الأجهزة الأمنية في خدمة النظام

Read Time:3 Minute, 45 Second

جلال الصباغ

شبكة  المدار الإعلامية  الأوروبية …_ يعد العراق من أكثر البلدان على مستوى العالم في أعداد القوات الأمنية، ورغم عدم وجود إحصائيات شفافة وحقيقية عن أعداد المنتسبين للقوات الأمنية، إلا أن التقارير الصحفية وبعض التسريبات تشير إلى وجود أكثر من مليون وثلاثمائة ألف يتوزعون بين 310 آلاف منتسب في الجيش وأكثر من 650 ألف منتسب في الداخلية، بالإضافة إلى 160 ألف منتسب في مليشيا الحشد الشعبي و 160 ألف منتسب في قوات البيشمركه في إقليم كوردستان، فيما يقارب تعداد جهاز مكافحة الإرهاب 16 ألف منتسب، بالإضافة إلى ألاف المنتسبين في جهازي الأمن الوطني وجهاز المخابرات وجهاز الاسايش، هذا إذا تم استثناء المليشيات غير المنضوية تحت مظلة الحشد الشعبي.

إن محاولة تفسير الزيادة في الأعداد الكبيرة للأجهزة الأمنية بمختلف صنوفها وخصوصا في وزارة الداخلية تبين بشكل جلي الأهداف الحقيقية وراء هذه الزيادات بالأعداد، بالإضافة إلى أن من يريد معرفة ميزانيتها يجد أنها تكلف مليارات الدولارات بشكل سنوي إذ تقدر ميزانية وزارتي الدفاع والداخلية عام 2021 بأكثر من ثمانية عشر مليار دولار، فيما يقدر ما تم صرفه على الأجهزة الأمنية خلال الفترة الممتدة من 2003 ولغاية 2021 بـ 100 مليار دولار، وتشير هذه الميزانيات الانفجارية إلى تركيز النظام في العراق وداعميه الإقليميين والدوليين على مسألة واحدة وجوهرية وهي الحفاظ على النظام بأية وسيلة ومهما كلف ذلك من أموال.

الجميع يعلم ويشاهد ويرى تردي الوضع الأمني الذي ينعكس بشكل واضح على حياة الملايين من الناس، فارتفاع نسب الجرائم المنظمة يتناسب طرديا مع الارتفاع الكبير في أعداد القوات الأمنية بمختلف صنوفها. وجرائم القتل والخطف والمتاجرة بالنساء والأطفال وجرائم تجارة المخدرات تزدهر في جميع مدن ومحافظات البلاد، وليس لهذا العدد الهائل من العناصر والأجهزة الأمنية أي دور حقيقي في محاربة هذه الجرائم. كما أن عصابات التهريب والسيطرة على المنافذ الحدودية والمليشيات التابعة لأحزاب وقوى داخل النظام وما تقوم به من عمليات تصفية وخطف للناشطين والمعارضين، وما تمارسه من عمليات نهب وسرقة واستيلاء على الأموال العامة، يبين بشكل جلي أن القوات الأمنية إنما وجدت لخدمة النظام والحفاظ عليه، وليس من اجل توفر الأمن للجماهير وحماية مصالحها.

الغالبية العظمى من العاملين في الأجهزة الأمنية سواء من العسكريين أو المدنيين، إنما انخرطوا في هذه الأجهزة من اجل تأمين عيشهم، خصوصا وان الدولة في العراق لم توفر فرص العمل والتعيينات لملايين الشباب المعطلين عن العمل، ورغم أن هؤلاء دائما ما يكونون من مناطق ومدن خالية من الخدمات والبنى التحتية الملائمة، كما أنهم يعانون كبقية سكان البلاد من تدهور الخدمات الصحية والتعليمية وبقية الخدمات الضرورية الأخرى، إلا أنهم مرغمون أو يتم خداعهم ليقوموا بالدفاع عن هذه المنظومة.

دائما ما يحاول الإعلام ومؤسسات الدولة المختلفة بالإضافة إلى المؤسسة الدينية والعشائر، بالإضافة إلى بعض المثقفين تصوير الأجهزة الأمنية وكأنها الحامي والمنقذ للجماهير، ودائما ما يتم وصف الجيش والشرطة والأجهزة الأخرى بأنهم الأبطال الذين لولاهم لراح كل شيء أدارج الرياح، وبالفعل فأن كل شيء يخص بقاء النظام وديمومته سوف يذهب إدراج الرياح، فيما إذا كفت هذه الأجهزة عن الدفاع عن النظام.

تعد الرواتب التي يتقاضاها أفراد الأجهزة الأمنية من أعلى الرواتب التي يتقاضها العاملون في المؤسسات العامة للدولة في العراق، وهذا الأمر طبيعي كون هذه الأجهزة هي المعنية بالدفاع عن النظام، وشاهدنا كيف إنها استقتلت في قمع الانتفاضة، فمختلف صنوفها شاركت في عمليات تصفية واعتقال وملاحقة المنتفضين أبان انتفاضة أكتوبر التي انطلقت نهايات عام 2019. فلا يمكن ضمان ولاء قيادات هذه الأجهزة ومنتسبيها دون إغرائهم في المرتبات الجيدة والمكانة الاجتماعية، وكذلك حمايتهم من أية ملاحقة قضائية قد تطالهم في حال ارتكابهم لأية جريمة، وهذا ما حصل ويحصل مع كل حادث، كما حصل في مجازر مول النخيل والسنك وجسر الزيتون في الناصرية وساحة الصدريين في النجف وعشرات الجرائم الأخرى التي شاركت فيها هذه الأجهزة من جيش أو شرطة أو حشد، أو الجرائم التي تقترفها أجهزة الإقليم الأمنية من البيشمركة أو الاسايش، ولا تزال الأجهزة الأمنية تعتقل وتقتل كل معترض على النظام سواء في بغداد أو أربيل أو البصرة أو أية مدينة أخرى.

أن المؤسسة الأمنية بمختلف أجهزتها وفي مختلف الدول إنما هي واحدة من أهم أدوات الحكومات والأنظمة في إدامة الحفاظ على الدولة البرجوازية وضمان بقاء سيطرة طبقة الملاكين والمستفيدين، ولا يهمها في المحصلة النهائية سوى الدفاع عن هذه الطبقة ومصالحها، والمؤسسة الأمنية في العراق لا تخرج عن هذا التصنيف، فهي ومنذ تأسيس الدولة الحديثة في العراق تعمل على ضمان بقاء الهيمنة للطبقة البرجوازية المتمثلة بالقوى والأحزاب السياسية وكل أصحاب رؤوس الأموال والحفاظ على مصالحهم، في مقابل قمع واضطهاد وإفقار الكادحين وعامة الجماهير. والعراق اليوم يتحول بهذه الأعداد الكبيرة والميزانيات الانفجارية للأجهزة الأمنية إلى دولة عسكرتارية، ولكن ليس بمعنى الدولة العسكرتارية التي كانت في زمن البعث وصدام حسين والتي كانت تهدد الجيران وتشن الحروب ضدهم بالإضافة إلى قمع الجماهير في الداخل، إنما هذه الدولة توجه قوتها الأمنية نحو المجتمع، وتحاول قمعه وإسكاته وإخماد أية حركة احتجاجية تهدد بقاء النظام.

الحوار المتمدن

Happy
Happy
0 %
Sad
Sad
0 %
Excited
Excited
0 %
Sleepy
Sleepy
0 %
Angry
Angry
0 %
Surprise
Surprise
0 %
Previous post بعد سيطرتها على مسيَّرة حربية.. كيف تدير المقاومة “صراع الأدمغة” مع إسرائيل؟
Next post <strong>شكراً للمقاومة شكراً للشعب الفلسطيني</strong>