
العلاقات التركية الألمانية بين الأخذ والرد
إعداد: جاسم محمد، باحث في قضايا الإرهاب والاستخبارات
شبكة المدار الإعلامية الأوربية …_شهدت العلاقات الألمانية التركية الكثير من التجاذبات في أعقاب الحرب في سوريا عام 2011، وربما كانت الحرب السورية وتداعيات المقاتلين الأجانب على امن ألمانيا وأوروبا، نقطة تحول في العلاقات مابين البلدين، جعل ألمانيا تحتاج إلى التعاون الاستخباراتي مع تركيا. وتصاعدت هذه العلاقة في أعقاب موجات اللاجئين والمهاجرين غير الشرعين التي ضربت أوروبا عام 2015 و 2016. هذه العلاقة ربما جعل ألمانيا ودول أوروبية بحاجة إلى التعاون التركي لوقف موجات تدفق اللاجئين والمهاجرين ومتابعة المقاتلين الأجانب مابين سوريا وأوروبا عبر الأراضي التركية.ذكرت صحيفة “دي فيلت” الصادرة يوم 28 يونيو 2017 أن الشرطة الألمانية حذرت أعضاء بالبرلمان من أن المخابرات التركية ربما تجسست عليهم وأنهم قد يواجهون أيضا أخطارا أمنية محتملة من مواطنين أتراك.قد تتعرض العلاقات المتوترة أصلا بين ألمانيا وتركيا إلى مزيد من التدهور إثر تقارير إعلامية تشير إلى احتمال تجسس تركيا على أعضاء في البرلمان الألماني. وقالت صحيفة “دي فيلت” الألمانية “أجرى مكتب الشرطة الجنائية الاتحادية ما يسمى (مناقشات أمنية) مع عدة أعضاء بالبرلمان في الأسابيع الأخيرة”. وأضافت “يقال أن المناقشات تركزت على التجسس المحتمل للمخابرات التركية والأخطار الأمنية” المرتبطة بذلك. ولم يتسن الحصول على تعليق من مكتب الشرطة الجنائية الاتحادية على التقرير.دعت لجنة الرقابة في البرلمان الألماني “يوندستاغ” يوم 21 اوغست 2016 إلى الكشف عن معلومات بشأن الأنشطة التي تقوم بها الاستخبارات التركية داخل ألمانيا. ويعتزم “هانز كريستيان شتروبله” عضو اللجنة المعنية بمراقبة الأجهزة الاستخباراتية بالتحقق عن الأنشطة الاستخباراتية التركية في ألمانيا ومن جانب آخر مراجعة تعاون ألمانيا الاستخباراتي مع تركيا. وقال “شتروبله” المنتمي لحزب الخضر الألماني إن هناك أنشطة سرية لا تصدق للاستخبارات التركية. ونقلت الصحيفة الألمانية عن سياسي أمني لم يتم ذكر اسمه، قوله إن الاستخبارات التركية لديها شبكة واسعة مكونة من ستة آلاف مخبر على مستوى ألمانيا إلى جانب عدد كبير من عملاء أساسيي، وفقا لتقرير صحيفة “دي فيلت” الألمانية.ووفقا لتقارير الاستخبارات الألمانية، فأن شبهة الاستخبارات التركية ونشاط تجسسها الخارجي في ألمانيا، جزء منه يتخذ من( الاتحاد الإسلامي- التركي للشؤون الدينية في ألمانيا ديتيب وفرع حزب العدالة والتنمية في ألمانيا وهو اتحاد الديمقراطيين الأتراك الأوروبيين) واجهات لأنشطتها الاستخبارية. وتدير تركيا شبكة جاسوسية ضخمة في ألمانيا تضم آلاف المخبرين الذين قال خبراء إنهم يراقبون أشخاصًا أكثر مما كان جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية “شتازي يراقبهم في ألمانيا الغربية خلال الحرب الباردة.
اتفاقية أمنية مشتركة بين ألمانيا وتركيا
أبرمت ألمانيا خلال شهر يناير عام 2015، اتفاقية تعاون استخباراتية مع تركيا لوقف تدفق المقاتلين الألمان عبر الأراضي التركية لتنظيم داعش وبالعكس أي عودتهم إلى أوروبا. وتهدف الاتفاقية إلى تحسين التعاون في مكافحة الإرهاب بين هيئة حماية الدستور وجهاز الاستخبارات الخارجية في ألمانيا مع الاستخبارات التركية. ودفعت هجمات تنظيم داعش في أوروبا وألمانيا، إلى إيجاد تعاون استخباراتي بين تركيا وألمانيا وعدد من الدول الأوروبية التي باتت مضطرة للوثوق في الاستخبارات التركية والتعاون معها، بعد ان كانت أنقرة تشكو من عدم وجود تنسيق أمني واستخباراتي أوروبي وتعاون معها في شأن خلايا تنظيم داعش.
ألمانيا وتركيا علاقات متداخلة معقدة زاد مشهد العلاقات التركية الألمانية، تعقيدا في أعقاب كشف تقرير الاستخبارات الألمانية منتصف شهر اوغست 2016، يقول فيه :” تركيا أصبحت مركزا للجماعات الإسلامية المتشددة” وأن أردوغان لديه “تقارب فكري” مع حماس في غزة وجماعة (الإخوان المسلمين) المحظورة في مصر وجماعات المعارضة الإسلاموية المسلحة في سوريا وفقا إلى الشبكة التلفزيونية الألمانية (إيه.آر.دي). يذكر أن التقرير كان سريا وتم إعداده بتفويض من وزارة الداخلية بناء على طلب برلماني من حزب اليسار المعارض. وعن التقييم الحساس الذي صدر من وزارة الداخلية الألمانية بأن تركيا تعد “منصة عمل مركزية” لإسلاميين.وفي هذا السياق طالب شتاينماير وزير خارجية ألمانيا في وقت سابق، إلى وقف الحملة العسكرية ضد الشعب الكردي، وأشار إلى أنه في حال استمرار الجيش التركي في قصف مواقع حزب العمال الكردستاني فإنه على أنقرة أن تواجه موقفا معارضاً لسياستها العسكرية من قبل دول الإتحاد الأوربي. وكشف مصدر رسمي لصحيفة “زمان” التركية خلال شهر فبراير 2015 عن أن السلطات الألمانية قامت بتعليق صفقة تسليم المعدات والبرمجيات الاستخباراتية التي طلبتها الحكومة التركية بسبب التراجع الواضح في الديمقراطية والإجراءات التعسفية التي أقدمت عليها في الآونة الأخيرة.
الأكراد في ألمانيا، هاجس تركيا
يوجد في ألمانيا وفقا لإحصائيات مايقارب( 100 الف) كردي ما يجعلهم أكبر تجمع كردي في أوروبا، وجزء كبير منهم ينحدر من تركيا وهنالك تواجد واسع إلى حزب العمال الكرد في ألمانيا. وهناك أيضا أكثر من 300 جمعية في ألمانيا تعمل لمصلحة حزب العمال الكردستاني. ويذكر أن حزب العمال الكردي مدرج منذ عام 1993 في قائمة المنظمات “الإرهابية” في ألمانيا وأوروبا، إلا أن هناك نشاط إعلامي ودعم للحزب من داخل ألمانيا وأوروبا. وكثيرا ماتنتقد الاستخبارات التركية نظيرتها الألمانية، حسب وصفها بالقصور في التعاون في ملاحقة أنصار حزب العمال الكردستاني في ألمانيا.كشفت تقارير صحفية في ألمانيا يوم 15 اوغست 2016، أن الاستخبارات التركية طلبت من نظيرتها الألمانية دعم حكومة أنقرة في مكافحة حركة الداعية التركي المعارض فتح الله كولن جاء ذلك في تقرير لمجلة “شبيجل” الألمانية التي أفادت بأنها تمكنت من الاطّلاع على وثائق سرية بهذا الشأن. ووفقًا لهذه الوثائق، فإن الجانب التركي طالب جهاز الاستخبارات الخارجية الألماني “بي إن دي” بالتأثير على صانعي القرار والمشرّعين في ألمانيا من أجل التصدي لأنصار غولن وتسليمهم.
ألمانيا: تجسس وتنصت على تركيا
من جهة أخرى، ذكرت صحيفة ” Frankfurter Allgemeine Zeitung” الألمانية أن “مصادر حكومية أكدت تكليف دائرة الاستخبارات الاتحادية الألمانية “BND” بالقيام بنشاطات استخباراتية وتنصت إزاء تركيا”، مشيرة أن “الحكومة الألمانية تنظر إلى تركيا على نحو مختلف قياسا بباقي حلفائها في حلف شمال الأطلسي الناتو”. ووفقا للتقارير الاستخبارية فان ألمانيا تتجسس على تركيا منذ عقود،حسبما كشفت مجلة فوكوس الألمانية ، وذكرت المجلة أن القرار أصدرته الحكومة الألمانية بخصوص مراقبة الهيئات والمؤسسات الحكومية في تركيا، وصدر عن مجموعة عمل أنشأتها الحكومة الألمانية، تضم ممثلين عن رئاسة الوزراء، ووزارة الدفاع، ووزارة الخارجية، ووزارة الاقتصاد. وبسبب هذه الاتهامات تستدعي وزارة الخارجية التركية السفير الألماني لدى أنقرة، وتطالبه بضرورة إصدار السلطات الألمانية توضيحات حول حقيقة تجسسها على المؤسسات التركية.
النتائج
تعتبر الجماعات الكردية، خاصة جماعة الـ (B.K.K) هاجس لدى الاستخبارات الخارجية التركية، إلى جانب بقية الجماعات السياسية الكردية في أوروبا. وكثيرا ما عبرت حكومة اردوغان عن غضبها إزاء نشاط جماعات كوردية سلمية في أوروبا، منها تنظيم الاعتصامات أو الاحتجاجات في عواصم أوروبية وبرلين.
هناك علاقات مشتركة ومصالح متبادلة مابين البلدين، لكن يبدو أن ألمانيا ودول أوروبا في هذه المرحلة بحاجة إلى التعاون الاستخباراتي التركي، لمواجهة تدفق اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين عبر أراضيها إلى اليونان. وتعتبر ألمانيا قضية تهريب البشر عبر بحر ايجة ومنافذ أخرى خطر يهدد أمنها القومي. ويبقى موضوع تهديدات تنظيم داعش وتسرب خلايا التنظيم إلى أوروبا، واحدة من ابرز الاهتمامات التي تعمل عليها الاستخبارات الألمانية بالتعاون مع دول أوروبية ووكالات أوروبية أبرزها” اليوروبول” ووكالة “فرونتيكس”.
المشكلة التي تواجهها ألمانيا في نفس الوقت، بأنه مازال لديها هاجس في تعاون جهاز الاستخبارات الخارجية والاستخبارات الداخلية الألماني مع نظيراتها من الدول ومنها تركيا. وهذا التعاون يثير الكثير من التساؤلات، خوفا من وجود تسرب بالمعلومات إلى نظيرتها التركية، تتعارض مع الدستور الألماني، وتحديدا ماتخشاه اللجنة الأمنية في البرلمان، هو احتمالات تزويد الاستخبارات الألمانية نظيرتها التركية أية معلومات حول الأكراد في تركيا أو مؤسسات معارضة مثل جمعية الزعيم التركي المعارض، “غولن” تشهد العلاقات الألمانية التركية تدهورا سريعا، على مستوى سياسي واستخباراتي وحتى في مجال الدفاع داخل الناتو، سبق إلى ألمانيا أن سحبت بطاريات باتريوت من تركيا عام 2015، والآن تنظر بسحب طائرات الاستطلاع من قاعدة انجرليك، إلى جانب اتهام الاستخبارات الألمانية تركيا، بأنها منصة للجماعات الإرهابية. مقابل ذلك منعت الحكومة التركية قيام أعضاء بالبرلمان الألماني لزيارة جنود ألمان في قاعدة انجرليك التركية، خلال شهر يوليو 2016، في أعقاب إدانة ألمانيا إلى تركيا حول مجزرة إبادة الأرمن. يذكر أنّ الحزب الديمقراطي الاشتراكي، الشريك الأصغر في الحكومة الائتلافية بزعامة المستشارة أنجيلا ميركل، يصرّ على سحب ألمانيا طائراتها وقواتها من القاعدة.يبدو ان خلافات حكومة اردوغان مع المعارضة ومنها الأحزاب الكردية تنتقل تماما إلى الداخل الألماني، بسبب حجم الجالية التركية في ألمانيا والتي تصل إلى ثلاثة مليون نسمة. ليس مستبعدا أن مارست تركيا ضغوطات على الاستخبارات الألمانية، للحصول على بيانات ومعلومات من برلين ضد المعارضة التركية، مقابل تنفيذ الاتفاق الأوروبي التركي، وهذا مايمثل انتهاكا للدستور الألماني، في حالة حصوله.ماتعمل عليه ألمانيا الآن وبعض الدول الأوروبية هو إيجاد خطة بديلة لسد النقص بالتعاون الاستخباراتي مع تركيا، وذلك بمسك الحدود الداخلية والخارجية، وتنشيط التعاون الاستخباراتي مع دول المنطقة. وتدرك ألمانيا جيدا، بأن تركيا بدئت تتجه نحو الدولة الشمولية في أعقاب الانقلاب العسكري، وأنها بدئت تبتعد عن معاير انضمامها إلى دول الاتحاد الأوروبي، لكن ماتعلنه الخارجية الألمانية، ربما يتناقض مع ماتملكه الاستخبارات الألمانية من حقائق ضد تركيا وتورطها في علاقات مع جماعات متطرفة.
المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات
Average Rating