إصلاح نظام التقاعد وولاية ماكرون

Read Time:4 Minute, 56 Second

شبكة  المدار الإعلامية  الأوروبية …_رغم تعهد إيمانويل ماكرون حين فوزه بولاية رئاسية ثانية في أبريل/نيسان 2022 بالعمل مع المعارضة والنقابات وجمعيات المجتمع المدني لتحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي للفرنسيين، إلا أنه يبدو بأن النتائج لم تكن في الموعد بعد مرور عام، فالرئيس الفرنسي أصبح يعاني نوعا من العزلة السياسية. ومن بين أسبابها الرئيسية إصلاح نظام التقاعد، لا سيما طريقة تمريره عبر المادة 49.3 من الدستور. ورغم تدني شعبيته، إلا أنه لم يستسلم للأمر الواقع، بل قرر مواصلة زياراته الميدانية بالجمهورية الفرنسية للاستماع للمواطنين والحوار معهم.

في خطاب الفوز بالولاية الرئاسية الثانية الذي ألقاه في ساحة “شان دو مارس” مساء 24 أبريل/نيسان 2022 بباريس، قال إيمانويل ماكرون: “أدرك أن العديد من مواطنينا صوتوا اليوم لصالحي. ليس لأنهم يساندون الأفكار التي أدافع عنها، بل لقطع الطريق أمام أفكار اليمين المتطرف. أريد هنا أن أشكرهم وأن أقول لهم بأنني سأعمل وسأدافع عن مصالحهم”.

هذه الجمل التي لقيت آنذاك صدى طيبا لدى العديد من الفرنسيين أصبحت تكدر عمل الرئيس الفرنسي لا سيما خلال تنقلاته التي يلتقي فيها مواطنيه. فكلما أراد تلميع صورته خلال الزيارات الميدانية، تعرض إلى انتقادات تتهمه بعدم الوفاء بوعوده الانتخابية، لا سيما في صفوف الطبقات الوسطى والبسيطة التي تعتبره «رئيسا للأغنياء”.

ملف التقاعد أثر سلبا على صورة ماكرون

وأشار استطلاع للرأي أجراه المرصد السياسي “إيلاب” لقناة “بي إف إم ” التلفزيونية نهاية شهر مارس/آذار 2023، أن “15 بالمئة فقط من الفرنسيين يعتقدون بأن ماكرون قادر على جمع شمل الفرنسيين، وأن ثلاثة فرنسيين من أصل أربعة لا يثقون في قدرته على قيادة المشاريع الكبرى التي تحتاجها البلاد”.

استطلاع آخر استطلاع أجراه نفس المعهد لصالح قناة “بي إف إم” الفرنسية نشر في 5 أبريل/نيسان 2023 أظهر أنه لو أعيد تنظيم الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية بين إيمانويل ماكرون وزعيمة حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف مارين لوبان في نفس اليوم، فستفوز لوبان بـ31 بالمئة مقابل 26 بالمئة لصالح ماكرون.

ويعد ملف التقاعد من أبرز الملفات التي أثرت سلبا على صورة ماكرون. فرغم تنظيم 12 يوم احتجاج وإضرابات رافضة لهذا القانون، إلا أن الرئيس الفرنسي فضل عدم الإصغاء للمحتجين، بل مضى قدما في مشروعه وقام بتمرير القانون بتفعيل المادة 49.3 من الدستور. فيما زادت الخطابات التي ألقاها بعد تمرير القانون -خاصة خطاب 22 مارس/آذار 2023 الذي وصف فيه المتظاهرين بـ”الحشود”- الوضع تعقيدا، ما أدى إلى انقطاع حبل التواصل مع ممثلي النقابات العمالية والجمعيات.

ماكرون يحذر من “وصول لوبان إلى الحكم”

وإضافة إلى ملف التقاعد، ألهب انخفاض القدرة الشرائية وارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية الأوضاع. فيصفه العديد من المتظاهرين بـ”رئيس الأغنياء” الذي لا يصغي سوى “للمؤسسات البنكية” و”المفوضية الأوروبية”.

وبعدما وعد بفتح صفحة جديدة في طريقة حكم البلاد مع إشراك جميع الطاقات والقوى السياسية والاقتصادية، وجد الرئيس الفرنسي نفسه بعد مرور سنة على إعادة انتخابه معزولا في قصر الإليزيه ولا يملك حزبه الغالبية البرلمانية التي تسمح بتسهيل المصادقة على المشاريع والقوانين.

ورغم محاولات بناء تحالف رئاسي يضم أحزاب أخرى ممثلة في الجمعية الوطنية كحزب “الجمهوريون” وأحزاب الوسط مثل حزب “الحركة الديمقراطية” التابعة لفرانسوا بيرو بهدف تمرير القوانين، لكن هذه الخطة لم تنجح ولم تصمد خلال معركة المصادقة على قانون التقاعد الجديد من قبل الجمعية الوطنية. ما أرغم رئيسة الحكومة إليزابيث بورن على استخدام المادة 49.3.

وفي حوار مطول مع يومية “لوبارزيان”، عبّر ماكرون عن أسفه لعدم “انخراطه بشكل كاف في الدفاع عن مشروع إصلاح نظام التقاعد” الذي لقي معارضة واسعة في البلاد، محذرا من وصول زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان إلى الحكم في 2027″.

صعوبات في بناء علاقة ثقة جديدة بين النقابات وماكرون

وقال ماكرون “الخطأ المرتكب ربما كان عدم تواجدي بشكل كاف لإعطاء مضمون لهذا الإصلاح ودفعه بنفسي. عليّ الانخراط مجددا في النقاش العام لأن بعض الأمور ليست واضحة”. وأضاف “لذا أقوم بذلك في كل مكان”. لكن تقابل زيارات الرئيس البالغ 45 عاما إلى مناطق مختلفة بتحركات احتجاجية من معترضين على تعديل نظام التقاعد.

وحاول الرئيس الفرنسي استدراك أخطاءه عبر تقديم دعوة للنقابات العمالية للتشاور في قصر الإليزيه، لكنها رفضت جميعها لأن “الدعوة جاءت متأخرة وبعد المصادقة على القانون وليس قبل”.

وقالت صوفي بينه، رئيسة الكونفدرالية الفرنسية العامة للشغل “طالما لم يتم سحب قانون التقاعد، فسنواجه صعوبة كبيرة في بناء علاقة ثقة جديدة مع الرئيس ماكرون”.

نفس الشيء تقريبا قاله لوران برجيه، الأمين العام للاتحاد الديمقراطي الفرنسي للعمل الذي طالب باحترام “معاناة ومشاعر الفرنسيين الذين شاركوا مرات عديدة في مظاهرات احتجاجا على إصلاح نظام التقاعد” قبل العودة إلى طاولة الحوار.

هل لوبان على عتبة الدخول إلى قصر الإليزيه؟

ورغم حرص ماكرون على مواصلة “التنقل” بين مناطق مختلفة من الجمهورية من أجل لقاء الفرنسيين، إلا أن بعض أصوات المعارضة ترى أن هذه الاستراتيجية لن تأتي بثمارها.

وقال غيوم كريون، الناطق الرسمي باسم حزب “الجمهوريون” اليميني التقليدي “بات من الصعب جدا للرئيس ماكرون أن يقوم بزيارات ميدانية بدون أن يثير الغضب والكراهية لدى الفرنسيين”.

وتابع في تصريح لقناة “بي إف إم” الفرنسية: “ماكرون وصل إلى طريق مسدود بسبب تصرفاته المبنية على الازدراء وغياب الأفق السياسية والاقتصادية. كل الذين كانوا يعتقدون بأنه كان قادرا على تحسين وضع الفرنسيين تأكدوا مع مرور الزمن بأنه رسب وحقق نتائج سلبية في جميع الميادين”.

أما فيليب بالار، وهو نائب في الجمعية الوطنية عن حزب “التجمع الوطني” اليميني المتطرف، فقال “الذعر أصاب “باخرة الإليزيه” بعدما فهموا بأن مارين لوبان على عتبة الدخول إليه” منتقدا طريقة “تعامل ماكرون مع ملف التقاعد ورفضه الإصغاء لـ75 بالمئة من الفرنسيين الذين كانوا ضد هذا القانون”.

“ما يهم ماكرون ليست شعبيته بل مستقبل فرنسا”

بالمقابل، أثنت مود بروحو، وهي نائبة بالجمعية الوطنية عن حزب “النهضة” الذي أسسه الرئيس الفرنسي على تصريحات ماكرون في جريدة “لوبارزيان” وقالت “الرئيس الفرنسي أظهر بأنه قريب من الفرنسيين ويهتم بمشاكلهم”.

وأضافت أن “الملفات التي يتحدث عنها ماكرون هي نفس الملفات التي تهم الفرنسيين، كارتفاع الأسعار ومشاكل البيئة والبطالة والأمن والهجرة غير الشرعية”.

وأنهت: “كل ما يهم ماكرون ليست شعبيته أو كيف ينظر الفرنسيون إليه بل مستقبل فرنسا. لقد سبق وأن قال بأنه مستعد أن يدفع شعبيته مقابلا لتمرير قانون التقاعد. الرئيس أظهر منذ 2017 أنه قادر على القيام بإصلاحات صعبة وأن نظرته للمستقبل ليست متشائمة مثل البعض”.

فهل سيتمكن الرئيس الفرنسي من فرض مواقفه ورؤيته من جديد في النقاش السياسي أم هل سيبقى معزولا لمدة أطول خاصة وأن ملفات حساسة أخرى ستطرح للنقاش قريبا كملف الهجرة وإصلاح قطاعي الصحة والتربية.

فرانس24

Happy
Happy
0 %
Sad
Sad
0 %
Excited
Excited
0 %
Sleepy
Sleepy
0 %
Angry
Angry
0 %
Surprise
Surprise
0 %

Average Rating

5 Star
0%
4 Star
0%
3 Star
0%
2 Star
0%
1 Star
0%

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

AlphaOmega Captcha Classica  –  Enter Security Code
     
 

Previous post المحاكمة المدنية لترامب
Next post  مدينة الورد في المملكة السعودية بين السياحة والثقافة