قبائل الـ«باجاو» حقائق مثيرة

Read Time:3 Minute, 52 Second

أميرة حسن

شبكة المدار الإعلامية الأوروبية …_/ تعدى الـ80 عامًا، وهو من أفراد قبائل الباجاو المشتتة بين الفلبين، وماليزيا، وإندونسيا، يضع قدميه بثقل على الأرض، ويرفعهما بعناء أكبر، وظهره منحنٍ يتكئ بيديه على عصا رفيقة السير، ونراه يزحف ببطء شديد تجاه قاربه المستقر أمام كوخه الذي يسكن مياه المحيط الضحلة. يتسلل الرجل المسن إلى قاربه بهدوء وبطء، ويجدف به داخل المحيط، ويقفز لأعماق المياه، وفجأة يتحول جسده المحني إلى عود مشدود، وجلده «المكرمش» إلى عضلات تخترق المياه وتروضها، وتشعر أنه «سمكة» تصطاد برمح عمره عشرات السنوات؛ سمكة أخرى، وبضغطة قوية من قدميه على قاع البحر؛ يدفع جسده كاملًا إلى السطح محتفلًا بوجبته الدسمة التي يتناولها على قاربه، بعد أن أشعل النار من الخشب.تلك ليست قصة خيالية، ولكنه مشهد من الحياة اليومية العادية لـ«روحاني، واحد من قبائل الـ«باجاو» والتي نحكي لكم عنها في هذا التقرير.حينما يغطس الإنسان في الماء، يعمل الجسم تلقائيًّا على توفير طاقته للبقاء على قيد الحياة في تلك الظروف البيئية المختلفة، وهذا عن طريق إبطاء ضربات القلب، وتقلص الأوعية الدموية، وتقلص الطحال، وتقييد أي عملية حيوية أخرى تتطلب كمية كبيرة من الأكسجين.الشخص العادي يمكنه حبس أنفاسه تحت الماء بضعة ثوان، البعض الآخر المميز يمكنه الاستغناء عن الأكسجين لدقيقتين أو ثلاث كحد أقصى، ولكن قبائل «الباجاو» أو كما أطلق عليهم البعض «بدو البحر»؛ لأنهم يعيشون في منال مثل القوارب و يرتحلون في الماء، ولديهم القدرة على البقاء تحت الماء لحوالي ربع ساعة كاملة، وعلى عمق ما يزيد عن 200 قدم. وتعيش تلك القبائل في المياه المتدفقة عبر الفلبين، وماليزيا، وإندونيسيا، ويعملون في صيد السمك عن طريق الغطس والرماح اليدوية، ويبدأ الطفل الغوص والتدريب على صيد السمك في الخامسة من عمره، ويستمر في الغطس مهما تقدم في العمر، وطالما في صدره أنفاس متبقية، فتلك هي طريقة كسب عيشهم ولا يعلمون غيرها، ولكن قدرتهم على الغطس لتلك الفترات الطويلة حيّرت الأطباء، حتى جاءت تلك الدراسة وأوضحت ما الذي يميز هؤلاء البشر عنا. يقع الطحال بالقرب من المعدة، وحجمه الطبيعي يكون في حجم قبضة اليد الواحدة، وهو يعمل على إزالة خلايا الدم القديمة، ويتحول عند الغطس داخل جسم الإنسان إلى خزان بيولوجي للغوص» بصورة طبيعية للحفاظ على حياة الإنسان.دراسة طبية أجريت في أبريل (نيسان) من العام الماضي 2018، أكد خلالها الأطباء أن شعب الـ«باجاو» تطور حمضه النووي بما يناسب الحياة لفترات أطول تحت الماء، وهذا التطور منح هذا الشعب الذي لا يتعدى المليون نسمة؛ طحالًا أكبر من طحال البشر، والذي يعمل بدوره على إعادة تدوير خلايا الدم الحمراء، وهذا يوفر المزيد من الأكسجين في دمائهم، ويساعدهم على البقاء تحت الماء لفترة أطول، وكلما كان الطحال أكبر، كلما كان نفَس الشخص أطول. الدراسة أثبتت في بدايتها أن الكائنات البرمائية مثل حيوان الفقمة، يحدث في جسده التطور الجيني نفسه للطحال بغرض القدرة على التأقلم تحت المياه لفترات طويلة، ووضحت الباحثة ميليسا لاردو من مركز الجيولوجيا بجامعة كوبنهاجن، والمشرفة على الدراسة السابق ذكرها، أن القدرات التي شهدتها بعينيها لـ«شعب الباجاو» تعد «أسطورية». وقضت ميليسا شهورًا طويلة تتنقل بأجهزة الموجات فوق صوتية المحمولة، من كوخ إلى كوخ؛ تصوّر طحال شعب الباجاو، وعلى الرغم من غرابة هذا الشعب وتميزه، فإنهم كانوا مندهشين – توضح ميليسيا لناشيونال جيوجرافيك- أن هناك بشرًا يعرفونهم أو سمعوا عن قدراتهم البحرية  فهي بالنسبة لهم لا تعد تميزًا، بل مجرد أسلوب حياة عادي عاشوه أسلافهم منذ مئات السنين، وباختبار طحالهم عن قرب، ومقارنته بباقي أبناء جنسهم الذين يعيشون على اليابسة، اتضح أن طحال شعب الباجاو أكبر بنسبة 50% عن باقي أفراد تلك المنطقة في جنوب شرق آسيا.شعب الباجاو له معتقداته الخاصة، والتي تتعلق جميعًا بالبحر، فاختيار الزوجة يخبرونك ألا تتزوج الجميلة «فحين يذهب زوجها للصيد.. تذهب هي أيضًا لصيد الرجال»، وعن نصائح مهنتهم، كان دائمًا والد روحاني يقول له: «لا تطرف بعينك أمام السمكة الكبيرة»؛ وقف أمامه روحاني يسمعه وهو يرتعد بجسد طفل عمره خمس سنوات، قد هاجمته سمكة كبيرة منذ دقائق في درسه الأول للغطس.روحاني يعد أشهر رجل في شعب الباجاو، وما زال يغطس حتى الثمانين من عمره، وحينما تراه يشق البحر بجسده الممشوق، تظن أنه ليس هناك شيء في الحياة يمكن أن يكسره، ولكن البحر مكان غامض ومخيف، وقد اختار هذا الشعب تلك العلاقة المعقدة به، ولذلك عليهم تحمل تبعات هذا القرار والتي تتمثل فيما يطلقون عليه «أرواح البحر».تلك الأرواح -بحسب اعتقاداتهم- حينما غضب خطفت ابن روحاني الوحيد، هذا المراهق الذي كان ينتظر والده أن يلقنه جميع الدروس التي حفظها عن ظهر قلب من لسان جده، والذي أراد أيضًا أن ينقل له خبرته في  الغوص لمسافات طويلة، ولكن الابن أراد أن يتفوق على مهارات الأب، وقرر الغطس عميقًا وحده ومات. الأمر الذي أثار «جنون» روحاني، وكاد أن يقتل نفسه بالخنجر، ولكن زوجته منعته في اللحظة الأخيرة، ولكن هذا أيضًا لم يمنعه من الغوص مرة أخرى، والصيد مرى أخرى، واحترام أرواح البحر وتجنب غضبها.

ساسا بوست

Happy
Happy
0 %
Sad
Sad
0 %
Excited
Excited
0 %
Sleepy
Sleepy
0 %
Angry
Angry
0 %
Surprise
Surprise
0 %

Average Rating

5 Star
0%
4 Star
0%
3 Star
0%
2 Star
0%
1 Star
0%

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

AlphaOmega Captcha Classica  –  Enter Security Code
     
 

Previous post المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة ضحية لهجوم سياسي
Next post اللجوء الإنساني وإعادة التوطين في سويسرا