أين نحن من “جماعات الضغط”

Read Time:11 Minute, 47 Second

 

المحلل الاستراتيجي: ضياء الجنابي/ بلجيكا

في البداية لابد من الإشارة إلى أن جماعات الضغط هي فعاليات شبه سياسية تدخل ضمن حركة ومسارات الفعل التغييري والمؤثر في المجتمع المدني الذي بدوره يؤشر طبيعة الحركة الحياتية في المجتمع الذي تسوده أسس وقواعد وقيم الديمقراطية.
والمجتمع المدني يعتمد بشكل أساسي على مؤسسات ومنظمات مدنية غير حكومية يصطلح عليها اختصارا NGOتعمل على ترسيخ مرتكزات الديمقراطية والعمل التضامني في المجتمع.
وكتعريف مبسط لمؤسسات المجتمع المدني أقول هي تلك التكوينات المدنية المنظمة التي يمتد فعلها وتأثيرها في الفراغ القائم بين المؤسستين الرئيسيتين في المجتمع وأعني بهما الأسرة والدولة.

ماهية جماعات الضغط:
بما أننا بصدد دراسة جماعات الضغط في المجتمع المدني تحديدا، يستحسن أولا التعريج على أصل تسمية هذه الجماعات بهذا الاسم، ومن الواضح أن هذه التسمية تعود إلى استخدام هذه الجماعات لوسائل الضغط المختلفة من أجل الوصول إلى غاياتها وتوظيف قدراتها ومؤثراتها السلمية والمدنية من أجل حمل الحكومات على تلبية مطالبهم.

ومادامنا تواقون لبناء الدولة الديمقراطية وإقامة ركائز المجتمع المدني وفق المقاسات العصرية كان لابد من تسليط الضوء على بعض المفاهيم المهمة في الحياة الديمقراطية ومنها مفهوم “جماعات الضغط” مدار البحث لكي تكون خطانا واعية، واثقة على طريق غد ديمقراطي وحياة حرة كريمة تكفل العيش الهانيء للجميع.
فالجماعة حسب تعريف جورج هومانز هي “منظمة تضم مجموعة من الناس يعرف بعضهم بعضاً تمام المعرفة”. على أن يؤخذ بنظر الاعتبار أن هذا التعريف ينصب على الجماعات الصغيرة على وجه التحديد، وهو ليس ما نبغي بحثه هنا لذا يتوجب علينا أن نسوق الكلام باتجاه الجماعات الكبيرة التي تلقي بظلالها على المجتمع بشكل فاعل وحيوي وتتفاعل مع الحياة وقوانين حركتها على الصعد السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، أي بتعبير آخر تلك الجماعات التي تستطيع أن تحدث ضغطاً سياسياً على الحكومة من جهة وتؤثر في الواقع من جهة أخرى.
ويذكر الدكتور صادق الأسود تعريفا واضحا لجماعات الضغط في كتابه المهم “علم الاجتماع السياسي” حين يقول أنها “جماعة من الاشخاص تربطهم علاقات اجتماعية خاصة ذات صفة دائمة أو مؤقتة بحيث تفرض على أعضائها نمطاً معينا في السلوك الجماعي، وقد يجتمعون على أساس وجود هدف مشترك أو مصلحة مشتركة بينهم يدافعون عنها بالوسائل المتيسرة لديهم”. وهذا التعريف يكاد يشتمل على كل الأبعاد التكوينية والمنطلقات النظرية لعمل هذه الجماعات.
ومن المفيد ذكره أن هناك تعريفات كثيرة لجماعات الضغط منها مايؤكد أنها جماعات ذات أصول عرقية واحدة أو قريبة من بعضها تجمعهم وجهات نظر سياسية واحدة أو متقاربة بتقدير آخر وهي مؤسسات طوعية في أغلب الأحيان.
وهذه التعريفات تقترب بشكل معين من تعريف الحزب السياسي، لأنها تعني فيما تعنيه وجود مجموعة من الأفراد ضمن إطار تنظيمٍ معين على أساس مبادئ محددة وتنظوي تحت لواء المصالح المشتركة لأجل تحقيق أهداف متفق عليها في سياق الإطر القانونية للدولة.
ويمكن لنا من خلال هذه المواءمة في المنطلقات أن نُلاحظ عدم وجود فرق استراتيجي بين جماعات الضغط والحزب السياسي، سوى الفرق الجوهري من ناحية سعي الحزب إلى السلطة ومحاولة الاستئثار بها وعدم سعي الجماعة بهذا الاتجاه، حيث أن الجماعة تسعى للضغط على السلطة التي يمسك بها الحزب في حال استلامه لها.
وهناك الكثير الكثير من التعاريف الأخرى والمفاهيم المتعددة لجماعات الضغط تتناول تفاصيل متعنقدة يطول الحديث عنها ويتسع بالحيثيات ما تبعد البحث عن مرماه.

أهداف جماعات الضغط:
وفق ما جاء في كتاب “أصول النظم السياسية المقارنة” للدكتور كمال المنوفي، يذكر (ن. هنت) ضمن تعريفه لجماعات الضغط على أنها “أية منظمة تسعى إلى التأثير على سياسة الحكومة بينما ترفض تحمل مسؤولية الحكم” ومن هنا قد يتصاعد هذا التأثير إلى درجة تجعلها هي الموجه الحقيقي لمسارات السياسة العامة في دولة ما دون أن تثير أي ضجة حولها.
وقد ركز (ن. هنت) على فكرة عدم تحمل جماعات الضغط لمسؤلية الحكم أوالتقلد بتقاليد السلطة بل شدد على رفض جماعات الضغط لهذه الفكرة التي تلغي المسافة بينها وبين الحزب السياسي، مؤكدا على الاكتفاء بفكرة التأثير على سياسة الحكومة عبر الوسائل المتاحة قانونيا مع تحاشي استخدام القوة.
ويمكن الإشارة إلى هناك جماعات ضغط في بعض البلدان ذات النظم الديمقراطية لها تأثير أكبر من تأثير الأحزاب السياسية على صعيد الفعل الحيوي في الواقع المعاش وخصوصاً جماعات الأقتصاد القوي. وبالمقابل ستكون الصورة معكوسة تماما في أنظمة الحكم الشمولية حيث غالبا ما نجد أن الجماعات الضاغطة لا تحمل صفة القانونية بل أنها تقع تحت طائلة المحاسبة والتعقيب القانوني، بسبب الطريقة التي يتم فيها معالجة الأصوات المعارضة في هذه الانظمة والتي تكون في الغالب بصورة قمعية، وحتى وإن لم تكن تلك الأصوات حزبية وبرغم كونها لم تحاول الانقضاض على السلطة فإن التعامل معها سيبقى ذاته لايخرج عن أساليب البطش والتعسف والتنكيل.
بقي أن نشير إلى أن جماعات الضغط في حقيقتها وسيلة منظمة للدفاع عن مصالح المواطنين وحرياتهم شأنها في ذلك شأن الهيئات الأخرى في المجتمع المدني التي ترعى مصالح بعض الفئات، مثلما هي النقابات في وجهة نظر الطبقة العاملة تعتبر الوسيلة المثلى للدفاع عن مصالح وأهداف هذه الطبقة وكما في الجهة المقابلة يرى أصحاب الأعمال أن تشكيل الاتحادات يمثل صيانة لمصالحهم حيال تكتلات العمال، وهكذا الحال لبقية الفئات والطبقات.

جماعات الضغط وحق المواطن كفرد:
لا ينكر من الناحية العملية أن أنشطة جماعات الضغط تتعارض بشكل أو بآخر مع النظرية الديمقراطية التحررية التي قوامها حق المواطن كفرد في المساهمة المباشرة في العمل السياسي، ولكن في الوقت نفسه يجب الاذعان أن المواطن وحده لا يستطيع تأمين مصالحه بصورة مجردة دون التفاعل مع التجمعات البشرية المتواجدة في محيطه كمؤسسات ومنظمات المجتمع المدني مثلا، وإذا كانت الجماعات بدورها تصطدم مع منطلقات الحرية الشخصانية للمواطن، فإن هذا التعارض النسبي لا يمكن أن يضعنا في مفترق طرق في حال من الأحوال، إذ من الممكن إشراك الاثنين معا أي الجماعة والفرد في العملية السياسية.
بقي لنا أن نشير إلى أن الجماعات الكبيرة تخرج من رحم الجماعات الصغيرة، وذلك بداهة إن كل جماعة كبيرة تبدأ حياتها بعدد قليل من الناس يعرف بعضهم البعض بشكل كامل بعد ذلك يزداد عددهم ويتسع تأثيرهم بشكل فاعل وضاغط على مجمل مناحي الحياة وصعدها السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية.

تأثير الجماعات في الأفراد:
تؤثر جماعات الضغط في الأفراد من ناحيتين..
الأولى: الناحية النفسانية
الثانية: الناحية الاجتماعية
من الناحية النفسانية: الجماعات عادة تؤثر في المواطن كما أشرنا في الباب السابق من حيث أنها لا تتيح له فرصة ممارسة حقوقه السياسية وفقاً لمبادئه الفردية والشخصانية بحرية تامة إلا بما ينسجم مع ًمبادئها واحتياجاتها السوقية والاستراتيجية.
أما من الناحية الاجتماعية: فهذه الجماعات في أحيان كثيرة يتقاطع عملها مع النظرية الديمقراطية الحديثة التي تؤكد حق الحرية الفردية للمواطنين في الاختيار لذلك فهي تسلب هذا الحق عندما تدخل في مفاوضات مباشرة مع السلطة الحاكمة وتخول نفسها حق العمل باسم المواطنين.

أهم أنواع جماعات الضغط:
1- جماعات الضغط السياسية: وهي جماعات تنهج نهجا سياسيا صرفا في كل تطلعاتها وحركاتها ومواقفها. وليس لها إلا مصلحة سياسية بحتة. ويطلق عليها اسم (لوبيهات).
2- جماعات الضغط شبه السياسية: لا يمكن حصر أنشطة هذه الجماعات جميعها في الوجهة السياسية، ولكن من الناحية الأخرى لا يمكن لهذا النوع من الجماعات أن تحقق أغراضها بدون النشاط السياسي مثلما هو الحال في نشاطات وتوجهات نقابات العمال المختلفة واتحادات أرباب العمل.
3- جماعات الضغط الإنسانية: وهذه الجماعات لا تمارس نشاطاً سياسياً ملحوظا إلا في القليل النادر وفي مجالات محدودة جدا، كما أنها لا تستعمل وسائل الضغط على السلطة الحاكمة إلا عند طلب المعونة المالية أو عند مناقشة مشاريع القوانين التي تمس فعالياتها وأوجه نشاطاتها. وتختلف هذه الجماعات عادة باختلاف غاياتها وأهدافها، ومن أمثالها جمعية رعاية الأمومة والطفولة، وجمعيات رعاية المكفوفين والمعاقين، وجمعية الرفق بالحيوان. ويدخل في نطاق هذا النوع من الجماعات الجمعيات الخيرية كافة. وكلها لا تتدخل في الشؤون السياسية.
4- جماعات الضغط ذات الهدف: تختلف هذه الجماعات باختلاف أهدافها فمنها جماعات المبادئ أو البرامج وهي ترمي الى تحقيق أهداف قومية مثل (جماعات الوحدة الأوربية) أو (جماعات الحكومة العالمية) في المملكة المتحدة. ومنها أيضا (جماعات المصلحة الخاصة) التي تهدف الى تحقيق المصالح الخاصة لأعضائها وقد تأخذ هذه المصلحة الخاصة في أحيان كثيرة صبغة قومية مثل إقرار حق التقاعد لكبار السن وفي أحيان أخرى تأخذ صبغة محلية بحتة مثل جماعات الدفاع عن مصالح صناعة القطن في بعض الولايات في أمريكا.
ولا شك أن الأغلبية العظمى من أعضاء الجماعات المختلفة تنكر وجود التضارب بين أهدافها والأهداف القومية.
5- جماعات الضغط للدفاع عن مصالح الدول الأجنبية داخل الدولة: وهذا النوع من الجماعات منتشر بصفة خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية حين تعمد الدول الأجنبية الى تشكيل لوبيهات لتأييد وجهات نظرها والدفاع عن مصالحها.
ومما تجدر الإشارة إليه أن نشاط الجماعات ونفوذها يختلف باختلاف حجمها. فكلما كان حجم جماعة الضغط كبيرا كانت عملية الاتصال بالسلطة الحاكمة والتأثير فيها أكثر سهولة.
نخلص مما تقدم أنه يمكن القول بأن جماعات الضغط هي منظمات تعمل بصورة مستقلة عن الإرادة الشخصية لأعضائها وهي مهما تنوعت مسمياتها واختلفت تطلعاتها وتعددت برامجها فإن لها مرامي سياسية أكيدة. وقد نجد بعضها يتسم بتبنيه لمبادئ معينة ولكن بحدود ضيقة، وتبقى الأغلبية العظمى منها جماعات توحدها المصالح المشتركة وتدفعها باتجاه الانطلاق.

وسائل جماعات الضغط في العمل:
تختلف جماعات الضغط باتخاذها نوع الوسائل والأساليب التي تحقق أهدافها تبعا لاختلاف النظام السياسي الذي تعمل فيه واختلاف طبيعة الهدف الذي ترنو إلى تحقيقه وهذه الأساليب هي..
1- الاتصال المباشر بالحكومة: يعد ازدياد تدخل الحكومات في النشاط الاقتصادي من الظواهر الحديثة في نظم الحكم. ونتيجة ذلك ارتبطت مصالح الأفراد ارتباطاً وثيقاً بسياسة الحكومة لأن الحكومة تمد بمعوناتها المالية بكل مايتعلق بالبنى التحتية والخدمات والصناعات والنقل والمواصلات وتقوم بمهمة تنظيم شؤون التجارة ووسائل الاتصال وتحديد أسعار السلع الأساسية. لذلك كان من الطبيعي أن تسعى جماعات الضغط إلى الاتصال بأعضاء السلطة التنفيذية (الحكومة) لمحاولة التأثير فيهم كي يستصدروا القرارات التي تتفق ومصالحها، ويتم هذا الاتصال بطريق مباشر كما يحصل في انكلترا، حيث تلجأ الحكومة هناك الى مناقشة الجماعات المختلفة في القوانين المقترحة. كذلك تعمد الجماعات إلى إغراق رئيس السلطة التنفيذية بفيض من الرسائل والبرقيات لوقف تنفيذ قانون ما أو وقف التصديق عليه أو التوصية بحذف بعض مواده.
2- التأثير في أعضاء البرلمان: مما لا شك إن قبة البرلمان هي الميدان الرئيسي لنشاطات جماعات الضغط وخاصة في الدول التي نظامها رئاسي. والغرض من التأثير في المجلس قد يكون في إطار استحصال الموافقة على إجراء تعديل دستوري مقترح أو في بعض الأحايين إسقاطه أو إسقاط بعض بنوده.
وربما يكون تأثير الجماعات في المجلس من أجل الموافقة على مشروع قانون معين أو رفضه أو تعديله في تقديرات أخرى حسبما يتفق وسياسة جماعات الضغط. وتستعمل جماعات الضغط وسائل عديدة للتأثير في المجلس قد تكون منها تقديم الهدايا والرشاوى للأعضاء وإقامة الحفلات والولائم الفاخرة.
3- تعبئة الرأي العام: إن إقامة أي حكومة وديمومة بقائها على سدة الحكم وفق الأمد المقرر يعتمد على مدى تأييد الرأي العام لها، ومن الطبيعي أن تولي جماعات الضغط اهتماماً كبيراً لموضوع تعبئة الرأي العام وتوجيهه في كثير من الأحيان صوب تحقيق أهدافها المنشودة.
وتلجأ هذه الجماعات إلى استخدام مختلف الوسائل التي تبلور الرأي العام وتؤثر فيه بشكل مباشر مثل إصدار النشرات وتوزيعها، وعقد الندوات المتخصصة والجماهيرية، وإلقاء المحاضرات، و كذلك استخدام الإذاعة والتلفزيون والفضائيات وكل وسائل الاعلام المتاحة. ويطلق على هذه الوسيلة اسم “الضغط الجذري” أي ضغط طبقة عامة الشعب.

تعامل الدول العربية مع جماعات الضغط:
سوف لن أتطرق في هذا الباب إلى جماعات الضغط ودورها داخل البنية السياسية للأنظمة العربية ومديات العلاقة بينها وبين السلطات الحاكمة ـ في حال وجودها طبعا ـ ولكن سوف أسلط الضوء على مستوى تعامل الدول العربية مع هذا النمط من التعاطي السياسي المطلوب والمؤثر بشكل فعال في خطوط السياسة الخارجية ومنحنياتها، أي استخدام جماعات الضغط في أذرع السياسة الخارجية للدول العربية كخيار مهم وضروري وإدراك مدى تأثيره على السياسة الخارجية الأمريكية على وجه الخصوص.
وقد وضح المؤلف جانيس ج. تيري في كتابه الموسوم بـ “السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط، دور جماعات الضغط ذات الاهتمامات الخاصة” والذي قام بترجمته للعربية حسان البستاني.. أن السياسة الخارجية الأميركية هي مزيج من تفاعل معقد بين عدد من الدوائر الحكومية، تبدأ برئيس الولايات المتحدة الأميركية مرورا بوزارة الخارجية والبنتاغون والسي آي إيه والكونغرس وتنتهي بمجلس الأمن القومي (NCS).
أما قوة تأثير هذه الدوائر فمتفاوت من مرحلة لأخرى حسب ما يتمتع به القائمون على هذه السلطات من قدرات وامكانيات في مسك أعنة الفعل المؤثر. ويذكر المؤلف أن في فترة حكم الرؤساء جونسون ونيكسون على سبيل المثال لا الحصر “بلغ الرئيس حد لعب دور حاسم في تطوير السياسة الخارجية ومواكبتها، كما هو الحال بالنسبة لوزير الخارجية فمثلا هنري كيسنجر إبان رئاسة جيرالد فورد كان هو المهندس الرئيس للسياسة الخارجية- وفي أحيان أخرى لعب مستشار الأمن القومي هذا الدور، ففي سبعينات القرن العشرين عندما كان الرئيس فورد يدرس مشروع مفاوضات لإدخال مصر وأنور السادات في الفلك الأميركي، عرض هذه المسألة مباشرة خلال لقاء له مع مجلس الأمن القومي.”
في أحيان كثيرة تكون خطابات الرؤساء هي المهماز الذي يشير بوضوح لأسس السياسة الخارجية، لأن الرؤساء المنتخبون الجدد دائما يضعون التحولات السياسية الجارية بعين الاعتبار، ويعيدون تقويم سياسة الشرق الأوسط وتقييمها في أغلب الأحيان، وفي خضم هذا المناخ المعقد يمكن لممارسي الضغوط أن يتلمسوا نافذة صغيرة تتيح لهم الترويج لبرامجهم المقترحة.
ومما لا شك فيه أن الجماعات التي تتمتع بروابط وطيدة بدوائر القرار الأمريكي وتحظى بوجود مؤيدين لها في مناصب إدارية عليا، وصولا للصلات الوثيقة بالبيت الأبيض تكون لها الغلبة في نهاية المطاف.
وعبر هذه الرؤية تحاول بعض الأنظمة العربية وبالذات تلك التي لها صلة مباشرة بما يتفق عليه اصطلاحا بقضية الشرق الأوسط التأثير في السياسة الخارجية الأميركية عبر صلاتها واتصالاتها المباشرة أو عبر الأنشطة التي تضطلع بها سفاراتها في الخارج، غير أن المشكلة تكمن في أن الساسة العرب لم يفهموا بعد طراز الفعل المؤثر في النظام السياسي للولايات المتحدة وديناميكيته.
وذهب البعض منهم للاعتقاد بعدم قانونية هذه الممارسة للحد الذي تقولبوا فيه ضمن إطر القنوات الدبلوماسية البحتة، أو في أحسن الأحوال اعتقاد بعض الدول المنتجة للنفط من أن شركات النفط الأميركية توفر لهم مناخا ملائما لطرح بعض وجهات النظر وإيصالها للإدارة الأميركية باعتبارها الوسيط الملائم. في حين راح آخرون يعولون على بعض وشائج الصلة مع السي آي إيه على اعتبار أنها الضالعة بالدور الأساسي في بلورة السياسة الخارجية.
وقد أدركت مؤخرا بعض القيادات العربية تعقيدات النظام السياسي الأميركي وراحت تستخدم بعض المحترفين للقيام بمهمة ممارسة الضغط على بؤر القرار الأميركي ولكن بقيت هذه الجهود والمساعي غير كافية وغير متقنة في معظم الأحيان، وعلى سبيل المثال لا الحصر تم تأسيس أول برنامج في العالم العربي للحصول على شهادة في الدراسات الأميركية سنة 2000 في الأردن، وكذلك الجامعة الأميركية في بيروت. ويمكن اعتبار هذه المساعي خطوات سليمة في الاتجاه الصحيح ولكنها تظل غير كافية لأن الخطوات الإسرائيلية في هذا المضمار متقدمة بمسافة زمنية لاتقل عن50 عاما.
ويقينا أن الإسرائيليين هم أوفر حظا منا وقدراتهم أكثر رسوخا وتجذرا في الاستحواذ على أسباب التأثير المباشر وغير المباشر على مسارات السياسة الخارجية الأميركية من خلال فهمهم العميق لقواعد اللعبة.
ولكن الأمل يظل قائما من خلال وجود بعض المؤسسات والمراكز الأكاديمية المهتمة بشؤون الشرق الأوسط، وهي مؤسسات أكاديمية صرفة تحاول تأمين أبحاث وبرامج متواصلة ومتوازنة عن المنطقة، وهي موجودة عادة في الجامعات الرئيسية ولا تعبر عن سياسات الحكومة حيال أي نظام.

المصادر:
1- كتاب “علم الاجتماع السياسي” للدكتور صادق الأسود.
2- كتاب “أصول النظم السياسية المقارنة” للدكتور كمال المنوفي.
3- كتاب “السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط، دور جماعات الضغط ذات الاهتمامات الخاصة” للمؤلف جانيس ج. تيري ترجمة حسان البستاني.

Happy
Happy
0 %
Sad
Sad
0 %
Excited
Excited
0 %
Sleepy
Sleepy
0 %
Angry
Angry
0 %
Surprise
Surprise
0 %

Average Rating

5 Star
0%
4 Star
0%
3 Star
0%
2 Star
0%
1 Star
0%

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

AlphaOmega Captcha Classica  –  Enter Security Code
     
 

Previous post بيان رسمي باللغة الأمازيغية في الجزائر
Next post مساعد أسامة بن لادن يهاجم حراس سجنه في فرنسا