أحلامٌ مبعثرة   

Read Time:3 Minute, 0 Second

د. ناهد سليمان توميه

 شبكة المدار الإعلامية الأوروبية…_   في ليلةٍ عاصفة بالذكريات جلستُ على حافة الزَّمن أنظرُ إلى ألاشيء ، أُقلِّبُ صفحات الماضي في ذاكرتي ، هذا الماضي الذي يأبى أن يفارقني ويتركني لوحدي أعيشُ في سلام ، ماضٍ تشبَّثَ بكلِّ حاضري والتصق به حاملاً معه ذكرى ألمٍ مهول وشرخٍ عظيم حطَّم كل زوايا قلبي ، بعثر كل تفاصيل أحلامي ، قلب كل حياتي رأساً على عقب ثم أرداني قتيلة . 

    في تلك السنين الغابرة ، وكفتاةٍ صغيرة كنتُ  قد جمعتُ كل أوراق أحلامي التي رسمتُها بمخيِّلتي ثم وضعتُها في صندوق وأغلقتُ عليها بمفتاحٍ صنعتُه من نبضاتِ قلبي . خبَّأتُ صندوق أحلامي المؤجَّلة بين ثنيَّات الزمن المعطَّرة بالأماني والأمنيات منتظرةً ذلك اليوم الذي كنتُ أحلمُ به كي أفتح الصندوق وأُطلق سراح أحلامي . لم أخبر أحداً به ، حتى أمي لم تكن تعلمُ عنه شيئاً حيث كانت أحلام البنات خطيئةٌ لا تُغتفر .

كنت كُلَّما أشتاق إلى صندوقي المخبَّأ وأحلامي المؤجلة في داخله أُخرجه خِلسةً وببطءٍ شديد من بين تلك الثنايا كي أُلقي بين طيَّاتها المزيد من عطر الأماني والأمنيات ثم أُمسكُ به ، أحضنهُ بين ذراعيَّ ، أنفضُ عنه غُبار الأيام المتعاقبة ، أتحسَّسُه بيدي الإثنتين ، أتسامرُ معه وأنسجُ معه القصص والمغامرات ولكن من دون أن أفُكَّ قفله أو أرفع عنه غطائه مخافةً أن تطير أوراق أحلامي كالرِّيشة مع نفحة هواء .  

  إلى أن جاء ذلك اليوم الموعود حيث أتيتني أنتَ من حيث لا أدري حاملاً معكَ طبق من كلماتٍ ليست كالكلمات وطلبتَ مني أن أفتح لك صندوق أحلامي . في البداية كنتُ أتوجسُّ شكاً وخوفاً واضطراباً ، تردَّدتُ قليلاً  بين الرَّفض والقبول لكنك تمسَّكت وأمسكت بكلتا يديَّ الصغيرتين راكعاً مستجدياً ، أفرغتَ طبق كلماتك في قلبي وعقدتَ معي العهد والأمان عقداً مكتوباً مختوماً  .  كفتاةٍ عاشقة صوَّر لي قلبي البريء النابض بالحبِّ أبواب السعادةِ تُفتح أمامي ، وكفتاةٍ هائمة أَذِنتْ لي روحي بفتح صندوق أحلامي . سلَّمتُك المفتاح ونبضاتُ قلبي كانت ترقص عازفةً سنفونية الفرح والبهجة ، وكفتاةٍ ساذجة إندفعت ُ بكُلِّي أُسابِق قدميَّ مهرولةً نحو مخبئِه السِّري . سحَبتُ الصندوق من بين ثنايا الحيطة والحذر ، ثم وضعتُه بين يديك وسلمتُه لك تسليماً

  لكنَّ الصندوق كان ثقيلٌ جداً عليك ، نظرتَ بداخله مشدوهاً وأطلتَ النظر ، لم يعجبك امتلاؤه ولم يروق لك احتواؤه . تجمَّدتُ في مكاني منتظرةً قدري المحتوم . كان امتداد بصري يتأرجحُ بانتباه وخوف بينك وبين الصندوق كبندول الساعة بينما كنتَ أنتَ تُبعثر ما بداخله وتنظر إليه نظرات حقدٍ وغلّ سرعان ما تحولت إلى كُرات شُهبٍ مسمومة قَذفْتَ بها نحوي ثم ارتدَّت إليك لتقذفَ بها داخل صندوق أحلامي وتحرقه حرقاً . 

هكذا كانت لعبة الأيامِ وحكمة الأقدار معي ، جئتني أنتَ لتسكُن أحلامي  مقدِّماً لي العهد والأمان وعقدٍ مكتوب مختوم  على طبقٍ مرصَّعٍ بالأوهام وزغاريد الأشباح تتلحَّفُ السَّواد وتلتفُّ من حولي لتخنُقني ، ثم خرجتَ مني تاركاً وراءك بقايا امرأةٍ وصندوقٍ خاوٍ ٍورماد أحلامٍ تفوح منها رائحة دخانِ الغدر والهوان ، كنتُ ولسنين طويلة أخافُ عليها من نفحة هواء فجئتَني أنتَ لتكتُب شهادة وفاتها في لمحة بصر وضحكة غدر .

    لملمتُ رماد أحلامي المبعثرة ثم وضعتُها في قارورة كما يضع البعض رماد موتاهم وأحكمتُ عليها الغطاء لعلِّي في يومٍ ما ومع عاصفةٍ هوجاء أُفرغُ ما فيها لتطير ذرات أحلامي الميِّتة عالياً في الهواء ، أو أقذفُ بها بعيداً في بحرٍ هائجٍ تتلقَّفُها الأمواج ثم تقذفُ بها إلى حيثُ تشاء ، أو ربما أحتفظُ بها ما تبقَّى لي من العمر لترثها روحي وتطير بها إلى عالمٍ آخر حيث الفضاء الواسع هناك وضيق المسندِ والمرقدِ هنا.

شبكة المدار الإعلامية الأوروبية… _

Happy
Happy
0 %
Sad
Sad
0 %
Excited
Excited
0 %
Sleepy
Sleepy
0 %
Angry
Angry
0 %
Surprise
Surprise
0 %

Average Rating

5 Star
0%
4 Star
0%
3 Star
0%
2 Star
0%
1 Star
0%

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

AlphaOmega Captcha Classica  –  Enter Security Code
     
 

Previous post بعد تدخلها في مناطق النفوذ الأمريكية.. هل سنشهد صعوداً لبكين في الشرق الأوسط على حساب واشنطن؟
Next post في عيد الأمهات