ما خيارات الاتحاد الأوروبي لحل أزمة السودان؟

Read Time:7 Minute, 24 Second

شبكة  المدار الإعلامية  الأوروبية …_منذ اندلاع الصراع والمواجهات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في 15 أبريل 2023، لم يلوح في الأفق أي تجاوب جاد من جانب طرفي الأزمة السودانية لنزع فتيل الصراع، الأمر الذي يؤزم الوضع السياسي ومن ثم الوضع الإنساني لاستمرار الاشتباكات واستهداف القطاعات الحيوية ما يفاقم أوضاع المدنيين ويعرقل عمل المنظمات الإنسانية لإيصال المساعدات اللازمة لهم. تتمثل خطورة الأزمة السودانية في احتمالية طول أمد الصراع وتداعياته على البعدين الإقليمي والدولي، ما يلقي على الاتحاد الأوروبي مسؤولية تقديم خيارات لاحتواء الصراع الراهن رغم الموقف المتحفظ الذي تبناه منذ بدء الأزمة، منعاً للتورط في دعم أي طرف على حساب الآخر في ظل ضبابية المشهد واحتدام الموقف سريعاً في مناطق الاشتباكات.

دور الاتحاد الأوروبي في أزمة السودان

بانتهاء الدول الأوروبية من مهمة إجلاء رعاياها وبعثاتها الدبلوماسية من السودان على مدار الأيام الماضية، تتجه الأنظار إلى دور التكتل الأوروبي في إحداث تغيير في الأزمة السودانية، ومحاولة تقريب وجهات النظر بين طرفي الأزمة بينما يواجه التكتل بعض الصعوبات لممارسة هذه المهمة.

 وتتمثل الصعوبات في:

– عدم وجود أي قوة أمنية أو قواعد عسكرية أوروبية داخل السودان، على عكس روسيا التي تمتلك قواعد عسكرية بالقرب من حدود السودان وبداخلها إضافة إلى قوات فاغنر الروسية التي أجازت موسكو مؤخراً مشاركتها في هذا النزاع الدائر بالسودان.

– عدم امتلاك الاتحاد الأوروبي أي أوراق ضغط على طرفي الصراع أو قنوات اتصال داخل السودان لإجبارهما على الجلوس إلى طاولة المفاوضات.

– انشغال الاتحاد بالحرب الأوكرانية وتداعياتها العسكرية والسياسية في ضوء تفاقم الوضع بين كييف وموسكو.

– معاناة الاتحاد من أزماته الداخلية المتعلقة بالاحتجاجات وأزمة الهجرة.

– ترك الاتحاد الأوروبي ملف السودان للولايات المتحدة نظراً لامتلاكها النفوذ الغربي الأكبر في السودان لمواجهة النفوذ الروسي.

– اعتماد دول أوروبا على الدول الإقليمية الفاعلة في المنطقة لوضع حد لأزمة السودان دون التطرق للتدخل المباشر في الصراع.

ويقتصر دور الاتحاد على تقديم المساعدات الإنسانية للمدنيين في مناطق الاشتباكات ومطالبة طرفي النزاع بوقف إطلاق النار، وفي 19 أبريل 2023 دعا الاتحاد جميع الجهات الفاعلة بإيصال المساعدات الإنسانية دون عرقلة وضمان سلامة المدنيين والعاملين في العمل الإنساني مطالباً بوقف القتال والسماح لجهود الوساطة، وأظهر تأييده للهدن الإنسانية والمبادرات التي أطُلقت على مدار شهر من الاشتباكات من جانب الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والجامعة العربية، مؤكداً في جميع تصريحات مسؤوليه على ضرورة إعادة السودان إلى طريق الاستقرار.

ودعا وزراء خارجية الاتحاد في 24 أبريل 2023 لوقف إطلاق النيران بين طرفي الصراع، وأطلق الاتحاد في 10 مايو 2023 جسراً جوياً إنسانياً لتلبية الاحتياجات الإنسانية للمدنيين بإرسال (30) طناً من المواد الغذائية والمياه من مستودعات الأمم المتحدة في دبي إلى بورتسودان، وخصص (200) ألف يورو للإغاثة الفورية ومساعدات الإسعافات للمحاصرين بمناطق الاشتباكات.

موقف الاتحاد الأوروبي من الأزمة

اكتفى الاتحاد الأوروبي بالتحذيرات من تفاقم الوضع الإنساني، طالب الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، طرفي النزاع في السودان بحل الخلاف القائم بالحوار ووقف الاقتتال محذراً من تدهور المشهد الإنساني. وشددت مفوضية الاتحاد الأوروبي على خطورة تداعيات أعمال العنف على دول جوار السودان، لتأتي تحذيرات مفوض الاتحاد الأوروبي لسياسة الجوار والتوسع أوليفر فارهيلي من مخاطر اندلاع حرب شاملة في السودان، مشيراً إلى أن دور التكتل يتمثل في المساهمة في إرساء وقف مستدام لإطلاق النيران لتتمكن الجهات المعنية من تقديم المساعدات للمدنيين.

العلاقة بين الاتحاد الأوروبي والسودان بعد 2019

اندلعت “ثورة “السودان في 19 ديسمبر 2018 التي انتهت بإطاحة حكم الرئيس السوداني السابق عمر البشير في 11 أبريل من عام 2019، ومنذ هذه اللحظة شهدت العلاقات الأوروبية السودانية مزيداً من التعاون على مستوى الزيارات والعلاقات الاقتصادية والمساعدات الإنسانية والقضايا السياسية والأمنية.

التعاون السياسي

عمل الاتحاد على معاونة الحكومة السودانية والسياسيين والجهات الفاعلة في بناء رؤية لسودان مستقر يجمعه الحوار بشأن قضايا السلام والتنمية الشاملة المستدامة وقضايا الهجرة وتغير المناخ والتعاون في حوض النيل، ودعم التكامل بين السودان وجيرانه في منطقة الشمال والوسط والقرن الإفريقي عبر تعزيز دور المنظمات الإقليمية مثل الهيئة الحكومية الدولية للتنمية “إيجاد” والاتحاد الإفريقي والجامعة العربية. وفي الوقت نفسه دعمت أوروبا التنسيق بين السودان والهيئات الأوروبية مثل الاتحاد والبرلمان الأوروبي والمفوضية الأوروبية بالتوسع في برامج التنمية ودعم المؤسسات السودانية في المحافل الدولية.

التعاون الاقتصادي

دعمت برامج الاتحاد في 2019 انضمام السودان لمنظمة التجارة العالمية إضافة إلى دعم اقتصاده بتعزيز تجارة وتصدير الثروة الحيوانية ورصد الأمراض الحيوانية التي تصيب الماشية في السودان لاسيما وهو يمتلك أكثر من (100)  مليون رأس من الماشية ما جعله من أغنى دول المنطقة العربية والإفريقية بالثروة الحيوانية ومصدر رئيسي لها.

وازدهرت العلاقات التجارية بين الاتحاد والسودان في أعقاب الثورة السودانية لتصل الصادرات من الاتحاد إلى السودان من معدات النقل والآلات إلى (38%) والحيوانات الحية والأغذية إلى (22%) والمواد الكيميائية والمنتجات ذات الصلة إلى (20%) من إجمالي الصادرات، كما بلغت قيمة واردات السودان إلى الاتحاد بنحو (284) مليون يورو ما يمثل زيادة بنسبة (17%) عن عام 2018 وبلغت واردات السودان من الأغذية نحو (55.3%) والحيوانات الحية (22%) من إجمالي الواردات.

تعزيز التنمية

عمل الاتحاد على تعزيز الإصلاح الاقتصادي وتوفير فرص العمل للمرأة والشباب ودعم النازحين داخلياً وتأسيس برنامج للتحويلات النقدية عبر الصندوق الائتماني للبنك الدولي والقضاء على الفقر تحقيقاً لأهداف التنمية المستدامة، وارتكزت الاستراتيجية الأوروبية على التنمية البشرية والتماسك الاجتماعي ومساندة مشروعات التعليم والصحة وقطاعات الزراعة للربط بين التنمية والعمل الإنساني. وفي 2021 وصلت مشروعات الاتحاد في السودان إلى (85) مشروعاً بتمويل صندوق التنمية الأوروبي والصندوق الائتماني لإفريقيا بقيمة (480) مليون يورو.

المساعدات الإنسانية

دعم الاتحاد جهود السودان في مواجهة “كوفيد 19 ” بتقديم فرنسا ولوكسمبورغ دعم عيني للقاحات في 2020، وفي مارس 2021 أطلقت فرنسا والسويد رحلتين جويتين لنقل أكثر من (800) ألف جرعة من لقاح كورونا، إضافة إلى تمويل برنامج “استجابة كوفيد 19” للسودان في عامين 2020 و2021 بقيمة نحو (20) مليون يورو لتعزيز الأمن والنظام الصحي.

ومع ارتفاع عدد السودانيين الذين بحاجة لمساعدات إنسانية إلى ثلث السكان عقب أزمة الغذاء العالمية جراء حرب أوكرانيا، خصص الاتحاد (73) مليون يورو كمساعدات إنسانية في 2023 لتوفير الخدمات الصحية والغذاء والمياه والتعليم للنازحين والفئات الأكثر تضررا من الأزمات.

زيارات

– في 3 سبتمبر 2019 أجرى وزير الخارجية الألماني هايكو ماس زيارة للسودان للتأكيد على دعم الحكومة في المرحلة الانتقالية.

– في 25 أكتوبر 2021 زار وفد أوروبي السودان بهدف الوساطة بين القوى السياسية.

– في 3 مارس 2022 التقى الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي للقرن الإفريقي انيتي ويبر برئيس   مجلس السيادة الانتقالي بالسودان الفريق أول عبد الفتاح البرهان في الخرطوم لاستعراض خطوات السودان نحو التحول الديمقراطي.

– في 9 سبتمبر 2022 أجرت لجنة الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي زيارة لمناقشة ضمان انتقال السلطة في السودان.

 – في 23 سبتمبر 2022 عقد وفد رفيع المستوى بالاتحاد لقاءات مع القوى السياسية في الخرطوم.

– في 8 فبراير 2023 زار 6 مبعوثين من أوروبا والولايات المتحدة الخرطوم لتقريب وجهات النظر بين الأطراف السياسية السودانية.

مبادرات حل الأزمة إقليمياً

طبيعة العلاقات التي تجمع السودان مع مصر والإمارات والسعودية تجعل الحل الأقرب للأزمة هو حل إقليمي بالدرجة الأولى خاصة وأن الحلول الدولية التي طُرحت في صراعات بالمنطقة العربية من قبل لم تثبت نجاحها في احتواء النزاعات.

الإمارات

تعد الإمارات من أوائل الدول الداعية لتهدئة الوضع بالسودان، وفي 15 أبريل طالبت بضبط النفس وخفض التصعيد بالحوار. وفي 7 مايو 2023 رحبت بالمحادثات في جدة مشددة على التزامها بتيسير وصول المساعدات الإغاثية للمدنيين.

السعودية

مثل ” إعلان جدة” الاتفاق الأول بين طرفي الصراع ليشمل التزامات إنسانية وجدولة لمحادثات مباشرة بينهما، وقبل هذا الإعلان دعت السعودية لوقف إطلاق النار لأسباب إنسانية ووضع آلية لتأمين ممرات المساعدات للمدنيين.

مصر

خاطبت مصر طرفي الأزمة لاحتواء الموقف ومنع نشوب حرب أهلية واسعة النطاق في السودان، وفي 18 أبريل 2023 أكدت مصر تقديم عرض الوساطة على الأطراف السودانية مع مراعاة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للسودان.

تقييم

– تتمثل خطورة الأزمة السودانية في توقيت اندلاعها وتأزم الموقف بين الغرب وروسيا لاسيما وأن الأخيرة تمتلك نفوذ قوي بالسودان أكثر من أوروبا، ما يجعل مفاتيح حل الأزمة بعيدة عن أيدي الاتحاد الأوروبي الذي يعاني في الوقت نفسه من أزمات عسكرية وسياسية واقتصادية جراء تبعات الحرب الأوكرانية.

– رغم ما قدمته أوروبا من مساعدات للسودان بعد 2019 لكنها لا تمتلك خيارات لحل الأزمة، وربما كان رفضها لانقلاب 25 أكتوبر2021 في السودان وما ترتب عليه من تراجع المساعدات والعلاقات جعلها خارج المشهد كثيراً وليست طرفاً في التوافقات السياسية مثل بعض القوى الدولية.

– فقدان أوروبا أدوات الضغط على طرفي الصراع للتهدئة يدفعها إلى مقعد المتفرج والنأي بنفسها عن الدخول كجزء من النزاع خاصة وأن أبعاد الخلاف ممتدة وتشير إلى صعوبة التوافق، ما يطيل من أمد الأزمة ويجعل من السودان بؤرة جديدة للتنافس بين واشنطن وموسكو ما يؤثر بشكل مباشر على أوروبا.

–  من المرجح ان تكون هناك أزمة النازحين السودانيين التي تتفاقم مع استمرار الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع نقطة ضغط على أوروبا، لاتخاذ إجراءات حاسمة بشأن العمل الإنساني وحث أطراف الصراع على وقف إطلاق النار خاصة وأن أعداد اللاجئين مرشحة للزيادة الفترة المقبلة.

– يمكن ان تكون هناك فرصة أمام أوروبا للعب دوراً محورياً بالتشاور مع الأطراف الإقليمية الفاعلة والمنظمات الإفريقية، لإيجاد صيغة تفاهم بين طرفي الصراع وتحجيم حدود الصراع ومخاطره على العالم خاصة وأن إفريقيا تعاني من نشاط الجماعات المتطرفة في اللحظة نفسها.

– ينبغي على أوروبا إدراك تبعات انسحابها من الأزمة السودانية في هذا التوقيت الذي يشهد فيه العالم من تغيرات في موازين القوى وتشكل تحالفات دولية جديدة، ما يؤثر على وضعها عالمياً في ظل الانتقادات الموجهة لها بالداخل والخارج من إدارة علاقتها مع واشنطن وموسكو وفي الحرب الأوكرانية.

– ينبغي ألا تخسر أوروبا دورها التنموي في السودان وتضمن وصول المساعدات الإنسانية للمدنيين بالتواصل المباشر مع المنظمات الأممية والدولية المنوطة.

 المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات

Happy
Happy
0 %
Sad
Sad
0 %
Excited
Excited
0 %
Sleepy
Sleepy
0 %
Angry
Angry
0 %
Surprise
Surprise
0 %

Average Rating

5 Star
0%
4 Star
0%
3 Star
0%
2 Star
0%
1 Star
0%

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

AlphaOmega Captcha Classica  –  Enter Security Code
     
 

Previous post رئيس الاتحاد البلجيكي لكرة القدم يتنحى عن منصبه
Next post تقديم الهوية للمتاجر البلجيكية