ثقافة الطفل العربي إلى أين ؟؟؟؟

Read Time:5 Minute, 51 Second

هبه محمد معين ترجمان

الطفل العربي اليوم أين هو من مجتمعه ؟؟ أين هو من العالم ؟؟؟ ماذا سيحمل للمستقبل ومن سيكون ؟

الطفل العربي اليوم مستقبله مجهول في ظل تحولات سياسية وجغرافيا فالحالة السياسة التي تعيشها المجتمعات العربية جعلت المشكلة أكبر من أن ينتبه العالم لما سيرسمه الواقع السياسي للوضع الثقافي القادم لكن القارئ المتمعن للسياسات الثقافية ما قبل الربيع العربي يعلم بأن الأمور الثقافية تلاحق السياسة حقيقة .

فبعد أن أبيدت الثورات العربية وخلقت تشرذماً سياسياً لتعيد رسم خارطة هذا الوطن بما فيه التغير الديموغرافي والأخلاقي كذلك غدا حال الثقافة  التي لا يمكن أن نحدد مدى تأثيرها على الطفل العربي حالياً لكن يمكن أن ننظر  للمدى البعيد بأنها ستغير  ماهيته تماماً وستخلق أجيالاً تختلف فكرياً وثقافياً واجتماعياً .

فقد نشأ الطفل العربي قبل الثورات في دول ذات أنظمة دكتاتورية رسمت  له شكل حياته لينطوي تحت لواء المجتمع  دون تذمر , وبعد أن بدأ التطور المعلوماتي والانفجار التكنولوجي  في ظل نظام عولمي واتسع دور وسائط الاتصال عبر فضائيات البث المرئي وشبكات المعلومات العنكبوتية والهواتف المحمولة التي اعتبرها البعض أنها خلقت عند الطفل إشكاليات  (نفسية – اجتماعية ) تميزت مكوناتها بنوع من التداخل والتصارع والخلط بين تيارات ثقافية مهاجمة وأخرى مدافعة وراء حصون لا ترقى لمستوى المواجهة في مجتمعات أعطت انفجاراً معلوماتياً في شتى الميادين جعلت المعرفة فيها عنواناً لكل شيء, هذا  كله فرض على  الجيل من الأطفال واليافعين أن يكون معرفياً بامتياز فبدأت المشكلة في الدول العربية فيما يتعلق بما يجب أن يقدم لتثقيف الطفل العربي من أدب وعلوم هادفة لإعادة ربطه بمجتمعه.فأخذ المتخصصين بالسياسة الثقافية للطفل يقدمون محاولات لإيجاد معاهد وجامعات تهتم بأدب وصحافة الطفل لإيجاد أطفال واعيين لما يدور حولهم دون المساس بطاعتهم وانتمائهم لمجتمعاتهم خاصة فيما يتعلق بسياسات تلك الدول , لكن بعد الأحداث الأخيرة والواقع السياسي الحالي نجد أن الأثره السياسي الأكبر طال الأطفال بشتى المجالات ربما أكثرها الثقافي فقد خلفت الظروف الحالية واقعاً مأساوياً فالكثير من الأطفال يعيشون في دول النزاع المسلح بين اللجوء والنزوح  مواجهين صعوبات كبيرة في أقل حقوقهم طبعاً غير الطعام والحياة, التعليم الأساسي كأضعف الأيمان سواء أكان مشكلتهم بذلك إدارية بسبب الأوراق أو إغلاق المدارس التي أصبح أغلبها يستخدم كثكنات عسكرية  أو بسبب الصعوبات المالية إضافة لمشكلة إغلاق الطرق هذا في بلد الحرب نفسها أما في دول اللجوء طبعاً المشاكل الإدارية والمالية وغيرها أكثر من أن تعد وتحصى إضافة لعدم القدرة على الانتماء فيما يتعلق باختلاف نوع الثقافة والتعليم , وغدا تجاوز الأطفال في دول اللجوء تلك الإجراءات , سوف يصبح الطفل العربي هو مواطن في تلك الدول والانتماء لها هو حق وواقع يعيشه .ومما لاشك فيه أن براءة الطفولة في واقع الحال لدول النزاع المسلح دمرتها السياسة نجد تجنيد الأطفال ودخولهم معترك الحرب كسورية واليمن وليبيا  سواء بين المعارضين والموالين لتلك الأنظمة أو غيرها يقتل الطفولة والبراءة ناهيك عن الأمراض والأوبئة التي تنتشر بين الأطفال بسبب قلة النظافة وقلة الغذاء ومشاهد الإرهاب والرعب التي خلفت الأمراض النفسية ، ولا يمكن أن ننسى الإعاقات الجسدية التي يمكن أن تؤثر على الأطفال ممن أصيبوا بها جراء الحرب والأدهى من كل هذا أن التاريخ سجل أول المعتقلين  السياسيين الأطفال في الدول العربية ممن اعتقلتهم الأنظمة الحاكمة وتم تعذيبهم في المعتقلات إضافة لحالات الخطف.  وهناك الكثير مما لم يذكر في هذا الموضوع مما يعطينا مرحلة جديدة من إشكاليات ستؤثر على نشوء ثقافة جديدة غريبة للطفل العربي الذي تعرض لأمور ربما لم يعرفها الأطفال عبر التاريخ .

وهنا ما هو دور المثقفين العرب في إمكانية مساعدة أطفالهم لرسم ثقافتهم القادمة وماذا عليهم فعله ؟؟؟ هل عليهم تقديم السياسة للأطفال على طبق خاص بسبب ما فرضته ثورتنا العربية ؟؟ وهل يمكن الاستفادة من تجارب العالم في  تقديم الثقافة للأطفال أثناء وبعد ثورات مشابهة أو كما حدث أيام الحروب العالمية؟؟ طبعاً مع اختلاف بين الواقع المعاش آنذاك والحياة اليوم ؟؟؟ فلو تتبعنا تلك التجارب نجد بيتر هنت في كتابه «مقدمة في أدب الطفل» في أحد فقراته، يقول : إن كتب الأطفال في الفترات الثورية كانت معقلاً للفكر المحافظ ولم تكن هناك نية لتعليم الفقراء كيف يحسنون أحوالهم، ولم تكن القصص ليبرالية، حتى بين الكتاب الثوريين كما  كتبت ماري وولستن رانت كتاباً يحوي أفكاراً لتعليم البنات سنة 1787، إلا أنه أيضا كان كتاباً واقعياً لمعالجة الأخطاء بأسباب لا تخطر على عقول الأطفال، فجاء كتاباً شديد البرودة يشبه الأعمال الوعظية المركزة على الكبار».هذه الأقوال والتجارب لاندري هل تفيد الحالة العربية .

إن واقع الطفولة العربية وما تتعرض له هو شيء خطير بكل المقاييس والثقافي احدها وأهمها فالطامة الكبرى في الواقع الثقافي العربي لطفلنا كيف سيكون في المستقبل ؟؟وما هي الثقافة التي ستلازمه لاحقاً ؟؟ ماذا سيقدم له ثقافياً؟؟؟وما هو دور الجيل العربي القادم في رسم سياسات الوطن العربي الثقافية بعد ما حدث ويحدث ؟؟؟؟ أسئلة خطيرة لاتقل خطراً عن التقسيمات السياسية, مع التركيز أن العروبة تشهد حالياً نوعاً من الاختفاء في ظل إقليميات وقوميات تظهر على الساحة كانت مختفية تحت عباءة العروبة التي تفوقت عليها سابقاً واحتوتها .

إن الأحداث حولنا خلقت لنا إشكاليات جعلت الطفل العربي مشاركاً سياسياً بامتياز فمن متسائل عن معنى كلمات يرددها مثل: حرية، عدالة، فساد، ديمقراطية، دستور، وغيرها من المفاهيم التي تعامل معها بحكم تكوينه الجديد  إلى مؤثر ومتأثر في تلك المشاركة وبقوة لا يمكن الاستهانة بها بدءاً من التظاهر، والرفض والهتاف، و الغناء والاحتفال… انتهاءً به بين المعتقلين والشهداء المضحين بأنفسهم في أحيان كثيرة, انتهاءً بطفل يستخدم عبر وسائل الإعلام إما لدعم قضايا أو لتكذيبها , والساحة الإعلامية تشهد عبر السنوات الأخيرة الكثير من الأمثلة والوقائع .

كل ما سبق يجعل الكلمات تعجز عن الحديث عما يعتمر في صدور الأطفال فقد عكست النتائج تعايشهم مع الواقع وتلاصقهم مع قضايا أمتهم رغم بعدهم عن ساحة الحدث والمواجهة، حتى أولئك القابعين في منازلهم بعيداً ساحات المعارك المباشرة فالفضائيات ومواقع الشبكة العنكبوتية تجعلهم ينخرطون في أتون المعركة ويتابعونها لساعات طويلة يومياً مما يحفّز فيهم المشاعر المختلفة والمتناقضة أحياناً، فيؤثر ذلك على نفسيتهم، إضافة إلى ما يجري حولهم ضمن المحيط الاجتماعي (العائلة، الأقارب والأصدقاء، المدرسة ), وقد يجعلهم هذا يتحمسون لدخول المعارك فيكونون فريسة سهلة لمن يدعوهم للمشاركة .

كل هذا من المؤكد أنه خلق حالة ثقافية لأطفال العرب مختلفة جعلت الطفولة مسكينة تشارك بأحداث تاريخية ذات أبعاد كبيرة وكثيرة كما هو حال البعد السياسي للثورات الحالية .

أما أخطر ما نود لفت الانتباه إليه أنه لا يمكن محو المعاناة من ذاكرة الطفل لأنها هي التي ستكون عنده ملامح الشباب لاحقاً فما حصل مع جميع العوامل بما فيها البيت والمدرسة أو اللجان التخصصية للدعم النفسي والمعاناة الكبيرة لن تستطيع أن تقدم دعماً معنوياً للطفل العربي وتحد من التوتر النفسي أو التطرف الذي تم زرعه فيه بكل أشكاله ، خاصة وأن جميع القوانين والأنظمة الخاصة بحماية الطفل وحقوقه في العالم وما يتبعها من ومواد وأحكام للحيلولة من  الانتهاكات والإبادة الجماعية التي تجري للأطفال لم تقدم المطلوب منها فعلياً.

من هنا لا ندري هل هناك إمكانية للحفاظ على براءة الطفولة العربية ؟مع وجود دعم من خلال المنظمات المختصة بحماية حقوق الطفل رغم أن المنظمات الحقوقية بشكل عام لم تستطع أن تمارس عملها في حماية حقوق الإنسان ؟وهل يمكن أن نجد عملاً لصناع أدب وثقافة الطفل العربي  لخلق ثقافة لطفلنا العربي في ظل ما حصل وما يحصل من تغيير ديموغرافي وجغرافي وغيره ؟؟

في الختام لابد لنا من الاعتراف بأن الواقع المعاش حالياً يوحي وينذر بأن أطفال العرب اليوم الجيل القادم لم يعد عربياً صرفاً ولن يتحلى بالثقافة العربية التي حارب من أجلها أجداده فمعظم الهجرات التي نشهدها حالياً للخارج وحتى التي جرت في الداخل لعبت دوراً هاماً مع الظروف السياسية التي ذكرناها لتقدم ثقافات لا نعرف ماذا  ستغير في نفسية وحياة الطفل كما تفعل السياسة بتغير الخريطة الجغرافية والحكاية ليست آنية بل مستقبلية .

Happy
Happy
0 %
Sad
Sad
0 %
Excited
Excited
0 %
Sleepy
Sleepy
0 %
Angry
Angry
0 %
Surprise
Surprise
0 %

Average Rating

5 Star
0%
4 Star
0%
3 Star
0%
2 Star
0%
1 Star
0%

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

AlphaOmega Captcha Classica  –  Enter Security Code
     
 

Previous post الضرر والضرار في أزمة الخليج
Next post المنافسات الملكية السعودية تختبر العلاقات الأمريكية