عصر الديمقراطية الرقمية التصويت والجنسية السويسرية إلكترونياً

Read Time:3 Minute, 59 Second

شبكة المدار الإعلامية الأوربية …_ انطلق عصر الديمقراطية الرقمية. إذ يكاد الجدل يقتصر حتى الآن على التصويت الإلكتروني. وإذا ما أصر الساسة على الاستمرار في عرقلة التحول الرقمي، فإن الفرص تزداد في أن يضع المجتمع المدني يده على هذا الملف. فهل يتوقع أن يقوم نشطاء الإنترنت بإنشاء كانتون رقمي قريباً؟ لنتخيل أنفسنا في عام 2019: حيث تقترع سويسرا حول مبادرة مسؤولية الشركات الكبرى. وحيث يسفر الاقتراع عن نتيجة هزيلة. وفي يوم الأحد المحدد للاقتراع سيتمكن السويسريون رجالاً ونساءً لأول مرة من استخدام التصويت الالكتروني: وللإدلاء الإلكتروني بصوتهم، فما عليهم سوى الضغط على زر “نعم” أو “لا” في الانترنت.إلا أنه قبيل إغلاق صناديق الاقتراع، تقوم بعض البلديات بالإبلاغ عن وجود خلل ما. أولاً: تظل لجان الاقتراع تفتح أبوابها لمدة أطول، لإتاحة فرصة للإدلاء بالصوت. ثم نبدأ في رؤية مشاهد مضطربة في استوديو البث التليفزيوني. حيث تتهم الأحزاب بعضها البعض بالغش الانتخابي. في منتصف الليل، وآنذاك فقط، تعلن الحكومة الفدرالية عن إلغاء التحذير. فلم يكن الأمر يتعد خطأ في نظام التشغيل أثناء عملية نقل البيانات. ولم يصل وقف التحذير سوى في وقت متأخر للصحف اليومية والتي تصدرتها يوم الإثنين بحروف سميكة عناوين حول “محاولات التلاعب الإلكتروني”. وليس مثل هذا السيناريو هو الحالة الأسوأ. فماذا لو لم يلاحظ أحد وجود اختراق من قِبل قراصنة الإنترنت، أو لوحظ ذلك بعد فوات الأوان؟ ستكون النتيجة هي فقد الثقة، ليس فقط في التصويت الإلكتروني وإنما في الديمقراطية برمتها.فالخبراء يحذرون منذ زمن بعيد من مخاطر التصويت الإلكتروني. إلا أن المستشار الفدرالي السويسري فالتر تورنهِر يؤكد أنه “يجب توخي الأمن قبل السرعة”. وفي الأثناء، لا يزال البرلمان يعلق البت في تأجيل التصويت الإلكتروني، كما أنه تم الإعلان عن مبادرة شعبية حول هذا الحظر. لكن فرص عرقلة تقدم هذه العملية سانحة، حيث أن التحول الرقمي للديمقراطية لا يحظى بسمعة طيبة حالياً. فالرأي العام يعتبر التصويت الإلكتروني مصدراً خطيراً لاختلاط الحابل بالنابل. وقد بدأ هذا الوضع بتسريبات إدوارد سنودن لبيانات وكالة الأمن القومي الأمريكية، ثم ما لبث أن امتد إلى الطرق الملتوية التي سلكها دونالد ترامب نحو البيت الأبيض، وانتهاء بمنع بعض الصفوف الدراسية في سويسرا مؤخراً من استخدام تطبيق “واتس آب”. لكن ما يظهر من عمل جبل الجليد الديمقراطي فوق سطح ما يراه الجماهير ليس سوى جزءاً يسيراً فقط. حيث يقع تحت هذا السطح العمل الإداري والبرلمان والمحاكم والأحزاب والمنظمات غير الحكومية والاتحادات الاقتصادية وسياسة الميليشيات والاقتصاد والبحث العلمي. وفي خضم الجدل الدائر يتم تناسي أن الديمقراطية آلية معقدة. وقد تحولت ـ كما حدث لنا أنفسنا تماماً ـ إلى الرقمية منذ زمن بعيد. فلدى الأحزاب قواعد للبيانات، كما أن الهيئات الحكومية تتيح خدمات إلكترونية، وتطلق لجان الاقتراع حملات على الفايسبوك، وكذلك يستفيد السياسيون في البلديات من تويتر، كما أن الحركات الشعبية تقوم بجمع التوقيعات إلكترونياً. لذلك فلا تتصرف انطلاقاً من خوف أو غضب. حيث لم يعد في الإمكان تصور الديمقراطية بدون الرقمية. وإلا أصبحت بطيئة وباهظة وغير دقيقة بالمرة ومعرضة كذلك للأخطاء. ولا يمكن إلغاء هذا التطور، بل لابد من مواكبته. وهو يحتاج إلى خبرة ومعرفة، سواء كان ذلك من جانب المسئولين، أو من جانب وسائل الإعلام. بل في المقام الأول بين صفوف المواطنين أنفسهم. فلابد من وجود فرص لاختبار سبل جديدة وتجربتها. وجدير بالذكر أن سويسرا تتيح الظروف الأفضل لهذا الأمر: فالكانتونات والبلديات تعتبر مختبرات للديمقراطية من الدرجة الأولى. ولقد أثبت النظام السياسي من خلال وجود حق تقديم المبادرات واجراء الاستفتاءات، أنه يستطيع التفاعل مع التغيرات الاجتماعية بقدر من الابتكار. وهناك مؤشرات مبدئية تدل على أن أجواء انطلاق الديمقراطية الرقمية آخذة في الازدياد. ففي أنحاء سويسرا كلها يمكن ملاحظة كيف يتم اختبار تقنيات وآليات جديدة: مثلاً في قطاعات الشباب بالأحزاب، وفي حركات مثل “عملية التحرر” (Operation Libero)، والحملات التي تتحرك “من أسفل المجتمع لأعلاه” مثل تلك التي تناهض مراقبة المؤمن عليهم، ومراكز الأبحاث مثل “مختبر الدولة” (staatslabor) والكثير غيرها، إذ توضح جميعها هذا الاتجاه، خاصة لدى الجيل الشاب شديد الارتباط بالتكنولوجيا. فلنعد لتلك النظرة المستشرفة للمستقبل والتي استهللنا بها هذا المقال: فبعد يوم الأحد ذاك، والذي شهد الاقتراع المحتوم، فإن الكنفدرالية تقوم بتجميد جميع المشاريع الخاصة بالديمقراطية الرقمية. لكن هذا التوقف التام يحشد جماعة صغيرة من نشطاء الانترنت وخبراء تكنولوجيا المعلومات ومستثمري سلاسل الكتل الحاسوبية. حيث ينضم هؤلاء لبعضهم البعض بهدف تأسيس كانتون رقمي جديد. وهذا الكانتون السويسري السابع والعشرين يتيح لمواطنيه فرصاً جديدة للمشاركة في اتخاذ القرار وكذلك خدمات حكومية. كما يظهر الاقتصاد اهتماماً بهذا الكانتون، إذ أن إنشاء الشركات الصغيرة المبتدئة والشركات الأخرى يصبح ممكناً في غضون وقت قياسي. وفي خلال أسابيع تنشأ منصة لهذه “الجمهورية الرقمية” الجديدة. ويقوم أكثر من 75 ألف شخص بتسجيل أنفسهم إلكترونياً ويشاركون في الاقتراع حول الدستور.وعلى مستوى العالم يظهر انبهار شخصيات منفردة وشركات بهذه الإمكانية للحصول على جنسية سويسرية رقمية، وهي ما يعرف بالجنسية الإلكترونية. وهكذا يضحى هذا الكانتون الجديد سابحاً في بحيرة من الأموال، والتي يدفعها المواطنون القادرون عبر التمويل الجماعي في “خزينة الدولة”. وبعيد تأسيس هذا الكانتون بأشهر قليلة يقوم أعضاء الغرفة العليا بالبرلمان بالتوقيع على مبادرة برلمانية، لمطالبة الحكومة الفدرالية بإجراء مباحثات مع الكانتون السابع والعشرين. حتى أن إجراء تعديل دستوري، بهدف تمهيد السبيل لذلك الكانتون الرقمي، لن يكون أمراً مستبعداً.

Swi

Happy
Happy
0 %
Sad
Sad
0 %
Excited
Excited
0 %
Sleepy
Sleepy
0 %
Angry
Angry
0 %
Surprise
Surprise
0 %

Average Rating

5 Star
0%
4 Star
0%
3 Star
0%
2 Star
0%
1 Star
0%

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

AlphaOmega Captcha Classica  –  Enter Security Code
     
 

Previous post الصادق المهدي ممنوع من دخول مصر
Next post أندريس مانويل لوبيز أوبرادور يحمل على عاتقه مسؤولية الحكومة المكسيكية