الأقنعة الخفية في رواية ” حريم الفرطاس” لرياض وطار

Read Time:5 Minute, 52 Second

مقاربة نقدية بقلم أرزقي ديداني

رواية حريم الفرطاس لرياض وطار الصادرة مؤخرا عن دار المثقف للنشر والتوزيع
بباتنة تحاول إماطة اللثام عن فترة ابتليت بها الجزائر وهي الحرب الداخلية أو كما صار
يطلق عليها ” العشرية الحمراء” وهي عن حق كذلك عشرية حمراء… الرواية تحمل الكثير
من الأقنعة المتعددة وهذا النص يغوص – فنيا – بداخل هذه الخفايا ؛ المرعبة. خفايا وجوه
الدمار ليس المادي وفقط بل الروحي. هنا وهذا هو الملفت تهرب الشخوص من هويتها
لتدخل بين تلافيف خفايا الذات. تقول لنفسها وهي تتألم” اسمي كرستينا. ” هذه هي الهوية
المتشظية… هويتها. ولكنه يسأل، يسألها بمنتهى العفوية ومتسلحا بنوع من بطولة “
كريستينا هو اسمك إذن؟ ” تعلق ليس بمواربة بل بصفاقة ” نعم…. إن لم يكن لديك مانع ! “
هي ، ذات مدمرة من الداخل لأن الدمار لحقها وهي لا تخفيه بل للأسف تحاول التعالي أو
حتى المكابرة. ثم تسيح الرواية في محاورة حول الوضع العام وبعيدا كثيرا عن اهتمامات
الشباب لما يلتقي بعضه. حوارات عامة كما تلك التي نجدها في جلسات المواطنين المكتوين
بالغلاء بالاستبداد بتكالب الذين فوق – طبعا – على الريع. ثم هي نجدها تزوغ …متحججة
بأختها وبأن الخطيب – الوقور افتراضا – لا يريد لها صداقات مع الجنس المغاير. هنا تأخذ
الأقنعة الوجه المألوف أي النفاق الاجتماعي. وهو أحد أبشع ما يظهره الحوار في النص.
أقول ذلك لأن المواضعات الاجتماعية هي لدينا غير سليمة بالمرة وهي أحد وجوه الأقنعة
التي تبعث بها ثيمة الرواية وتؤسس لها وإن كان من خلال المحاورة وليس السرد أو تيار
الوعي مثلا.
وهل يوجد صدق؟ طبعا يوجد ولكنه ذلك الصدق الفني وليس الواقعي. صدق روائي يمتح
من وجوه عديدة تلبس الأقنعة صباحا مساءً ودون ذرة من حياء. ولكننا – ربما – نجانب
الصواب بالنسبة للشخصية الأنثوية: كرستينا هذه، ذلك لأنها – وهذا جيد – تبعد عن
النمطية التي نجدها لدى بعض شخوص روايات مكرسة وغير مكرسة أقصد بهذا التعريف
كتابها وليس مواضيعها أو جدتها أو فرادتها أو ضعفها لأنه ليس هذا موضوعنا. موضوعنا
هو ما يتركه العنف وما يتركه الدمار من ندوب جاعلة ضحاياها تختفي وراء ( قناع ما)
وليكن؛ فهو مشروع وذلك لأننا أمام ضحية. ولسنا أمام بطلة. كلا كريستينا هذه ليست بطلة
… أجل، هي ذات شخصية من الهشاشة بمكان. وبقدر أيضا. أو بصورة أوضح بمقدار.

” في تلك الليلة التي رافق فيها صديقه إلى الملهى لم يكن يتوقع انها ستكون ليلة ليست ككل
الليالي التي قضاها مترددا على الملهى ( هو ابن إمام والمفروض مجازا طبعا أن يكون
متدينا وبالوراثة)
…. وبعد أن تمعن فيها طويلا تفاجأ بكون الفتاة التي كانت تضحك بشكل مرتفع ما هي في
الحقيقة إلا الفتاة التي أنقذها في الصباح من الغرق”
وهي في الحقيقة غريقة، ذلك الغرق الذي كان لا نجاة منه وفيه. وكل الذي كانت تعلنه ما
هو سوى أحد وجوه الأقنعة التي لا تلبسها بل تتمترس بها. والسؤال الذي يُطرح ولا
نطرحه نحن طبعا هو: لماذا لا تكون واضحة وتعلن بأنها ضحية؟ أجل كل ثيمة النص هو
هذا. كلا لا تستطيع لأنها تحيا في مجتمع يتصف بكثير من الملامح الغير واضحة فلتكن
هي غير واضحة ومقنّعة… وبل هي مقدامة في تقديم ذاتها وبلورة حياتها، تلك التي لم تنشأ
عليها بل أوجدتها الظروف. وقذف بها نحوها الدمار دمار الحرب الأهلية شئنا أم أبينا في
صياغة هذه التسمية لأنه ذلك هو الواقع؛ وقعنا المرير. وهو أي الذي لم يدفع أو بالأحرى لم
يقم ( يعود الكلام عن الشخصية الذكورية وهي هنا طالب على التماس من معترك هذه
الحياة، أي الحياة التي دمرت الطرف المقابل) بأي شيء أو أمر سوى حركة إنسانية بحتة (
الإنقاذ) قد وجد نفسه بداخل العالم الذي خلقه الدمار الذي أحرق الأخضر واليابس وترك
الجروح العميقة في الذوات الفردية والجَمَعِية أيضا… هذا الشاب لا يلتفت بعيدا بل” – هل
كنت تكلمني؟ ! – نعم سألتك ما الذي وقع لك حيث كنت تكلم نفسك وكأنني غير موجود! –
لا شيء سوى أنني أدركت اليوم كم انني ساذج وغبي. – لماذا تصف نفسك بهذا الوصف؟
! لشيء واحد هو انني صدقت ما لم يكن من المفروض أن أصدقه (. ) وهنا روى له ما
وقع له بالضبط (. ) حينما انتهى من قصته كانت فتاة الهوى قد نهضت من عند زبونها
وذهبت باتجاه مرحاض النساء (. ) هنا قفز زبير من مكانه ليلتحق بها.”
إنه الانكشاف؛ انكشاف لما تخفيه الأقنعة… ولكن إلى حد الآن الحقائق دون سمات. فقط
حركات، إشارات، استنتاجات…. وتحديدا في حيز ذاتي ومغلق أي دون وضوح تام للرؤية.
هذه ناحية. والأخرى هي انفتاح النص على رحبات تعطي مجالات التأويل. أي ارتسام
العلامات. زبير ، هذا صار مندغما بالموضوع. زبير باحث عن سر ربما يراه يمتاز
بالأهمية. زبير انخرط في عالمها أي هذه التي تدعى كرستينا وهي ليست كذلك بالفعل بل
من خلال ما يومئ به القناع المتمترسة خلفه وبه ومعه. ثم، هو طرد بعيدا ذاك الغباء الذي
أعطته له حياة صديقة فهو ابن إمام وأيضا متصالح مع ذاته؛ ولكنه بإغراء ما دخل النهر
وصار يسبح فوجد نفسه في الضفة الأخرى. هنا، قفز قفزة طائرة كما حارس مرمى مدافعا
عن عرينه وهو بالنسبة إليه ذلك السر سرها. ومع ذلك فهو يتبع علامة دالة على متغيرها
النفسي حيث هي وليست هي. في نفس الآن. ودخل المعترك فلنترقب ما يحصل ” ….
أخبرته أيضا أن اسمها الحقيقي هو حورية…” هي علامة دالة على أن ما كانت تتخبى
وراءه لا يزيد على أنه قناع وحقيقتها دونه هي ليست تلك: كرستينا بل الحاضرة في الواقع

أرزقي ديداني

: حورية. إذن، الايهام في السرد يتطابق مع المروي به ويجعل المتخيل مجسدا كما وأنه
الشرط الإنساني في وضعه الموضوعي والاجتماعي وحتى الذاتي.” سأجد لك عملا
محترما…. وبيتا…… تأوين إليه” موقف إنساني غير قصدي بل عفوي الخطاب كما طفل
يغني ويريد لأغنيته أن يفهمها السامع. بالضبط. لأنه يُطرح السؤال : ما الدافع تحديدا. هل
الإنسانية والسلوك الأسري الذي تربت فيه وعليه الشخصية هو الدافع أم الاعجاب
الجواني…؟؟؟ وربما هناك أسئلة أخرى وذلك سعيا منا كقراء أن نضع العلامة الدالة في
مكانها السليم ولا أقول الصحيح لأن الفن بمجمله إيهام بالحقيقة وهو ليس بالحقيقة أبدا هو
فن وهنا فن سردي.
” إلى الصديق العزيز زبير:
بعد التحية …… أشكرك على المساعدة …… وصلت إلى
قناعة ……لا يمكن لي أن أعيش حياة أخرى ما عدا تلك التي أعيش فيها……
مع أطيب التحية حورية”
ما يهمنا كدالة هو التوقيع باسمها الأصلي حورية حتى وهي تعلن دون رفض تقريبا كما
نفهمه نحن لأن شجاعتها وصراحتها بل تجربتها المريرة في الحياة واكتوائها بصدود ذويها
كانت غير خائنة لنفسها. لأنه تلك هي الحقيقة وهو واقعها. قد لا نوافق الراوي الذي هو
الكاتب ذلك لأن الدلالات الاجتماعية لا تسير في سكة معلومة والحياة لبعض البشر غير
صديقة لا في النوايا ولا في الوقائع ولا حتى في المآلات والمصائر. ومصائر ضحايا
الإرهاب وعن حق صادمة… وحتى المتخيل الذي هو الفن من مسرح وقصة ورواية
وسينما وغيره نجده يقف شبه عاجز لأن الواقع ضخم في رعبه. وكل الذي يعطيه كفن
ومحمول خطاب لا يعدو أن يكون ملامسة له أي لذلك الرعب. قصدا وجهه اللاإنساني.
وأما ما يلفت الانتباه في مجرى الأحداث هو كثرة الالتواءات – حورية تصدم من سيارة.
حورية تلتجئ لتصفح المقدس ” – جميل أنك تقرئين القرآن لعله يخفف عنك من آلامك.”
هكذا يلاحظ زبير ويصف الحالة التي هي عليها. هي هنا التجأت للمقدس كتطهير لا أكثر
ولا أقل. فهي ضحية ومغتصبة وهشة هشاشة قاسية وقراءتها للقرآن لا تخفف وفقط بل
تعطي لها قوة معنوية لا يستطيع وهبها للإنسان المعذب على الأخص سوى المقدس. ثم،
نجد النص يفقد البعض من توازنه بالانتقالات من خلال أحداثه الجانبية أساسا. وصولا إلى
تورط زبير في الإرهاب. هنا العلامة تؤسس لخطابها المباشر بإعطائها المجال لشخوص
هي من الهشاشة بمكان.
المرجع :
رواية حليم الفرطاس
المؤلف رياض وطار

نشر دار المثقف للنشر والتوزيع – باتنة

Happy
Happy
0 %
Sad
Sad
0 %
Excited
Excited
0 %
Sleepy
Sleepy
0 %
Angry
Angry
0 %
Surprise
Surprise
0 %

Average Rating

5 Star
0%
4 Star
0%
3 Star
0%
2 Star
0%
1 Star
0%

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

AlphaOmega Captcha Classica  –  Enter Security Code
     
 

Previous post الأمير وليام يتحدث عن معاناة شقيقه وزوجته
Next post الجالية اليهودية المفقودة في السودان