السياسي العربي الفلسطيني أحمد الشقيري:أمة يمزقها الحاكمون

Read Time:12 Minute, 9 Second

عبد الله حنا

شبكة المدار الإعلامية الأوربية …_أحمد أسعد الشقيري (1908 – 1980) سياسي فلسطيني، وأول رئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية ومن مؤسسيها، كما ارتبط اسمه بتكوين جيش التحرير الفلسطيني ومركز الأبحاث الفلسطيني والصندوق القومي الفلسطيني.واجهت أحمد الشقيري أثناء نشاطه السياسي مشكلة طعن الاحرار العرب بوالده أسعد الشقيري القاضي الشرعي ومفتي الجيش الرابع العثماني، الذي أفتى عام 1916 لقائد الجيش الرابع جمال باشا بجواز تعليق المشانق لأحرار العرب في دمشق وبيروت في أيار 1916 . ومع أنّ الشقيري الأب نفى ما ألُصق به من تهمة إصدار الفتوى ، إلا أن التهمة لاحقت الابن ردحا من الزمن أثناء نشاطه السياسي. وفي مذكراته حاول أحمد الشقيري بنجاح تبرير موقف والده المؤيد للعثمانيين وجمال باشا الملقب بالسفّاح .التحق الشاب أحد الشقيري بالجامعة الأميركية في بيروت، وهناك توثقت صلته بحركة القوميين العرب، وكان عضوا فاعلاً في نادي العروة الوثقى. لم يتمم الشقيري دراسته في بيروت وانتقل عام 1929 إلى معهد الحقوق في القدس. وبعد تخرجه تمرّن في مكتب المحامي عوني عبد الهادي عضو جمعية العربية الفتاة المؤسَسة في باريس عام 1913 من ستة طلاب عرب من بلاد الشام أثناء دراسة عوني فيها. كان لعوني عبد الهادي شأن في المشاركة  في الحركة العربية ومركزها دمشق بعد انهيار الدولة العثمانية عام  1918.  وبعد 1920 افتتح عوني مكتبا للمحاماة في القدس واسس حزب الاستقلال في فلسطين، وهو امتداد لجمعية العربية الفتاة . لمع اسم عوني عبد الهادي نتيجة نشاطه في الحركة الوطنية الفلسطينية وكونه ابن عائلة من أعيان فلسطين .بعد تخرج أحمد الشقيري التحق للتدريب بمكتب المحامي عوني عبد الهادي . وبفضل مكتب المحامي عبد الهادي تعرّف الشقيري على مجاهدي  الثورة السورية لعام 1925 ، الذين لجؤوا إلى فلسطين بعد هزيمة الثورة سنة 1926 ، واصبح على اطلاع واسع على المطامع الصهيونية في فلسطين .بين عامي 1936 و1939 عاش الشقيري  أحداث الثورة الفلسطينية ضد سياسة الانتداب البريطاني في تسهيل  الهجرة الصهيونية إلى فلسطين. وكان المحامي أحمد الشقيري أحد المدافعين عن المعتقلين الفلسطينيين المشاركين في الثورة . شارك الشقيري في مؤتمر بلودان (في سورية) في أيلول 1937 لمناصرة الثورة الفلسطينية. وحول هذا المؤتمر كتب في مذكراته : ” في المؤتمر الشعبي في بلودان كان الشعب الفلسطيني يطالب بالمال والسلاح وكانت الأمة العربية تنادي بالنضال وقطع العلاقات السياسية والاقتصادية والبترولية مع الدول الغربية، وكانت إلى جانب ذلك أصوات “يسارية” في الوطن العربي تدعو إلى التفاهم مع الاتحاد السوفييتي. “على أثر ” النكبة ” عام 1948 هاجر الشقيري إلى بيروت ومنها إلى القاهرة وشغل منصب الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية حتى عام 1957.كلّف مؤتمر القمة العربي المنعقد 1964 في القاهرة أحمد الشقيري لتولي إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية، وكانت له اليد الطولى في وضع مشروعي الميثاق القومي والنظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطيني. وقد انتخب في 2 يونيو 1964 المجلس الوطني الفلسطيني الأول لمنظمة التحرير الفلسطينية أحمد الشقيري رئيساً له.بعد هزيمة حزيران 1967 واحتلال إسرائيل للضفة الغربية وقطاع غزة والجولان تعاظمت المعارضة ضد سياسة الشقيري مما اضطره إلى تقديم استقالته في كانون الثاني 1968 . وكانت إحدى نقاط الخلاف الرئيسة هو مشروع تحرير كامل الأراضي الفلسطينية من البحر إلى النهر. وفي هذه الأثناء تعاظم نفوذ حركة فتح ، التي تبنّت في كانون الثاني 1968 فكرة إقامة دولة ديمقراطية في فلسطين ، يتعايش فيها العرب واليهود. أي أن منظمة التحرير الفلسطينية تخلّت عن موقفها الرافض لوجود مهاجرين يهود في فلسطين، بعد أن كانت تعتبرهم مستعمرين عنصريين خلال فترة الشقيري، وكان المبرر لذلك هو الظروف الجديدة بعد هزيمة 1967  وكسب تأييد الرأي العام الدولي، واستقطاب القوى والأحزاب السياسية في العالم.أقام الشقيري، بعد استقالته في القاهرة، ناشطا فكريا ومتفرعا للكتابة . وعندما وقّع أنور السادات معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، غادر الشقيري القاهرة إلى تونس مع القيادة الفلسطينية احتجاجاً. وبعد عدة أشهر من إقامته في تونس أصيب بالمرض، ونُقِل إلى مدينة الحسين الطبية في عمّان، وتوفي في 25 فبراير عام 1980 عن عمر ناهز الـ 72 عاماً. وبناء على وصيته، دُفن في مقبرة الصحابي أبي عبيدة بن الجراح في غور الأردن على بعد ثلاثة كيلومترات من الحدود مع فلسطين.

ضمّت مؤلفات الشقيري العناوين التالية:

–  قضايا عربية.

–  دفاعاً عن فلسطين.

– فلسطين على منبر الأمم المتحدة.

– أربعون عاماً في الحياة السياسية.

– مشروع الدولة العربية المتحدة.

– من القمة إلى الهزيمة مع الملوك والرؤساء العرب.

– إلى أين؟

– حوار وأسرار مع الملوك والرؤساء العرب.

سنقتصر هنا على عرض بعض القضايا التي أثارها أحمد الشقيري في كتابه الصادر عن دار النهار – بيروت 1969 بعنوان

أربعون عاما في الحياة العربية والدولية

أنْقلْ في البدء ما دوّنته عام 1980 في دفتري من انطباعات عن الكتاب عندما قرأته في مكتبة المعهد الفرنسي بدمشق ، وهي :

– السعي للبرهنة أنه من أنصار الكفاح المسلح منذ زمن بعيد .

– القول صراحة أو إيحاء انه مضطهد “مواطن من الدرجة الثانية” بسبب وفاة أمه وعمره ست سنوات والعيش مع خالته، أو زوجة أبيه التي اضطهدته، فهو مضطهد مثل الأكثرية.

– على الرغم من كونه سفيرا للسعودية في هيئة الأمم 1956-1962 سعى للإعلان أنه من أنصار الاتحاد السوفياتي .. وفي الوقت نفسه سلّط نار ذكائه الدبلوماسي وحذاقته وأسلوبه على اليساريين المحليين والشيوعيين.

–  تبرير موقف السعودية وتغطية دورها الرجعي وإلقاء وزر أعمالها على حاشية الملك سعود، التي لم تطلعه على الحقيقة. (وكان الشقيري لفترة من الزمن سفير المملكة العربية السعودية في الأمم المتحدة)

لم تكن وسائل النسخ منتشرة في دمشق إلا على نطاق ضيق ، إضافة إلى انها مُكلِفة ماليا ، ويتعذر على الخاوية جيوبهم استخدامها . ولذا قمْتُ بنسخ ما رأيته هاما من كتاب الشقيري على دفتري للاستفادة منه في البحث التاريخي . وأنقل فيما يلي ما نسخته في دفتري عام 1980 مع بعض التعليقات والشروح على ذكريات أحمد الشقيري وأهم مواضيعها :

                               ( 1 )             

                 ما رواه عن أيام طفولته

” ومن الليالي البهيجة التي كنت أتذوق حلاوتها عن كثب، ندوة القصّاص الشعبي في المقهى، فقد كنت أمرّ بعد العشية بمقاهي المدينة، شأن الكثيرين من الصبيان، وكان في أحدها قصاص شعبي، يقف في وسطها وبيده قضيب وأمامه طاولة يقرع عليها من حين إلى حين، ويقص بالشعر والنثر سيرة عنترة والمهلهل وأبو زيد الهلالي، وكانت القصص متسلسلة تتعاقب مع الليالي، ويتوافد الشباب والرجال ليستمعوا إلى هذه القصص المثيرة وصاحبنا ينشد الشعر ويرسل النثر فيثير الحماسة والنخوة في نفوس السامعين.وكان الجمهور ينقسم إلى فريقين مع أبطال القصة. وقد روى لي والدي أنه شهد في إحدى الليالي هذه الندوة الشعبية، وكان الشباب يحملون الشموع احتفاء بزواج عنترة على عبلة. وروى لي كذلك أن القصاص قد أوقف حديثه ذات ليلة عند “عنترة أسيرا”، وما أن وصل الناس إلى بيوتهم حتى عادوا وتجمهروا أمام بيت القصاص وأخرجوه إلى المقهى ليتابع السيرة ويفك عنترة من أسره، فلن يكون عنترة أسيرا ولو ليلة واحدة.أما تسلية النساء فكانت “لعبة الوَدَعْ ” ، يجلِسنَ القرفصاء على الأرض وأمامهن قطعة مطرزة من القماش على هيئة صليب فيتضاحكن ويلعبن ويجلسن بعضهن أمام بعض، وهنّ يحرصنَ أن لا تنكشف ركبهنّ وهي ملفوفة بملابسهن الطويلة، ونحن الصبيان نجلس من حولهن فيأخُذْنَ في جمع ملابسهن إلى الكعبين، وهنّ يقلنَ لنا : “يا شياطين عيونكم عيون الحرامية” . ولكن أين لعيون الحرامية أن تنفذ من وراء هذه الملابس “الحصينة”.

       ( 2 )

حالة العالم العربي

لقد كنّا في الجامعة ( يقصد الجامعة العربية) جمهرة واحدة يمزقها المرشحون، ونحن الآن في الوطن أمة واحدة يمزقها الحاكمون….ولله في خلقه شؤون…. ولكني أقولها… بأن الوحدة العربية تواجه في عام 1969 أربع عشرة عقبة. وكلما نشأت حكومة جديدة قامت عقبة جديدة، ويظل “الزعيم”، أي زعيم “مؤمنا” بالوحدة داعيا لها إلى أن يصل إلى دست الحكم ويكون رئيسا، وعندها يصبح انفصاليا في ثياب وحدوية، يندد بالانفصال، ثم يلقي بخصومه في غياهب السجون لأنهم من دعاة الانفصال، حتى إذا سقط عن الحكم عاد مرة ثانية وأصبح من أشد دعاة الوحدة وأشد خصوم الانفصال، وهكذا دواليك..

    ( 2 )

الإخوان المسلمون

أُنشِئت ( في فلسطين) جمعيات الشبان المسلمين، على غرار ما قام في مصر (عام 1928) وكان قد زار البلاد الدكتور عبد الحميد سعيد، الرئيس العام لجمعيات الشبان المسلمين وطاف في معظم مدن فلسطين وخطب في المساجد داعيا إلى تأسيس هذه الجمعيات.وكان معروفا لنا أن هذه الجمعيات تأسست تحت رعاية الملك فؤاد، لتكون قوة إسلامية تدعمه في ظروف كَثُرَ فيها الحديث عن الخلافة الإسلامية.وقد راقتنا فكرة إنشاء هذه الجمعيات … وكان من الحوافز على ذلك قيام جمعيات الشبان المسيحية في فلسطين.عقدوا (أي الإخوان) في يافا مؤتمرا برئاسة المحامي راغب الإمام قرر تأسيس جمعيات شبان المسلمين في كل أنحاء البلاد…كانت الخلافات العائلية تمزق البلاد ، هؤلاء حسينيون وأولئك مع عائلة النشاشيبي … الخ

(  3 )

عز الدين القسّام

كانت جماعة القسام مقيمة  في حيفا، مرفأ فلسطين الكبير والمدينة التجارية، وفيها يتجمع الكادحون والعمال من كل أرجاء البلاد، وكانوا من الفقراء أو الكادحين: حمّال، بقّال، متجول، صاحب دكان، عامل يومي … التقى بهم القسام في بيته أو في الجامع

                         ( 4 )

الملوك العرب يدعون الفلسطينيين إلى الهدوء في ثورة 1936

في 11 تشرين الأول سنة 1936 وجّهت اللجنة العليا العربية واستنادا إلى رسالة من الملك عبد العزيز آل سعود والملك غازي والإمام يحي والأمير عبدالله دعوة إلى الشعب الفلسطيني:

“إلى أبنائنا عرب فلسطين

لقد تألمنا كثيرا للحالة السائدة في فلسطين، فنحن بالاتفاق مع إخواننا ملوك العرب والأمير عبدالله ، ندعوكم للإخلاد للسكينة حقنا للدماء، معتمدين على حسن نوايا صديقتنا الحكومة البريطانية ورغبتها المعلنة لتحقيق العدل، وثقوا بأننا سنواصل السعي في سبيل مساعدتكم”.وفي صباح اليوم 12 تشرين الأول سنة 1936 توقف الإضراب.

                           ( 5 )   

لم تكن اللغة الفصحى وسيلة للتفاهم بين الحكام العرب

في مؤتمر أنشاص في 28 أيار 1946، كان عبد الرحمن عزام هو “المترجم” الذي يتفاهم الملوك والرؤساء عن طريقه. فقد كان الملك فاروق لا يفهم لهجة الأمير سعود ونائب والده الملك عبد العزيز، وكان الشيخ بشارة الخوري لا يفهم لهجة الأمير سيف الإسلام عبدالله نائب والده الإمام يحي، وكان الملك عبدالله والأمير عبد الإله الوصي على عرش العراق “يتجاهلان” لهجة شكري القوتلي، رئيس الجمهورية السورية…. في حزيران 1946 زار وفد فلسطيني الرياض واجتمع بالملك عبد العزيز وكان الشيخ يوسف ياسين “يترجم” من حين إلى حين بعض تعابيرنا “الفلسطينية” إلى الهيئة الفلسطينية وبالعكس. ( الشيخ يوسف ياسين من وجهاء مدينة جبلة إلى الجنوب من اللاذقية . كان له دور في السياسة السعودية)

                            ( 6 )          

       خوف الحكام العرب من الشيوعية

في عام 1947 كانت معظم الوفود العربية ترى أن الاتصال بالاتحاد السوفيتي لا يخلو من خطر على النظم الاجتماعية في الدول العربية …عند عرض إحدى قضايا فلسطين أمام هيئة الأمم حاول المندوب السوفيتي الاتصال بالمندوبين العرب للتفاهم،ولكن الوفود العربية خافت لأن الأمة العربية لا تهضم الشيوعية. أمروا ملحقيهم بعدم نشر دور الاتحاد السوفيتي . ( في تأييد القضايا العربية )

                                    ( 7 )      

      عدم صدقيه الحكام والخوف من مصارحة الشعب

في اجتماعات مجلس الجامعة في حزيران 1946 كان كل وفد يقول في الداخل غير ما يقول في الخارج – للصحافة والتجمعات الشعبية.. ولم تكن هذه المداولات تشغل في وضع خطة لإنقاذ فلسطين بقدر ما كانت تشغل في وضع خطة لإنقاذ الدول العربية من الورطة التي أنزلتها إليها قضية فلسطين….الأساس البحث عن مخرج.على أثر التعويضات الألمانية الغربية لإسرائيل شهدت اجتماعات الجامعة العربية التناقض الواضح. كانت تصريحات الوزراء العرب في الصحف تحض على المقاطعة والمقاطعة الشاملة لألمانيا الغربية، حتى إذا انعقد الاجتماع وأقفلت الأبواب بدأ الوزراء يتحدثون حديث الحكماء عن محاذير المقاطعة واستحالتها…ثم يتساءلون بعد ذلك إلى متى ننساق وراء العواطف؟ إلى متى ننجر وراء جموع الجماهير وننقاد إلى رجل الشارع ونسير في ركاب الغوغائية.

    ( 7 )

العداء للشجرة

شارك في الاحتفال في غرس الأشجار في ضاحية قريبة من مصر الجدية في أوائل ربيع 1953 وبعد مضي عشرين سنة لم يبق في المكان المزروع لا غابة ولا أشجار… شأن كثير من الأعمال العربية، لا تكون إلا احتفالا ليومها وتموت لساعتها..

                           ( 8 )

   مؤتمر باندونغ نيسان 1955 وانقسام العرب إلى معسكرين

ندد الدكتور فاضل الجمالي (مندوب العراق) بالشيوعية العالمية وأساليبها في التسلل والتخريب وتعرّض للاتحاد السوفييتي واضطهاده للمسلمين، وختم خطابه الطويل ممسكا بالقرآن بين يديه…وتلاه مندوب الباكستان، مبررا الأحلاف العسكرية…وكذلك مندوبو إيران وتركيا وسيلان. ودخل الدكتور شارل مالك ( مندوب لبنان)……فاستعرض تاريخ المذهب الماركسي اللينيني ومحاكاته للحرية الإنسانية والمثل العليا ودعا إلى محاربة ما تقوم عليه من فلسفة مادية تنكر وجود القِيَم الروحية … وكان السيد علي صبري، مدير مكتب عبد الناصر، يأتي إليّ (أي إلى الشقيري) من حين إلى حين ليهمس في أذني أن الرئيس عبد الناصر يقترح عليّ أن أرد على “الدكتورين ” فاضل الجمالي وشارل مالك…وكنت أرد عليهما الحجة بالحجة، حتى لقد بدا أن ألمجموعة العربية يوجد فيها معسكران يتمثل فيهما معسكرا العالم أجمع…. خالد العظم تحدث بحرارة عن السياسة الغربية الظالمة ( كان خالد العظم وزير خارجية الجمهورية السورية ابن فوزي باشا العظم من أعيان دمشق . وله فضل في تأسيس الصناعة الوطنية السورية نظيف اليد رأى أن التعاون مع الدول الاشتراكية هو السبيل للنهوض بالاقتصاد الوطني السوري . وهو الذي عارض السائرين مع الغرب الاستعماري وأصرّ على بناء مصفاة  البترول في حمص بخبرة اشتراكية تشيكية . له مذكرات من أربعة مجلدات تتناول جوانب من تاريخ سورية )

                               ( 9 )                  

                          القات في اليمن

( كتب الشقيري عن زيارته لليمن ومما ذكره ): … وجاء دور “القات” في صنعاء وأنشدوا فيه المديح وأشادوا بمناقبه ومحاسنه، ووصفوا مجلس القات في الصالة الخاصة من المنزل يتوافد عليها علية القوم، فيجلسون صفين متقابلين ويتناولون القات مضغا، وهم يلوكونه ويعصرونه بأفواههم، حتى يخزنونه ملء أشداقهم.. فيسيل به لعابهم إلى أمعائهم، فينتشون ويطربون، وتهتاج خواطرهم وأفكارهم، وتزول همومهم ويغمرهم السرور والحبور، ثم يتبادلون أباريق الماء البارد يرطبون به القات في أفواههم، فيزدادون سرورا على سرور وحبورا على حبور…وإذا دخلت على هذا الجمع في مجلس القات، رأيتهم مضطجعين على الأرائك والوسائد، وأوداجهم منتفخة بالقات، يتسامرون ويتنادمون، وهم في حالة من الوجد واجدون…أو هكذا يقولون… مصائب اليمن: الانكليز.. القات .. الإمام .. الرهائن من أبناء القبائل، الذين يحتجزهم الإمام حتى لا تثور القبائل.

                             ( 9 )

       الإشاعات الملَفّقة على الاتحاد السوفيتي

وكما نشأت أول ما نشأت محبا للانجليز والأمريكان، ثم انقلبت وأصبحت عدوهم الأول، كذلك نشأت أول ما نشأت كارها للاتحاد السوفييتي، ثم انقلبت وأصبحت صديقهم الأول…وقد بدأت كراهيتي للاتحاد السوفييتي في أوائل العشرينات، منذ كنت صبيا، أستمع في “ديوان” بيتنا في عكا إلى عمي وهو يقرأ صحيفة “المقطم” القاهرية على جمْع من الزوار المتقاعدين من بقايا موظفي الدولة العثمانية، فكانت أخبارها تتحدث عن المجازر البشرية التي يقوم بها الشيوعيون في أنحاء روسيا، وما يلحق ذلك من هدم المعابد، والدعوة إلى الإلحاد، أو إهدار الحرمات وإفشاء الحياة الإباحية. وكان الزائرون المتقاعدون يستفظعون هذه الأخبار ويتوجسون خيفة أن تكون “القيامة” قد اقتربت. فكل ما يجري في الاتحاد السوفييتي هو من أشراط الساعة.وكنا نحن الصبيان، نلتقي في المدرسة ونتناقل الأخبار فيما بيننا وكان أهم ما يقلقني من الشيوعية كما وصلت إلى أسماعنا يومئذ أمور ثلاثة: أن الشيوعية تستهدف إنشاء دولة عالمية واحدة، ونحن لم نتمتع بعد بقوميتنا وحريتنا واستقلالنا، وثانيا أن الشيوعية دعوة إلحادية، ونحن أمة متدينة، وثالثا أن الشيوعية تدعو إلى الإباحية، ونحن أمة محافظة ذات تقاليد والأسرة عندنا هي جوهر حياتنا…وترامى إلينا في أوائل الثلاثينات أن السيد حمدي الحسيني صاحب جريدة “صوت الحق” في يافا هو شيوعي، وأن السلطة البريطانية تطارده، وتعتقله من حين إلى حين… وأنه يسافر إلى أوروبا لحضور مؤتمر “العصبة العالمية لمقاومة الاستعمار”.والتقيت مع حمدي الحسيني عدة مرات واستمعت إليه وهو يخطب في النوادي عدة مرات … وكان الحسيني يؤكد لي ان الاتحاد السوفييتي هو العدو الأول للاستعمار والحركة الصهيونية….وبدأت أقرأ عن الاتحاد السوفييتي في المصادر العربية والانجليزية . ما كُتِبَ مملوء بالمبالغات ..( الوطني الفلسطيني حمدي الحسيني ورد اسمه في الجرائد الألمانية الشيوعية كناشط في عصبة مكافحة الاستعمار ومركزها في بروكسل . وقمت بترجمة ما قرأته عنه ونشرته بتصرف في جريدة النور الدمشقية عام 1995. ويحتوي أرشيفي في دمشق على تفاصيل ما كُتب بالألمانية عن حمدي الحسيني وثلاثة نشطاء عرب آخرين).

ضفة ثالثة

Happy
Happy
0 %
Sad
Sad
0 %
Excited
Excited
0 %
Sleepy
Sleepy
0 %
Angry
Angry
0 %
Surprise
Surprise
0 %

Average Rating

5 Star
0%
4 Star
0%
3 Star
0%
2 Star
0%
1 Star
0%

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

AlphaOmega Captcha Classica  –  Enter Security Code
     
 

Previous post روسيا ستتضرر بسبب الاتفاق العالمي لخفض إنتاج النفط
Next post مهرجان شرم الشيخ للمسرح الشبابي بصمة متميزة ستدور حول العالم