناس يقولون، أرضِيَ هذا الخليفة بأن يدبر أمره عبد تركي، حتى يتحكم في المال، وينفرد بالتدبير؟ ولا يدرون أن هذا الأمر أفسد من قبلي، وأدخلني فيه قوم بغير شهوتي، فسلمت إلى ساجية وحجرية يتسحبون عليَّ ويجلسون في اليوم مرات، ويقصدونني ليلًا، ويريد كل واحد منهم أن أخصَّه دون صاحبه، وأن يكون له بيت مال، ويعتدي الواحد منهم على بعض الرعية، وآمر فيه بأمر فلا يمتثل ولا ينفذ، وأكثر ما فيه أن يسألني كلب من كلابهم فلا أملك رده، وإن رددته غضبوا أو تجمعوا وتكلموا»
هذا ما قاله الخليفة العباسي، الراضي بالله، في حقِّ جنود الساجية والحجرية، فمن هم هؤلاء الجنود؟ وكيف تمكنوا من خلع الخليفة القاهر العباسي؟
الدولة العباسية وتعدد عناصر الجيش
بعد زوال الخلافة الأموية، قامت على أنقاضها الدولة العباسية التي استمرت زهاء خمسة قرون، شهدت الدولة خلالها فترات من القوة والنفوذ، وفترات أخرى من الضعف والتفكك، واختلفَ تكوين الجيش في العصر العباسي عن الجيش الأموي، الذي كانت قيادته وجنده من العرب، أما الجيش العباسي فبدأ بقيادة عربية، وانضم لصفوفه جنود من الفرس وبلاد ما وراء النهر (نهر جيحون)، أي الأتراك، ومع مرور الوقت ازداد عددهم.
ووفقًا لأطروحة ماجستير في كلية دار علوم القاهرة، لعبد الباري محمد الطاهر، بعنوان «الأتراك والخلافة في العصر العباسي الأول»، كانت بلاد ما وراء النهر، وهي تضم حاليًا جمهوريات أوزباكستان، وطاجكستان، وقيرغيزستان، وتركمانستان، وكازخستان، تدخلُ في إطار ما يسمى تركستان، وهو اسم جامع قديم لجميع بلاد الترك، وعدها بعض الجغرافيين تابعةً لإقليم خراسان، لأنها تبعته إداريًّا بعد فتح المسلمين لخراسان وما وراء النهر.
وبعد مرور نحو قرن على تأسيس الخلافة العباسية، بدأت الدولة بالتفكك، وانقسمت إلى دويلات، وأصبح الجيش هو السلطة الأولى التي تخضع لها باقي السلطات من الخلافة والوزارة وغير ذلك، وبحلول القرن الرابع الهجري، أصبح الجيش العباسي يتكون من عدة عناصر من بينها العرب، والأتراك، والأكراد، والفرس.
كان تعدد إثنيات الجنود واختلاف لغاتهم من سمات الجيش في العصر العباسي، وانقسم الجيش إلى عدد من الطوائف والفرق، انتسب بعضهم للأماكن التي يوجدون فيها مثل «الحجرية»، الذين يحرسون حجر قصر الخلافة، فانتسبوا إليه، وبعض الفرق تسمت بأسماء قادتها مثل «الساجية»، الذين انتسبوا إلى أبي الساج، أحد قادة الخليفة المعتصم بالله.
دخول الأتراك إلى جيش الدولة العباسية
بعدما تعرض الخليفة المأمون للخيانة من وزيره الفضل بن سهل، وكان فارسيَّ الأصل، فقدَ ثقته في الفرس عمومًا، ولم يتبقَ أمامه إلا الترك الذين جلبهم إما عن طريق أسواق النخاسة، حيث يبيع الأتراك أبناءهم أو بناتهم ليتمكنوا من رعاية باقي الأبناء، وإما عن طريق الجزية والخراج، فكان الأمراء يرسلون الأتراك للخليفة على شكل جزية إلى خزانة الدولة، وأخيرًا كان الأتراك يصلون إلى أرض الدولة العباسية عن طريق غزو بلادهم.
ووفقًا للدراسة المذكورة أعلاه، بعدَ هزيمة الترك في المعارك، يوجِّه الحاكم رسله لمن يرغبون من زعماء الترك وملوكهم وأبناء ملوكهم بالانضمام إلى ديوانه، ويستميلهم ويثني عليهم ليدخلوا الإسلام، ومن أشهرهم كاوس ملك أشروسنة، والأفشين حيدر بن كاوس، وعددٌ من أبناء الملوك في خراسان.
ومع تولي المعتصم بالله للخلافة العباسية عام 833م، جلب المزيد من الغلمان الأتراك للجيش، من مدن عدَّة في بلاد ما وراء النهر، وأسكنهم في سامراء، وحرص المعتصم على تدليل الجند الأتراك، فألبسهم زيًّا خاصًّا مختلفًا عن سائر الجنود، ومنحهم الحلي الذهبية، وأحضر لهم جواري تركيَّات ليتزوجوا منهن، وأعدهم إعدادًا حربيًّا خاصًّا وخصص لهم أماكن للتدريب.
بداية غلمان الحجرية وجنود الساجية
تعود فترة ظهور غلمان الحجرية إلى عهد الخليفة المعتضد الذي تولى الخلافة عام 892م، حين استقدمَ جماعة من الغلمان الأتراك لحراسة حُجر (غُرف) قصر الخلافة، ووضعهم في حجرات خاصة، فأطلق عليهم الحجرية، ومنعهم الخروج إلا لقمع الحركات الانفصالية، واستخدم الوزراء عددًا من الغلمان الحجرية لخدمتهم.
أما الساجية فهم فرقةٌ في جيش الدولة، سمِّيت بهذا الاسم نسبةً لقائدها أبي الساج ديوداد بن ديودست الإشروسني، الذي لمعَ منذ عهد المعتصم (تولى الخلافة عام 832م)، وأصبح أحد قادة الخليفة المستعين (تولى الخلافة عام 862م)، وكان للفرقة دور بارز في الأحداث السياسية والمعارك الحربية في عهد المقتدر (تولى خلافته 908م)، واستمروا حتى عهد القاهر (تولى الخلافة عام 932م)، أي أكثر من قرن.
شارك أبو الساج في القضاء على حركة بابك الخرمي، ثم تولى الإشراف على طريق مكة وحراسته في عهد المتوكل، وفي عهد المستعين تولى ديار مضر وربيعة (شرق نهر الفرات حاليًا، أجزاءٌ من العراق حاليًا)، ثم وُلي الأحواز (في غربيِّ إيران حاليًا) في عهد الخليفة المعتمد، ثم توفِّي أبو الساج عام 879م، وكان له ولدان: يوسف ومحمد، تمكَّنوا من خدمة الدولة العباسية وإخماد الاضطرابات والتحركات ضد الدولة.
تمكَّن أبناء أبو الساج من إقامة الدولة الساجية في أرمينيا وأذربيجان عام 880م، واعترف الخليفة العباسي المعتضد بولاية محمد، وبعد وفاته عامَ 901م، تولى ابنه ديوداد حكم الإمارة في أذربيجان، ثم انتزعها يوسف من ابن أخيه وأجبره على مغادرة أذربيجان، وتولى يوسف إمارة الدولة الساجية تحت اسم الدولة العباسية.
كان يوسف بن أبي الساج أحد كبار رجال الخليفة المقتدر، وأمره الخليفة عام 927م أن يسير بجنوده نحو الكوفة لحمايتها من القرامطة، إلا أنه هُزم أمامهم وأسروه، فأمر الخليفة بإرسال جزء من الجيش لصدِّ القرامطة ولكنهم هُزموا كذلك، ولأنهم حاولوا تخليص أبي الساج من أيدي القرامطة، أمر واليهم بقتله وجميع أسرى جيش المقتدر، واستمر القرامطة في السلب والقتل، حتى إنهم قتلوا الحُجاج بعد عامين فقط في مكَّة، وسرقوا الحجر الأسود، ولكن مقتل أبي الساج لم يعنِ نهاية الساجية.
الغلمان الحجرية في خلافة المقتدر
شهدت البلاد عام 920م، أثناء خلافة المقتدر، اضطرابات الجيش والناس بسبب ارتفاع الأسعار، فَنهب العامة دار قائد الشرطة في عاصمة الخلافة بغداد، وفتحوا السجون؛ فاستعان المقتدر بالغلمان الحجرية لإسكات الفتنة.
تولى أبو علي بن مقلة وزارة المقتدر عام 928م، وكان يأخذ الرشاوي ليعزل أو يعيِّن المسؤولين، وكان بين ابن مقلة ومؤنس المظفر، أكبر قادة الجيش، نوعٌ من المودة، وكان المُظفر يحاول إقناع الخليفة بأن لا يعزل صديقه ابن مقلة من الوزارة، ولكن مع تعكر علاقته بالخليفة تحرك الأخير لعزل ابن مقلة عامَ 930م، وتولى سليمان بن الحسن الوزارة من بعده.
ومؤنس المظفر كان القائد العام للجيوش، ويليه في القيادة محمد بن ياقوت، وبينهما علاقة تنافسية، وفي عام 931م، قُلد ابن ياقوت شرطة الحسبة، أي رقباء السوق والأخلاق، وضمَّ إليه العديد من الرجال فقوي شأنه، فقلق منه مؤنس وطلب من المقتدر أن يعزله ففعل.
علمَ مؤنس فيما بعد عن مؤامرة يحيكها ضده الوزير الحسين بن القاسم، بمساندة ابن ياقوت وبعض الغلمان الحجرية، وتمكَّنوا من السيطرة على أملاك مؤنس ومن معه، فازداد قدر الوزير لدى المقتدر، ولقبه عميد الدولة وضرب اسمه على الدينار والدرهم.
حينئذ فرض مؤنس سيطرته على الموصل، واجتمعت حوله الكثير من العساكر، فعاد إلى بغداد عام 920م، وخرج إليه المقتدر وجنده، ولما رأى دخول قوات مؤنس إلى باب الشماسية (منطقة شرق بغداد)، أراد ترك بغداد والرحيل، إلا أن محمَّدًا بن ياقوت منعه وأرغمه على التقدم نحو مؤنس ورجاله، ولقي المقتدر حتفه ذبحًا وضربًا بالسيوف، وبعث مؤنس إلى دار الخلافة من يمنعها من النهب.
جنود الساجية في زمن القاهر
بعد مقتل المقتدر، هرب كبار معاونوه ومنهم محمد بن ياقوت، فأرسل لهم مؤنس جيشًا ليحاربهم، ولكنهم طلبوا الأمان، وتوجهوا إلى بغداد حيث الخليفة الجديد محمد القاهر، أخي المقتدر، وحينما تقدم ابن ياقوت إلى القاهر تمكن من كسب ثقته فعلت منزلته وقدره عنده، وصار من أصحاب المشورة.
أسند القاهر الوزارة إلى علي بن مقلة، واستحجب عليًّا بن بليق (جعله حاجبًا أي وزيره الخاص)، وطلب مؤنس من الخليفة أن يسند الحجابة إلى الحاجب بليق أو ابنه علي، وفي تلك الفترة، استطاع الوزير ابن مقلة كسبَ الجيش باسترضائه بزيادة نفقاتهم.
ولكن، بعد علو منزلة ابن ياقوت لدى القاهر، غضب مؤنس وابن مقلة وبليق وعلي بن بليق، وبدأوا بالتضييق على الخليفة، وأمروا بتفتيش كل من يدخل دار الخلافة، واعتمدوا على الجنود الساجية لنقل جميع من حُبسوا في دار الخلافة، مثل والدة المقتدر التي اشتد عليها المرض بعد موت ابنها وتعذيب القاهر لها وسلب أموالها وحلِّ أوقافها، وحبسها في دار الخلافة.
واتفقَ الوزير ابن مقلة ومؤنس وبليق على خلع الخليفة وتولية محمد بن المكتفي، ولكن المؤامرة فشلت؛ إذ أحسَّ بها القاهر، واستغل انقسام الجيش فكسب إلى جانبه الساجية، وجعلهم حرسًا للقصر فلم يستطع المتآمرون أن يدخلوا القصر لقتل الخليفة، وأغرى القاهر كاتب ابن مقلة ووعده بالوزارة إذا نقل لهم معلومات عن ما يحصل في القصر، وتميَّز القاهر بجرأته وقسوته وحذره، وكانَ يحمل خنجرًا لا يفارقه يقتلُ به من يريد.
اتفق خصوم الخليفة على خلعه، إلا أنهم فشلوا في إتمام الأمر. خطَّط ابن مقلة لنشر شائعة بأن طاهر القرامطي، زعيم القرامطة، وصلَ إلى الكوفة، والخطة أن يذهب الحاجب علي بن بليق إلى الخليفة ليحميه من دخول القرامطة عليه، ولكن الهدف الحقيقي أن يلقي القبض على الخليفة الذي استطاع كشف الخطة بفضل مراسلات كاتب ابن مقلة، وتجهَّز لها، فأحضر جنود الساجية وفرَّقهم في دهاليز دار الخلافة، فلما جاء ابن بليق لم يأذن الجنود بدخوله وطردوه.
بعد طرد ابن بليق، جاء والده أبو علي، وجمع القادة ليذهبوا إلى دار الخلافة ليستفسر عن سبب إهانة ابنه، فأمرَ الخليفة بالقبض على من حضروا جميعًا، واحتال على المؤنس وقبض عليه، وأمر بالتحفُّظ على بيوت كلِّ من قبض عليهم، ثم أمر بقتلهم، وأمرَ بإحراق دار ابن مقلة الذي هرب.
وبقيَ من أعداء القاهر حينها فقط ابن مقلة والحسن بن هارون، الذين اتفقا على مراسلة قادة جنود الساجية والحجرية، وتخويفهم من شر القاهر وغدره، وكان ابن مقلة يجتمعُ بالقادة سرًّا ومتخفيًّا أحيانًا في زي امرأة، حتى تمكَّن من الاتفاق مع الساجية والحجرية على خلع القاهر، فهجم الجنود على أبواب دار الخلافة، ولما سمع القاهر الأصوات أراد الفرار إلا أنه لم يجد بابًا يهرب منه، فقبض الجنود عليه، وحبسوه ثم فقأوا عينيه، لتنتهي بذلك خلافة القاهر بالله العباسي.
نهاية الساجية والحجرية
بعد خلع القاهر، استدل الغلمان الحجرية والساجية على المكان الذي حبس فيه الراضي وأمه، فأخرجوه وبايعوه على الخلافة في 223هـ/ 934م.
استوزر الخليفة الراضي أكثر من وزير للنهوض بحال الدولة، إلا أن الأزمة المالية استمرت في التفاقم، وعجز الوزراء عن إدارة الدولة بسبب زيادة نفوذ الأتراك، وازداد تدخلهم في أمور الخلافة.
في عهد الخليفة الراضي ومن بعده المتقي، وصلت الخلافة العباسية إلى حالة من الضعف والاضطراب، وازداد تدخل فرق الساجية والحجرية في أمور الخلافة، وطالبوا بزيادة الرواتب، وكان بعض الجنود من الساجية والحجرية يذهبون للخليفة الراضي ليلًا، ويريد كل منهم أن يخصه الخليفة بشيء دون صاحبه، وأن يكون له بيتُ مال، فغضبَ الخليفة من الجنود وتصرفاتهم، خاصةً مع اعتدائهم على بعض الرعية من الشعب وعدم امتثالهم لأوامره، وغضبهم إذا رفضَ الراضي مطالبهم ولم ينفذها.
وتمكَّن ابن ياقوت من استثارة الساجية والحجرية ضدَّ الخليفة الراضي، ليقتلوه ويولوا خليفة آخر، ولمَّا علم الراضي بالمؤامرة أمر بالقبض على ابن ياقوت وتعيين بدر الخرشني واليًا لشرطة بغداد، وهو ما لم يرضَه الساجية والحجرية، وأمرَ الخليفةُ الخرشني ورجاله بمحاربة الساجية والحجرية لإلحاحهم على تحصيل أموالهم في موعدها في حين أخَّرها باقي العاملين في الدولة بسبب سوء الوضع المالي للدولة حينها، فغضب الساجية والحجرية، وتأججت مخاوفهم، واعتصموا في الخيام حول دار الخلافة في بغداد؛ ما ساعد على انتشار إشاعة بين الناس أن الجنود قد احتجزوا الخليفة في دار الخلافة، فطالبوا بأن يخرج الخليفةُ يوم الجمعة إلى مسجد دار الخلافة ليصلي بالناس، ولكن لم يحضر الناس لعدم علمهم بالأمر، فأذاعوا بين الناس خروج الخليفة للصلاة الجمعة التالية فحضر الجميع للصلاة.
تصالح الساجية والحجرية مع الخرشني، إلا أن الوزير ابن مقلة قال لهم إنه لن يعطيهم أموالهم، فقبضوا عليه، ولكن منعهم الخليفة من قتله، فنهبوا داره وحرقوها، وأُسندت الوزارة إلى أبي علي عبد الرحمن بن عيسى.
وللتمكن من استعادة السيطرة على الدولة، والتخلص من الساجية والحجرية، استحدث الراضي منصب إمرة الأمراء، وأسنده إلى ابن رائق والي البصرة، وجعل له رئاسة الجيش وفوض إليه تدبير أمور الدولة، فقبضَ ابن رائق على قادة الساجية وحبسهم وقتلهم عام 940م، وكانوا قرابة 40 قائدًا، وهرب أصحابهم، ثم اتجه إلى واسط (في العراق) بأمرٍ من الخليفة للتخلص من الحجرية، وتمكن ابن رائق من هزيمتهم، ثم هاجموهم في بغداد وأحروقوا منازلهم وفرَّقوهم.
وأمر الخليفة بقتل كل من وجد من الحجرية في جماعات فوق ثلاثة أفراد، وذلك بعدما تمكن جزءٌ منهم من الإيقاع بأكراد وعرب في الطرق الجبلية وسرقوا حمولتهم، وكان من بقي من الساجية في بغداد قد فروا ليلحقوا بأصحابهم في الموصل لينتهي بذلك عصر الساجية والحجرية.
ساسا بوست

Happy
Happy
0 %
Sad
Sad
0 %
Excited
Excited
0 %
Sleepy
Sleepy
0 %
Angry
Angry
0 %
Surprise
Surprise
0 %
Previous post هل يستعد نتنياهو للعودة في الانتخابات الإسرائيلية المقبلة؟
Next post اختبار صفارات الإنذار في لوكسمبورغ اعتبار من يوليو