احصاءات تشير إلى توافد واسع للمهاجرين الفلسطينيين إلى بلجيكا.. ما هي الأسباب؟

Read Time:5 Minute, 24 Second

  موسى أبو زعنونة 

تشير الأرقام والشهادات إلى وجود توجه عام لدى الكثير من الفلسطينيين لتفضيل بلجيكا على غيرها من الدول الأوروبية لتقديم طلبات اللجوء فيها. ما هي الأسباب التي تقف وراء هذه التوجهات وما مدى صحتها؟ وهل تؤثر على الطرق التي يسلكها المهاجرون؟

يقول علي منصور، وهو لاجئ فلسطيني مقيم في بلجيكا منذ عام 2016، إن قدومه لبلجيكا لم يكن محض صدفة، مشيراً إلى أنها كانت هدفه منذ وصوله إلى اليونان قادماً من تركيا عن طريق البحر.

“بعد أن تم أخذ بصمتي عند دخولي اليونان، نصحني محام بالتوجه إلى بلجيكا، فقد أكد لي أنها الدولة الوحيدة التي تقدم تسهيلات للفلسطينيين فيما يتعلق بكسر البصمات المأخوذة مسبقاً في دول أوروبية أخرى. ونصحني أيضاً بعدم استكمال إجراءات اللجوء في أي دولة يتم أخذ بصمتي فيها.”

وأضاف منصور أنه خلال رحلته، دخل هنغاريا وإيطاليا وألمانيا وفرنسا، حيث أخذت بصمته في كل هذه الدول دون أن يقدم طلب لجوء في أي منها. وفور وصوله لبلجيكا، شرع بإجراءات طلب اللجوء. “لقد تعاطفت دائرة الهجرة مع قصتي، وقاموا بالتعامل معي دون أخذ البصمات السابقة في عين الاعتبار”.

لا تعتبر قصة علي منصور استثناءً، فقد أكد العديد من اللاجئين وطالبي اللجوء في بلجيكا أنهم قد سمعوا قصصاً مشابهة شجعتهم على طلب اللجوء في المملكة البلجيكية دون غيرها من الدول الأوروبية. يقول خالد*، الذي قدم إلى بلجيكا بعد عبور عدة دول أوروبية بشكل غير شرعي، إنه لم يطلب اللجوء في أي دولة من الدول التي مر بها لأن بلجيكا “كانت هدفه منذ البداية بسبب التسهيلات التي تقدمها للفلسطينيين ولوجود جمعيات ومؤسسات تعنى بهم”.

هل تتساهل السلطات البلجيكية مع الدوبلينيه الفلسطينيين؟

وأكد معظم اللاجئين وطالبي اللجوء الذين تواصلوا مع مهاجر نيوز أن أحد أهم الأسباب التي دفعتهم للتوجه إلى بلجيكا وطلب اللجوء فيها هي الفكرة السائدة حول “سهولة كسر بصمة دبلن” هناك. فعلى الرغم من أن معاهدة دبلن تطبق على بلجيكا وباقي الدول الأعضاء في المعاهدة، إلا أن المهاجرين ومن يشجعهم على القدوم إلى بلجيكا يرون أن السلطات البلجيكية تتعامل بمرونة أكثر مع الدوبلينيه الفلسطينيين. 

ووفقاً للمفوضية العامة للاجئين وعديمي الجنسية في بلجيكا، بدأت أعداد طالبي اللجوء الفلسطينيين في بلجيكا بالتزايد بشكل ملحوظ منذ بداية عام 2018، كما تظهر الأرقام المنشورة على الموقع الرسمي للمفوضية.

       2017         900
أعداد طالبي اللجوء في بلجيكا في عام 2017 مقسمة حسب البلد الأصلي. عدد الفلسطينيين لا يتجاوز 900 طلب. المصدر: المفوضية العامة للاجئين وعديمي الجنسية في بلجيكا
أعداد طالبي اللجوء في بلجيكا في عامي 2018 و2019 مقسمة حسب البلد الأصلي، نلاحظ زيادة أعداد طلبات الفلسطينيين مقارنة بعام 2017. المصدر: المفوضية العامة للاجئين وعديمي الجنسية في بلجيكا
أعداد طالبي اللجوء في بلجيكا في عامي 2018 و2019 مقسمة حسب البلد الأصلي، نلاحظ زيادة أعداد طلبات الفلسطينيين مقارنة بعام 2017. المصدر: المفوضية العامة للاجئين وعديمي الجنسية في بلجيكا

وعلى الرغم من التزايد الكبير في أعداد طالبي اللجوء الفلسطينيين، أكدت دلال لبد، وهي مترجمة محلفة متخصصة في قضايا اللجوء في بلجيكا وتساعد طالبي اللجوء أثناء مقابلاتهم مع المفوضية، إن نسبة قبول طلبات اللجوء الخاصة بالفلسطينيين قد انخفضت بشكل حاد منذ العام الماضي. “في الماضي، كان من النادر جداً أن يتم رفض طلب لجوء لمهاجر قادم من غزة مثلاً. لكن بداية من العام الماضي، بدأت المفوضية العامة للهجرة واللجوء برفض طلبات اللجوء الخاصة بالفلسطينيين بحجة أنهم تحت حماية الأونروا، وهذا غير صحيح لأن خدمات الأونروا تنحصر ببعض المعونات والمساعدات وفرص العمل، ولا ترتقي إلى حد الحماية”.

وكانت وزيرة الهجرة واللجوء البلجيكية ماغي دي بلوك، قد وعدت نهاية العام الماضي بمراجعة سياسة اللجوء في بلجيكا وإعادة تقييم قضايا اللاجئين الفلسطينيين، مشيرة إلى أن سياستها ستكون “صارمة وعادلة” أكثر من سلفها تيو فرانكلين.

وعلقت المحامية بولين ديلغرانس، العاملة في شبكة محامي “بروغريس” في بلجيكا قائلة إن “معاهدة دبلن هي ذاتها في كل الدول، لكنها تعطي كل دولة الحق في التعامل مع الحالات الموجودة على أراضيها. لا يمكنني الجزم بأن بلجيكا تتساهل أو كانت تتساهل مع اللاجئين الفلسطينيين، ولكن قانونياً، يحق لكل دولة أن تغير الإجراءات الإدارية الداخلية وفق رؤيتها الحالية بما لا يتنافى مع معاهدة دبلن.”

من جانبها، أوضحت آنا فان دير مايلين، وهي محامية بلجيكية تعمل على قضايا اللجوء الخاصة بالفلسطينيين، إنها ومن واقع عملها تستطيع القول بأن “السلطات البلجيكية كانت مرنة مع الفلسطينيين فيما يتعلق بمعاهدة دبلن، حيث لم يتم رفض أي طلب لجوء لفلسطيني ممن أعرفهم. لم تكن الإجراءات منافية للمعاهدة، لكن كان هناك تسهيلات فيما يتعلق بكسر البصمات بعد مرور ستة أشهر على صدور قرار بالطرد من الأراضي البلجيكية. لكن ومنذ عام تقريباً، أصبح تعامل الجهات الرسمية مماثلاً للدول الأوروبية الأخرى”.

وأضافت فان دير مايلين أن بعض موكليها من طالبي اللجوء الفلسطينيين ينتظرون منذ أكثر من عام أن يتم كسر بصماتهم المأخوذة في دول أخرى.

“خدمات مؤسسات الدولة هي الحافز الأساسي”

وتقول ليلى وافي، رئيسة جمعية اتحاد المرأة الفلسطينية البلجيكية، إن جمعيتها حاولت استيعاب موجة لجوء الفلسطينيين، والذين كانت غالبيتهم من قطاع غزة، عن طريق إنشاء قسم في الجمعية يقدم تسهيلات قانونية لطالبي اللجوء، مشيرة إلى أن دور هذا النوع من الجمعيات “معنوي وليس خدماتي” بشكل أساسي.

وترى وافي أن السبب الفعلي لتوافد الفلسطينيين لبلجيكا هو ما يسمعوه عن الخدمات التي تقدمها مؤسسات الدولة للاجئين وطالبي اللجوء. “أعتقد أن السبب الأساسي وراء سمعة بلجيكا الجيدة فيما يتعلق باللاجئين الفلسطينيين هو خدمات مؤسسات الدولة الرسمية، والتي لديها بروتوكولات عمل واضحة تتضمن تقديم خدمات اجتماعية كالعلاج والسكن والتعليم لطالبي اللجوء، وهذه الامتيازات ليست موجودة في كل الدول الأوروبية وليست مقتصرة على الفلسطينيين”.

وأضافت وافي أن موقع بلجيكا في وسط أوروبا جعلها “مركزاً مهماً، وبديلاً أقرب من الدول الاسكندنافية التي لطالما فضلها المهاجرون”.

جعلت رحلتي أطول لأصل إلى بلجيكا… ولا زلت أنتظر

خرج فادي* من قطاع غزة في شهر نيسان / أبريل 2018، ومر بمصر وتركيا قبل أن يبدأ رحلته نحو وجهته المحسومة مسبقاً… بلجيكا.

يقول فادي إنه عبر حدود اليونان وألبانيا والجبل الأسود، ثم البوسنة والهرسك وكرواتيا وسلوفينيا إلى أن وصل إيطاليا، حيث انتظرته سيارة أجرة هناك أقلته هو ومن معه من مهاجرين إلى بلجيكا. “كان أغلب المهاجرين الذين توجهوا معي إلى بلجيكا من الفلسطينيين، دفع كل منا 500 يورو لسائق سيارة الأجرة لنصل إلى بلجيكا في رحلة دامت 12 ساعة، قطعنا خلالها حدود سويسرا والنمسا وألمانيا وهولندا قبل أن ندخل الحدود البلجيكية”.

وأشار فادي إلى أنه وصل بلجيكا في شهر كانون الثاني/يناير 2019، أي بعد قرابة تسعة أشهر من المعاناة والتنقل بشكل غير شرعي بين الحدود. “لقد كلفتني هذه الرحلة 12 ألف يورو إلى حد الآن، بالتأكيد كانت ستكلفني أقل من ذلك إذا ما طلبت اللجوء في دولة أخرى من الدول التي مررت فيها. إضافة للصعوبات والمخاطر الهائلة التي واجهتها خلال رحلتي للقدوم إلى هنا. لكن كل النصائح والتوجيهات كانت تشير إلى بلجيكا كأفضل دولة تستقبل الفلسطينيين”.

بعد تسعة أشهر في بلجيكا، لا زال فادي ينتظر أن يتم كسر بصمته التي “أجبر عليها” في ألبانيا.

“سمعنا كثيراً عن وجود فعال ومؤثر للجالية الفلسطينية في بلجيكا، وعن تسهيلات واضحة وملحوظة لطالبي اللجوء الفلسطينيين. لكن بعد تسعة أشهر من الانتظار، لا أعتقد أن الوضع على الأرض بالسهولة التي سمعنا عنها. من الممكن أن تكون بلجيكا أفضل من غيرها، لكن الحقيقة أصعب بكثير من كل الذي سمعته وتصورته”.

Happy
Happy
0 %
Sad
Sad
0 %
Excited
Excited
0 %
Sleepy
Sleepy
0 %
Angry
Angry
0 %
Surprise
Surprise
0 %

Average Rating

5 Star
0%
4 Star
0%
3 Star
0%
2 Star
0%
1 Star
0%

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

AlphaOmega Captcha Classica  –  Enter Security Code
     
 

Previous post هل تتساهل السلطات البلجيكية مع الدوبلينيه الفلسطينيين؟
Next post حكاية علم