نحو تنظيم اجتماعي- سياسي جديد

Read Time:3 Minute, 57 Second

 

 

نبيل عودة  باحث فلسطيني

• التغيير هو قانون التاريخ الذي لا يرحم من يتجاهله. الموضوع ليس صراعا ايديولوجيا، وليس صراعا بين اجيال، بل مواصلة الطريق بقوى شابة هم ابناء المرحلة الجديدة*
• مجتمعنا يحتاج الى طرح رؤية جديدة، ومهام تتمشى مع عصرنا المتطور وهو دور التنظيم الاجتماعي الجديد الذي آمل ان يكون قد حان وقته *
نبيل عودة
ابناء جيلي تجاوزا جيل الحماسة والاندفاع ، وينظرون للقضايا السياسية والاجتماعية ، بمنطق مختلف ورؤية منهجية، وعقلانية بعيدة عن الارتجال. لم نعد من جيل الحماسة والشعارات والأهازيج. الحقيقة التي يجب ان نعترف بها وبفخر، ان الجيل الناشئ تجاوز ابناء جيلنا بقدراته الفكرية والأكاديمية والتحليلية لكل الواقع العربي في اسرائيل وخارج اسرائيل وللواقع الدولي برمته. اصبح من المستحيل ان يقودنا مجتمعنا من هم دون الجيل الناشئ ثقافة وعلما وفهما لكل متطلبات مجتمعنا.
ان القيادات السابقة لعبت دورها التاريخي، السياسي، الاجتماعي والتثقيفي، نحني رؤوسنا امام ما قدمته، لكن لا يمكن الاستمرار بما كان. التغيير هو قانون التاريخ الذي لا يرحم من يتجاهله. الموضوع ليس صراعا ايديولوجيا، ليس صراعا سياسيا، ليس صراعا بين اجيال وليس صراعا شخصيا، بل مواصلة الطريق بقوى شابة هم ابناء المرحلة الجديدة، جيل هذا الزمن تجاوز أجيال الماضي، وأعني ابناء جيلنا، ونكون مجرد مهرجين اذا اعتقدنا انه لا بديل عن جيلنا. لا اذم ما قام به السابقون، ولا اتهاون لما تعرضوا له من تحديات وصراع شرس مع السلطة، التي تواصل سياسية التمييز العنصري، وتواصل سياسة العدوان والاحتلال وترفض الاعتراف بحقوق شعبنا الفلسطيني ان يقيم دولته المستقلة الى جانب دولة اسرائيل، وان يحظى المواطنون العرب داخل اسرائيل بحقوق المواطنة الكاملة غير المنقوصة بقوانين عنصرية اسوة بقانون القومية.
عالمنا يشهد منذ نهاية القرن الماضي انقلابات عميقة بكل الواقع السياسي الدولي، وبكل النهج الاقتصادي والسياسي، ليس كل جديد هو ايجابي، هناك سلبيات كثيرة تبرز، واحيانا من قوى ليس من السهل مواجهتها، لكن حكم التاريخ لا يقبل الاستئناف، مهما علت اصوات الماضي ، اصوات الزمن الذي لن يعود، حتى لو نجحوا بإعاقة التحولات، في النهاية حركة التاريخ لن تعود الى الخلف، بل ستواصل التقدم رغم كل العوائق ومحاولات شل حركة التغيير.. لكن التعويق سينعكس سلبا على مجتمعنا.
قد لا يعجب كلامي قوى سياسية وفكرية كنت احد دعاتها ومروجي نظرياتها لمدة نصف قرن، بصراحة اقول ان تاريخ الفكر الحديث لم يعرف نظرية اجتماعية، فلسفية، اقتصادية وسياسية بمثل قوة واتساع الفكر الماركسي. ولم يعرف عالمنا تيارا فكريا ثوريا عاصفا بمثل التيار الماركسي. لم يؤثر أي فكر سابق، بالقوة الهائلة التي ميزت الفكر الماركسي منذ أواسط القرن التاسع عشر. الماركسية عصفت بكل الفكر الفلسفي السابق، بكل النظريات الاجتماعية التي سبقتها، بكل الفكر الاقتصادي والسياسي الذي سبقها. الماركسية لم ينحصر تأثيرها في بقعة جغرافية محددة، بل شملت عالمنا كله، بكل قاراته، بكل مجتمعاته، بكل طبقاته وفئاته الاجتماعية. لم تظل بقعة جغرافية ومجتمع إنساني لم يطله تأثير الفكر الماركسي. إن دور الماركسية الفكري والفلسفي في الانقلاب الذي أحدثته في الحياة الإنسانية الحديثة هو شبيه بالدور الذي لعبه العالمان الشهيران كوبرنيكس وغاليلو في الأبحاث والاكتشافات في علم الفلك والفيزياء ودارون في علم الأحياء، ونيوتن واينشتاين في الفيزياء والنظرية النسبية وقانون الجاذبية وغيرهم كثيرون. لكن تطوير العلوم والفكر والاكتشافات لا يتوقف، لا يعرف نهاية له، دائما هناك الجديد والأكثر علمية ، دائما نجد الأعمق ، دائما هناك تطوير للفكر الانساني، ليس تجاوزا واسقاطا لما كان، بل مرحلة جديدة تعقبها مرحلة أخرى. وكل نظرية سابقة هي جزء من النظرية الجديدة، جزء من التطور والارتقاء. حتى اليوم ما زلنا نقيم بإعجاب كبير نظرية بطليموس عن الكون (التي افترضت ان الأرض مركز الكون والشمس تدور من حولها) العالم والراهب في الفاتيكان كوبرنيكوس نقضها باكتشافه العظيم ان الشمس هي مركز الكون والأرض كوكب يدور حول نفسه وحول الشمس. بطليموس وضع الاتجاه العلمي لفهم الكون، وهذا لا يلغي مكانته وطلائعيته وعظمة دوره.
طبعا ليس كل ما طرحه ماركس يجب أن يؤخذ بالمفهوم المطلق.. بل بنسبيته للظروف التي نشأت فيها الماركسية وانتشرت.
ان ما اطرحه ليس نفيا لأي قوة سياسية او فلسفية او ثقافية ساهمت بتعزيز مكانة الأقلية العربية في اسرائيل، وساهمت بتطوير الثقافة وصيانة التواصل الاجتماعي وحماية الحقوق المختلفة للجماهير العربية في اسرائيل.
لكن نكون مجرد مهرجين اذا تجاهلنا واقع مجتمعنا والتحولات العميقة التي تجري به، لدرجة تحول المجتمع العربي في اسرائيل الى المجتمع الأكثر تعليما ورقيا علميا ليس بالقياس مع العالم العربي فقط، بل تشير المعطيات الاحصائية انه سيتجاوز قريبا المستوى العلمي في المجتمع اليهودي في اسرائيل، الذي يعتبر من ارقى المستويات العلمية. فهل نبقى مقطوفي الراس امام قيادات يجب ان تحال للتقاعد؟ كما قلت التغيير هو قانون الحياة ، هو قانون التطور والرقي بكل المجالات.
مجتمعنا يحتاج الى طرح رؤية جديدة، ومهام تتمشى مع عصرنا المتطور، على رأس هذه المهام طرح فكرة الدولة الديمقراطية ، دولة صيانة حقوق الأنسان وحماية حقوق المواطن والحق بالمساواة، وان التعبير الأكثر ضرورة هو تعميق الخدمات للمواطنين في جميع مجالات الحياة، من التعليم والصحة والتأمينات الاجتماعية والرياضة والثقافة. وهي في ظروفنا العربية داخل اسرائيل، لها قيمة عظمى في رقي مجتمعنا، وهذا سيكون دور التنظيم الاجتماعي الجديد الذي بات ملحا وآمل ان يكون قد حان وقته، ليصبح في المرحلة الجديدة الطليعة القيادية للمجتمع العربي.
nabiloudeh@gmail.com

مصدر حوار المتمدن

Happy
Happy
0 %
Sad
Sad
0 %
Excited
Excited
0 %
Sleepy
Sleepy
0 %
Angry
Angry
0 %
Surprise
Surprise
0 %

Average Rating

5 Star
0%
4 Star
0%
3 Star
0%
2 Star
0%
1 Star
0%

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

AlphaOmega Captcha Classica  –  Enter Security Code
     
 

Previous post ألإندماج وألإبتلاع في ظروف ألعولمة
Next post الاتحاد الأوروبي بصدد إنشاء مدرسة تجسس من بين 17 مشروعا دفاعيا مشتركا