
لقاء مع المفكّر الفرنسي “فرانْسوا بُرغات” ” مسار التطوّر السياسي للحركات الإسلامية”
شبكة المدار الإعلامية الأوربية …_ إثر صدور مؤلَّفه الجديد “فهم الإسلام السياسي”، أقام مركز الدراسات الإستراتيجية والدبلوماسية، بتونس ، يوم 19 جويلية 2017 ، لقاء مع الأنتروبولوجي و المفكر الفرنسي فرانسوا برغات Francois Burgat. ويعتبر “برغات” من بين أفضل من تبصّر في أعماق الطيف الإسلامي المترامي في القارة الإفريقية والأسيوية بعد نشأته في القرن الماضي . و انتهى بالمؤلف إلى دراسة شملت حقبة تاريخية اعتبرها الأخطر في تاريخ الحركات الإسلامية ، وهي الفترة الممتدة من 1973 إلى 2016. في مداخلته تساءل المحاضر بقوله:” أين الإسلاميون ، هل اندثروا ؟ هل هم موجودون على الساحة، ولماذا لازالت الهوية السياسية الأحزاب مثار النَّقع والجدل؟. أما فيما يخص عنوان الكتاب ، فقد اعتبر الكاتب انه اجبر لاستعمال مصطلح “إسلام سياسي” الذي لم ير فيه مشاحنة، بل فقط تجنّبا للتكرار. مذكّرا بأن المصري “نصر حامد أبو زيد” هو أول من استعمل المصطلح عندما عرب كتابه “الظاهرة الإسلامية في المغرب العربي” . ليبقى الأَثر قراءة في الربيع العربي والحراك الذي ساده وموقع الإسلاميين منه في المشهد السياسي في المنطقة العربية.
يعتبر “فرانسوا برغات” أن فترة ما بعد الاستقلال شهدت أحداثاً عصيبة نالت فيها الجماعات الإسلامية كل أنواع القمع في مواجهات دامية مع الأنظمة الحاكمة التي انتصبت للحكم بعد خروج الاستعمار الغربي ، لمدة تواصلت إلى حلول الربيع العربي الذي شهد تحولا مصيريا لهذه الجماعات من خلال تفتحها وتحولها إلى مكونات سياسية فاعلة في مجتمعاتها منتقلة من الحركة إلى الدولة، محاولة التفاعل الايجابي مع المتغيّرات مع الحفاظ على المبادئ الإسلامية التقليدية والمؤسسة لثقافة إسلامية تتماهي في قيمتها مع كل الثقافات الدينية الأخرى كالمسيحية واليهودية دون أن تشكّل خطرا على أيّ أمن واستقرار الدولة التي تنتمي إليها أو تلك المجاورة .
وللانتقال من ضفّة الوهم إلى ضفة الفهم، وتجنب استعمال أجهزة التفكير الجاهزة ، ارتأى المؤلف أن أول جُبّ يمكن أن يقع فيه المحللون تفسير وجود الظاهرة الإسلامية هو التفسير القُطري القاصر. فقد فهم لفيف واسع أن سبب وجود الحركة الإسلامية هو رواج الفكر الإخواني في تونس والتأثر بالمشرق، وسبب نشأة الحركة الإسلامية في الجزائر كان بإيعاز من القرضاوي ومحمد الغزالي والدعاة الإسلاميين الذين جاؤوا من مصر… والسّؤال المطروح كيف توجد الحركة الإسلامية والسلفية في بلد تجاهر فيه بورقيبة بالإفطار في رمضان مستفزا مشاعر الناس ،و في المغرب الأقصى الذي يلقب فيها الملك بأمير المؤمنين ؟. فالظاهرة الإسلامية موجودة في بلديْن مختلفين رغم تباين الموقف من الإسلام فيهما من قبل السلطة. ورغم اختلاف العلاقة بالدين العلاقة بين النظامين تمت نشأة الحركات الإسلامية . وعليه، فانه لا بد من اجتراح تفسيرات مشتركة لفهم ظاهرة جاءت ردا على إخفاق وطني وتدفقا طبيعيا من حركة التاريخ، وتفسيرها لا يمكن أن يكون قطريا يتناول كل حركة على حدة، بل لابد من رصد عواملها المشتركة المتاتية للتطور الطبيعي للأوضاع العربية والإسلامية. والحركات الإسلامية لا تستمد جذوتها وقدرتها على تحريك الجماهير من قدسية الإسلام كما يدعي خصومها، ولكن من جوهر المطالب الجماهيرية ذاتها التي رأت في السلط الحاكمة إعاقة حقيقية للنموّ الطبيعي للدولة , إذ كانت الحركات الإسلامية تعبيرا عن فترة أرادت فيها الشعوب إغلاق قوس الهيمنة الغربية التي أعاقت الأمة عن التقدم وارتبطت بالإهانة والحضور الغربي التي تجاوز جرعته في المنطقة. فعندما تجتمع لديك ديناميكية التاريخ وديناميكية المجتمع، تصير هذه القدرة هي خلاّقة.
ما نشهده اليوم ونسمعه في وسائل الإعلام تشريحا حول الإسلام وعولمة خطاب معاد للإسلاميين يجعل الغربي دائم التوجس منهم و وصمهم بالإرهاب. يسمع فيها أصداء النزاعات السنية الشيعية التي تضيف الملح على الجرح، وهنا لا يصبح الخطر خارجيا فقط بل داخليا يحكي التمزق الداخلي. دون أن ننفي أن الوجود الاستعماري الفرنسي للعرب جعل من الإسلام فلكلورا ، وهنا اكبر خطر تُمنى به ثقافة في جوهرها . عاشت المنطقة العربية الإسلامية 3 طوابق من التحرر من الاستعمار الغربي: التحرر الأول طال الطابق السياسي، وكان الاستقلال السياسي منقوصا. ثم كان الطابق الثاني اقتصاديا، تناول مسائل التحرر الاقتصادي، كتاميم قناة السويس وقضايا التأميم والثروات. و الآن يطال الطابق الثالث، وهو طابق التحرر الثقافي وتأكيد الهوية والقيم بما ران عليه من نزعات التطرف والانغلاق. في الغرب تنظيمات عنيفة ، و هو أيضا وراء تنظيمات متطرفة وفيها البعض من كان قد صُنع على عينه ولديه بها علاقات، ولكن لا ننفي الأسباب الداخلية لنشاته في المنطقة العربية كغياب الحريات والمواطنة. فلا يجب أن ننفي دور الشعوب والمجتمعات والاكتفاء بإلقاء المسؤولية على عاتق المستعمر.
الراديكالية لا تعني الجهادية، وان تُمضي 23 ساعة في العبادة لا يعني أن الله يطلب منك القتل. والتدين لا يعني رفض الأخر وبناء عقلية رافضة طاردة. ولست ادري لماذا يقف البعض أمام مغازة الإسلام الكبرى ولا ترغب نفسه إلا في التسوق من زيارة جناح التطرف منها؟. يروج البعض أن الأزهر هو مصدر السلفية ونسوا أن “حزب النور السلفي” هو المتحالف مع الجنرال السيسي في انقلابه يوم 3 جويلية/ يوليو 2013 في سحق المعارضة الإسلامية، ومن هنا تبين أن الفكر الترويجي ضد الإسلام يملك مخابر للتشويه تضع الطيف الإسلامي في سلة واحدة . و يجب ان توضع العوامل الداخلية أو الخارجية بعين الاعتبار في فهم الظواهر الكبرى في المجتمعات. و داعش خرجت من العراق من جبة الإرهاب المعولم وهي التي سرّعت برسم الصورة الشائبة عن الإسلام . و الخطأ الكبير هو في اعتبار التطرف نابعا من الايدولوجيا وهو اكبر جُبّ يمكن أن يقع فيه محلل . والسؤال المطروح هل لوّثت السلفية والجهادية مجالا مجتمعيا سليما عادلا ؟. قطعا الجواب هو لا. فالايدولوجيا لا تدخل اللعبة إلا في المرحلة الثانية بعد أن يُهيئ لها مناخ التعفّن .
وانتهى المؤلف إلى ضرورة التأكيد على الوعي بالفروق بين أنواع الطيف الإسلامي و عدم الخلط بين التيارات السلفية والإخوان والثقافة الإسلامية، والابتعاد على الأفكار التي تتناقلها وسائل الإعلام والأطروحات الغربية حول القطع مع الإسلاميين وتجنب التواصل معهم باعتبارهم أعداء للمجتمعات المتحضرة ، بل اعتبر أنه من الضروري التعاطي مع ملف الإرهاب بضرورة تشجيع المسلم على التعرف أكثر على ثقافته الإسلامية لا باعتبارها موروثا منتهي الصلاحية كفلكلور ولكن باعتباره مكونا أساسيا للهوية الإسلامية وتحويلها إلى عناصر مبدئية تحدد خصوصية المسلم، فلا يقع فريسة الفراغ والضبابية التي تستطيع من خلالها التنظيمات الإرهابية رهن وعيه و استقطاب الفئات الشابة وغيرها من الفئات المستضعفة ايديولوجيا و الهشّة نفسيا ، ولقد اختار تلك الحقبة الزمنية بالذات لأسباب تتعلق بمقاربته للمجتمعات الإسلامية في فترة الاستعمار التي تواصلت إلى ستينات القرن العشرين الذي غذى التطرف في بداياته باعتباره حقا مشروعا لطرد المستعمر من الأرض ، ولقد ازدادت نزعة التطرف بعد اعتلاء التنظيمات السياسية القامعة والرافضة لمبدأ الديمقراطية والتداول على السلطة في خلق تنظيمات أكثر كرها للعالم الغربي ومنظومة الدولة الحديثة ، والاكتفاء حرفيا بتأويلات قديمة للقرآن والسنة والتعاليم الإسلامية التي جاءت بقواعد تنظيمية للدولة في بدايات الدولة الإسلامية. أشار المؤلف في مقاربته إلى كتابه “ الإسلام في فرنسا ” مبينا خطورة المد المتطرف في أوروبا الذي استشعر خطورة الإرهاب المتأتي من الأوساط المسلمة منذ صدمة 2001 ، حيث نبّه الأوروبيين إلى ضرورة البحث عن حل توافقي يقتضي التفاعل مع الأوساط العربية داخل أوروبا وخارجها رافضا مفهوم “الإسلام الفرنسي” الذي حاول البعض الترويج له باعتباره اختيارا سياسيا مفلسا من بداياته. في ظل حالة الوحدة التي تعيشها الجاليات العربية من الجيل الثالث والرابع في هذه الدول لعدم قدرتها على استشعار الاندماج الكلّي مع الوسط الاجتماعي الذي يتواجد فيه وهو أمر استشعرته صراحة الحكومات الغربية في الآونة الأخيرة مع موجة الإرهاب الضاربة في فرنسا وألمانيا… وانتهى في ختام محاضرته إلى القول بان الإسلام السياسي سيكون ذا شأن في استقرار المجتمع والدولة في المنطقة، عكس ما ارتآه الانتروبولوجي “اوليفاي رُويْ”.خلال النقاش، أجمع المتدخلون من جمهور المثقفين الحاضر أن الإرهاب والتطرف ظاهرة عالمية وليست متعلقة بدين أو لون أو جنس. فكما لا يمكن أن نحسب تصرفات النازية والفاشية على المسيحية ،لايمكن أن يحمل الإسلام وِزر التطرف في قراءته من قبل حركات عنيفة. وما يشهده الغرب من تكريم لغلاة العلمانيين العرب وتنصيب أئمة يدورون في فلكه ، يمتلكون أزمة الأمور على المسلمين في أوربا هو سبب في تنامي العنف.كما أكد الجمهور على ضرورة تسليط الضوء على تجارب الإسلام الديمقراطي الناجحة والناجعة في الحفاظ على الأوطان بعد الربيع العربي كالتجربة المغربية والتونسية و الماليزية والاندونيسية. فمحاولة إظهار الإسلام نقيضا للحداثة فيه مجانبة للحقيقة وحيف ضد الإسلام .
عن مركز الدراسات الإستراتيجية والدبلوماسية csds
Average Rating